Rss Feed

  1. تفسير القمى
    الجزء الاول


    لابى الحسن على بن ابراهيم القمى رحمه الله


    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

    هذا الكتاب
    نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف
    شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي
    بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

    لابى الحسن على بن ابراهيم القمى رحمه الله
     
    (من اعلام القرنين 3 - 4 ه‍)
     
    بسم الله الرحمن الرحيم
     
    الحمد لله الواحد الاحد الصمد المتفرد الذى لا من شئ خلق(1) ما كون بل بقدرته، بان بها من الاشياء وبانت الاشياء منه فليست له صفة تنال ولا حد يضرب فيه الامثال كل دون صفاته تحبير(2) اللغات، وضل هنالك تصاريف الصفات وحار في اداني ملكوته عميقات مذاهب التفكير، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير، وحال دون غيبة المكنون حجب من الغيوب وتاهت في ادنى ادانيها طامحات العقول، فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن وتعالى الذي ليس لنعته حد محدود ولا وقت ممدود، ولا اجل معدود، فسبحان الذي ليس له اول متبداء ولا غاية منتهى، سبحانه كما هو وصف نفسه والواصفون لا يبلغون نعته، حد الاشياء كلها بعلمه عند حلقه وابانها ابانة لها من شبهها بما لم يحلل فيها فيقال هو فيها كاين ولم يناء عنها فيقال هو منها باين، ولم يخل منها فيقال له اين، لكنه سبحانه احاط بها علمه واتقنها صنعه واحصاها حفظه فلم يعزب عنه خفيات هبوب الهواء ولا غامض سرائر مكنون ظلم الدجى، ولا ما في السموات العلى إلى الارضين السفلى وعلى كل شئ منها حافظ ورقيب وبكل شئ منها محيط هو الله الواحد الاحد رب العالمين والحمد لله الذي جعل العمل في الدنيا والجزاء في الآخرة وجعل لكل شئ قدرا ولكل قدر اجلا ولكل اجل كتابا يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب والحمد لله الذي جعل الحمد شكرا والشكر طاعة والتكبير جلالة وتعظيما
     
    ___________________________________
     
    (1) اي لم يخلق الكون من شئ انما خلقه بقدرته بدون شئ فلفظ " قدرته " مجرور من بواسطة العطف على " شئ ".ج-ز
     
    (2) حبر الكلام اي حسنه وزينه.ج-ز
     
    [2]
     
    فلا اله الا هو اخلاصا نشهد به فانه قال عزوجل " ستكتب شهادتهم ويسألون " وقال " الا من شهد بالحق وهم يعلمون " تشهد به بلجة(1) صدرونا وعارفة قلوبنا قد شيط به(2) لحومنا ودماؤنا واشعارنا وابشارنا واسماعنا وابصارنا واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلوات الله عليه ارسله بكتاب قد فصله واحكمه واعزه وحفظه بعلمه وواضحه بنوره وايده بسلطانه واحكمه من ان يميل سهوا ويأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه تنزيل من حكيم حميد، لا تفنى عجائبه من قال به صدق ومن عمل به احيز؟ ومن خاصم به فلج ومن قال به نصر ومن قام به هدى إلى صراط مستقيم ومن تركه من الجبابرة قصمه الله ومن ابتغى العلم من غيره اضله الله وهو حبل الله المتين فيه بيان ما كان قبلكم والحكم فيما بينكم وخبر معادكم انزله الله بعلمه واشهد الملائكة بتصديقه فقال " لكن الله يشهد بما انزل اليك انزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا " فجعله نورا يهدى التي هي اقوم فقال " اتبعوه ما انزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه اولياء قليلا ما يتذكرون " ففي اتباع ما جاء من الله عزوجل الفوز العظيم وفي تركه الخطا المبين فجعل في اتباعه كل خير يرجى في الدنيا والآخرة، والقرآن آمر وزاجر حد فيه الحدود وسن فيه السنن وضرب فيه الامثال وشرع فيه الدين وغدا من سببه حجة على خلقه اخذ عليهم ميثاقهم وارتهن لهم انفسهم لينبئ لهم ما يأتون وما يبتغون ليهلك من هلك عن بينه ويحيى من حي عن بينة وان الله سميع عليم وقال امير المؤمنين صلوات الله عليه وآله " ايها الناس ان الله عزوجل بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وآله بالهدى وانزل عليه الكتاب بالحق وانتم اميون عن الكتاب ومن انزله وعن الرسول ومن ارسله، ارسله على حين فترة من الرسل وطول هجعة(3) من الامم وانبساط من
     
    ___________________________________
     
    (1) بلج صدره اى انشرح.
     
    (2) شيط اي نضج.
     
    (3) الهجعة النوم.
     
    [3]
     
    الجهل واعترض من الفتنة وانتقاص من البرم وعمى عن الحق وانتشار من الخوف واعتساف من البحور وامتحاق من الدين وتلظى من الحروب وعلى حين اصفرار من رياض جنات الدنيا ويبوس من اغصانها وانتشار من ورقها ويأس من ثمرها واغورار من مائها، فقد درست اعلام الهدى وظهرت اعلام الردى والدنيا متهجمة(1) في وجوه اهلها متكفهرة مدبرة غير مقبلة ثمرتها الفتنة وطعامها الجيفة وشعارها الخوف ودثارها السيف قد مزقهم كل ممزق فقد اعمت عيون اهلها واظلمت عليهم ايامها قد قطعوا ارحامهم وسفكوا دمائهم ودفنو في التراب الموؤدة بينهم من اولادهم يجتاز دونهم طيب العيش ورفاهته، خوط(2) لا يرجون من الله ثوابا ولا يخافون الله عقابا حيهم اعمى نجس ميتهم في النار مبلس فجاء‌هم النبي صلى الله عليه وآله بنسخة ما في الصحف الاولى وتصديق الذي بين يديه وتفصيل الحلال وبيان الحرام وذلك القرآن فاستنطقوه فلن ينطق لكم، اخبركم عنه ان فيه علم ما مضى وعلم ما يأتى إلى يوم القيامة وحكم ما بينكم وبيان ما اصبحتم فيه مختلفون فلو سألتمونى عنه لاخبرتكم عنه لانى اعلمكم ".
     
    وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع في مسجد الخيف " انى فرطكم(3) وانكم واردون على الحوض، حوض عرضه ما بين بصرة وصنعاء، فيه قد حان من فضة عدد النجوم الاوانى سائلكم عن الثقلين قالوا يا رسول الله وما الثقلان؟ قال كتاب الله الثقل الاكبر طرف بيد الله وطرف بايديكم فتمسكوا به لن تضلوا ولن تزلوا والثقل الاصغر عترتى واهل بيتي فانه قد نبأنى اللطيف الخبير انهما لن يفترقا
     
    ___________________________________
     
    (1)الهجمة اول ما يهجم من ظلام الليل والمراد هنا مطلق الظلمة وكذا مكفهرة، وفى ط متجهمة اى عابسة ج.ز
     
    (2) الخوط الغصن الناعم او كل قضيب يعني انهم كانوا غير ذوى حنك وتدبير
     
    (3) الفرط المتقدم والمعنى انى اتقدمكم إلى الحوض.ج.ز
     
    [4]
     
    حتى يردا على الحوض كاصبعي هاتين - وجمع بين سبابتيه - ولا اقول كهاتين - وجمع بين سبابته والوسطى - فتفضل هذه على هذه " فالقرآن عظيم قدره جليل خطره بين ذكره من تمسك به هدى ومن تولى عنه ضل وزل فافضل ما عمل به القرآن لقول الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وآله " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " وقال " وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم " ففرض الله عزوجل على نبيه صلى الله عليه وآله ان يبين الناس ما في القرآن من الاحكام والقوانين والفرايض والسنن وفرض على الناس التفقه والتعليم والعمل بما فيه حتى لا يسع احدا جهله ولا يعذر في تركه ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهى الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم واوجب ولايتهم ولا يقبل عمل الا بهم وهم الذين وصفهم الله تبارك وتعالى وفرض سؤالهم والاخذ منهم فقال " فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون " فعلمهم عن رسول الله وهم الذين قال في كتابه وخاطبهم في قوله تعالى " يا ايها الناس آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتبيكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا (القرآن) ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا - انتم يا معشر الائمة - شهداء على الناس " فرسول الله صلى الله عليه وآله شهيد عليهم وهم شهداء على الناس فالعلم عندهم والقرآن معهم ودين الله عزوجل الذي ارتضاه لانبيائه وملائكته ورسله منهم يقتبس وهو قول امير المؤمنين عليه السلام " الا ان العلم الذي هبط به آدم عليه السلام من السماء إلى الارض وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين عندي وعند عترة خاتم النبيين فاين يتاه بكم بل اين تذهبون وقال ايضا امير المؤمنين عليه السلام في خطبته " ولقد علم المستحفظون من اصحاب محمد صلى الله عليه وآله انه قال انى واهل بيتي مطهرون فلا تسبقوهم فتضلوا ولا تتخلفوا عنهم فتزلوا ولا تخالفوهم فتجهلوا ولا تعلموهم فانهم اعلم منكم
     
    [5]
     
    هم اعلم الناس كبارا واحلم الناس صغارا فاتبعوا الحق واهله حيث كان ففي الذي ذكرنا من عظيم خطر القرآن وعلم الائمة عليهم السلام كفاية لمن شرح الله صدره ونور قلبه وهداه لايمانه ومن عليه بدينه وبالله نستعين وعليه نتوكل وهو حسبنا ونعم الوكيل " (قال ابوالحسن على بن ابراهيم الهاشمى القمى ط) فالقرآن منه ناسخ، ومنه منسوخ، ومنه محكم، ومنه متشابه، ومنه عام، ومنه خاص، ومنه تقديم، ومنه تأخير، ومنه منقطع، ومنه معطوف، ومنه حرف مكان حرف، ومنه على خلاف ما انزل الله(1)، ومنه ما لفظه عام ومعناه خاص، ومنه ما لفظه خاص ومعناه عام، ومنه آيات بعضها في سورة وتمامها في سورة اخرى ومنه ما تأويله في تنزيله ومنه ما تاويله مع تنزيله، ومنه ما تأويله قبل تنزيله، ومنه تأويله بعد تنزيله، ومنه رخصة اطلاق بعد الحظر، ومنه رخصة صاحبها فيها بالخيار ان شاء فعل وان شاء ترك، ومنه رخصة ظاهرها خلاف باطنها يعمل بظاهرها ولا يدان بباطنها، ومنها ما على لفظ الخبر ومعناه حكاية عن قوم، ومنه آيات نصفها منسوخة ونصفها متروكة على حالها، ومنه مخاطبة لقوم ومعناه لقوم آخرين، ومنه مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى امته، ومنه ما لفظه مفرد ومعناه جمع، ومنه ما لا يعرف تحريمه الا بتحليله، ومنه رد على الملحدين، ومنه رد على الزنادقة، ومنه رد على الثنوية ومنه رد على الجهمية، ومنه رد على الدهرية، ومنه رد على عبدة النيران، ومنه رد على عبدة الاوثان، ومنه رد على المعتزلة، ومنه رد على القدرية، ومنه رد على المجبرة، ومنه رد على من انكر من المسلمين الثواب والعقاب بعد الموت يوم القيامة، ومنه رد على من انكر المعراج والاسراء، ومنه رد على من انكر الميثاق
     
    ___________________________________
     
    (1) مراده رحمه الله منه الآيات التي حذفت منها الفاظ على الظاهر كالآيات التي نزلت في امير المؤمنين عليه السلام مثل قوله تعالى ياايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك (في علي عليه السلام) وسيأتى تفصيل القول في ذلك عند محله.- ز.
     
