Rss Feed

  1. الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي
    [62]
     
    فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة وغرقت الدنيا الا موضع البيت فسميت البيت العتيق لانه اعتق من الغرق فلما امر الله عزوجل ابراهيم عليه السلام ان يبني البيت ولم يدر في اي مكان يبنيه فبعث الله جبرئيل عليه السلام فخط له موضع البيت فانزل الله عليه القواعد من الجنة وكان الحجر الذي انزل الله على آدم اشد بياضا من الثلج فلما لمسته ايدي الكفار اسود، فبنى ابراهيم البيت ونقل اسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه إلى السماء تسعة ازرع ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه ابراهيم عليه السلام ووضعه في موضعه الذي هو فيه الاول وجعل له بابين باب إلى المشرق وباب إلى المغرب والباب الذي إلى المغرب يسمى المستجار ثم القى عليه الشجر والاذخر وعلقت هاجر على بابه كساء كان معها وكانوا يكنون تحته.
     
    فلما بناه وفرغ منه حج ابراهيم (ع) واسماعيل ونزل عليهما جبرئيل عليه السلام يوم التروية لثمان من ذي الحجة فقال يا إبراهيم قم فارتو من الماء لانه لم يكن بمنى وعرفات ماء فسميت التروية لذلك ثم أخرجه إلى منى فبات بها ففعل به ما فعل بآدم (ع) فقال إبراهيم لما فرغ من بناء البيت " رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر " قال من ثمرات القلوب اي حببهم إلى الناس لينتابوا(1) اليهم ويعودوا اليهم.
     
    واما قوله (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) فانه يعني من ولد اسماعيل عليه السلام فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله " انا دعوة ابي ابراهيم عليه السلام " وقوله (فانما هم في شقاق) يعني في كفر، قوله (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة) يعني به الاسلام.
     
    الجزء(2) وقوله (سيقول السفهاء من الناس ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) فان هذه الآية متقدمة على قوله " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك
     
    ___________________________________
     
    (1) انتابهم انتيابا اى اتاهم مرة بعد اخرى قاموس
     
    [63]
     
    قبلة ترضيها " لانه نزل اولا " قد نرى تقلب وجهك في السماء " ثم نزل " سيقول السفهاء من الناس ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " وذلك إن اليهود كانوا يعيرون برسول الله ويقولون أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا فاغتم من ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله غما شديدا وخرج في جوف الليل ينظر في آفاق السماء ينتظر بأمر الله تبارك وتعالى في ذلك، فلما أصبح وحضرت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلى بهم الظهر ركعتين، فنزل جبرئيل عليه السلام فأخذ بعضديه فحوله إلى الكعبة، فانزل الله عليه " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام " فصلى ركعتين إلى الكعبة فقالت اليهود والسفهاء ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، وتحولت القبلة إلى الكعبة بعد ما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة ثلاثة عشر سنة إلى البيت المقدس وبعد مهاجرته إلى المدينة صلى إلى البيت المقدس سبعة اشهر، ثم حول الله عزوجل القبلة إلى البيت الحرام ثم قال الله عزوجل (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) يعني ولا الذين ظلموا منهم " وإلا " في موضع " ولا " وليست هي استثناء، واما قوله (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) يعنى أئمة وسطا اي عدلا وواسطة بين الرسول والناس والدليل على ان هذا مخاطبة للائمة عليهم السلام قوله في سورة الحج " ليكون الرسول شهيدا عليكم " يا معشر الائمة " وتكونوا - انتم - شهداء على الناس " وانما نزلت " وكذلك جعلناكم أئمة وسطا(1) ".
     
    وقوله (ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح
     
    ___________________________________
     
    (1) وقد فصلنا القول في مثل هذه الكلمات في مقدمتنا، فعلى القارئ الكريم مراجعتها ج-ز
     
    [64]
     
    عليه ان يطوف بهما) فان قريشا كانت وضعت اصنامهم بين الصفا والمروة وكانوا يتمسحون بها اذا سعوا فلما كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان في غزاة الحديبية وصده عن البيت وشرطوا له ان يخلوا له البيت في عام قابل حتى يقضي عمرته ثلاثة ايام ثم يخرج عنها فلما كان عمرة القضاء في سنة سبع من الهجرة دخل مكة وقال لقريش ارفعوا اصنامكم من بين الصفا والمروة حتى أسعى، فرفعوها فسعى رسول الله صلى الله عليه وآله بين الصفا والمروة وقد رفعت الاصنام، وبقي رجل من الطواف ردت قريش الاصنام بين الصفا والمروة فجاء الرجل الذي لم يسع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال قد ردت قريش الاصنام بين الصفا والمروة ولم اسع فانزل الله عزوجل: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما " والاصنام فيهما وقوله (اولئك يلعنهم الله وبلعنهم اللاعنون) قال كل من قد لعنه الله من الجن والانس يلعنهم، قوله (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) فانما البهايم اذا زجرها صاحبها فانها تسمع الصوت ولا تدري ما يريد وكذلك الكفار اذا قرأت عليهم وعرضت عليهم الايمان لا يعلمون مثل البهايم وقوله (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) فالباغي من يخرج في غير طاعة الله، والعادي الذي يعتدي على الناس ويقطع الطريق وقوله (فما اصبرهم على النار) يعني ما اجراهم، وقوله (ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر) فهي شروط الايمان الذي هو التصديق، قوله (والصابرين في البأساء والضراء) قال في الجوع والعطش والخوف والمرض (وحين الباس) قال عند القتل، وقوله (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد
     
    [65]
     
    والانثى بالانثى) فهي ناسخة لقوله النفس بالنفس(1) وقوله (ولكم في القصاص حياة يا اولى الالباب) قال يعني لولا القصاص لقتل بعضكم بعضا وقوله (كتب عليكم إذا حضر احدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين) فانما هي منسوخة بقوله " يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين " وقوله (فمن بدله بعد ما سمعه فانما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم) يعني بذلك بعد الوصية ثم رخص فقال (فمن خاف من موص جنفا او إثما فاصلح بينهم فلا إثم عليه) قال الصادق عليه السلام اذا اوصى الرجل بوصية فلا يحل للوصي ان يغير وصيته يوصيها، بل يمضيها على ما اوصى، الا ان يوصي بغير ما امر الله فيعصي في الوصية ويظلم فالموصى اليه جائز له ان يرده إلى الحق مثل رجل يكون له ورثة فيجعل المال كله لبعض ورثته ويحرم بعضا فالوصي جايز له ان يرده إلى الحق وهو قوله " جنفا او إثما " فالجنف الميل إلى بعض ورثته دون بعض والاثم ان يأمر بعمارة بيوت النيران واتخاذ المسكر فيحل للوصي ان لا يعمل بشئ من ذلك.
     
    وقوله (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم تتقون) فانه قال اول ما فرض الله الصوم لم يفرضه في شهر رمضان على الانبياء، ولم يفرضه على الامم، فلما بعث الله نبيه صلى الله عليه وآله خصه بفضل شهر رمضان هو وامته، وكان الصوم قبل ان ينزل شهر رمضان يصوم الناس اياما ثم نزل (شهر رمضان الذي
     
    ___________________________________
     
    (1) النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص (المائدة 45) ولعل المراد من النسخ في المقام ان الآية " النفس بالنفس " تدل على حتمية القصاص والآية " الحر بالحر " تدل على رخصته بقوله: فمن عفي له من اخيه...الخ " ج-ز.
     
    [66]
     
    انزل فيه القرآن) قال وسئل الصادق عليه السلام عن شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن كيف كان، وانما انزل القرآن في طول عشرين سنة؟ فقال انه نزل جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثم نزل من البيت المعمور إلى النبي صلى الله عليه وآله في طول عشرين سنة وقوله (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) قال من مرض في شهر رمضان فأفطر ثم صح فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر فعليه ان يقضي ويتصدق عن كل يوم بمد من الطعام، وقوله (احل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وانتم لباس لهن علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم فتاب عليكم وعفى عنكم) فانه حدثني ابي رفعه قال قال الصادق عليه السلام كان النكاح والاكل محرمان في شهر رمضان بالليل بعد النوم يعني كل من صلى العشاء ونام ولم يفطر ثم انتبه حرم عليه الافطار وكان النكاح حراما في اليل والنهار في شهر رمضان، وكان رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يقال له خوات بن جبير الانصاري اخو عبدالله بن جبير الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وكله بفم الشعب يوم احد في خمسين من الرماة ففارقه اصحابه وبقي في اثنى عشر رجلا فقتل على باب الشعب، وكان اخوه هذا خوات بن جبير شيخا كبيرا ضعيفا وكان صائما مع رسول الله صلى الله عليه وآله في الخندق فجاء إلى اهله حين امسى فقال عندكم طعام؟ فقالوا لا، نم حتى نصنع لك طعاما فابطئت اهله بالطعام فنام قبل ان يفطر فلما انتبه قال لاهله قد حرم الله علي الاكل في هذه الليلة فلما اصبح حضر حفر الخندق فاغمي عليه، فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله فرق له، وكان قوم من الشباب ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان فانزل الله عزوجل " احل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وانتم لباس لهن علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن واتبغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم اتموا الصيام إلى الليل " واحل الله تبارك وتعالى النكاح بالليل في شهر رمضان والاكل بعد النوم إلى طلوع الفجر لقوله " حتى يتبين لكم
     
    [67]
     
    الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر " قال هو بياض النهار من سواد الليل وقوله (وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) فانه حدثني ابي عن القسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حماد قال قلت لابي عبدالله عليه السلام اشغل نفسي بالدعاء لاخواني ولاهل الولاية فما ترى في ذلك؟ فقال إن الله تبارك وتعالى يستجيب دعاء غائب لغائب ومن دعا للمؤمنين والمؤمنات ولاهل مودتنا رد الله عليه من آدم إلى ان تقوم الساعة لكل مؤمن حسنة ثم قال ان الله فرض الصلوات في افضل الساعات، عليكم بالدعاء في إدبار الصلاة ثم دعا لي ولمن حضره، وقوله (ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من اموال الناس بالاثم) قال العالم عليه السلام قد علم الله انه يكون حكاما يحكمون بغير الحق فنهى ان يتحاكم اليهم فانهم لا يحكمون بالحق فتبطل الاموال.
     
    وقوله (ويسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) فان المواقيت منها معروفة مشهورة في اوقات معروفة، ومنها مبهمة فاما المواقيت المعروفة المشهورة فاربعة، والاشهر الحرم التي ذكرها الله في قوله " منها اربعة حرم " والاثنا عشر شهرا التي خلقها الله تعرف بالهلال، اولها المحرم وآخرها ذو الحجة، والاربعة الحرم رجب مفرد وذو القعدة وذو الحجة والمحرم متصلة، حرم الله فيها القتال، ويضاعف فيها الذنوب وكذلك الحسنات، واشهر السياحة معروفة وهي عشرون من شهر ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر (ون ط) من شهر ربيع الآخر، وهي التي احل الله فيها قتال المشركين في قوله " فسيحوا في الارض اربعة اشهر " واشهر الحج معروفة، وهي شوال وذوالقعدة وذوالحجة وانما صارت اشهر الحج لانه من اعتمر في هذه الاشهر في شوال او في ذي القعدة او في ذي الحجة ونوى ان يقيم بمكة حتى يحج فقد تمتع بالعمرة إلى الحج،
     
    [68]
     
    ومن اعتمر في غير هذه الاشهر ثم نوى ان يقيم إلى الحج او لم ينو فليس هو ممن تمتع بالعمرة إلى الحج لانه لم يدخل مكة في اشهر الحج فسمي هذه اشهر الحج فقال الله تبارك وتعالى " الحج اشهر معلومات " وشهر رمضان معروف، واما المواقيت المبهمة التي اذا حدث الامر وجب فيها انتظار تلك الاشهر فعدة النساء في الطلاق، والمتوفي عنها زوجها، فاذا طلقها زوجها فان كانت تحيض تمتد الاقراء التي قال الله عزوجل، وان كانت لا تحيض تعتد بثلاثة اشهر بيض لادم فيها، وعدة المتوفى عنها زوجها اربعة اشهر وعشرا، وعدة المطلقه الحبلى ان تضع ما في بطنها، وعدة الايلاء اربعة اشهر، وكذلك في الديون إلى الاجل الذي يكون بينهم وشهرين متتابعين في الظهار.
     
    ط وصيام شهرين متتابعين في كفارة قتل الخطأ وعشرة ايام للصوم في الحج لمن لم يجد الهدي، وصيام ثلاثة ايام في كفارة اليمين واجب، فهذه المواقيت المعروفة والمبهمة التي ذكرها الله عزوجل في كتابه " يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج ".
     
    واما قوله (ليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من ابوابها) قال نزلت في امير المؤمنين عليه السلام لقول رسول الله صلى الله عليه وآله " انا مدينة العلم وعلي عليه السلام بابها ولا تدخلوا المدينة الا من بابها ".
     
    وقوله (واتموا الحج والعمرة لله فان احصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا او به اذى من رأسه ففدية من صيام او صدقة او نسك) فانه اذا عقد الرجل الاحرام بالتمتع بالعمرة إلى الحج واحرم ثم اصابته غلة في طريقه قبل ان يبلغ إلى مكة ولا يستطيع ان يمضي، فانه يقيم في مكانه الذي حوصر فيه ويبعث من عنده هديا ان كان غنيا فبدنة وان كان بين ذلك فبقرة وان كان فقيرا فشاة، لابد منها ولا يزال مقيما على احرامه، وان كان في رأسه وجع او قروح حلق شعره واحل ولبس ثيابه ويفدي فلما ان يصوم ستة ايام او يتصدق على عشرة مساكين او نسك وهو الدم يعني ذبح شاة، فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فعليه ان يشترط عند الاحرام فيقول
     
    [69]
     
    " اللهم اني اريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك فان عاقني عائق او حبسني حابس فحلني حيث حبستني بقدرتك التي قدرت علي " ثم يلبي من الميقات الذي وقته رسول الله صلى الله عليه وآله فيلبي ويقول " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك حجة (بحجة ط) بعمرة تمامها وبلاغها عليك " فاذا دخل مكة ونظر إلى ابيات مكة قطع التلبية وطاف بالبيت سبعة اشواط، وصلى عند مقام ابراهيم ركعتين وسعى بين الصفا والمروة سبعة اشواط ثم يحل ويتمتع بالثياب والنساء والطيب ويقيم على الحج إلى يوم التروية فاذا كان يوم التروية احرم عند زوال الشمس من عند المقام بالحج ثم خرج ملبيا إلى منى فلا يزال ملبيا إلى يوم عرفة عند زوال الشمس، فاذا زالت الشمس يوم عرفة قطع التلبية ويقف بعرفات في الدعاء والتكبير والتهليل والتحميد، فاذا غابت الشمس رجع إلى المزدلفة فبات بها فاذا اصبح قام بالمشعر الحرام ودعا وهلل الله وسبحه وكبره ثم ازدلف منها إلى منى ورمى الجمار وذبح وحلق، ان كان غنيا فعليه بدنة وان كان بين ذلك فعليه بقرة وان كان فقيرا فعليه شاة، فمن لم يجد ذلك فعليه ان يصوم ثلاثة ايام بمكة فاذا رجع إلى منزله صام سبعة ايام فتقوم هذه الايام العشرة مقام الهدي الذي كان عليه وهو قوله (فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) وذلك لمن ليس هو مقيم بمكة ولا من اهل مكة، اما اهل مكة ومن كان حول مكة على ثمانية واربعين ميلا فليست لهم متعة وانما يفردون الحج لقوله (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) واما قوله (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) فالرفث الجماع، والفسوق الكذب، والجدال الخصومة، وهي قول " لا والله وبلى والله " وقوله (فاذكروا الله كذكركم آبائكم او أشد ذكرا) قال
     
    [70]
     
    كانت العرب اذا وقفوا بالمشعر يتفاخرون بآبائهم فيقولون لا وابيك لا وابي وأمر الله ان يقولوا لا والله وبلى والله وقوله (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وماله في الآخرة من خلاق) فانه حدثني ابي عن سليمان بن داود المنقري عن سفيان بن عيينة عن ابي عبدالله عليه السلام قال سأل رجل من ابي عبدالله عليه السلام بعد منصرفه من الموقف فقال اترى يجيب الله هذا الخلق كله؟ فقال ابوعبدالله عليه السلام ما وقف بهذا الموقف أحد من الناس مؤمن ولا كافر الا غفر الله له، إلا أنهم في مغفرتهم على ثلاث منازل، مؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر واعتقه من النار وذلك قوله " ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ومؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وقيل له احسن فيما بقي فذلك قوله " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى(1) الكبائر واما العامة فانهم يقولون فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى الصيد، افترى ان الله تبارك وتعالى حرم الصيد بعد ما احله لقوله " وإذا حللتم فاصطادوا " وفي تفسير العامة معناه فاذا حللتم فاتقوا الصيد، وكافر(2) وقف هذا الموقف يريد زينة الحياة الدنيا غفر الله له من ذنبه ما تقدم ان تاب من الشرك وان لم يتب وافاه الله اجره في الدنيا ولم يحرمه ثواب هذا
     
    ___________________________________
     
    (1) اي تعجل في الذهاب إلى وطنه - عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال ان العبد المؤمن حين يخرج من بيته حاجا لا يخطو خطوة ولا تخطو به راحلته الا كتب له بها حسنة ومحي عنه سيئة، ورفع له بها درجة فاذا وقف بعرفات فلو كانت له ذنوب عدد الثرى رجع كما ولدته امه فقال له استأنف العمل يقول الله " فمن تعجل في يومين فلا اتم عليه " (الآية) البرهان.
     
    (2) عطف على قوله " مؤمن غفر الله له ".ج ز.
     
    [71]
     
    الموقف وهو قوله " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف اليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون اولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " وقوله (واذكروا الله في ايام معدودات) قال ايام التشريق الثلاثة، والايام المعلومات العشرة من ذي الحجة، وقوله (ويهلك الحرث والنسل) قال الحرث في هذا الموضع الدين، والنسل الناس، ونزلت في فلان ويقال في معاوية وقوله (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله) قال ذلك امير المؤمنين عليه السلام ومعنى يشرى نفسه اي يبذل وقوله (ادخلوا في السلم كافة) قال في ولاية امير المؤمنين عليه السلام وقوله (كان الناس أمة واحدة) قال قبل نوح على مذهب واحد، فاختلفوا (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) وقوله (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) نزلت بالمدينة ونسخت آية " كفوا ايديكم " التي نزلت بمكة.
     
    واما قوله (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه اكبر عند الله والفتنة اكبر من القتل) فانه كان سبب نزولها انه لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة بعث السرايا إلى الطرقات التي تدخل مكة تتعرض لغير قريش، حتى بعث عبدالله ابن جحش في نفر من اصحابه إلى نخلة، وهي بستان بني عامر ليأخذوا عير قريش حين اقبلت من الطائف عليها الزبيب والادم والطعام، فوافوها وقد نزلت العير وفيهم عمر بن عبدالله الحضرمي وكان حليفا لعتبة بن ربيعة، فلما نظر الحضرمي إلى عبدالله بن جحش واصحابه فزعوا وتهيؤا للحرب وقالوا هؤلاء اصحاب محمد، فأمر عبدالله بن جحش اصحابه ان ينزلوا ويحلقوا رؤسهم، فنزلوا فحلقوا رؤسهم فقال ابن الحضرمي هؤلاء قوم عباد ليس علينا منهم باس، فلما
     
    [72]
     
    اطمأنوا ووضعوا السلاح حمل عليهم عبدالله بن جحش فقتل ابن الحضرمي وافلت اصحابه واخذوا العير بما فيها وساقوها إلى المدينة وكان ذلك في اول يوم من رجب من اشهر الحرم، فعزلوا العير وما كان عليها ولم ينالوا منها شيئا، فكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إنك استحللت الشهر الحرام وسفكت فيه الدم واخذت المال وكثر القول في هذا، وجاء اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله ايحل القتل في الشهر الحرام فانزل الله " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير..الخ " قال القتال في الشهر الحرام عظيم ولكن الذي فعلت قريش بك يا محمد صلى الله عليه وآله من الصد عن المسجد الحرام والكفر بالله وإخراجك منها هو اكبر عند الله والفتنة يعني الكفر بالله اكبر من القتل ثم انزلت " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم "(1) وقوله (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) قال لا إقتار ولا إسراف(2) وقوله (يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فاخوانكم) فانه حدثني ابي عن صفوان عن عبدالله بن مسكان عن ابي عبدالله (ع) انه لما انزلت " ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " أخرج كل من كان عنده يتيم وسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله في إخراجهم، فانزل الله تعالى " ويسألونك عن اليتامى..الخ " وقال الصادق عليه السلام لا بأس ان تخلط طعامك بطعام اليتيم فان الصغير يوشك أن يأكل الكبير معه واما الكسوة وغيره فيحسب على كل رأس صغير وكبير كما يحتاج اليه، واما قوله (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة
     
    ___________________________________
     
    (1) والحال انها قبل " يسألونك عن الشهر الحرام..الخ ".
     
    (2) انما ترك المؤلف تفسير آية: يسئلونك عن الخمر والميسر، لانه سيأتى في ذيل قوله تعالى: انما الخمر والميسر الخ في سورة المائدة ص 180 فراجع - ج-ز
     
    [73]
     
    ولو اعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) فقوله " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " منسوخ بقوله " والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم " وقوله " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا " على حاله لم ينسخ وقوله (ويسألونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) يعني النساء لا تأتوهن في الفرج حتى يغتسلن (فاذا تطهرن) اي اغتسلن (فاتوهن من حيث امركم الله) وقوله (نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم انى شئتم) اي متى شئتم وتأولت العامة في قوله " انى شئتم " اي حيث شئتم في القبل والدبر، وقال الصادق عليه السلام " انى شئتم " اي متى شئتم في الفرج والدليل على قوله في الفرج قوله تعالى " نساؤكم حرث لكم " فالحرث الزرع في الفرج في موضع الولد، وقال الصادق عليه السلام من اتى امرأته في الفرج في اول ايام حيضها فعليه ان يتصدق بدينار وعليه ربع حد الزاني خمسة وعشرون جلدة، وان اتاها في آخر ايام حيضها فعليه ان يتصدق بنصف دينار ويضرب اثني عشر جلدة ونصف(1) وقوله (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) قال هو قول الرجل في كل حالة لا والله وبلى والله واما قوله (للذين يولون من نسائهم تربص اربعة اشهر فان فاء‌وا فان الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فان الله سميع عليم) فانه حدثني ابي عن صفوان إبن مسكان عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال الايلاء هو ان يحلف الرجل على امرأته ألا يجامعها فان صبرت عليه فلها ان تصبر، فان رفعته إلى الامام انظره اربعة اشهر ثم يقول له بعد ذلك اما ان ترجع إلى المناكحة واما ان تطلق والا حبستك ابدا، وروي عن امير المؤمنين عليه السلام انه بنى حظيرة من قصب وجعل فيها رجل آلى من امرأته بعد اربعة اشهر وقال له اما
     
    ___________________________________
     
    (1) بان يوخذ نصف السوط باليد ويضرب به ج ز.
     
    [74]
     
    ترجع إلى المناكحة او ان تطلق والا احرقت عليك الحظيرة، وقوله (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) قال والمطلقة تعتد ثلاثة قروء ان كانت تحيض قوله (ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في ارحامهن ان كن يؤمن بالله واليوم الآخر) قال لا يحل للمرأة ان تكتم حملها او حيضها او طهرها وقد فرض الله على النساء ثلاثة اشياء الطهر والحيض والحبل وقوله (وللرجال عليهن درجة) قال حق الرجال على النساء افضل من حق النساء على الرجال.
     
    وقوله (الطلاق مرتان فامساك بمعروف او تسريح باحسان) قال في الثالثة(1) وهو طلاق السنة، حدثني ابي عن اسماعيل بن مهران (مرار ط) عن يونس عن عبدالله بن مسكان عن ابي عبدالله عليه السلام قال سألته عن طلاق السنة، قال هو ان يطلق الرجل المرأة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ثم يتركها حتى تعتد ثلاثة قروء فاذا مضت ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة، وحلت للازواج وكان زوجها خاطبا من الخطاب ان شائت تزوجته وان شائت لم تفعل فان تزوجها بمهر جديد كانت عنده بثنتين باقيتين ومضت بواحدة، فان هو طلقها واحدة على طهر بشهود ثم راجعها وواقعها ثم انتظر بها حتى اذا حاضت وطهرت طلقها طلقة اخرى بشهادة شاهدين ثم تركها حتى تمضي اقراؤها الثلاثة، فاذا مضت اقراؤها الثلاثة قبل ان يراجعها فقد بانت منه بثنتين وقد ملكت امرها وحلت للازواج وكان زوجها خاطبا من الخطاب فان شائت تزوجته وان شائت لم تفعل، وان هو تزوجها تزويجا جديدا بمهر جديد كانت عنده بواحدة باقية وفد؟؟ ثنتان، فان اراد ان يطلقها طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره تركها حتى اذا حاضت وطهرت اشهد على طلاقها تطليقة واحدة، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
     
    ___________________________________
     
    (1) اي في التطليقة الثالثة تسرح باحسان ج-ز
     
    [75]
     
    فاما طلاق الرجعة، فانه يدعها حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها بشهادة شاهدين ثم يراجعها ويواقعها ثم ينتظر بها الطهر، فان حاضت وطهرت اشهد شاهدين على تطليقة اخرى ثم يراجعها ويواقعها ثم ينتظر بها الطهر فان حاضت وطهرت اشهد شاهدين على التطليقة الثالثة كل تطليقة على طهر بمراجعة، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وعليها ان تعتد ثلاثة اقرء من يوم طلقها التطليقة الثالثة لدنس النكاح، وهما يتوارثان ما دامت في العدة، فان طلقها واحدة على طهر بشهود ثم انتظر بها حتى تحيض وتطهر ثم طلقها قبل ان يراجعها لم يكن طلاقه الثاني طلاقا جائزا، لانه طلق طالقا لانه اذا كانت المرأة مطلقة من زوجها كانت خارجة من ملكه حتى يراجعها، فاذا راجعها صارت في ملكه ما لم يطلق التطليقة الثالثة فاذا طلقها التطليقة الثالثة فقد خرج ملك الرجعة من يده فان طلقها على طهر بشهود ثم راجعها وانتظر بها الطهر من غير مواقعة فحاضت وطهرت وهي عنده ثم طلقها قبل ان يدنسها بمواقعة بعد الرجعة لم يكن طلاقه لها طلاقا لانه طلقها التطليقة الثانية في طهر الاولى، ولا ينقض الطهر الا بمواقعة بعد الرجعة وكذلك لا تكون التطليقة الثالثة الا بمراجعة ومواقعة بعد الرجعة ثم حيض وطهر بعد الحيض ثم طلاق بشهود حتى يكون لكل تطليقة طهر من تدنيس مواقعة بشهود.
     
    قوله (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فان خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله) فان هذه الآية نزلت في الخلع، حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابن سنان عن ابي عبدالله عليه السلام قال الخلع لا يكون الا أن تقول المرأة لزوجها لا أبر لك قسما ولاخرجن بغير اذنك ولاوطين فراشك غيرك ولا اغتسل لك من جنابة، او تقول لا اطيع لك امرا او تطلقني، فاذا قالت ذلك فقد حل له ان يأخذ منها جميع ما اعطاها وكل ما قدر عليه مما تعطيه من مالها فاذا تراضيا على ذلك طلقها
     
    [76]
     
    على طهر بشهود ففد بانت منه بواحدة، وهو خاطب من الخطاب فان شائت تزوجته وان شائت لم تفعل، فان تزوجها فهي عنده على اثنتين باقيتين، وينبغي له ان يشترط عليها كما اشترط صاحب المباراة إن ارتجعت في شئ مما اعطيتني فانا املك ببضعك، وقال لا خلع ولا مباراة ولا تخيير الا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين، والمختلعة اذا تزوجت زوجا آخر ثم طلقها تحل للاول ان يتزوج بها، وقال لا رجعة للزوج على المختلعة ولا المباراة الا ان يبدو للمرأة فيرد عليها ما اخذ منها وقوله (فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) يعني الطلاق الثالث، وقوله (فلا جناح عليهما ان يتراجعا) في الطلاق الاول والثاني.
     
    وقوله (اذا طلقم النساء فبلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف او سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) قال اذا طلقها لا يجوز له ان يراجعها ان لم يردها فيضربها وهو قوله ولا تمسكوهن ضرارا اي لا تحبسوهن واما قوله (وإذا طلقم النساء فبلغن اجلهن فلا تعضلوهن(1) ان ينكحن ازواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف) يعني اذا رضيت المرأة بالتزويج الحلال وقوله (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) يعني اذا مات الرجل وترك ولدا رضيعا لا ينبغي للوارث ان يضر بنفقة المولود بل ينبغي له ان يحزي عليه بالمعروف(2) وقوله (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) فانه حدثني ابي عن محمد بن الفضيل عن ابي الصباح الكناني عن ابي عبدالله عليه السلام قال لا ينبغي للرجل ان يمتنع من
     
    ___________________________________
     
    (1) عضل المرأة عن الزواج اي منعها.
     
    (2) حز على كرم فلان اي زاد.ج-ز
     
    [77]
     
    جماع المرأة فيضاربها اذا كان لها ولد مرضع، ويقول لها لا اقربك فاني اخاف عليك الحبل فتقتلين ولدي وكذا المرأة لا يحل لها ان تمتنع عن الرجل، فتقول إني اخاف ان احبل فاقتل ولدي فهذه المضارة في الجماع على الرجل والمرأة وقوله (وعلى الوارث مثل ذلك) لا تضار المرأة التي لها ولد وقد توفى زوجها فلا يحل للوارث ان يضار ام الولد في النفقة فيضيق عليها وقوله (فان ارادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) يعني اذا اصطلحت الام والوارث فيقول خذي الولد واذهبي به حيث شئت.
     
    وقوله (والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا) فهي ناسخة لقوله " والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج(1) " فقد قدمت الناسخة على المنسوخة في التأليف وقوله (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء او اكننتم في انفسكم) فهو ان يقول الرجل للمرأة في ابعدة اذا توفى عنها زوجها لا تحدثي حدثا، ولا يصرح لها النكاح والتزويج، فنهى الله عزوجل عن ذلك والسر في النكاح وقال (ولا تواعدوهن سرا الا ان تقولوا قولا معروفا) وقال من السر ايضا ان يقول الرجل في عدة المرأة للمرأة موعدك بيت فلان وقال الاعشى في ذلك.
     
    فلا تنكحن جارة ان سرها * عليك حرام فانكحن او تأبدا (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب اجله) اي تعتد وتبلغ الذي في الكتاب اجله اربعة اشهر وعشرا واما قوله (لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن او تفرضوا لهن فريضة) فهو ان يطلق الرجل المرأة التي قد تزوجها ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقا، فعليه اذا طلقها ان يمتعها على قدر حاله
     
    ___________________________________
     
    (1) البقرة 140
     
    [78]
     
    كما قال الله عزوجل (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) فالموسع يمتع بالامة والدراهم والثوب على قدر سعته والمقتر يمتع باخمار وما يقدر عليه، وان تزوج بها وقد سمى لها الصداق ولم يدخل بها فعليه نصف المهر قوله (الا ان يعفون او يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وهو الولي والاب ولا يعفوان الا بامرها وهو قوله (وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا ان يعفون او يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وتتزوج من ساعتها ولا عدة عليها والعدة على اثنين وعشرين وجها فالمطلقة تعتد ثلاثة اقرء، والقرء هو اجتماع الدم في الرحم، والعدة الثانية اذا لم تحض فثلاثة اشهر بيض واذا كانت تحيض في الشهر الاقل او الاكثر وطلقت ثم حاضت قبل ان يأتي لها ثلاثة اشهر حيضة واحدة فلا تبين من زوجها الا بالحيض، وان مضي ثلاثة اشهر لها ولم تحض فانها تبين بالاشهر البيض، فان حاضت قبل ان يمضي لها ثلاثة اشهر فانها تبين بالدم، والمطلقة التي ليس للزوج عليها رجعة فلا تبين حتى تطهر من الدم الثالث، والمطلقة الحامل لا تبين حتى تضع ما في بطنها فان طلقها اليوم ووضعت في الغد فقد بانت، والمتوفى عنها زوجها وهي الحامل تعتد بابعد الاجلين فان وضعت قبل ان يمضي لها اربعة اشهر وعشرا فلتتم اربعة اشهر وعشرا فان مضى لها اربعة اشهر وعشرا فلم تضع فعدتها ان تضع، والمطلقة وزوجها غائب عنها تعتد من يوم طلقها اذا شهد عندها شاهدان عدلان انه طلقها في يوم معروف تعتد من ذلك اليوم فان لم يشهد عندها احد ولم تعلم اي يوم طلقها تعتد من يوم يبلغها، والمنوفى عنها زوجها وهو غائب تعتد من يوم يبلغها، والتي لم يدخل بها زوجها ثم طلقها فلا عدة عليها، فان مات عنها ولم يدخل لها تعتد اربعة اشهر وعشرا.
     
    والعدة على الرجال ايضا ان كان له اربعة نسوة وطلق احديهن لم يحل
     
    [79]
     
    له ان يتزوج حتى تعتد التي طلقها، فاذا اراد ان يتزوج اخت امرأته لم تحل له حتى يطلق امرأته وتعتد ثم يتزوج اختها، والمتوفى عنها زوجها تعتد حيث شاء‌ت، والمطلقة التي ليس للزوج عليها رجعة تعتد حيث شاء‌ت ولا تبيت عن بيتها، والتي للزوج عليها رجعة لا تعتد الا في بيت زوجها وتراه ويراها ما دامت في العدة، وعدة الامة اذا كانت تحت الحر شهران وخمسة ايام.
     