    [6]
     
    في الذر، ومنه رد على من انكر خلق الجنة والنار، ومنه رد على من انكر المتعة والرجعة، ومنه رد على من وصف الله عزوجل، ومنه مخاطبة الله عزوجل لامير المؤمنين والائمة عليهم السلام وما ذكره الله من فضايلهم وفيه خروج القائم واخبار الرجعة وما وعد الله تبارك وتعالى الائمة عليهم السلام من النصرة والانتقام من اعدائهم، وفيه شرايع الاسلام واخبار الانبياء عليهم السلام ومولدهم ومبعثهم وشريعتهم وهلاك امتهم، وفيه ما نزل بمغازي النبي صلى الله عليه وآله، وفيه ترهيب وفيه ترغيب، وفيه امثال، وفيه اخبار وقصص، ونحن ذاكرون جميع ما ذكرنا ان شاء الله في اول الكتاب مع خبرها ليستدل بها على غيرها وعلم ما في الكتاب وبالله التوفيق والاستعانة وعليه نتوكل وبه نستعين ونستجير والصلاة على محمد وآله الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
     
    فاما الناسخ والمنسوخ فان عدة النساء كانت في الجاهلية اذا مات الرجل تعتد امرأته سنة فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله لم ينقلهم عن ذلك وتركهم على عاداتهم وانزل الله تعالى بذلك قرآنا فقال " والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج "(1) فكانت العدة حولا فلما قوى الاسلام انزل الله " الذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشر(2) فنسخت قوله " متاعا إلى الحول غير اخراج " ومثله ان المرأة كانت في الجاهلية اذا زنت تحبس في بيتها حتى تموت والرجل يوذى فانزل الله في ذلك " واللاتى ياتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن اربعة منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفيهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا(3) " وفى الرجل " واللذان يأتيانها منكم فاذوهما فان تابا واصلحا فاعرضوا عنهما ان الله كان توابا
     
    ___________________________________
     
    (1) البقرة 240.
     
    (2) البقرة 234.
     
    (3) النساء 14
     
    [7]
     
    رحيما(1) " فلما قوى الاسلام انزل الله " الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منها ماء‌ة جلدة(2) " فمسخت تلك ومثله كثير نذكره في مواضعه ان شاء الله تعالى واما المحكم فمثل قوله تعالى " يا ايها الذين آمنوا اذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وارجلكم إلى الكعبين(3) " ومثله " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير(4) " ومنه قوله " حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم واخواتكم(5) " الآية إلى آخرها فهذه كله محكم قد استغنى بتنزيله عن تأويله ومثله كثير.
     
    واما المتشابه فما ذكرنا مما لفظه واحد ومعناه مختلف فمنه الفتنة التي ذكرها الله تعالى في القرآن فمنها عذاب وهو قوله " يوم هم على النار يفتنون(6) " اي يعذبون وقوله " الفتنة اكبر من القتل(7) " وهي الكفر ومنه الحب وهو قوله " انما اموالكم واولادكم فتنة(8) " يعني بها الحب ومنها اختبار وهو قوله " الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون(9) " اي لا يختبرون ومثله كثير نذكره في مواضعه ومنه الحق وهو على وجوه كثيرة ومنه الضلال وهو على وجوه كثيرة فهذا من المتشابه الذي لفظه واحد ومعناه مختلف.
     
    واما ما لفظه عام ومعناه خاص فمثل قوله تعالى " يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم وانى فضلتكم على العالمين(10) " فلفظه عام ومعناه خاص لانه فضلهم على عالمي زمانهم باشياء خصهم بها وقوله " واوتيت من كل شئ(11) "
     
    ___________________________________
     
    (1) النساء 15.
     
    (2) النور 2.
     
    (3) المائدة 7.
     
    (4) المائدة 173.
     
    (5) النساء 22.
     
    (6) الذاريات 13.
     
    (7) البقرة 191.
     
    (8) الانفال 28.
     
    (9) العنكبوت 2.
     
    (10) البقرة 122.
     
    (11) النمل 23
     
    [8]
     
    يعني بلقيس فلفظه عام ومعناه خاص لانها لم توت اشياء كثيرة منها الذكر واللحية وقوله " ريح فيها عذاب اليم تدمر كل شئ بامر ربها(1) " لفظه عام ومعناه خاص لانها تركت اشياء كثيرة لم تدمرها.
     
    واما ما لفظه خاص ومعناه عام فقوله " من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا(2) " فلفظ الآية خاص في بني اسرائيل ومعناها عام في الناس كلهم.
     
    واما التقديم والتأخير فان آية عدة النساء الناسخة مقدمة على المنسوخة لان في التأليف قد قدمت آية " عدة النساء اربعة اشهر وعشرا(3) " على آية " عدة سنة كاملة(4) " وكان يجب اولا ان تقرأ المنسوخة التي نزلت قبل ثم الناسخة التي نزلت بعده وقوله " افمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة(5) " فقال الصادق عليه السلام انما نزل " افمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه اماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى " وقوله " وقالوا ما هى الا حياتنا الدنيا نموت ونحيى(5) " وانما هو يحيى ويميت لان الدهرية لم يقروا بالبعث بعد الموت وانما قالوا " نحيا ونموت " فقدموا حرفا على حرف وقوله " يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي(7) " ايضا هو " اركعي واسجدي " وقوله " فلعلك باخع(8) نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا " وانما
     
    ___________________________________
     
    (1) الاحقاف 25.
     
    (2) المائدة 35.
     
    (3) الذين يتوفون منكم ويذرون ازواحا يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا - البقرة 234..
     
    (4) والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج البقرة 240..
     
    (5) الهود 17.
     
    (6) الجاثية 23.
     
    (7) آل عمران 43.
     
    (8) بخع نفسه كاد ان يهلكها من غضب او غم
     
    [9]
     
    هو " فلعلك باخع نفسك على آثارهم اسفا ان لم يؤمنوا بهذا الحديث " ومثله كثير.
     
    واما المنقطع المعطوف فهي آيات نزلت في خبر ثم انقطعت قبل تمامها وجائت آيات غيرها ثم عطف بعد ذلك على الخبر الاول مثل قوله عزوجل " وابراهيم اذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون انما تعبدون من دون الله اوثانا وتخلقون افكا ان الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له اليه ترجعون " ثم انقطع خبر ابراهيم فقال مخاطبة لامة محمد " وان تكذبوا فقد كذب امم من قبلكم وما على الرسول الا البلاغ المبين او لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده ان ذلك على الله يسير " إلى قوله " اولئك يئسوا من رحمتي واولئك لهم عذاب اليم " ثم عطف بعد هذه الآيات على قصة ابراهيم فقال " وما كان جواب قومه الا ان قالوا اقتلوه او حرقوه فانجاه الله من النار(1) " ومثله في قصة لقمان قوله " واذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنى لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم " ثم انقطعت وصية لقمان لابنه فقال " ووصينا الانسان بوالديه حملته امه وهنا على وهن " إلى قوله " فانبئكم بما كنتم تعملون " ثم عطف على خبر لقمان فقال " يا بنى انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة او في السماوات او في الارض يأت بها..الخ(2) " ومثله كثير.
     