    وعدة المتعة خمسة واربعون يوما، وعدة السبي استبراء الرحم، فهذه وجوه العدة.
     
    واما المرأة التي لا تحل لزوجها ابدا فهي التي طلقها زوجها ثلاث تطليقات على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين وتتزوج زوجا غيره فيطلقها ويتزوج بها الاول الذي كان طلقها ثلاث تطليقات ثم يطلقها ايضا ثلاث تطليقات للعدة (على طهر من غير جماع بشهادة عدلين ط) فتتزوج زوجا آخر ثم يطلقها فيتزوجها الاول الذي قد طلفها ست تطليقات على طهر وتزوجت زوجين غير زوجها الاول ثم يطلقها هذا زوجها الاول ثلاث تطليقات على طهر واحد من غير جماع بشهادة عدلين، فهذه التي لا تحل لزوجها الاول ابدا لانه قد طلقها تسع تطليقات وتزوج بها تسع مرات، وتزوجت ثلاثة ازواج فلا تحل للزوج الاول ابدا، ومن طلق إمرأته من غير ان تحيض او كانت في دم الحيض او نفساء من قبل ان تطهر فطلاقه باطل.
     
    وقوله (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن ابن سنان ابي عبدالله عليه السلام انه قرأ " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين " فقوله " قوموا لله قانتين " قال إقبال الرجل على صلاته ومحافظته حتى لا يلهيه ولا يشغله عنها شئ وقوله (فان خفتم فرجالا او ركبانا) فهي رخصة بعد العزيمة للخائف ان يصلي راكبا وراجلا، وصلاة الخوف على ثلاثة وجوه قال الله تبارك



    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي
    [80]
     
    وتعالى " واذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا اسلحتهم فاذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة اخرى لم يصلوا فيصلوا معك وليأخذوا حذرهم واسلحتهم " فهذا وجه.
     
    والوجه الثاني من صلاة الخوف فهو الذي يخاف اللصوص والسباع في السفر فانه يتوجه إلى القبلة ويفتتح الصلاة ويمر على وجه الارض الذي هو فيه فاذا فرغ من القراء‌ة واراد ان يركع ويسجد ولي وجهه إلى القبلة ان قدر عليه وان لم يقدر عليه ركع وسجد حيث ما توجه وان كان راكبا اومأ براسه.
     
    وصلاة المجادلة (المجاهدة ط) وهي المضاربة في الحرب اذا لم يقدر ان ينزل، يصلي ويكبر ولكل ركعة تكبيرة ويصلى وهو راكب فان امير المؤمنين عليه السلام صلي واصحابه خمس صلوات بصفين على ظهور الدواب لكل ركعة تكبيرة وصلى وهو راكب حيث ما توجهوا.
     
    ومنها صلاة الحيرة على ثلاثة وجوه، فوجه منها هو ان الرجل يكون في مفازة ولا يعرف القبلة يصلي إلى اربعة جوانب، والوجه الثانى، من فاتته الصلاة ولم يعرف اي صلاة هي فانه يجب ان يصلي ثلاث ركعات واربع ركعات وركعتين فان كانت المغرب فقد قضاها، وان فاتته العتمة فقد(1) قضاها وان كانت الفجر فقد قضاهاوان كانت الظهر والعصر فقد قامت الاربعة مقامها، ومن كان عليه ثوبان فاصاب احدهما بول او قذر او جنابة ولم يدر أي الثوبين اصاب القذر، فانه يصلي في هذا وفي هذا فاذا وجد الماء غسلهما جميعا.
     
    واما قوله (الم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم احياهم) فانه كان وقع الطاعون بالشام في بعض الكور(2)
     
    ___________________________________
     
    (1) العتمة محركة صلوة العشاء - مجمع.
     
    (2) الكور كصرد جمع كورة بضم الكاف وهي بقعة تجتمع فيها المساكن ج-ز
     
    [81]
     
    فخرج منهم خلق كثير كما حكى الله هربا من الطاعون فصاروا إلى مفازة فماتوا في ليلة واحدة كلهم، فبقوا حتى كانت عظامهم يمر بهم المار فينحيها برجله عن الطريق ثم احياهم الله وردهم إلى منازلهم فبقوا دهرا طويلا ثم ماتوا ودفنوا.
     
    وقوله (الم تر إلى الملاء من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم إبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله - إلى قوله - والله عليم بالظالمين) قال حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة عن ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلام إن بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام عملوا المعاصي وغيروا دين الله وعتوا عن امر ربهم، وكان فيهم نبي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه، وروي انه ارميا النبي، فسلط الله عليهم جالوت، وهو من القبط فاذلهم وقتل رجالهم واخرجهم من ديارهم واموالهم واستعبد نساء‌هم، ففزعوا إلى نبيهم وقالوا سل الله ان يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، وكانت النبوة في بني إسرائيل في بيت والملك والسلطان في بيت آخر لم يجمع الله لهم الملك والنبوة في بيت واحد، فمن ذلك " قالوا ابعث لنا ملكا..الخ " وقوله (فقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) فغضبوا من ذلك (وقالوا انى يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال) وكانت النبوة في ولد لاوي والملك في ولد يوسف، وكان طالوت من ولد بن يامين اخي يوسف لامه لم يكن من بيت النبوة ولا من بيت المملكة، فقال لهم نبيهم (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) وكان اعظمهم جسما وكان شجاعا قويا وكان اعلمهم الا انه كان فقيرا فعابوه بالفقر فقالوا لم يؤت سعة من المال، فقال (لهم نبيهم إن آية ملكه ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة) وكان التابوت الذي انزل الله على موسى فوضعته فيه امه والقته في اليم، فكان في بني إسرائيل معظما
     
    [82]
     
    يتبركون به، فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الالواح وما كان عنده من آيات النبوة واودعه يوشع وصيه، فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات فلم يزل بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم فلما سألوا النبي بعث الله طالوت عليهم يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت وقوله " فيه سكينة من ربكم " فان التابوت كان يوضع بين يدي العدو وبين المسلمين فيخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه الانسان، حدثني ابي عن الحسن بن خالد عن الرضا عليه السلام انه قال السكينة ريح من الجنة لها وجه كوجه الانسان فكان اذا وضع التابوت بين يدي المسلمين والكفار فان تقدم التابوت لا يرجع رجل حتى يقتل او يغلب، ومن رجع عن التابوت كفر وقتله الامام.
     
    فاوحى الله إلى نبيهم ان جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى عليه السلام وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب عليه السلام اسمه داود بن آسي، وكان آسي راعيا وكان له عشرة بنين اصغرهم داود، فلما بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى آسي ان احضر ولدك، فلما حضروا دعا واحدا واحدا من ولده فالبسه درع موسى عليه السلام، منهم من طالت عليه ومنهم من قصرت عنه فقال لآسي هل خلفت من ولدك احدا؟ قال نعم اصغرهم تركته في الغنم يرعاها فبعث اليه ابنه فجاء به فلما دعي اقبل ومعه مقلاع(1) قال فنادته ثلاث صخرات في طريقه فقالت يا داود خذنا فاخذها في مخلاته وكان شديد البطش قويا في بدنه شجاعا، فلما جاء إلى طالوت البسه درع موسى فاستوت عليه، ففصل طالوت بالجنود
     
    ___________________________________
     
    (1) مقلاع كمضراب آلة يرمى بها الاحجار إلى الصيد ونحوه.
     
    [83]
     
    وقال لهم نبيهم يابني إسرائيل (ان الله مبتليكم بنهر) في هذه المفازة(1) فمن شرب منه فليس من حزب الله، ومن لم يشرب منه فانه من حزب الله الا من اغترف غرفة بيده، فلما وردوا النهر اطلق الله لهم ان يغرف كل واحد منهم غرفة بيده (فشربوا منه الا قليلا منهم) فالذين شربوا منه كانوا ستين الفا وهذا امتحان امتحنوا به كما قال الله، وروي عن ابي عبدالله عليه السلام انه قال القليل الذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلاث مأة وثلاث عشر رجلا، فلما جاوزوا النهر ونظروا إلى جنود جالوت قال الذين شربوا منه (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) وقال الذين لم يشربوا (ربنا افرغ علينا صبراوثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) فجاء داود (ع) حتى وقف بحذاء جالوت، وكان جالوت على للفيل وعلى رأسه التاج وفي ياقوت يلمع نوره وجنوده بين يديه، فاخذ داود من تلك الاحجار حجرا فرمى به في ميمنة جالوت، فمر في الهواء ووقع عليهم فانهزموا واخذ حجرا آخر فرمى به في ميسرة جالوت فوقع عليهم فانهزموا ورمى جالوت بحجر ثالث فصك الياقوتة في جبهته ووصل إلى دماغه ووقع إلى الارض ميتا فهو قوله (فهزموهم باذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة) واما قوله (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن جميل قال قال ابوعبدالله (ع) إن الله يدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا، ولو اجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا، وإن الله يدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لا يزكي من شيعتنا ولو اجمعوا على ترك الزكاة لهلكوا، وإن الله ليدفع بمن
     
    ___________________________________
     
    (1) المفازة كمغارة الفلاة لا ماء فيها، قيل ان ذلك مأخوذ من فوز اي مات لان المفازة مظنة للموت، وقيل سميت مفازة لان من خرج منها وقطعها فاز.ج-ز
     
    [84]
     
    يحج من شيعتنا عمن لا يحج من شيعتنا ولو اجمعوا على ترك الحج لهلكوا، وهو قول الله " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض..الخ " الجزء(3) واما قوله (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وايدناه بروح القدس الآية) فانه جاء رجل إلى امير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل فقال ياعلي على ما تفاتل اصحاب رسول الله ومن شهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله؟ فقال على آية في كتاب الله اباحت لي قتالهم، فقال وما هي؟ قال قوله تعالى " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وايدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاء‌تهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد " فقال الرجل كفر والله القوم وقوله (يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) اي صداقة.
     
    واما آية الكرسي فانه حدثني ابي عن الحسين بن خالد انه قره ابوالحسن الرضا عليه السلام:(1) الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم) قال " ما بين ايديهم " فامور الانبياء وما كان " وما خلفهم " اي ما لم يكن بعد، قوله " الا بما شاء " اي بما يوحى اليهم (ولا يؤده حفظهما) اي لا يثقل عليه حفظ ما في السماوات وما في الارض وقوله (لا إكراه في الدين) اي لا يكره احد على دينه الا بعد ان قد تبين له الرشد من الغي (فمن يكفر بالطاغوت) وهم الذين غصبوا آل محمد حقهم (فقد استمسك بالعروة الوثقى) يعني الولاية
     
    ___________________________________
     
    (1) ليس في ط الم - ج-ز
     
    [85]
     
    (لا انفصام لها) اي حبل لا انقطاع له يعني امير المؤمنين والائمة بعده عليهم السلام (الله ولي الذين آمنوا) وهم الذين اتبعوا آل محمد عليهم السلام (يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت) هم الظالمون آل محمد والذين اتبعوا من غصبهم (يخرجونهم من النور إلى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون والحمد لله رب العالمين) كذا نزلت، حدثني ابي عن النضر بن سويد عن موسى بن بكر عن زرارة عن ابي عبدالله عليه السلام في قوله (وسع كرسيه السموات والارض) سألته ايما اوسع الكرسي او السموات والارض؟ قال لا بل الكرسي وسع السموات والارض وكل شئ خلق الله في الكرسي.
     
    حدثني ابي عن اسحاق بن الهيثم عن سعد بن ظريف عن الاصبغ بن نباتة ان عليا عليه السلام سئل عن قول الله عزوجل " وسع كرسيه السموات والارض " قال السموات والارض وما فيهما من مخلوق في جوف الكرسي وله اربعة املاك يحملونه باذن الله (فاما الملك الاول) ففي صورة الآدميين وهى اكرم الصور على الله وهو يدعو الله ويتضرع اليه ويطلب الشفاعة والرزق لبني آدم (والملك الثاني) في صورة الثور وهو سيد البهائم وهو يطلب إلى الله ويتضرع اليه ويطلب الشفاعة والرزق لجميع البهائم (والملك الثالث) في صورة النسر وهو سيد الطير وهو يطلب إلى الله ويتضرع اليه ويطلب الشفاعة والرزق لجميع الطير (والملك الرابع) في صورة الاسد وهو سيد السباع وهو يرغب إلى الله ويطلب الشفاعة والرزق لجميع السباع، ولم يكن في هذه الصور احسن من الثور ولا اشد انتصابا منه حتى اتخذ الملا من بني اسرائيل العجل الها، فلما عكفوا عليه وعبدوه من دون الله خفض الملك الذي في صورة الثور رأسه استحياء‌ا من الله ان عبد من دون الله شيئ يشبهه وتخوف ان ينزل به العذاب، ثم قال عليه السلام ان الشجر لم يزل حصيدا كله حتى دعي للرحمن ولد أعز الرحمن وجل ان يكون له ولد، فكادت
     
    [86]
     
    السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا(1)، فعند ذلك اقشعر الشجر وصار له شوك حذار ان ينزل به العذاب، فما بال قوم غيروا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وعدلوا عن وصيته في حق علي والائمة عليهم السلام ولا يخافون ان ينزل بهم العذاب ثم تلا هذه الآية " الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار " ثم قال نحن والله نعمة الله التي انعم الله بها على عباده وبنا فاز من فاز وقوله (لم تر إلى الذي حاج ابراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيى ويميت قال انا احيى واميت قال إبراهيم فان الله يأتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب) فانه لما القى نمرود إبراهيم (ع) في النار وجعلها الله عليه بردا وسلاما قال نمرود يا ابراهيم من ربك؟ قال ربي الذي يحيى ويميت، قال نمرود انا احيي واميت فقال له ابراهيم كيف تحيي وتميت؟ قال إلي برجلين ممن قد وجب عليهما القتل فاطلق عن واحد وقتل واحدا فاكون قد احييت وامت، فقال ابراهيم ان كنت صادقا فاحي الذي قتلته ثم قال دع هذا فان ربي يأتيني بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فكان كما قال الله عزوجل " فبهت الذي كفر " اي انقطع وذلك انه علم ان الشمس اقدم منه.
     
    واما قوله (او كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال انى يحيي هذه الله بعد موتها) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيي الحلبي عن هارون بن خارجة عن ابي عبدالله (ع) قال لما عملت بنو إسرائيل المعاصي وعتوا عن امر ربهم فاراد الله ان يسلط عليهم من يذلهم ويقتلهم فاوحى الله تعالى إلى إرميا يا إرميا ما بلد انتخبته من بين البلدان وغرست فيه من كرائم الشجر فاخلف فانبت خرنوبا؟(2) فاخبر إرميا اخيار علماء بني اسرائيل فقالوا له راجع
     
    ___________________________________
     
    (1) هد البناء اى ضعضعه وهدمه
     
    (2) الخرنوب بالضم والفتح شجرة برية ذات شوك وحمل كالتفاح لكنه بشع ق
     
    [87]
     
    ربك ليخبرنا ما معنى هذا المثل؟ فصام إرميا سبعا، فاوحى الله اليه ياارميا اما البلد فبيت المقدس واما ما انبت فيها فبنو إسرائيل الذين اسكنتهم فيها فعملوا بالمعاصي وغيروا ديني وبدلوا نعمتي كفرا، فبى حلفت لامتحننهم بفتنة يظل الحكيم فيها حيرانا ولاسلطن عليهم شر عبادي ولادة وشرهم طعاما فليسلطن عليهم بالجبرية فيقتل مقاتليهم ويسبي حريمهم ويخرب ديارهم التي يغترون بها ويلقي حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل مأة سنة، فاخبر ارميا احبار بني اسرائيل فقالوا له راجع ربك فقل له ما ذنب الفقراء والمساكين والضعفاء، فصام ارميا سبعا ثم اكل اكلة فلم يوح اليه شئ ثم صام سبعا واكل اكلة ولم يوح اليه شئ ثم صام سبعا فاوحى الله اليه يا ارميا لتكفن عن هذا او لاردن وجهك في قفاك، قال ثم اوحى الله تعالى اليه قل لهم لانكم رأيتم المنكر فلم تنكروه، فقال ارميا رب اعلمني من هو حتى آتيه وآخد لنفسي واهل بيتي منه امانا قال إيت موضع كذا وكذا فانظر إلى غلام اشدهم زمانا واخبثهم ولادة واضعفهم جسما وشرهم غذاء‌ا فهو ذلك، فاتى إرميا ذلك البلد فاذا هو غلام في خان زمن(1) ملقى على مزبلة وسط الخان واذا له ام تزنى بالكسر وتفت الكسر في القصعة وتحلب عليه خنزيرة لها ثم تدنيه من ذاك الغلام فيأكله، فقال ارميا ان كان في الدنيا الذي وضعه الله فهو هذا، فدنى منه فقال له ما اسمك؟ فقال بخت نصر، فعرفه انه هو فعالجه حتى برأ ثم قال له تعرفني؟ قال لا انت رجل صالح، قال انا ارميا نبي بني إسرائيل، اخبرني الله انه سيسلطك على بني إسرائيل فتقتل رجالهم وتفعل بهم كذا وكذا، قال فتاه في نفسه في ذاك الوقت ثم قال ارميا اكتب لي كتابا بامان منك فكتب له كتابا، وكان يخرج في الجبل ويحتطب ويدخله المدينة ويبيعه.
     
    ___________________________________
     
    (1) اي مخروبة.
     
    (2) بخت نصر بضم الباء وتشديد الصاد اصله بوخت ومعناه ابن ونصر اسم صنم لانه كان وجد ملقى عنده فنسب اليه لانه لم يعرف له اب ق ومجمع ج.ز
     
    [88]
     
    فدعا إلى حرب بني اسرائيل فأجابوه وكان مسكنهم في بيت المقدس واقبل بخت نصر نحو بيت المقدس واجتمع اليه بشر كثير، فلما بلغ ارميا اقباله نحو بيت المقدس استقبله على حمار له ومعه الامان الذي كتب له بخت نصر فلم يصل اليه ارميا من كثرة جنوده واصحابه، فصير الامان على قصبة ورفعها، فقال من انت؟ فقال انا ارميا النبي الذي بشرتك بانك سيسلطك الله على بني اسرائيل وهذا امانك لي، قال اما انت فقد امنتك واما اهل بيتك فانى ازمى من ههنا إلى بيت المقدس فان وصلت رميتي إلى بيت المقدس فلا امان لهم عندي وان لم تصل فهم آمنون، واننزع قوسه ورمى نحو بيت المقدس فحملت الريح النشابة حتى علقتها في بيت المقدس، فقال لا امان لهم عندي، فلما وافى نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة واذا دم يغلي وسطه كلما القي عليه التراب خرج وهو يغلي فقال ما هذا فقالوا هذا؟ دم نبي كان لله فقتله ملوك بني اسرائيل ودمه يغلي وكلما القينا عليه التراب خرج يغلي، فقال بخت نصر لاقتلن بني اسرائيل ابدا حتى يسكن هذا الدم وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا (ع) وكان في زمانه ملك جبار يزني بنساء بني إسرائيل وكان يمر بيحيى بن زكريا فقال له يحيى اتق الله ايها الملك، لا يحل لك هذا فقالت له امرأة من اللواتي كان يزني بهن حين سكر " ايها الملك اقتل هذا " فأمر ان يؤتى برأسه فأتوا برأس يحيى (ع) في طشت وكان الرأس يكلمه ويقول له يا هذا اتق الله لا يحل لك هذا، ثم غلى الدم في طشت حتى فاض إلى الارض فخرج يغلى ولا يسكن، وكان بين قتل يحيى وبين خروج بخت نصر مأة سنة، ولم يزل بخت نصر يقتلهم وكان يدخل قرية قرية فيقتل الرجال والنساء والصبيان وكل حيوان والدم يغلى ولا يسكن حتى افناهم، فقال أبقي احد في هذه البلاد؟ قالوا عجوز في موضع كذا وكذا فبعث اليها فضرب عنقها على الدم فسكن، وكانت آخر من بقي، ثم اتى بابل فبنى بها
     
    [89]
     
    مدينة واقام وحفر بئرا فالقى فيها دانيال والقى معه اللبوة(1) فجعلت اللبوة تأكل من طين البئر ويشرب دانيال لبنها فلبث بذلك زمانا، فاوحى الله إلى النبي الذي كان ببيت المقدس ان اذهب بهذا الطعام والشراب إلى دانيال واقرأه مني السلام، قال واين دانيال يارب؟ قال في بئر ببابل في موضع كذا وكذا قال فاتاه فاطلع في البئر فقال يادانيال، فقال لبيك صوت غريب قال إن ربك يقرؤك السلام وقد بعث اليك بالطعام والشراب فأدلاه اليه فقال دانيال " الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه الحمدلله الذي من توكل عليه كفاه الحمدلله الذي لا ينسى من ذكره الحمدلله الذي لا بخيب من دعاه الحمدلله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره الحمدله الذي يجزي بالاحسان إحسانا الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة الحمدلله الذي يكشف حزننا (ضرنا ط) عند كربتنا الحمدلله الذي هو ثقتنا حين تنقطع الحيل منا الحمدلله الذي هو رجاؤنا حين ساء ظننا باعمالنا ".
     
    قال فأوري بخت نصر في نومه كأن رأسه من حديد ورجليه من نحاس وصدره من ذهب، قال فدعا المنجمين فقال لهم ما رأيت؟ قالوا ما ندري ولكن قص علينا ما رأيت؟ فقال وانا اجري عليكم الارزاق منذ كذا وكذا ولا تدرون ما رأيت في المنام، فأمر بهم فقتلوا، قال فقال له بعض من كان عنده، ان كان عند احد شئ فعند صاحب الجب فان اللبوة لم تعرض له وهي تأكل الطين وترضعه فبعث إلى دانيال فقال ما رأيت في المنام؟ قال رأيت كان رأسك من حديد ورجليك من نحاس وصدرك من ذهب، قال هكذا رأيت فما ذاك؟ قال قد ذهب ملكك وانت مقتول إلى ثلاثة ايام يقتلك رجل من ولد فارس، قال فقال له ان علي سبع مدائن، على باب كل مدينة حرس وما رضيت بذلك حتى وضعت بطة
     
    ___________________________________
     
    (1) اللبوة انثى الاسد، ج-ز
     
    [90]
     
    من نحاس على باب كل مدينة لا يدخل غريب الا صاحت عليه حتى يؤخذ قال فقال له ان الامر كما قلت لك قال فبث الخيل وقال لا تلقون احدا من الخلق الا قتلتموه كائنا من كان وكان دانيال جالسا عنده، وقال لا تفارقني هذه الثلاثة ايام فان مضت قتلتك، فلما كان اليوم الثالث ممسيا اخذه الفم فخرج فتلقاه غلام كان يخدم ابنا له من اهل فارس وهو لا يعلم انه من اهل فارس، فدفع اليه سيفه وقال له يا غلام لا تلقى احدا من الخلق الا وقتلته وان لقيتني انا فاقتلني، فأخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصر ضربة فقتله.
     
    فخرج إرميا على حماره ومعه تين قد تزوده وشئ من عصير فنظر إلى سباع البر وسباع البحر وسباع الجو تأكل تلك الجيف ففكر في نفسه ساعة ثم قال انى يحيي هذه الله بعد موتها وقداكلهم السباع، فأماته الله مكانه وهو قول الله تبارك وتعالى " او كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال انى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مأة عام ثم بعثه " اي احياه فاما رحم الله بني اسرائيل واهلك بخت نصر رد بني اسرائيل إلى الدنيا، وكان عزيز لما سلط الله بخت نصر على بني اسرائيل هرب ودخل في عين وغاب فيها وبقي ارميا ميتا مأة سنة ثم احياه الله تعالى فاول ما احيا منه عينيه في مثل غرقئ(1) البيض فنظر فاوحى الله تعالى اليه (كم لبثت قال لبثت يوما) ثم نظر إلى الشمس وقد ارتفعت فقال (او بعض يوم) فقال الله تعالى (بل لبثت مأة فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه - اي لم يتغير - وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما) فجعل ينظر إلى العظام البالية المتفطرة تجمع اليه والى اللحم الذي قد اكلته السباع يتألف إلى العظام من ههنا وههنا
     
    ___________________________________
     
    (1) بكسر الغين بياض البيض.ج-ز
     
    [91]
     
    ويلتزق بها حتى قام وقام حماره فقال (اعلم إن الله على كل شئ قدير).
     
    واما قوله (وإذ قال إبراهيم رب ارني كيف تحيى الموتى قال او لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصر من اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابي ايوب عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام ان ابراهيم عليه السلام نظر إلى جيفة على ساحل البحر تأ كله سباع البر وسباع البحر ثم تحمل السباع بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا فتعجب ابراهيم (ع) " فقال رب ارني كيف تحيي الموتى..الخ " فأخذ ابراهيم عليه السلام الطاؤس والديك والحمام والغراب فقال الله عزوجل " فصرهن اليك، اي قطعهن ثم اخلط لحمهن وفرقهن على عشرة جبال ثم خذ مناقيرهن وادعهن ياتينك سعيا، ففعلى ابراهيم ذلك وفرقهن على عشرة جبال ثم دعاهن فقال اجيبنني باذن الله تعالى، فكانت تجمع ويتألف لحم كل واحد وعظمه إلى رأسه وطارت إلى ابراهيم، فعند ذلك قال ابراهيم ان الله عزيز حكيم.
     
    وقوله (والذين ينفقون اموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما انفقوا منا ولا اذى الآية) فانه قال الصادق (ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله من اسدى إلى مؤمن معروفا ثم آذاه بالكلام او من عليه فقد ابطل الله صدقته ثم ضرب الله فيه مثلا فقال كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين) وقال من اكثر منه واذاه لمن يتصدق عليه بطلت صدقته كما يبطل التراب الذي يكون على صفوان، والصفوان الصخرة الكبيرة التي تكون على مفازة فيجئ المطر فيغسل التراب عنها ويذهب به، فضرب الله هذا المثل لمن اصطنع معروفا ثم اتبعه بالمن والاذى " وقال الصادق (ع) ما شئ احب الي من
     
    [92]
     
    رجل سلف مني اليه يد اتبعته اختها واحسنت بها له لاني رأيت منع الاواخر فقطع لسان شكر الاوائل، ثم ضرب مثل المؤمنين (مثل الذين ينفقون اموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من انفسهم كمثل جنة بربوة اصابها وابل فاتت اكلها ضعفين فان لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير) قال " مثلهم كمثل جنة " اي بستان في موضع مرتفع " اصابها وابل " اي مطر " فآتت اكلها ضعفين " اي يتضاعف ثمرها كما يتضاعف اجر من انفق ماله " ابتغاء مرضات الله " والطل ما يقع بالليل على الشجر والنبات، وقال ابوعبدالله عليه السلام (والله يضاعف لمن يشاء) لمن انفق ماله ابتغاء مرضات الله، قال فمن انفق ماله ابتغاء مرضات الله ثم امتن على من تصدق عليه كان كما قال الله (ايود احدكم ان تكون له جنة من نخيل واعناب تجري من تحتها الانهار له فيها من كل الثمرات واصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فاصابها اعصار فيه نار فاحترقت) قال الاعصار الرياح، فمن امتن على من تصدق عليه كمن كان له جنة كثيرة الثمار وهو شيخ ضعيف له اولاد صغار ضعفاء فتجئ ريح او نار فتحرق ماله كله، واما قوله (ياايها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما اخرجنا لكم من الارض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه) فانه كان سبب نزولها ان قوما كانوا اذا صرموا النخل عمدوا إلى ارذل تمورهم فيتصدقون بها، فنهاهم الله عن ذلك، فقال " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه " اي انتم لو دفع ذلك اليكم لم تأخذوه واما قوله (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء) فان الشيطان يقول لا تنفق فانك تفتقر (والله يعدكم مغفرة منه وفضلا) اي يغفر لكم ان انفقتم لله " وفضلا " قال يخلف عليكم، وقوله (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا) قال الخير الكثير معرفة امير المؤمنين والائمة عليهم السلام، وقوله (إن تبدوا الصدقات فنعما هى) قال الزكاة المفروضة تخرج علانية وتدفع علانية
     
    [93]
     
    وبعد ذلك غير الزكاة ان دفعته سرا فهو افضل وقوله (للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الارض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا) فهم الذين لا يسئلون الناس الحافا من الراضين والمتجملين في الدين الذين لا يسئلون الناس الحافا ولا يقدرون ان يضربوا في الارض فيحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف عن السؤال.
     
    وقوله (الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن هشام عن ابي عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسري بي إلى السماء رأيت قوما يريد احدهم ان يقوم فلا يقدر ان يقوم من عظم بطنه، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، وقوله (يمحق الربا ويربى الصدقات) قال قيل للصادق عليه السلام قد نرى الرجل يربى وماله يكثر فقال يمحق الله دينه وان كان ماله يكثر وقوله (ياايها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين) فانه كان سبب نزولها انه لم انزل الله تعالى " الذين يأكلون الربا الخ " فقام خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ربا ابي في ثقيف وقد اوصاني عند موته باخذه فانزل الله تبارك وتعالى (ياايها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله) قال من اخذ الربا وجب عليه القتل وكل من اربى وجب عليه القتل، واخبرني ابي عن ابن ابي عمير بن جميل عن ابي عبدالله عليه السلام قال درهم من ربا اعظم عند الله من سبعين زنية بذات محرم في بيت الله الحرام، قال ان
     
    [94]
     
    للربا سبعين جزء‌ا ايسره ان ينكح الرجل امه في بيت الله الحرام.
     
    واما قوله (وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) فانه حدثني ابي عن السكوني عن مالك بن مغيرة عن حماد بن سلمة عن جذعان عن سعيد بن المسيب عن عايشة انها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ما من غريم ذهب بغريمه إلى وال من ولاة المسلمين واستبان للوالي عسرته الا برئ هذا المعسر من دينه وصار دينه على والي المسلمين فيما في يديه من اموال المسلمين، قال عليه السلام ومن كان له على رجل مال اخده ولم ينفقه في اسراف او في معصية فعسر عليه ان يقضيه فعلى من له المال ان ينظره حتى يرزقه الله فيقضيه، وان كان الامام العادل قائما فعليه ان يقتضي عنه دينه لقول رسول الله صلى الله عليه وآله من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا او ضياعا فعلى الامام ما ضمنه الرسول، وان كان صاحب المال موسرا تصدق بماله عليه او تركه فهو خير له لقوله (وإن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون) واما قوله (يا ايها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه) فقد روي في الخبر ان في سورة البقرة خمس مأة حكم وفي هذه الآية خمسة عشر حكما وهو قوله " يا ايها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه ويكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " ثلاثة احكام " فليكتب " اربعة احكام " وليملل الذي عليه الحق " خمسة احكام وهو اقراره إذا املا " وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا ولا يخونه " ستة احكام " فان كان الذي عليه الحق سفيها او ضعيفا او لا يستطيع ان يمل هو " اي لا يحسن ان يمل " فليملل وليه بالعدل " يعني ولي المال سبعة احكام " استشهدوا شهيدين من رجالكم " ثمانية احكام " فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء إن تضل احديهما فتذكر احديهما الاخرى " يعني ان تنسى احديهما فتذكر اخرى تسعة احكام " ولا ياب الشهداء إذا ما دعوا " عشرة احكام " ولا تسأموا ان تكتبوه صغيرا او كبيرا إلى اجله " اي لا تضجروا
     
    [95]
     
    ان تكتبوه صغير السن او كبيرا احد عشر حكما " ذلكم اقسط عند الله واقوم للشهادة وادني ان لا ترتابوا " اي لا تشكوا " الا ان تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها " اثنا عشر حكما " واشهدوا إذا تبايعتم " ثلاثة عشر حكما " ولا يضار كاتب ولا شهيد " اربعة عشر حكما " وان تفعلوا فانه فسوق بكم " خمسة عشر حكما " واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم " وقوله (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فان أمن بعضكم بعضا) اي يأخذ منه رهنا فان امنه ولم يأخذ منه رهنا " فليتق الله ربه " الذي اخذ المال وقوله " ولا تكتموا الشهادة " معطوف على قوله " واستشهدوا شهيدين من رجالكم ".
     
    واما قوله (آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن هشام عن ابي عبدالله عليه السلام ان هذه الآية مشافهة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله ليلة أسرى به إلى السماء، قال النبي صلى الله عليه وآله انتهيت إلى محل سدرة المنتهى وإذا بورقة منها تظل امة من الامم فكنت من ربي كقاب قوسين او ادنى كما حكى الله عزوجل فنادانى ربي تبارك وتعالى " آمن الرسول بما انزل اليه من ربه " فقلت انا مجيب عني وعن امتي (والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير) فقال الله (لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) فقلت (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) وقال الله لا اؤاخذك، فقلت (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) فقال الله لا أحملك، فقلت (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا علي القوم الكافرين) فقال الله تعالى قد أعطيتك ذلك لك ولامتك، فقال الصادق (ع) ما وفد إلى الله تعالى احد اكرم من رسول الله صلى الله عليه وآله حيث سأل لامته هذه الخصال.
    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة
    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي
    مدنية وهى مأتا آية
     
    (بسم الله الرحمن الرحيم الم الله لا اله إلا هو الحي القيوم)
     
    فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن عبدالله بن سنان عن ابي عبدالله عليه السلام قال سألته عن قول الله تبارك وتعالى (الم الله لا اله الا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التورية والانجيل من قبل، هدى للناس وأنزل الفرقان) قال الفرقان هو كل امر محكم والكتاب هو جملة القرآن الذي يصدقه من كان قبله من الانبياء (وهو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء) يعني ذكرا او انثى واسود وابيض واحمر وصحيحا وسقيما، وقوله (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) فاما المحكم من القرآن فهو ما تأويله في تنزيله مثل قوله تعالى " ياايها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وارجلكم إلى الكعبين " ومثل قوله " حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم واخواتكم وعماتكم وخالاتكم " إلى آخر الآية ومثله كثير محكم مما تأويله في تنزيله.
     