    واما ما هو حرف مكان حرف فقوله " لئلا يكون للناس على الله حجة الا الذين ظلموا منهم(3) " يعني ولا للذين ظلموا منهم وقوله " يا موسى لا تخف انى لا يخاف لدي المرسلون الا من ظلم(4) " يعني ولا من ظلم وقوله " ما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا الا خطأ(5) " يعني ولا خطأ وقوله " ولا
     
    ___________________________________
     
    (1) العنكبوت 24.
     
    (2) لقمن 16.
     
    (3) البقرة 150.
     
    (4) النمل 10.
     
    (5) النساء 91
     
    [10]
     
    يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم(1) " يعني حتى تنقطع قلوبهم ومثله كثير.
     
    واما ما هو كان على خلاف ما انزل الله فهو قوله " كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله(2) " فقال ابوعبدالله عليه السلام لقاري هذه الآية " خير امة " يقتلون امير المؤمنين والحسن والحسين بن علي عليه السلام؟ فقيل له وكيف نزلت يابن رسول الله؟ فقال انما نزلت " كنتم خير ائمة اخرجت للناس " الا ترى مدح الله لهم في آخر الآية " تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ومثله آية قرئت على ابى عبدالله عليه السلام " الذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما(3) " فقال ابوعبدالله عليه السلام لقد سألوا الله عظيما ان يجعلهم للمتقين اماما فقيل له يابن رسول الله كيف نزلت؟ فقال انما نزلت " الذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعل لنا من المتقين اماما " وقوله " له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله(4) " فقال ابوعبدالله كيف يحفظ الشئ من امر الله وكيف يكون المعقب من بين يديه فقيل له وكيف ذلك يابن رسول الله؟ فقال انما نزلت " له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بامر الله ومثله كثير.
     
    واما ما هو محرف منه فهو قوله " لكن الله يشهد بما انزل اليك في على انزله بعلمه والملائكة يشهدون(5) " وقوله " يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك في على فان لم تفعل فما بلغت رسالته(6) " وقوله " ان الذين كفروا
     
    ___________________________________
     
    (1) التوبة 111.
     
    (2) آل عمران 110.
     
    (3) الفرقان 74.
     
    (4) الرعد 10.
     
    (5) النساء 166.
     
    (6) المائدة 70.
     
    [11]
     
    وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم(1) " وقوله " وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم اي منقلب ينقلبون(2) " وقوله " ولو ترى الذين ظلموا آل محمد حقهم في غمرات الموت(3) " ومثله كثير نذكره في مواضعه.
     
    واما ما لفظه جمع ومعناه واحد وهو جار في الناس فقوله " يا ايها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا اماناتكم(4) " نزلت في ابي لبابة بن عبدالله بن المنذر خاصة وقوله " يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم اولياء(5) " نزلت في حاطب بن ابي بلتعه وقوله " الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا ليكم(6) " نزلت في نعيم ابن مسعود الاشجعي وقوله " ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن(7) " نزلت في عبدالله بن نفيل خاصة ومثله كثير نذكره في مواضعه.
     
    واما ما لفظه واحد ومعناه جمع فقوله " وجاء ربك والملك صفا صفا(8) " فاسم الملك واحد ومعناه جمع وقوله " الم تر ان الله يسجد له من في السموات والارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر(9) " فلفظ الشجر واحد ومعناه جمع.
     
    واما ما لفظه ماض وهو مستقبل فقوله " ونفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الارض الا من شاء الله وكل اتوه داخرين(10) " وقوله
     
    ___________________________________
     
    (1) النساء 167.
     
    (2) الشعرا 227.
     
    (3) الآية الموجودة في المصحف هكذا " ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت " الانعام 93.
     
    (4) الانفال 27.
     
    (5) الممتحنة 1.
     
    (6) آل عمران 173.
     
    (7) التوبة 62.
     
    (8) الفجر 22.
     
    (9) الحج 18.
     
    (10) النمل 87
     
    [12]
     
    " ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض الا من شاء الله ثم نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون واشرقت الارض بنور ربها ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو اعلم بما يفعلون(1) " إلى آخر الآية فهذا كله ما لم يكن بعد وفي لفظ الآية انه قد كان ومثله كثير.
     
    واما الآيات التي هى في سورة وتمامها في سورة اخرى فقوله في سورة البقرة في قصة بني اسرائيل حين عبر بهم موسى البحر وأغرق الله فرعون واصحابه وانزل موسى ببني اسرائيل فانزل الله عليهم المن والسلوى فقالوا لموسى " لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها فقال لهم موسى " اتستبدلون الذي هو ادنى بالذي هو خير اهبطوا مصر فان لكم ما سألتم(2) فقالوا له يا موسى " ان فيها قوما جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون(3) " فنصف الآية في سورة البقرة ونصفها في سورة المائدة وقوله " اكتتبها فهي تملئ عليه بكرة واصيلا(4) " فرد الله عليهم " وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون(5) " فنصف الآية في سورة الفرقان ونصفها في سورة القصص والعنكبوت ومثله كثير نذكره في مواضعه.
     
    واما الآية التي نصفها منسوخة ونصفها متروكة على حالها فقوله " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن(6) " وذلك ان المسلمين كانوا ينكحون اهل الكتاب من اليهود والنصارى وينكحونهم فانزل الله " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن
     
    ___________________________________
     
    (1) الزمر 68.
     
    (2) البقرة 61.
     
    (3) المائدة 24.
     
    (4) الفرقان 5.
     
    (5) العنكبوت 48.
     
    (6) البقرة 221
    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة
    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي
    [13]
     
    ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو اعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو اعجبكم " فنهى الله ان ينكح المسلم المشركة أو ينكح المشرك المسلمة ثم نسخ قوله " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " بقوله في سورة المائدة " وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم اذا اتيتموهن اجورهن(1) " فنسخت هذه الآية قوله " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " وترك قوله " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا " لم ينسخ لانه لا يحل للمسلم ان ينكح المشركة ويحل له ان يتزوج المشركة من اليهود والنصارى، وقوله " وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص(2) " ثم نسخت هذه الآية بقوله " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى(3) " فنسخت قوله " النفس بالنفس إلى قوله السن بالسن " ولم ينسخ قوله " الجروح قصاص " فنصف الآية منسخوة ونصفها متروكة.
     
    واما ما تأويله في تنزيله فكل آية نزلت في حلال او حرام مما لا يحتاج فيها إلى تأويل مثل قوله " حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم واخواتكم وعماتكم وخالاتكم(4) " وقوله " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير(5) " ومثله كثير مما تأويله في تنزيله وهو من المحكم الذي ذكرناه.
     
    واما ما تأويله مع تنزيله فمثل قوله " اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم(6) " فلم يستغن الناس بتنزيل الآية حتى فسر لهم الرسول من اولوا
     
    ___________________________________
     
    (1) البقرة 5.
     
    (2) المائدة 48.
     
    (3) البقرة 178.
     
    (4) النساء 22.
     
    (5) المائدة 173.
     
    (6) النساء 58
     
    [14]
     
    الامر وقوله " اتقوا الله وكونوا مع الصادقين(1) " فلم تستغن الناس الذين سمعوا هذا من النبي بتنزيل الآية حتى عرفهم النبي صلى الله عليه وآله من الصادقون وقوله " يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " فلم يستغن الناس حتى اخبرهم النبى صلى الله عليه وآله كم يصومون وقوله " اقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " فلم تستغن الناس بهذا حتى اخبرهم النبي كم يصلون وكم يصومون وكم يزكون.
     
    واما ما تأويله قبل تنزيله فالامور التي حدثت في عصر النبي صلى الله عليه وآله مما لم يكن عند النبي فيها حكم مثل الظهار فان العرب في الجاهلية كانوا اذا ظاهر الرجل من امرأته حرمت عليه إلى الابد فلما هاجر رسول الله إلى المدينة ظاهر رجل من امرأته يقال له اوس بن الصامت فجاء‌ت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاخبرته بذلك فانتظر النبي صلى الله عليه وآله الحكم من الله فانزل الله تبارك وتعالى " الذين يظاهرون منكم من نسائهم ماهن امهاتهم ان امهاتهم الا اللائي ولدنهم(2) " ومثله ما نزل في اللعان وغيره مما لم يكن عند النبي صلى الله عليه وآله فيه حكم حتى نزل عليه القرآن به من عند الله عزوجل فكان التأويل قد تقدم التنزيل.
     
    واما ما تأويله بعد تنزيله فالامور التي حدثت في عصر النبي صلى الله عليه وآله وبعده من غصب آل محمد حقهم وما وعدهم الله به من النصر على اعدائهم وما اخبر الله به من اخبار القائم وخروجه واخبار الرجعة والساعة في قوله " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون(3) " وقوله " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا(4) " نزلت في القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وقوله
     
    ___________________________________
     
    (1) التوبة 120.
     
    (2) المجادلة 2.
     
    (3) الانبياء 105.
     
    (4) النور 55
     
    [15]
     
    " نريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض(1) " ومثله كثير مما تأويله بعد تنزيله.
     
    واما ما هو متفق اللفظ ومختلف المعنى فقوله " واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي اقبلنا فيها(2) " يعني اهل القرية واهل العير وقوله " وتلك القرى اهلكناهم لما ظلموا " يعني اهل القرى، ومثله كثير نذكره.
     
    واما الرخصة التي هى بعد العزيمة فان الله تبارك وتعالى فرض الوضوء والغسل بالماء فقال " يا ايها الذين آمنوا اذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وارجلكم إلى الكعبين وان كنتم جنبا فاطهروا " ثم رخص لمن لم يجد الماء التيمم بالتراب فقال " وان كنتم مرضى او على سفر او جاء احد منكم من الغايط او لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه(3) " ومثله " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين(4) " ثم رخص فقال " وان خفتم فرجالا او ركبانا " وقوله " فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم " فقال العالم عليه السلام الصحيح يصلي قائما والمريض يصلي جالسا فمن لم يقدر فمضطجعا يؤمي ايماء فهذه رخصة بعد العزيمة.
     
    واما الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار ان شاء اخذ وان شاء ترك فان الله عزوجل رخص ان يعاقب الرجل الرجل على فعله به فقال " وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفى واصلح فاجره على الله(5) " فهذا بالخيار ان شاء عاقب وان شاء عفى واما الرخصة التي ظاهرها خلاف باطنها يعمل بظاهرها ولا يدان بباطنها
     
    ___________________________________
     
    (1) القصص 5.
     
    (2) يوسف 82.
     
    (3) المائدة 6.
     
    (4) البقرة 238.
     
    (5) الشورى 40
     
    [16]
     
    فان الله تبارك وتعالى نهى ان يتخذ المؤمن الكافر وليا فقال " لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ(1) " ثم رخص عند التقية ان يصلي بصلاته ويصوم بصيامه ويعمل بعمله في ظاهره وان يدين الله في باطنه بخلاف ذلك فقال " الا ان تتقوا منهم تقاة(2) " فهذا تفسير الرخص ومعنى قول الصادق عليه السلام ان الله تبارك وتعالى يحب ان يؤخذ برخصه كما يجب ان يؤخذ بعزايمه.
     
    واما ما لفظه خبر ومعناه حكاية فقوله " ولبثوا في كهفهم ثلاث ماء‌ة سنين وازدادوا تسعا(3) " وهذا حكاية عنهم والدليل على انه حكاية ما رد الله عليهم بقوله " قل الله اعلم بما لبثوا له غيب السموات والارض " وقوله يحكي قول قريش " ما نعبدهم الا ليقربونا إلى الله زلفى(4) " فهو على لفظ الخبر ومعناه حكاية ومثله كثير نذكره في مواضعه.
     
    واما ما هو مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى لامته فقوله " يا ايها النبي اذا طلقتم؟؟ النساء فطلقوهن لعدتهن(5) " والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى لامته وقوله " لا تدع مع الله الها آخر فتلقى في جهنم مذموما مدحورا(6) " ومثله كثير مما خاطب الله به نبيه صلى الله عليه وآله والمعنى لامته وهو قول الصادق عليه السلام ان الله بعث نبيه صلى الله عليه وآله باياك اعني واسمعي ياجارة.
     
    واما ما هو مخاطبة لقوم ومعناه لقوم آخرين فقوله " وقضينا إلى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن (انتم يا معشر امة محمد) في الارض مرتين ولتعلن علوا كبيرا(7) " فالمخاطبة لبني اسرائيل والمعنى لامة محمد صلى الله عليه وآله.
     