    واما المتشابه فما كان في القرآن مما لفظه واحد ومعاينه مختلفة مما ذكرنا من الكفر الذي هو على خمسة اوجه والايمان على اربعة وجوه ومثل الفتنة والضلال الذي هو على وجوه وتفسير كل آية نذكره في موضعه ان شاء الله تعالى واما قوله (فاما الذين في قلوبهم زيغ) اي شك وقوله (وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابن اذينة عن يزيد بن معاوية عن ابي جعفر عليه السلام قال ان رسول الله صلى الله عليه وآله افضل الراسخين في العلم قد علم جميع ما انزل الله عليه من التنزيل والتأويل وما كان
     
    [97]
     
    الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله واوصياؤه من بعده يعلمونه كله، قال قلت جعلت فداك ان ابا الخطاب كان يقول فيكم قولا عظيما، قال وما كان يقول؟ قلت انه يقول انكم تعلمون علم الحلال والحرام والقرآن قال علم الحلال والحرام والقرآن يسير في جنب العلم الذي يحدث في الليل والنهار وقوله (ربنا لا تزع قلوبنا بعد إذ هديتنا) اي لا نشك وقوله (اولئك هم وقود النار) يعني حطب النار (كداب آل فرعون) اي فعل آل فرعون.
     
    وقوله (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد) فانها نزلت بعد بدر لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من بدر اتى بنى قينقاع وهو يناديهم وكان بها سوق يسمى سوق النبط فاتاهم رسول الله فقال يامعشر اليهود قد علمتم ما نزل بقريش وهم اكثر عددا وسلاما وكراعا منكم فادخلوا في الاسلام، فقالوا يا محمد ء‌انك تحسب حربنا مثل حرب قومك؟ والله لو لقيتنا للقيت رجالا، فنزل عليه جبرئيل فقال يامحمد (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله) يعني فئة المسلمين وفئة الكفار (واخرى كافرة يرونهم مثليهم راي العين) اي كانوا مثلي المسلمين (والله يؤيد بنصره من يشاء) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر (إن في ذلك لعبرة لاولي الابصار).
     
    وقوله (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث) قال القناطير جلود الثيران مملوء‌ة دهبا " والخيل المسومة " يعني الراعية والانعام " والحرث " يعني الزرع " والله عنده حسن المآب " اي حسن المرجع اليه قال (أؤنبئكم بخير من ذلكم الذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها) ثم اخبر ان هذا للذين (يقولون ربنا اننا آمنا فاغفر ذنوبنا وقنا عذاب النار - إلى قوله - والمستغفرين
     
    [98]
     
    بالاسحار) ثم اخبر ان هؤلاء هم (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار) وهم الدعاؤن واما قوله (وازواج مطهرة) قال في الجنة لا يحضن ولا يحدثن.
     
    حدثني ابي عن اسماعيل بن ابان عن عمر (عمير ط) بن عبدالله الثقفي قال اخرج هشام بن عبدالملك ابا جعفر محمد بن علي زين العابدين عليهم السلام من المدينة إلى الشام، وكل ينزله معه فكان يقعد مع الناس في مجالسهم فبينما هو قاعد وعنده جماعة من الناس يسألونه اذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك فقال ما لهؤلاء القوم ألهم عيد اليوم؟ قالوا لا يابن رسول الله ولكنهم يأتون عالما لهم في هذا الجبل في كل سنة في مثل هذا اليوم فيخرجونه ويسألونه عما يريدون وعما يكون في عامهم، قال ابوجعفر عليه السلام وله علم؟ فقالوا هو من اعلم الناس قد ادرك اصحاب الحواريين من اصحاب عيسى (ع)، قال لهم نذهب اليه، فقالوا ذاك اليك يابن رسول الله، قال فقنع ابوجعفر رأسه بثوبه ومضى هو واصحابه فاختلطوا بالناس حتى اتوا الجبل، قال فقعد ابوجعفر وسط النصاري هو واصحابه، فاخرج النصارى بساطا ثم وضعوا الوسائد ثم دخلوا فاخرجوه ثم ربطوا عينيه فقلب عينيه كانهما عينا افعى، ثم قصد ابا جعفر (ع) فقال أمنا انت ام من الامة المرحومة؟ فقال ابوجعفر (ع) من الامة المرحومة، قال فمن علمائهم انت ام من جهالهم؟ قال لست من جهالهم، قال النصراني اسألك او تسألني؟ فقال ابوجعفر (ع) سلني، فقال يا معشر النصارى رجل من امة محمد يقول اسألني ان هذا لعالم بالمسائل ثم قال يا عبدالله اخبرني عن ساعة ما هي من الليل ولا هي من النهار أي ساعة هي؟ قال ابوجعفر (ع) ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، قال النصراني فاذا لم يكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن اي الساعات هي؟ فقال ابوجعفر (ع) من ساعات الجنة وفيها
     
    [99]
     
    تفيق مرضى، فقال النصراني اصبت فأسألك او تسألني؟ قال ابوجعفر (ع) سلني، قال يامعشر النصارى ان هذا لملئ بالمسائل اخبرني عن اهل الجنة كيف صاروا يأكلون ولا يتغوطون؟ اعطني مثله في الدنيا، قال ابوجعفر (ع) هذا هو الجنين في بطن امه يأكل مما تأكل امه ولا يتغوط، قال النصراني اصبت الم تقل ما انا من علمائهم؟ قال ابوجعفر (ع) انما قلت لك ما انا من جهالهم، قال النصراني فاسألك او تسألني قال ابوجعفر (ع) سلني قال يا معشر النصارى لاسألنه مسألة يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل، فقال له سل قال اخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت منه بابنين حملتهما جميعا في ساعة واحدة ووضعتهما في ساعة واحدة وماتا في ساعة واحدة ودفنا في ساعة واحدة في قبر واحد عاش احدهما خمسين ومائة سنة وعاش الآخر خمسين سنة من هما؟ قال ابوجعفر (ع) هما عزير وعزرة كانت حملت امهما على ما وصفت، ووضعتهما على ما وصفت، وعاش عزرة وعزير ثلاثين سنة ثم امات الله عزيرا مأة سنة وبقي عزرة يحيى ثم بعث الله عزيرا فعاش مع عزرة عشرين سنة وماتا جميعا في ساعة واحدة فدفنا في قبر واحد، قال النصراني يا معشر النصارى ما رأيت احدا قط اعلم من هذا الرجل لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام ردوني إلى كهفي فردوه إلى كهفه ورجع النصارى مع ابي جعفر (ع).
     
    وقوله (شهد الله انه لا إله الا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط) قال قائما بالقسط معطوف على قوله شهد الله والقسط العدل (ان الدين عندالله الاسلام) قال التسليم لله ولاوليائه وهو التصديق، وقد سمى الله الايمان تصديقا حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن حمران بن اعين عن ابى عن ابي جعفر (ع) قال ان الله فضل الايمان على الاسلام بدرجة كما فضل الكعبة على المسجد الحرام بدرجة قال وحدثني محمد بن يحيى البغدادي رفع الحديث إلى امير المؤمنين عليه السلام انه قال لانسبن
     
    [100]
     
    الاسلام نسبة لم ينسبها احل قبلي ولا ينسبها احد بعدي الاسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، فالتصديق هو الاقرار، والاقرار هو الاداء، والاداء هو العمل والمؤمن من اخذ دينه عن ربه إن المؤمن يعرف ايمانه في عمله وان الكافر يعرف كفره بانكاره، يا ايها الناس دينكم دينكم فان السيئة فيه خير من الحسنة في غيره، وان السيئة فيه تغفر، وان الحسنة في غيره لا تقبل وقوله (لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ الا ان تتقوا منهم تقاة) فان هذه الآية رخصة ظاهرها خلاف باطنها يدان بظاهرها ولا يدان بباطنها الا عند التقية، ان التقية رخصة للمؤمن ان يراه (ان يدين بدين ط) الكافر فيصلي بصلاته ويصوم بصيامه اذا اتقاه في الظاهر وفي الباطن يدين الله بخلاف ذلك، وقوله (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله الآية) فحب الله للعباد رحمة منه لهم وحب العباد لله طاعتهم له(1).
     
    وقوله (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين) فلفظ الآية عام ومعناه خاص وانما فضلهم على عالمي زمانهم وقال العالم عليه السلام نزل " وآل عمران وآل محمد على العالمين " فاسقطوا آل محمد من الكتاب.
     
    وقوله (اذ قالت امرأة عمران رب اني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني انك انت السميع العليم) فان الله تبارك وتعالى اوحى إلى عمران اني واهب لك ذكرا يبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى باذن الله، فبشر عمران زوجته
     
    ___________________________________
     
    (1) قال صادق آل محمد عليه السلام: ما احب الله من عصاه ثم تمثل فقال:
     
    تعصى الاله وانت تظهر حبه * هذا محال في الفعال بديع
     
    لو كان حبك صادقا لاطعته * ان المحب لمن يحب مطيع.ج-ز
     
    [101]
     
    بذلك فحملت، فقالت رب اني نذرت لك ما في بطني محررا للمحراب، وكانوا اذا بذلك فحملت، فقالت رب اني نذرت لك ما في بطني محررا للمحراب، وكانوا اذا نذروا نذرا جعلوا ولدهم للمحراب (فاما وضعتها قالت رب اني وضعتها انثى والله اعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى) وانت وعدتني ذكرا (واني سميتها مريم واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) فوهب الله لمريم عيسى عليه السلام قال وحدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال ان قلنا لكم في الرجل منا قولا فلم يكن فيه كان في ولده او ولد ولده فلا تنكروا ذلك ان الله اوحى إلى عمران اني واهب لك ذكرا مباركا يبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى باذنى وجاعله رسولا إلى بني اسرائيل فحدث بذلك امرأته حنة وهي ام مريم فلما حملت بها كان حملها عند نفسها غلاما " فلما وضعتها انثى قالت رب اني وضعتها انثى وليس الذكر كالانثى " لان البنت لا تكون رسولا يقول الله " والله اعلم بما وضعت " فلما وهب الله لمريم عيسى عليه السلام كان هو الذي بشر الله به عمران ووعده اياه فاذا قلنا لكم في الرجل منا شيئا فكان في ولده او ولد ولده فلا تنكروا ذلك.
     
    فلما بلغت مريم صارت في المحراب وارخت على نفسها سترا وكان لا يراها احد وكان يدخل عليها زكريا المحراب فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، فكان يقول لها انى لك هذا؟ فتقول (هو من عندالله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ان الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين) الحصور الذي لا يأتي النساء (قال رب انى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر) والعاقر التي قد يئست من المحيض (قال كذلك الله يفعل ما يشاء) قال زكريا (رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة ايام الا رمزا) وذلك ان زكريا ظن ان الذي بشره
     
    [102]
     
    هم الشياطين فقال " رب اجعل لي آية قال آيتك الا تكلم الناس ثلاثة ايام الا رمزا " فخرس ثلاثة ايام، وقوله (اذا قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفيك وطهرك واصطفيك على نساء العالمين) قال اصطفاها مرتين، اما الاولى اصطفاها اي اختارها واما الثانية فانها حملت من غير فحل فاصطفاها بذلك على نساء العالمين وقوله (يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) وانما هو اركعي واسجدي ثم قال الله لنبيه صلى الله عليه وآله (ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك - يامحمد - وما كنا لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يكفل مريم وما كنت لديهم اذ يختصمون) قال لما ولدت اختصم آل عمران فيها فكلهم قالوا نحن تكفلها فخرجوا وقارعوا بالسهام بينهم فخرج سهم زكريا فتكفلها زكريا.
     
    (إذ قالت الملائكة يامريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين) اي ذا وجه وجاه ونكتب مولده وخبره في سورة مريم وقوله (اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير) اي اقدر وهو خلق تقدير، حدثنا احمد بن محمد الهمداني قال حدثني جعفر بن عبدالله قال حدثنا كثير بن عياش عن زياد بن المنذر عن ابي الجارود عن ابي جعفر محمد ابن علي عليهما السلام في قوله (وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) فان عيسى عليه السلام كان يقول لبني اسرائيل اني رسول الله اليكم واني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيرا باذن الله وابرئ الاكمه والابرص، الاكمه هو الاعمى قالوا ما نرى الذي تصنع الا سحرا فارنا آية نعلم انك صادق قال ارأيتم ان اخبرتكم " بما تأكلون وما تدخرون " يقول ما اكلتم في بيوتكم قبل ان تخرجوا وما ذخرتم الليل، تعلمون اني صادق؟ قالوا نعم فكان يقول للرجل اكلت كذا وكذا وشربت كذا وكذا ورفعت كذا وكذا فمنهم من يقبل منه فيؤمن ومنهم من ينكر فيكفر، وكان لهم في ذلك آية ان كانوا مؤمنين.
     
    [103]
     
    وقال علي بن ابراهيم في قوله (ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم) وهو السبت والشحوم والطير الذي حرمه الله على بني اسرائيل قال وروى ابن ابي عمير عن رجل عن ابي عبدالله عليه السلام في قول الله تعالى (فلما احس عيسى عليه السلام منهم الكفر) اي لما سمع ورأى انهم يكفرون، والحواس الخمس التي قدرها الله في الناس السمع للصوت، والبصر للالوان وتمييزها، والشم لمعرفة الروائح الطيبة والخبيثة، والذوق للطعوم وتمييزها، واللمس لمعرفة الحار والبارد واللين والخشن.
     
    واما قوله (إذ قال الله يا عيسى اني متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن جميل بن صالح عن حمران بن اعين عن ابي جعفر عليه السلام قال ان عيسى عليه السلام وعد اصحابه ليلة رفعه الله اليه، فاجتمعوا اليه عند المساء وهم اثنا عشر رجلا فادخلهم بيتا ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينقض رأسه من الماء، فقال ان الله اوحى الي انه رافعي اليه الساعة ومطهري من اليهود فايكم يلقى عليه شبحى فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي، فقال شاب منهم انا ياروح الله قال فانت هوذا فقال لهم عيسى عليه السلام اما ان منكم لمن يكفر بي قبل ان يصبح اثنتي عشرة كفرة، فقال له رجل منهم انا هو يا نبي الله؟ فقال عيسى ان تحس بذلك في نفسك فلتكن هو ثم قال لهم عيسى (ع) اما انكم ستفترقون بعدي على ثلث فرق فرقتين مفتريتين على الله في النار وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة ثم رفع الله عيسى اليه من زاوية البيت وهم ينظرون اليه، ثم قال ابوجعفر (ع) ان اليهود جاء‌ت في طلب عيسى (ع) من ليلتهم فاخذوا الرجل الذي قال له عيسى (ع) ان منكم لمن يكفر بي من قبل ان يصبح اثنتي عشرة كفرة واخذوا الشاب الذي القي عليه شبح عيسى فقتل وصلب وكفر الذي قال له عيسى (ع) تكفر قبل ان تصبح اثنتي عشرة كفرة.
     
    [104]
     
    واما قوله (ان مثل عيسى عندالله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون - إلى قوله - فمن حاجك فيه بعد ما جاء‌ك من العلم) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن ابن سنان عن ابي عبدالله عليه السلام ان نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وكان سيدهم الاهتم والعاقب والسيد وحضرت صلاتهم فاقبلوا يضربون بالناقوس وصلوا، فقال اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله هذا في مسجدك فقال دعوهم فلما فرغوا دتوا من رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا إلى ما تدعون؟ فقال إلى شهادة " ان لا اله الا الله واني رسول الله وان عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث " قالوا فمن ابوه؟ فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال قل لهم ما تقولون في آدم (ع) اكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب وينكح فسألهم النبي صلى الله عليه وآله فقالوا نعم، فقال فمن ابوه؟ فبهتوا فبقوا ساكتين فانزل الله (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الآية) واما قوله (فمن حاجك فيه من بعد ما جاء‌ك من العلم إلى قوله فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فباهلوني فان كنت صادقا انزلت اللعنة عليكم وان كنت كاذبا نزلت علي، فقالوا انصفت فتواعدوا للمباهلة، فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم السيد والعاقب والاهتم ان باهلنا بقومه باهلناه، فانه ليس بنبي وان باهلنا باهل بيته خاصة فلا نباهله فانه لا يقدم على اهل بيته إلا وهو صادق، فلما اصبحوا جاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه امير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، فقال النصارى من هؤلاء فقيل لهم هذا إبن عمه ووصيه وختنه علي بن ابي طالب وهذه بنته فاطمة وهذان ابناه الحسن والحسين عليهم السلام، فعرفوا وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله نعطيك الرضى فاعفنا من المباهلة، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله على الجزية وانصرفوا.
     