    ___________________________________
     
    (1) آل عمران 28.
     
    (2) آل عمران 28.
     
    (3) الكهف 25.
     
    (4) الزمر 3.
     
    (5) الطلاق 1.
     
    (6) اسرى 18.
     
    (7) اسرى 4
     
    [17]
     
    واما الرد على الزنادقة فقوله " ومن نعمره ننكسه في الخلق افلا يعقلون(1) " وذلك ان الزنادقة زعمت ان الانسان انما يتولد بدوران الفلك فاذا وقعت النطفة في الرحم تلقتها الاشكال والغذاء ومر عليه الليل والنهار ويكبر لذلك فقال الله تبارك وتعالى ردا عليهم " ومن نعمره ننكسه في الخلق افلا يعقلون " يعني من يكبر ويعمر يرجع إلى حد الطفولية ويأخذ في النقصان والنكس فلو كان هذا كما زعموا لوجب ان يزيد الانسان ابدا ما دامت الاشكال قائمة والليل والنهار يدوران عليه فلما بطل هذا وكان من تدبير الله عزوجل اخذ في النقصان عند منتهى عمره.
     
    واما الرد على الثنوية فقوله " ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله اذا لذهب كل إله بما خلق(2) " قال لو كان الهان لطلب كل واحد منهما العلو واذا شاء واحد ان يخلق انسانا شاء الآخر ان يخالفه فيخلق بهيمة فتكون الخلق منهما على مشيتهما واختلف ارادتهما بخلق انسان وبهيمة في حالة واحدة وهذا من اعظم المحال غير موجود واذا بطل هذا ولم يكن بينهما اختلاف بطل الاثنان وكان واحدا فهذا التدبير واتصاله وقوام بعضه ببعض بالاهوا والارادات والمشيات تدل على صانع واحد وهو قوله عزوعلا ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله اذا لذهب كل إله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض وقوله " ولو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا(3) ".
     
    واما الرد على عبدة الاوثان فقوله " ان الذين تدعون من دون الله عباد امثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم ان كنتم صادقين ألهم ارجل يمشون بها ام لهم ايد يبطشون بها ام لهم اعين يبصرون بها ام لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا
     
    ___________________________________
     
    (1) يس 68.
     
    (2) المومنون 92.
     
    (3) الانبياء 22
     
    [18]
     
    شركاء‌كم ثم كيدون فلا تنظرون(1) " وقوله يحكى قول ابراهيم عليه السلام " اتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم اف لكم ولما تعبدون من دون الله افلا تعقلون(2) " وقوله " قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا(3) " وقوله " افمن يخلق كمن لا يخلق افلا تذكرون(4) " ومثله كثير مما هو رد على الزنادقة وعبدة الاوثان واما ما هو رد على الدهرية زعموا ان الدهر لم يزل ولا يزال ابدا وليس له مدبر ولا صانع وانكروا البعث...والنشور فحكى الله عزوجل قولهم فقال " وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيى وانما قالوا نحيى ونموت وما يهلكنا الا الدهر وما لهم بذلك من علم ان هم الا يظنون؟(5).
     
    فرد الله عليهم فقال عزوجل " يا ايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الارحام ما نشاء إلى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا اشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى ارذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا(6) " ثم ضرب للبعث والنشور مثلا فقال: " وترى الارض هامدة - اي يابسة - مبتة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج يهيج - اي حسن - ذلك بان الله هو الحق وانه يحيى الموتى وانه على كل شئ قدير وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور(7) " وقوله " الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فاذا اصاب به
     
    ___________________________________
     
    (1) الاعراف 194.
     
    (2) الانبياء 67.
     
    (3) الاسراء 56.
     
    (4) النحل 17.
     
    (5) الجاثية 23.
     
    (6) الحج 5.
     
    (7) الحج 7
     
    [19]
     
    من يشاء من عباده اذا هم يستبشرون وان كانوا من قبل ان ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الارض بعد موتها ان ذلك لمحي الموتى(1) " وقوله " افلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج والارض مددناها والفينا فيها رواسي وانبتنا فيها من كل زوج بهيج إلى قوله واحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج(2) " وقوله " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيى العظام وهى رميم قل يحييها الذى انشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم(3) " ومثله كثير مما هو رد على الدهرية.
     
    واما الرد على من انكر الثواب والعقاب(4) فقوله " يوم يأت لا تكلم نفس الا باذنه فمنهم شقي وسعيد فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالذين فيها ما دامت السموات والارض(5) " واما قوله ما دامت السموات والارض انما هو في الدنيا فاذا قامت القيامة تبدل السموات والارض وقوله النار يعرضون عليها غدوا وعشيا(6) " فالغدو والعشي انما يكون في الدنيا في دار المشركين واما في القيامة فلا يكون غدوا ولا عشيا قوله " لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا(7) " يعني في جنان الدنيا التي تنتقل اليها ارواح المؤمنين فاما في جنات الخلد فلا يكون غدوا ولا عشيا وقوله من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون(8) " فقال الصادق عليه السلام البرزخ القبر وفيه الثواب والعقاب بين الدنيا
     
    ___________________________________
     
    (1) الروم 50.
     
    (2) ق 11.
     
    (3) يس 79.
     
    (4) المراد من الثواب والعقاب ما هو في دار الدنيا المسمى بالبرزخ كما هو ظاهر من تقريب الاستدلال بالآيات الآتية..
     
    (5) هو 107.
     
    (6) المومن 46.
     
    (7) مريم 62.
     
    (8) المومنون 101
     
    [20]
     
    والآخرة والدليل على ذلك ايضا قول العالم عليه السلام والله ما نخاف عليكم الا البرزخ وقوله عزوجل " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون(1) قال الصادق عليه السلام يستبشرون والله في الجنة بمن لم يلحقوا بهم من خلفهم من المؤمنين في الدنيا ومثله كثير مما هو رد على من انكر عذاب القبر.
     
    واما الرد على من انكر المعراج والاسراء فقوله " وهو بالافق الاعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى(2) " وقوله " وسئل من ارسلنا من قبلك من رسلنا(3) " وقوله " فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك(4) " يعني الانبياء عليه السلام وانما رآهم في السماء لما اسري به.
     
    واما الرد على من انكر الرؤية فقوله " ما كذب الفؤاد ما راى افتمارونه على ما يرى ولقد راه نزلة اخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى(5) " قال ابوالحسن علي بن ابراهيم بن هاشم حدثني ابي عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال قال يا احمد ما الخلاف بينكم وبين اصحاب هشام بن الحكم في التوحيد فقلت جعلت فداك قلنا نحن بالصورة للحديث الذي روي ان رسول الله صلى الله عليه وآله راى ربه في صورة شاب وقال هشام بن الحكم بالنفي للجسم فقال يا احمد ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسري به إلى السماء وبلغ عند سدرة المنتهى خرق له في الحجب مثل سم لابرة فرأى من نور العظمة ما شاء الله ان يرى واردتم انتم التشبيه دع هذا يا احمد لا ينفتح عليك هذا امر عظيم
     
    ___________________________________
     
    (1) آل عمران 170.
     
    (2) النجم 9.
     
    (3) الزخرف 45.
     
    (4) يونس 94.
     
    (5) النجم 15
     
    [21]
     
    واما الرد على من انكر خلق الجنة والنار فقوله " عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى " والسدرة المنتهى في السماء السابعة وجنة المأوى عندها قال علي بن ابراهيم حدثني ابي عن حماد عن ابي عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسرى بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت قصرا من ياقوتة حمراء يرى داخلها من خارجها وخارجها من داخلها من ضيائها وفيها بيتان من در وزبرجد فقلت يا جبرئيل لمن هذا القصر فقال هذا لمن اطاب الكلام وادام الصيام واطعم الطعام وتهجد بالليل والناس نيام فقال امير المؤمنين يارسول الله وفي امتك من يطيق هذا فقال ادن مني يا علي فدنا منه فقال اتدري ما اطابة الكلام قال الله ورسوله اعلم قال من قال سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر اتدري ما ادامة الصيام قال الله ورسوله اعلم قال من صام رمضان ولم يفطر منه يوما وتدري ما اطعام الطعام قال الله ورسوله اعلم قال من طلب لعياله ما يكف به وجوههم عن الناس وتدري ما التهجد بالليل والناس نيام قال الله ورسوله اعلم قال من لم ينم حتى يصلي العشاء الآخرة ويعنى بالناس نيام اليهود والنصارى فانهم ينامون ما بينها وبهذا الاسناد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسرى بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت فيها قيعان(1) تفق ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة وربما امسكوا فقلت لهم مالكم ربما بنيتم وربما امسكتم فقالوا حتى تجيئنا النفقة فقلت وما نفقتكم فقالوا قول المؤمن في الدنيا سبحان الله والحمد لله ولا آله الا الله والله اكبر فاذا قال بنينا واذا امسك امسكنا وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسرى بي إلى سبع سماواته اخذ بيدي جبرئيل فادخلني الجنة فاجلسني على
     
    ___________________________________
     
    (1) القيعان جمع قاعة وهى ارض سهلة لا عوج فيها و " تفق " اى تعادل والمقصود العرصات المتساوية المتعادلة وفى ط " يقق " ككتف اى شديد البياض ج-ز
     
    [22]
     
    درنوت(1) من درانيك الجنة فناولني سفرجلة فانفلقت نصفين فخرجت من بينهما حوراء فقامت بين يدي فقالت السلام عليك يا محمد السلام عليك يا احمد السلام عليك يا رسول الله فقلت وعليك السلام من انت فقالت انا الراضية المرضية خلقني الجبار من ثلاثة انواع اسفلى من المسك ووسطى من العنبر واعلاى من الكافور وعجنت بماء الحيوان ثم قال جل ذكره لي كوني فكنت(2) لاخيك ووصيك علي بن ابي طالب صلوات الله عليه قال وقال ابوعبدالله عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكثر تقبيل فاطمة عليها السلام فغضبت من ذلك عايشة صلى الله عليه وآله وقالت يا رسول الله صلى الله عليه وآله انك تكثر تقبيل فاطمة عليها السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عايشة انه لما اسري بى إلى السماء دخلت الجنة فادنانى جبرائيل عليه السلام من شجرة طوبى وناولني من ثمارها فاكلته فلما هبطت إلى الارض حول الله ذلك ماء في ظهري فواقعت بخديجة فحملت بفاطمة فما قبلتها إلا وجدت رايحة شجرة طوبى منها ومثل ذلك كثير مما هو رد على من انكر المعراج وخلق الجنة والنار.
     
    واما الرد على المجبرة الذين قالوا ليس لنا صنع ونحن مجبرون يحدث الله لنا الفعل عند الفعل وانما الافعال هى منسوبة إلى الناس على المجاز لا على الحقيقة وتأولوا في ذلك آيات من كتاب الله عزوجل لم يعرفوا معناها مثل قوله " وما تشاؤن الا ان يشاء الله " وقوله " ومن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا " وغير ذلك من الآيات التي تأويلها على خلاف معانيها وفيما قالوه ابطال للثواب والعقاب واذا قالوا ذلك ثم اقروا بالثواب والعقاب نسبوا الله إلى الجور وانه يعذب العبد على غير اكتساب وفعل تعالى الله عن ذلك
     
    ___________________________________
     
    (1) بضم الدال وكسرها نوع من البسط له خمل.
     
    (2) هكذا موجود في العبارة لكن الاحتمال ان الساقط منها هو قول النبي صلى الله عليه وآله " لمن انت؟ قالت ".ج-ز
     
    [23]
     
    علوا كبيرا ان يعاقب احدا على غير فعله وبغير حجة واضحة عليه والقرآن كله رد عليهم قال الله تبارك وتعالى" لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت(1) " فقوله عزوجل لها وعليها هو على الحقيقة لفعلها وقوله " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره(2) " وقوله " كل نفس بما كسبت رهينة(3) " وقوله ذلك بما قدمت ايديكم(4) " وقوله " واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى(5) " وقوله " انا هديناه السبيل " يعني بينا له طريق الخير وطريق الشر " اما شاكرا واما كفورا " قوله " وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين وقارون وفرعون وهامان ولقد جاء‌هم موسى بالبينات فاستكبروا في الارض وما كانوا سابقين فكلا اخذنا بذنبه - لم يقل لفعلنا - فمنهم من ارسلنا عليه حاصبا ومنهم من اخذته الصيحة ومنهم من حسفنا به وبداره الارض ومنهم من اغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون(6) " ومثله كثير نذكره ونذكر ما احتجت به المجبرة من القرآن الذي لم يعرفوا معناه وتفسيره في مواضعه ان شاء الله.
     