    [105]
     
    وقوله (يااهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما انزلت التورية والانجيل الا من بعده افلا تعقلون) ثم قال (ها انتم هؤلاء) اي انتم يا هؤلاء (حاججتم فيما لكم به علم) يعني بما في التورية والانجيل (فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) يعني بما في صحف إبراهيم (والله يعلم وانتم لا تعلمون) ثم قال (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين) ثم وصف الله عزوجل من اولى الناس بابراهيم يحتج به، فقال (ان اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) قال حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن منصور بن يونس عن عمر بن يزيد قال ابوعبدالله عليه السلام انتم والله من آل محمد فقلت من انفسهم جعلت فداك؟ قال نعم والله من انفسهم ثلاثا ثم نظر الي ونظرت اليه فقال ياعمر إن الله يقول في كتابه " ان اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " وقوله (يا اهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) اي تعلمون ما في التورية من صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وتكتمونه وقوله (وقالت طائفة من اهل الكتاب آمنوا بالذي انزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) قال نزلت في قوم من اليهود قالوا آمنا بالذي جاء به محمد بالغداة وكفرنا به بالعشي وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما قد م المدينة وهو يصلي نحو بيت المقدس اعجب اليهود من ذلك فلما صرفه الله عن بيت المقدس إلى بيت الحرام وجدت(1) وكان صرف القبلة صلاة الظهر فقالوا صلى محمد الغداة واستقبل قبلتنا فآمنوا بالذي انزل على محمد وجه النهار واكفروا آخره، يعنون القبلة حين استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله المسجد الحرام، لعلهم يرجعون إلى قبلتنا.
     
    ___________________________________
     
    (1) وجدت اي حزنت.ج ز
     
    [106]
     
    قال علي بن ابراهيم في قوله (ومن اهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يوده اليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يوده اليك الا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الاميين سبيل) فان اليهود قالوا يحل لنا ان نأخذ مال الاميين والامييون الذين ليس معهم كتاب، فرد الله عليهم فقال (ويقولون علي الله الكذب وهم يعلمون) وقوله (ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) قال يتقربون إلى الناس بانهم مسلمون فيأخذون منهم ويخونونهم وما هم بمسلمين على الحقيقة وقوله (وان منهم افريقا يلون السنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله) قال كان اليهود يقولون شيئا ليس في التورية ويقولون هو في التورية فكذبهم الله وقوله (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين) اي ان عيسى لم يقل للناس اني خلقتكم فكونوا عبادا لي من دون الله ولكن قال لهم كونوا ربانيين اي علماء وقوله (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا) قال كان قوم يعبدون الملائكة، وقوم من النصارى زعموا ان عيسى رب، واليهود قالوا عزير ابن الله فقال، الله لا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين اربابا.
     
    واما وقوله (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه) فان الله اخذ ميثاق نببه اي محمد صلى الله عليه وآله على الانبياء ان يؤمنوا به وينصروه ويخبروا اممهم بخبره، حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابن مسكان عن ابي عبدالله عليه السلام قال ما بعث الله نبيا من لدن آدم فهلم جرا إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر امير المؤمنين عليه السلام وهو قوله " لتؤمنن به " يعني رسول الله صلى الله عليه وآله " ولتنصرنه " يعني امير المؤمنين عليه السلام ثم قال لهم في الذر (ء‌اقررتم وأخذتم على ذلكم
     
    [107]
     
    اصري) اي عهدي (قالوا اقررنا قال) الله للملائكة (فاشهدوا وإنا معكم من الشاهدين) وهذه مع الآية التي في سورة الاحزاب في قوله " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح الآية " والآية التي في سورة الاعراف قوله " وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم " قد كتبت هذه الثلاث آيات في ثلاث سور.
     
    ثم فال عزوجل (أفغير دين الله يبغون) قال أغير هذا الذي قلت لكم ان تقروا بمحمد ووصيه (وله اسلم من في السموات والارض طوعا وكرها) اي فرقا من السيف.
     
    ثم امر نبيه بالاقرار بالانبياء والرسل والكتب فقال قل يا محمد (آمنا بالله وما أنزل علينا وما انزل على إبراهيم وإسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) وقوله (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) فانه محكم.
     
    ثم ذكر الله عزوجل الذين ينقضون عهد الله في امير المؤمنين وكفروا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال (كيف يهدى الله قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا ان الرسول حق وجائهم البينات والله لا يهدى القوم الظالمين اولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس اجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون - إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من احدهم ملا الارض ذهبا ولو افتدى به اولئك لهم عذاب اليم وما لهم من ناصرين) فهذه كلها في اعداء آل محمد ثم قال (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) اي لن تنالوا الجزء الثواب حتى تردوا على آل محمد حقهم من الخمس والانفال والفئ.
     
    واما قوله (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التورية) قال ان يعقوب كان يصيبه عرق النساء فحرم على
     
    [108]
     
    نفسه لحم الجمل فقال اليهود ان لحم الجمل محرم في التورية، فقال عزوجل لهم (فاتوا بالتورية فاتلوها إن كنتم صادقين) انما حرم هذا إسرائيل على نفسه ولم يحرمه على الناس وهذا حكاية عن اليهود ولفظه لفظ الخبر.
     
    (وقوله ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة) قال معنى بكة ان الناس يبك(1) بعضهم بعضا في الزحام وقوله (ومن دخله كان آمنا) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن حفص بن البحتري عن ابي عبدالله عليه السلام في الرجل يجني الجناية في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم قال لا يقام عليه الحد ولا يكلم ولا يسقى ولا يطعم ولا يباع منه، إذا فعل ذلك به يوشك ان يخرج فيقام عليه الحد وإذا جنى في الحرم جناية اقيم عليه الحد في الحرم لانه لم ير للحرم حرمة، وقوله (ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر) اي من ترك الحج وهو مستطيع فقد كفر، والاستطاعة هي القوة والزاد والراحلة، وقوله (اتقوا الله حق تقاته) فانه منسوخ بقوله " اتقوا الله ما استطعتم " وقوله (واعتصموا بحبل الله جميعا) قال التوحيد والولاية وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (ولا تفرقوا) قال ان الله تبارك وتعالى علم انهم سيفترقون بعد نبيهم ويختلفون فنهاهم عن التفرق كما نهى من كان قبلهم فامرهم ان يجتمعوا على ولاية آل محمد عليهم السلام ولا يتفرقوا.
     
    وقال على بن ابراهيم في قوله (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم) فانها نزلت في الاوس والخزرج كان الحرب بينهم مأة سنة لا يضعون السلاح بالليل ولا بالنهار حتى ولد عليه الاولاد فلما بعث الله نبيه اصلح بينهم فدخلوا في الاسلام وذهبت العداوة من قلوبهم برسول الله صلى الله عليه وآله وصاروا اخوانا، وفى رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (ولتكن
     
    ___________________________________
     
    (1) بكبك القوم اي ازدحموا، ج-ز
     
    [109]
     
    منكم امة يدعون إلى الخير) فهذه الآية لآل محمد صلى الله عليه وآله ومن تابعهم يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
     
    قال علي بن ابراهيم في قوله (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه - إلى قوله - ففي رحمة الله هم فيها خالدون) فانه حدثني ابي عن صفوان بن يحيى عن ابي الجارود عن عمران بن هيثم عن مالك بن ضمرة عن ابي ذر رحمة الله عليه قال لما نزلت هذه الآية يوم " تبيض وجوه وتسود وجوه " قال رسول الله صلى الله عليه وآله يرد علي امتي يوم القيامة على خمس رايات، فراية مع عجل هذه الامة فاسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون اما الاكبر فخرفناه ونبذناه ورآء ظهورنا واما الاصغر فعاديناه وابغضناه وظلمناه، فاقول ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم يرد علي راية مع فرعون هذه الامة، فاقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون اما الاكبر فحرفناه ومزقناه وخالفناه واما الاصغر فعاديناه وقاتلناه، فاقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم ترد علي رايه مع سامري هذه الامة فاقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون اما الاكبر فعصيناه وتركناه واما الاصغر فخذلناه وضيعناه وصنعنا به كل قبيح فاقول ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم ثم ترد علي راية ذى الثدية مع اول الخوارج وآخرهم فاسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون اما الاكبر ففرقناه (فمزقناه ط) وبرئنا منه واما الاصغر فقاتلناه وقتلناه، فاقول ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم ترد علي راية مع امام المتقين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين ووصي رسول رب العالمين، فاقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدى فيقولون اما الاكبر فاتبعناه واطعناه واما الاصغر فاحببناه وواليناه ووازرناه ونصرناه حتى اهرقت فيهم دماؤنا، فاقول ردوا الجنة رواء مرويين مبيضة وجوهكم ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فاما الذين اسودت وجوههم اكفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم
     
    [110]
     
    تكفرون واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون " قوله (كنتم خير امة اخرجت للناس) وحدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابن سنان قال قرئت عند ابي عبدالله عليه السلام " كنتم خير امة اخرجت للناس " فقال ابوعبدالله عليه السلام " خير امة " يقتلون امير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام؟ فقال القاري جعلت فداك كيف نزلت؟ قال نزلت " كنتم خير ائمة اخرجت للناس " الا ترى مدح الله لهم " تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ".
     
    وقوله (ضربت عليهم الذلة اينما ثقفوا الا بحبل من الله وحبل من الناس وبآؤ بغضب من الله) يعني بعهد من الله وعقد من رسول الله (وضربت عليهم المسكنة) اي الجوع وقوله (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) اي لن تجحدوه ثم ضرب للكفار من انفق ماله في غير طاعة الله مثلا فقال (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر) اي برد (اصابت حرث قوم ظلموا انفسهم فاهلكته (اى زرعهم) وما ظلمهم الله ولكن كانوا انفسهم يظلمون) وقوله (ياايها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم) نزلت في اليهود وقوله (لا يالونكم خبالا) اي عداوة وقوله (عضوا عليكم الانامل من الغيظ) قال اطراف الاصابع وقوله (وإذ غدوت من اهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم) فانه حدثني ابي عن صفوان عن ابن مسكان عن ابي بصير عن ابي عبدالله (ع) قال سبب نزول هذه الآية ان قريشا خرجت من مكة تريد حرب رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج يبغي موضعا للقتال.
     
    وقوله (اذ همت طائفتان منكم ان تفشلا) نزلت في عبدالله بن ابي وقوم من اصحابه اتبعوا رأيه في ترك الخروج عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله قال وكان سبب غزوة احد ان قريشا لما رجعت من بدر إلى مكة وقد اصابهم ما اصابهم من القتل والاسر لانه قتل منهم سبعون واسر منهم سبعون، فلما رجعوا
     
    [111]
     
    إلى مكة قال ابوسفيان يامعشر قريش لا تدعوا النساء تبكى على قتلاكم فان البكاء والدمعة إذا خرجت اذهبت الحزن والحرقة والعداوة لمحمد ويشمت بنا محمد واصحابه، فلما غزوا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم احد اذنوا لنساء‌هم بعد ذلك في البكاء والنوح، فلما ارادوا ان يغزوا رسول الله صلى الله عليه وآله إلى احد ساروا في حلفائهم من كنانة وغيرها فجمعوا الجموع والسلاح وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس والفي راجل واخرجوا معهم النساء يذكرنهم ويحثنهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله واخرج ابوسفيان هند بنت عتبة وخرجت معهم عمرة بنت علقمة الحارثية.
     
    فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك جمع اصحابه واخبرهم ان الله قد اخبره ان قريشا قد تجمعت تريد المدينة، وحث اصحابه على الجهاد والخروج، فقال عبدالله بن ابي (سلول ط) وقومه يا رسول الله لا تخرج من المدينة حتى نقاتل في ازقتها، فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والامة على افواه السكك وعلى السطوح فما ارادنا قوم قط فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودورنا وما خرجنا إلى اعدائنا قط الا كان الظفر لهم، فقام سعد بن معاذ رحمه الله وغيره من الاوس فقالوا يارسول الله ما طمع فينا احد من العرب ونحن مشركون نعبد الاصنام فكيف يطمعون فينا وانت فينا لا، حتى نخرج اليهم فنقاتلهم فمن قتل منا كان شهيدا ومن نجى منا كان قد جاهد في سبيل الله فقبل رسول الله قوله وخرج مع نفر من اصحابه يبتغون موضع القتال كما قال الله " واذ غدوت من اهلك تبوء المؤمنين إلى قوله - اذ همت طائفتان منكم ان تفشلا " يعني عبدالله بن ابي واصحابه، فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله معسكره مما يلي من طريق العراق وقعد عبدالله بن ابي وقومه من الخزرج اتبعوا رأيه، ووافت قريش إلى احد وكان رسول الله صلى الله عليه وآله عد اصحابه وكانوا سبعماء‌ة رجلا، فوضع عبدالله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب واشفق ان يأتي كمينهم في ذلك المكان فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعبدالله
     
    [112]
     
    ابن جبير واصحابه ان رأيتمونا قد هزمناهم حتى ادخلناهم مكة فلا تخرجوا من هذا المكان وان رأيتموهم قد هزمونا حتى ادخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا مراكزكم، ووضع ابوسفيان خالد بن الوليد في مأتى فارس كمينا، وقال لهم إذا رأيتمونا قد اختلطنا بهم فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا من ورائهم فلما اقبلت الخيل واصطفوا وعبأ(1) رسول الله صلى الله عليه وآله اصحابه دفع الراية إلى امير المؤمنين صلوات الله عليه فحملت الانصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة ووقع اصحاب رسول الله في سوادهم وانحط خالد بن الوليد في مأتي فارس، فلقي عبدالله بن جبير فاستقبلوهم بالسهام فرجعوا ونظر اصحاب عبدالله بن جبير إلى اصحاب رسول الله ينهبون سواد القوم، قالوا لعبدالله بن جبير تقيمنا ههنا وقد غنم اصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة، فقال لهم عبدالله اتقوا الله فان رسول الله صلى الله عليه وآله قد تقدم الينا ان لا نبرح، فلم يقبلوا منه واقبل ينسل رجل فرجل حتى اخلوا من مركزهم وبقي عبدالله بن جبير في اثنى عشر رجلا، وقد كانت راية قريش مع طلحة بن ابي طلحة العدوي من بني عبدالدار فبرز ونادى يا محمد ! تزعمون انكم تجهزونا باسيافكم إلى النار ونجهزكم باسيافنا إلى الجنة فمن شاء ان يلحق بجنته فليبرز الي، فبرز اليه امير المؤمنين عليه السلام يقول:
     
    ياطلح ان كنت كما تفول * لنا خيول ولكم نصول
     
    فاثبت لننظر اينا المقتول * واينا اولى بما تقول
     
    فقد اتاك الاسد الصؤل * بصارم ليس به فلول
     
    بنصرة القاهر والرسول فقال طلحة من انت يا غلام؟ قال انا علي بن ابي طالب قال قد علمت
     
    ___________________________________
     
    (1) عبأ الجيش اي رتبه في مواضعه وهيأه للقتال.ج-ز
     
    [113]
     
    ياقضيم(1) انه لا يجسر علي أحد غيرك، فشد عليه طلحة فضربه فاتقاه امير المؤمنين عليه السلام بالجحفة(2) ثم ضربه امير المؤمنين عليه السلام على فخذيه فقطعهما جميعا فسقط على ظهره، وسقطت الراية، فذهب على عليه السلام ليجهز(3) عليه فحلفه بالرحم فانصرف عنه فقال المسلمون ألا أجهزت عليه؟ قال قد ضربته ضربة لا يعيش منها أبدا، واخذ الراية ابوسعيد بن ابي طلحه فقتله علي عليه السلام وسقطت الراية علي الارض، فاخذها شافع (مسافع ط) بن ابي طلحة فقتله علي (ع) فسقطت الراية إلى الارض فاخذها عثمان بن ابي طلحة فقتله علي (ع) فسقطت الراية إلى الارض فاخذها الحارث بن ابى طلحة فقتله علي (ع)، فسقطت الراية إلى الارض، واخذها ابوعذير بن عثمان ففتله علي (ع) وسقطت الراية الي الارض فاخذها عبدالله بن ابى جميلة بن زهير فقتله علي (ع) وسقطت الراية إلى الارض، فقتل امير المؤمنين عليه السلام التاسع من بني عبدالدار وهو ارطاة بن شرحبيل مبارزة وسقطت الراية إلى الارض، فاخذها مولاهم صواب فضربه امير المؤمنين عليه السلام على يمينه فقطعها وسقطت الراية إلى الارض فاخذها بشماله فضربه اميرالمؤمنين عليه السلام على شماله فقطعها وسقطت الراية إلى الارض، فاحتضنها بيديه المقطوعتين ثم قال يا بني عبدالدار هل أعذرت فيما بيني وبينكم؟ فضربه امير المؤمنين عليه السلام على رأسه فقتله، وسقطت الراية إلى الارض، فاخذتها عمرة بنت علقمة الحارثية فقبضتها وانحط خالد بن الوليد على عبدالله بن جبير وقد فر أصحابه وبقى في نفر قليل فقتلوهم على باب شعب واستعقبوا المسلمين فوضعوا فيهم السيف، ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلاذوا بها واقبل خالد بن الوليد يقتلهم، فانهزم
     
    ___________________________________
     
    (1) القضيم الكاسر وسيأتي شرحه في عبارة المصنف (رحمه الله).
     
    (2) الترس.
     
    (3) اجهز على الجريح أي اسرع في قتله واثمه.ج-ز
     
    [114]
     
    اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله هزيمة قبيحة واقبلوا يصعدون في الجبال وفي كل وجه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه وقال: " اني أنا رسول الله إلى اين تفرون عن الله وعن رسوله؟ ".
     
    وحدثني ابي عن ابن ابي عمير عن هشام عن ابي عبدالله عليه السلام انه سئل عن معنى قول طلحة بن ابي طلحة لما بارزه علي عليه السلام ياقضيم، قال ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان بمكة لم يجسر عليه احد لموضع أبي طالب واغروا به الصبيان وكانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله يرمونه بالحجارة والتراب فشكى ذلك إلى علي عليه السلام فقال بابي أنت وامي يا رسول الله إذا خرجت فاخرجني معك فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه امير المؤمنين عليه السلام فتعرض الصبيان لرسول الله صلى الله عليه وآله كعادتهم فحمل عليهم امير المؤمنين عليه السلام وكان يقضمهم في وجوههم وآنا فيم وآذانهم فكانوا يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون قضمنا علي قضمنا علي فسمي لذلك " القضيم ".
     
    وروي عن ابي واثلة شقيق بن سلمة قال كنت اماشى فلانا اذ سمعت منه همهمة، فقلت له مه، ماذا يافلان؟ قال ويحك أما ترى الهزير(1) القضم ابن القضم، والضارب بالبهم، الشديد علي من طغى وبغى، بالسيفين والراية، فالتفت فاذا هو علي بن ابي طالب، فقلت له ياهذا هو علي بن ابي طالب، فقال ادن مني احدثك عن شجاعته وبطولته، بايعنا النبي يوم احد على ان لا نفر ومن فر منا فهو ضال ومن قتل منا فهو شهيد والنبي زعيمه، إذ حمل علينا مائة صنديد تحت كل صنديد مائة رجل أو يزيدون فازعجونا عن طحونتنا(2)
     
    ___________________________________
     
    (1) الهزبر كمنبر: الاسد، القضم كلقن: السيف المتكسر الحد ولا يكون كذلك إلا مع كثرة استعماله في الحروب، البهم كصرد: الشجاع المستبهم على اقرانه
     
    (2) الطحون والطحانة الكتيبة العظيمة.ج-ز
    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة
    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي
    [115]
     
    فرأيت عليا كالليث يتقي الذر (الدر ط) وإذ قد حمل كفا من حصى فرمى به في وجوهنا ثم قال شاهت الوجوه وقطت(1) وبطت ولطت، إلى اين تفرون، إلى النار، فلم ترجع، ثم كر علينا الثانية وبيده صفيحة يقطر منها الموت، فقال بايعتم ثم نكثتم، فوالله لانتم أولى بالقتل ممن قتل، فنظرت إلى عينيه كأنهما سليطان(2) يتوقدان نارا، أو كالقدحين المملوين دما، فما ظننت إلا ويأتي علينا كلنا، فبادرت انا اليه من بين اصحابي فقلت يا أبا الحسن الله الله، فان العرب تكر وتفر وان الكرة تنفي الفرة، فكأنه عليه السلام استحيى فولى بوجهه عني، فما زلت اسكن روعة فؤادي، فوالله ما خرج ذلك الرعب من قلبي حتى الساعة ".
     
    ولم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلا ابودجانة الانصاري، وسماك بن خرشة وامير المؤمنين عليه السلام، فكلما حملت طائفة على رسول الله صلى الله عليه وآله استقبلهم امير المؤمنين فيدفعهم عن رسول الله ويقتلهم حتى انقطع سيفه، وبقيت مع رسول الله صلى الله عليه وآله نسيبة بنت كعب المازنية، وكانت تخرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله في غزواته تداوي الجرحى، وكان ابنها معها فاراد ان ينهزم ويتراجع، فحملت عليه فقالت يا بني إلى اين تفر عن الله وعن رسوله؟ فردته، فحمل عليه رجل فقتله، فأخذت سيف ابنها فحملت علي الرجل فضربته على فخذه فقتلته، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بارك الله عليك يا نسيبة وكانت تقي رسول الله صلى الله عليه وآله بصدرها وثدييها ويديها حتى اصابتها جراحات كثيرة، وحمل ان قميتة (قمية ط) على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال أروني محمدا لا نجوت ان نجا محمد، فضربه علي حبل
     
    ___________________________________
     
    (1) كلها مبني للمفعول اى قطعت وشقت وضربت.
     
    (2) السليط كلقيط الزيت، ومنه خبر ابن عباس رأيت عليا وكأن عينيه سراجا سليط (مجمع) ج-ز
     
    [116]
     
    عاتقه، ونادى قتلت محمدا واللات والعزى، ونظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى رجل من المهاجرين قد القى ترسه خلف ظهره وهو في الهزيمة، فناداه " ياصاحب الترس ألق ترسك ومر إلى النار " فرمى بترسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يانسيبة خذي الترس فاخذت الترس وكانت تقاتل المشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله " لمقام نسيبة أفضل من مقام فلان وفلان " فلما انقطع سيف امير المؤمنين عليه السلام جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ان الرجل يقاتل بالسلاح وقد انقطع سيفي فدفع اليه رسول الله صلى الله عليه وآله سيفه " ذا الفقار " فقال قاتل بهذا، ولم يكن يحمل على رسول الله صلى الله عليه وآله احدا إلا يستقبله امير المؤمنين عليه السلام، فاذا رأوه رجعوا فانحاز رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ناحية احد، فوقف وكان القتال من وجه واحد وقد انهزم اصحابه فلم يزل امير المؤمنين (ع) يقاتلهم حتى اصابه في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة فتحاموه، وسمعوا مناديا ينادي من السماء " لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي " فنزل جبرئيل علي على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: " هذه والله المواساة يا محمد " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله " لاني منه وهو مني " وقال جبرئيل "وانا منكما".
     
    وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر، فكلما انهزم رجل من قريش رفعت اليه ميلا ومكحلة وقالت إنما انت امرأة فاكتحل بهذا، وكان حمزة بن عبدالمطلب يحمل على القوم فاذا رأوه انهزموا ولم يثبت له واحد وكانت هند بنت عتبة قد اعطت وحشيا عهدا لان قتلت محمدا او عليا او حمزة لاعطيتك رضاك وكان وحشي عبدا لجبير بن مطعم حبشيا، فقال وحشي اما محمد فلا اقدر عليه واما علي فرأيته رجلا حذرا كثير الالتفات فلم اطمع فيه قال فكمنت لحمزة فرأيته يهد الناس هدا فمر بي فوطى على جرف نهر فسقط، فاخذت حربتي فهززتها
     
    [117]
     
    ورميته فوقعت في خاصرته وخرجت من مثانته مغمسة بالدم فسقط فاتيته فشققت بطنه واخذت كبده واتيت بها إلى هند فقلت لها هذه كبد حمزة، فاخذتها في فيها فلاكتها فجعلها الله في فيها مثل الداغصة(1) فلفظتها ورمت بها فبعث الله ملكا فحملها وردها إلى موضعها، فقال ابوعبدالله عليه السلام يابى الله ان يدخل شيئا من بدن حمزة النار، فجاء‌ت اليه هند فقطعت مذاكيره وقطعت اذنيه وجعلتهما خرصين(2) وشدتهما في عنقها، وقطعت يديه ورجليه وتراجعت الناس فصارت قريش على الجبل، فقال ابوسفيان وهو على الجبل " اعلا هبل " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لامير المؤمنين عليه السلام قل له " الله اعلا واجل " فقال يا علي انه قد انعم علينا فقال علي عليه السلام بل الله انعم علينا ثم قال ابوسفيان يا علي اسألك باللات والعزى هل قتل محمد؟ فقال له امير المؤمنين عليه السلام لعنك الله ولعن الله اللات والعزى معك، والله ما قتل محمد صلى الله عليه وآله وهو يسمع كلامك، فقال انت اصدق، لعن الله ابن قميته زعم انه قتل محمدا.
     
    وكان عمرو بن قيس قد تأخر اسلامه فلما بلغه ان رسول الله صلى الله عليه وآله في الحرب اخذ سيفه وترسه واقبل كالليث العادي يقول اشهد ان لاإله إلا الله وان محمدا رسول الله ثم خالط القوم فاستشهد فمر به رجل من الانصار فرآه صريعا بين القتلى فقال يا عمرو أنت على دينك الاول؟ فقال معاذ الله، والله اني اشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله ثم مات، فقال رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يا رسول الله ان عمرو بن قيس قد اسلم فهو شهيد؟ فقال اي والله انه
     
    ___________________________________
     
    (1) الداغصة عظم مدور في الركبة.وفى ط مثل الفضة وهو بعيد
     
    (2) الخرصان تثنية الخرص كفلس حلفة الذهب او الفضة او الخرص ككفل وهو الجراب.ج-ز
     
    [118]
     
    شهيد، ما رجل لم يصل لله ركعة دخل الجنة غيره.
     
    وكان حنظلة بن ابي عامر رجل من الخزرج، قد تزوج في تلك الليلة التي كان في صببحتها حرب احد، بنت عبدالله بن ابي سلول ودخل بها في تلك الليلة، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله ان يقيم عندها فانزل الله: " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ان الذين يستأذنونك اولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فاذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم " فاذن له رسول الله صلى الله عليه وآله، فهذه الآية في سورة النور واخبار احد في سورة آل عمران فهذا دليل على ان التأليف على خلاف ما أنزله الله، فدخل حنظلة باهله وواقع عليها فاصبح وخرج وهو جنب، فحضر القتال فبعث امرأته إلى اربعة نفر من الانصار لما اراد حنظلة ان يخرج من عندها واشهدت عليه انه قد واقعها فقيل لها لم فعلت ذلك؟ قالت رأيت في هذه الليلة في نومي كأن السماء قد انفرجت فوقع فيها حنظلة ثم انظمت، فعلمت انها الشهادة فكرهت ان لا اشهد عليه، فحملت منه.
     
    فلما حضر القتال نظر حنظلة إلى ابي سفيان على فرس يجول بين العسكرين فحمل عليه فضرب عرقوب(1) فرسه فاكتسعت الفرص وسقط ابوسفيان إلى الارض وصاح يا معشر قريش انا ابوسفيان وهذا حنظلة يريد قتلي وعدا ابوسفيان ومر حنظلة في طلبه فعرض له رجل من المشركين فطعنه فمشى إلى المشرك في طعنه فضربه فقتله، وسقط حنظلة إلى الارض بين حمزة وعمرو بن الجموح وعبدالله بن حزام وجماعة من الانصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله رأيت الملائكة يغسلون حنظلة بين السماء والارض بماء المزن في صحائف من ذهب، فكان يسمى غسيل الملائكة.
     
    وروي ان مغيرة بن العاص كان رجلا أعسر فحمل في طريقة إلى احد ثلاثة
     
    ___________________________________
     
    (1) العرقوب بالضم عرق غليظ فوق عقب الانسان ومن الدابة في رجلها كالركبة في يدها.ق.ج ز
     
    [119]
     
    احجار، فقال بهذه اقتل محمدا، فلما حضر القتال نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وبيده السيف فرماه بحجر، فاصاب به رسول الله صلى الله عليه وآله فسقط السيف من يده فقال قتلته واللات والعزى فقال امير المؤمنين عليه السلام كذب لعنه الله، فرماه بحجر آخر فاصاب جبهته فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم حيره، فلما انكشف الناس تحير فلحقه عمار بن ياسر فقتله، وسلط الله على ابن قميته الشجر فكان يمر بالشجرة فيقع وسطها فتأخذ من لحمه فلم يزل كذلك حتى صار مثل الصرر(1) ومات لعنه الله ورجع المنهزمون من اصحاب رسول صلى الله عليه وآله فانزل الله على رسوله: (أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) يعني ولما يرى لانه عزوجل قد علم قبل ذلك من يجاهد ومن لا يجاهد فاقام العلم مقام الرؤية لانه يعاقب الناس بفعلهم لا بعلمه.
     
    قوله: (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه فقد رأيتموه وانتم تنظرون) وفي رواية ابي الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله: " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه الآية " فان المؤمنين لما اخبرهم الله بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر ومنازلهم من الجنة رغبوا في ذلك فقالوا اللهم ارنا القتال نستشهد فيه فاراهم الله اياه في يوم احد فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم، فذلك قوله: " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه " واما قوله: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات او قتل انفلبتم على اعقابكم (فان رسول الله صلى الله عليه وآله لما خرج يوم احد وعهد العاهد به على تلك الحال فجعل الرجل يقول لمن لقيه ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد قتل، النجاء(2) فلما رجعوا إلى المدينة انزل الله (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل إلى قوله انقلبتم على اعقابكم) يقول إلى الكفر وقوله: (وكأين من نبي قاتل معه رببون كثير)
     
    ___________________________________
     
    (1) الصرر كشرر: السنبل
     
    (2) النجاء كعلاء الخلاص.ج-ز
     
    [120]
     
    يقول كاي من نبي قبل محمد قاتل معه ربيون كثير والربيون الجموع الكثيرة والزبوة الواحدة عشرة آلاف يقول الله تبارك وتعالى: (فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله) من قبل نبيهم (وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا) يعنون خطاياهم (وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) قال علي بن ابراهيم في قوله: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على اعقابكم فتنقلبوا خاسرين) يعني عبدالله بن ابي حيث خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثم رجع يجبن اصحابه قال للمؤمنين يوم احد يوم الهزيمة ارجعوا إلى دينكم عن علي عليه السلام (بل الله مولاكم وهو خير الناصرين سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) يعني قريش (بما اشركوا بالله) قوله: (ولقد صدقكم اله وعده) يعني أن ينصركم الله عليهم (اذ تحسونهم باذنه) إذ تقتلونهم باذن الله (حتى اذا فشلتم وتنازعتم في الامر وعصيتم من بعد ما أريكم ما تحبون، منكم من يريد الدنيا) يعني اصحاب عبدالله بن جبير الذين تركوا مركزهم ومروا للغنيمة، قوله (ومنكم من يريد الآخرة) يعني عبدالله بن جبير واصحابه الذين بقوا حتى قتلوا (ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) أي يختبركم (ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين) ثم ذكر المنهزمين من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: (اذ تصعدون ولا تلوون على احد والرسول يدعوكم) إلى قوله (خبير بما تعملون) وفي رواية ابى الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (فاثابكم غما بغم) فاما الغم الاول فالهزيمة والقتل، واما الغم الآخر فاشراف خالد بن الوليد عليهم يقول (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم) من الغنيمة (ولا ما اصابكم) يعني قتل اخوانهم (فالله خبير بما تعملون ثم انزل عليكم من بعد الغم) قال يعني الهزيمة، ورجع إلى تفسير علي بن ابراهيم.
     