    واما الرد على المعتزلة فان الرد من القرآن عليهم كثير وذلك ان المعتزلة قالوا نحن نخلق افعالنا وليس لله فيها صنع ولا مشية ولا ارادة ويكون ما شاء ابليس ولا يكون ما شاء الله واحتجوا انهم خالقون لقول الله عزوجل تبارك الله احسن الخالقين فقالوا في الخلق خالقون غير الله فلم يعرفوا معنى الخلق وعلى كم
     
    ___________________________________
     
    (1) البقرة 286.
     
    (2) الزلزال 8.
     
    (3) المدثر 38.
     
    (4) آل عمران 182 والانفعال 52.
     
    (5) حم السجدة 17.
     
    (6) العنكبوت 40
     
    [24]
     
    وجه هو فسئل الصادق عليه السلام أفوض الله إلى العباد امرا؟ فقال الله اجل واعظم من ذلك فقيل فاجبرهم على ذلك؟ فقال الله اعدل من ان يجيرهم على فعل ثم يعذبهم عليه فقيل له فهل بين هاتين المنزلتين منزلة قال نعم فقيل ما هي فقال سر من اسرار ما بين السماء والارض وفي حديث آخر قال سئل هل بين الجبر والقدر منزلة قال نعم قيل فما هي قال سر من اسرار الله قال هكذا خرج الينا قال وحدثني محمد بن عيسى ابن عبيد عن يونس قال قال الرضا عليه السلام يا يونس لا تقل بقول القدرية فان القدرية لم يقولوا بقول اهل الجنة ولا بقول اهل النار ولا بقول ابليس فان اهل الجنة قالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله ولم يقولوا بقول اهل النار فان اهل النار قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وقال ابليس رب بما اغويتني فقلت يا سيدي والله ما اقول بقولهم ولكني اقول لا يكون الا ما شاء الله وقضى وقدر فقال ليس هكذا يا يونس ولكن لا يكون الا ما شاء الله واراد وقدر وقضى أتدري ما المشية يايونس قلت لا قال هو الذكر الاول أتدري ما الارادة قلت لا قال العزيمة على ماشاء الله وتدري ما التقدير قلت لا قال هو وضع الحدود من الآجال والارزاق والبقاء والفناء وتدري ما القضاء قلت لا قال هو اقامة العين ولا يكون الا ما شاء الله عني الذكر الاول.
     
    واما الرد على من انكر الرجعة فقوله " ويوم نحشر من كل امة فوجا(1) " قال وحدثني ابى عن ابن ابى عمير عن حماد عن ابى عبدالله عليه السلام قال ما يقول الناس في هذه الآية ويوم نحشر من كل امة فوجا قلت يقولون انها في القيامة قال ليس كما يقولون ان ذلك في الرجعة أيحشر الله في القيامة من كل امة فوجا ويدع الباقين انما آية القيامة قوله " وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا " وقوله " وحرام
     
    ___________________________________
     
    (1) النمل 83
     
    [25]
     
    على قرية اهلكناها انهم لا يرجعون(1) " فقال الصادق عليه السلام كل قرية اهلك الله اهلها بالعذاب ومحضوا(2) الكفر محضا لا يرجعون في الرجعة واما في القيامة فيرجعون اما غيرهم ممن لم يهلكوا بالعذاب (ومحضو الايمان محصنا اوط) ومحضوا الكفر محضا يرجعون قال وحدثني ابي عن ابن ابى عمير عن عبدالله بن مسكان عن ابى عبدالله عليه السلام في قوله واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء‌كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه(3) قال ما بعث الله نبيا من لدن آدم إلى عيسى عليه السلام الا ان يرجع إلى الدنيا فينصر امير المؤمنين (ع) وهو قوله " لتؤمنن به " يعني رسول الله ولتنصرنه يعني امير المؤمنين ومثله كثير وما وعد الله تبارك وتعالى الائمة عليهم السلام من الرجعة والنصرة فقال " وعد الله الذين آمنوا منكم (يا معشر الائمة) وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بى شيئا " فهذا مما يكون اذا رجعوا إلى الدنيا وقوله " ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض " فهذا كله مما يكون في الرجعة قال وحدثني ابى عن احمد بن النضر عن عمر بن شمر قال ذكر عند ابى جعفر (ع) جابر فقال رحم الله جابرا لقد بلغ من علمه انه كان يعرف تأويل هذه الآية " ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " يعني الرجعة ومثله كثير نذكره في مواضعه.
     
    واما الرد على من وصف الله عزوجل فقوله " وان إلى ربك المنتهى(4) " قال حدثني ابى عن ابن ابى عمير عن جميل عن ابى عبدالله (ع) قال اذا انتهى
     
    ___________________________________
     
    (1) الانبياء 95.
     
    (2) محض فلان الود: اي اخلصه.
     
    (3) آل عمران 81.
     
    (4) النجم 42
     
    [26]
     
    الكلام إلى الله فامسكوا وتكلموا فيما دون العرش ولا تكلموا فيما فوق (العرش، فان قوما تكلموا فيما فوق العرش فتاهت) فتاهت عقولهم حتى ان الرجل كان ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه وينادى من خلفه فيجيب من بين يديه وقوله (ع) انه من تعاطى ماثمة هلك فلا يوصف الله عزوجل الا بما وصف به نفسه عزوجل ومن قول امير المؤمنين (ع) في خطبته وكلامه في نفي الصفة(1) واما الترغيب فمثل قوله " ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا " وقوله تعالى " هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله باموالكم وانفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار " ومثل قوله تعالى " من جاء بالحسنة فله خير منها وقوله من جاء بالحسنة فله عشر امثالها " وقوله " من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ".
     
    واما الترهيب فمثل قوله تعالى " يا ايها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم " وقوله " يا ايها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ان وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور " ومثله كثير في القرآن نذكره في مواضعه.
     
    واما القصص فهو ما اخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله من اخبار الانبياء وقصصهم في قوله: نحن نقص عليك نبأهم بالحق وقوله نحن نقص عليك احسن
     
    ___________________________________
     
    (1) كمال الاخلاص نفي الصفات عنه فمن وصفه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله ومن جهله فقد اشار اليه ومن اشار اليه فقد حده ومن حده فقد