    قال وتراجع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله المجروحون وغيرهم، فاقبلوا
     
    [121]
     
    يعتذرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاحب الله يعرف رسوله من الصادق منهم ومن الكاذب، فانزل الله عليهم النعاس في تلك الحالة حتى كانوا يسقطون إلى الارض وكان المنافقون الذين يكذبون لا يستقرون قد طارت عقولهم وهم يتكلمون بكلام لا يفهم عنهم فانزل الله (نعاسا يغشى طائفة منكم) يعني المؤمنين و (طائفة قد اهمتهم انفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الامر من شئ) قال الله لمحمد صلى الله عليه وآله: (قل ان الامر كله لله، يخفون في انفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا ههنا) يقولون لو كنا في بيوتنا ما اصابنا القتل، قال الله: (لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور) فاخبر الله رسوله ما في قلوب القوم ومن كان منهم مؤمنا ومن كان منهم منافقا كاذبا بالنعاس فانزل الله عليه " ما كان الله ليدر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب " يعني المنافق الكاذب من المؤمن الصادق بالنعاس الذي ميز بينهم، وقوله: (ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان) اي خدعهم حتى طلبوا الغنيمة (ببعض ما كسبوا) قال بذنوبهم (ولقد عفا الله عنهم) ثم قال: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا) يعني عبدالله بن ابي واصحابه الذين قعدوا عن الحرب (وقالوا لاخوانهم اذا ضربوا في الارض او كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيى ويميت والله بما تعملون بصير) ثم قال لنبيه: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) اي انهزموا ولم يقيموا معك ثم قال تأديبا لرسوله (فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم هم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين ان ينصركم الله فلا غالب لكم وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل
     
    [122]
     
    المؤمنون) وفي رواية ابي الجارود عن ابى جعفر عليه السلام قي قوله: (ما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) وصدق الله لم يكن الله ليجعل نبيا غالا(1) (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) ومن غل شيئا رآه يوم القيامة في النار ثم يكلف ان يدخل اليه فيخرجه من النار (ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) واما قوله (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من انفسهم) فهذه الآية لآل محمد صلى الله عليه وآله واما قوله (أو لما أصابتكم مصيبة قد اصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم يقول بمعصيتكم اصابكم ما اصابكم ط - ان الله علي كل شئ قدير، وما أصابكم يوم التقى الجمعان فباذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله) فهم ثلاث مائة منافق رجعوا مع عبدالله بن ابى سلول فقال لهم جابر ابن عبدالله انشدكم الله في نبيكم ودينكم ودياركم فقالوا والله لا يكون قتال اليوم ولو نعلم انه يكون قتال اتبعناكم يقول الله (هم للكفر يومئذ اقرب منهم للايمان يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم والله اعلم بما يكتمون) وفي رواية على بن ابراهيم قوله ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فانهم ظالمون، وقوله " ولقد نصركم الله ببدر وانتم أذلة " قال ابوعبدالله عليه السلام ما كانوا اذلة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وإنما نزل " لقد نصركم ببدر وانتم ضعفاء ".
     
    فلما سكن القتال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من له علم بسعد بن الربيع فقال رجل انا اطلبه فاشار رسول الله صلى الله عليه وآله إلى موضع فقال اطلبه هناك فاني قد رأيته في ذلك الموضع قد شرعت حوله اثنا عشر رمحا، قال فاتيت ذلك الموضع فاذا هو صريع بين القتلى، فقلت يا سعد، فلم يجبني ثم قلت يا سعد فلم تجيبني فقلت يا سعد ان رسول الله صلى الله عليه وآله
     
    ___________________________________
     
    (1) غل غلولا خان.ج-ز
     
    [123]
     
    قد سأل عنك، فرفع رأسه فانتعش كما ينتعش الفرخ ثم قال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله لحي؟ قلت اي والله انه لحي وقد اخبرني انه رأى حولك اثنى عشر رمحا فقال الحمدلله صدق رسول الله صلى الله عليه وآله لقد طعنت اثنى عشر طعنة كله قد جأفتني(1) ابلغ قومي الانصار السلام وقل لهم والله ما لكم عند الله عذر إن تشوك رسول الله شوكة وفيكم عين تطرف، ثم تنفس فخرج منه مثل دم الجزور وقد كان اختفى في جوفه وقضى نحبه رحمه الله ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاخبرته فقال رحم الله سعدا نصرنا حيا واوصى بنا ميتا.
     
    ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله من له علم بعمي حمزة، فقال الحرث بن سمية انا اعرف موضعه فجاء حتى وقف على حمزة فكره ان يرجع إلى رسول الله فيخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لامير المؤمنين عليه السلام يا علي اطلب عمك فجاء علي عليه السلام فوقف على حمزة فكره ان يرجع اليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وقف عليه فلما رأى ما فعل به بكى ثم قال والله ما وقفت موقفا قط اغيظ علي من هذا المكان لان امكنني الله من قريش لامثلن بسبعين رجلا منهم، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال " وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بل اصبر، فهذه الآية في سورة النحل وكان يجب ان تكون في هذه السورة التي فيها اخبار احد، فالقى رسول الله صلى الله عليه وآله على حمزة بردة كانت عليه فكانت اذا مدها على رأسه بدت رجلاه واذا مدها على رجليه بدا رأسه، فمدها على رأسه والقى على رجليه الحشيش وقال لولا اني احذر نساء بني عبدالمطلب لتركته للعادية والسباع حتى يحشر يوم القيامة من بطون السباع والطير، وامر رسول الله صلى الله عليه وآله بالقتلى فجمعوا فصلى عليهم ودفنهم في مضاجعهم
     
    ___________________________________
     
    (2) جأفه اي صرعه.ج-ز
     
    [124]
     
    وكبر على حمزة سبعين تكبيرة، قال وصاح ابليس لعنه الله بالمدينة " قتل محمد " فلم يبق احد من نساء المهاجرين والانصار الا خرجن، وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله تعدو على قدميها حتى وافت رسول الله صلى الله عليه وآله وقعدت بين يديه فكان اذا بكى رسول الله صلى الله عليه وآله بكت لبكائه وإذا انتحب انتحبت، ونادى ابوسفيان موعدنا وموعدكم في عام قابل فتقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لامير المؤمنين عليه السلام قل نعم، وارتحل رسول الله صلى الله عليه وآله ودخل المدينة واستقبلته النساء يولولن ويبكين فاستقبلته زينت بنت جحش، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله احتسبي فقالت من يارسول الله؟ قال اخاك قالت إنا لله وإنا اليه راجعون هنيئا له الشهادة، ثم قال لها احتسبي قالت من يارسول الله؟ قال حمزة بن عبدالمطلب قالت إنا لله وإنا اليه راجعون هنيئا له الشهادة، ثم قال لها احتسبي قالت من يارسول الله؟ قال زوجك مصعب بن عمير، قالت واحزناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ان للزوج عند المرأة لحدا ما لاحد مثله، فقيل لها لم قلت ذلك في زوجك؟ قالت ذكرت يتم ولده.
     
    قال وتؤامرت قريش على ان يرجعوا على المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من رجل يأتينا بخبر القوم؟ فلم يجبه احد، فقال امير المؤمنين عليه السلام انا اتيك بخبرهم، قال اذهب فان كانوا ركبوا الخيل وجنبوا الابل فهم يريدون المدينة والله لان ارادوا المدينة لا يأذن الله فيهم، وان كانوا ركبوا الابل وجنبوا الخيل فانهم يريدون مكة، فمضى امير المؤمنين (ع) على ما به من الالم والجراحات حتى كان قريبا من القوم فرآهم قد ركبوا الابل وجنبوا الخيل فرجع امير المؤمنين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ارادوا مكة.
     
    فلما دخل رسول الله المدينة نزل عليه جبرئيل فقال يا محمد ان الله يأمرك ان تخرج في اثر القوم ولا يخرج معك الا من به جراحة، فامر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديا
     
    [125]
     
    ينادي يامعشر المهاجرين والانصار من كانت به جراحة فليخرج ومن لم يكن به جراحة فليقم، فاقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها فانزل الله على نبيه " ولا تهنوا في ابتغاء إن تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون " وهذه الآية في سورة النساء ويجب ان تكون في هذه السورة قال عزوجل (ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء) فخرجوا على ما بهم من الالم والجراح فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله بحمراء الاسد وقريش قد نزلت الروحا قال عكرمة بن ابي جهل والحارث بن هشام وعمرو بن عاص وخالد بن الوليد نرجع فنغير على المدينة فقد قتلنا سراتهم وكبشهم يعني حمزة، فوافاهم رجل خرج من المدينة فسألوه الخبر فقال تركت محمدا واصحابه بحمراء الاسد يطلبونكم جد الطلب فقال ابوسفيان هذا النكد والبغي قد ظفرنا بالقوم وبغينا والله ما افلح قوم قط بغوا، فوافاهم نعيم بن مسعود الاشجعي فقال ابوسفيان اين تريد؟ قال المدينة لامتار لاهلي طعاما، قال هل لك ان تمر بحمراء الاسد وتلقى اصحاب محمد وتعلمهم ان حلفاء‌نا وموالينا قد وافونا من الاحابيش(1) حتى يرجعوا عنا ولك عندي عشرة قلايص(2) املؤها تمرا وزبيبا؟ قال نعم، فوافا من غد ذلك اليوم حمراء الاسد، فقال لاصحاب محمد صلى الله عليه وآله اين تريدون؟ قالوا قريش، قال ارجعوا فان قريشا قد اجنحت اليهم حلفاؤهم ومن كان تخلف عنهم وما اظن الا واوائل القوم قد طلعوا عليكم الساعة، فقالوا (حسبنا الله ونعم الوكيل) ونزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ارجع يا محمد فان الله قد ارهب قريشا، ومروا
     
    ___________________________________
     
    (1) الاحابيش جمع احبوشة كاحدوثة وهي الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة.
     
    (2) جمع قلوص كمجوس وهى الابل ج-ز
     
    [126]
     
    لا يلوون على شئ ورجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وانزل الله (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما اصابهم الفرح للذين احسنوا منهم واتقوا اجر عظيم الذين قال لهم الناس) يعني نعيم بن مسعود فهذا اللفظ عام ومعناه خاص (ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم) فلما دخلوا المدينة قال اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما هذا الذي اصابنا؟ قد كنت تعدنا النصر، فانزل الله (او لما اصابتكم مصيبة قد اصبتم مثليها قلتم انى هذا قل هو من عند انفسكم) وذلك لان يوم بدر قتل من قريش سبعون وأسر منهم سبعون وكان الحكم في الاسارى القتل، فقامت الانصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يارسول الله هبهم لنا ولا تقتلهم حتى نفاديهم، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال ان الله قد اباح لهم الفداء ان يأخذوا من هؤلاء ويطلقوهم، على ان يستشهد منهم في عام قابل بقدر من يأخذوا منه الفداء من هؤلاء، فاخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بهذا الشرط، فقالوا قد رضينا به نأخذ العام الفداء من هؤلاء نتقوى به ويقتل منا في عام قابل بعدد ما نأخذ منهم الفداء وندخل الجنة، فاخذوا منهم الفداء وأطلقوهم، فلما كان في هذا اليوم وهو يوم احد قتل من اصحاب رسول الله سبعون، فقالوا يارسول الله ما هذا الذي اصابنا وقد كنت تعدنا بالنصر فانزل الله " او لما اصابتكم مصيبة قد اصبتم مثليها قلتم انى هذا قل هو من عند انفسكم " بما اشترطتم يوم بدر واما قوله (وما كان لنبي ان يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) فان هذه نزلت في حرب بدر، وهي مع الآيات التي في الانفال في اخبار بدر، وقد كتبت في هذه السورة مع اخبار احد، وكان سبب نزولها انه كان في الغنيمة التي اصابوها يوم بدر قطيفة حمراء ففقدت فقال رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما لنا لا نرى القطيفة ما اظن إلا أن
     
    [127]
     
    رسول الله أخذها، فانزل الله في ذلك، وما كان لنبي أن يغل..الخ.
     
    فجاء رجل إلى رسول الله فقال ان فلانا غل قطيفة فاخبأها هنا لك، فامر رسول الله صلى الله عليه وآله بحفر ذلك الموضع فاخرج القطيفة.
     
    واما قوله: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله) فانه حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن ابي عبيدة الحذاء عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال هم والله شيعتنا اذا دخلوا الجنة واستقبلوا الكرامة من الله استبشروا بمن لم يلحق بهم من اخوانهم من المؤمنين في الدنيا (ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وهو رد على من يبطل الثواب والعقاب بعد الموت واما قوله (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم) قال من بخل ولم ينفق ماله في طاعة الله صار ذلك يوم القيامة طوقا من نار في عنقه وهو قوله (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) واما قوله: (لقد سمع الله قول الذين قالو ان الله فقير ونحن اغنياء) قال والله ما رأوا الله تعالى فيعلموا انه فقير ولكنهم رأوا اولياء الله فقراء فقالوا لو كان الله غنيا لاغنى اولياء‌وه واما قوله (الذين قالوا ان الله عهد الينا ان لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار) فان قوما من اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله لن نؤمن لك حتى تأتينا بقربان تأكله النار وكان عند بني اسرائيل طست كانوا يقربون القربان فيضعونه في الطست فتجيئ نار فتقع فيه فتحرقه، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله لن نؤمن لك حتى تأتينا بقربان تأكله النار كما كان لبني اسرائيل فقال الله قل لهم يا محمد (قد جاء‌كم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم ان كنتم صادقين) وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله (فان كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤا بالبينات) هى الآيات (والزبر) وهى كتب الانبياء بالنبوة (والكتاب المنير) الحلال والحرام.
     
    [128]
     
    قال علي بن ابراهيم واما قوله (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز) اي؟ نجى؟ من النار (وما الحيوة الدنيا إلا متاع الغرور) حدثني ابى عن سليمان الديلمي عن ابى بصير عن ابى عبدالله عليه السلام قال اذا كان يوم القيامة يدعى محمد صلى الله عليه وآله فيكسى حلة وردية ثم يقام على يمين العرش ثم يدعى بابراهيم عليه السلام فيكسى حلة بيضاء فيقام عن يسار العرش، ثم يدعى بعلي امير المؤمنين عليه السلام فيكسى حلة وردية فيقام على يمين النبي صلى الله عليه وآله ثم يدعي باسماعيل فيكسى حلة بيضاء فيقام على يسار ابراهيم، ثم يدعى بالحسن عليه السلام فيكسى حلة وردية فيقام على يمين امير المؤمنين عليه السلام ثم يدعى بالحسين (ع) فيكسى حلة وردية فيقام على يمين الحسن (ع) ثم يدعى بالائمة فيكسون حللا وردية ويقام كل واحد على يمين صاحبه، ثم يدعى بالشيعة فيقومون أمامهم ثم يدعى بفاطمة ونسائها من ذريتها وشيعتها فيدخلون الجنة بغير حساب، ثم ينادي مناد من بطنان العرش من قبل رب العزة والافق الاعلى نعم الاب ابوك يا محمد وهو ابراهيم ونعم الاخ اخوك وهو علي بن ابى طالب عليه السلام ونعم السبطان سبطاك وهما الحسن والحسين ونعم الجنين جنينك وهو محسن ونعم الائمة الراشدون من ذريتك وهم فلان وفلان، ونعم الشيعة شيعتك ألا ان محمدا ووصيه وسبطيه والائمة من ذريته هم الفائزون ثم يؤمر بهم إلى الجنة وذلك قوله: " فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز " وفي رواية ابي الجارود عن ابى جعفر (ع) في قوله: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) وذلك ان الله اخذ ميثاق الذين اوتوا الكتاب في محمد لتبيننه للناس اذا خرج ولا يكتمونه (فنبذوه وراء ظهورهم) يقول نبذوا عهد الله وراء ظهورهم (واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون).قال علي بن ابراهيم في قوله (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون
     
    [129]
     
    أن يحمدوا بما لما يفعلوا) نزلت في المنافقين الذين يحبون ان يحمدوا على غير فعل، وفي رواية ابى الجارود عن ابي جعفر (ع) قوله (ولا تحسبنهم بمفازة من العذاب) يقول ببعيد من العذاب (ولهم عذاب اليم).
     
    قال علي بن ابراهيم في قوله (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) يعني الصحيح يصلي قائما والمريض يصلي جالسا وعلى جنوبهم يعني مضطجعا يؤمي إيماء‌ا إلى قوله (ما للظالمين من انصار) فهو محكم (ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان) يعني رسول الله ينادي إلى الايمان إلى قوله (انك لا تخلف الميعاد) ثم ذكر امير المؤمنين عليه السلام واصحابه المؤمنين فقال (فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم) يعني امير المؤمنين وسلمان واباذر حين اخرج (واوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لاكفرن عنهم سيئاتهم ولادخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب) ثم قال لنبيه (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم ماويهم جهنم وبئس المهاد) واما قوله (وان من اهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل اليكم وما انزل اليهم خاشعين لله) فهم قوم من اليهود والنصارى دخلوا في الاسلام، منهم النجاشي واصحابه، واما قوله (اصبروا وصابروا ورابطوا) فانه حدثني ابي عن ابي بصير (ابن ابى عمير ط) عن ابن مسكان عن ابي عبدالله عليه السلام قال اصبروا على المصائب وصابروا على الفرائض ورابطوا على الائمة عليهم السلام، وحدثني ابي عن الحسن (الحسين ط) بن خالد عن الرضا عليه السلام قال إذا كان يوم القيامة ينادي مناد اين الصابرون؟ فيقوم فئام(1) من الناس ثم ينادي اين المتصبرون، فيقوم فئام من الناس، قلت جعلت فداك وما الصابرون؟ قال على اداء الفرايض والمتصبرون علي اجتناب المحارم.
     
    ___________________________________
     
    (1) الفئام جماعة من الناس، لا واجد له.ج-ز
    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة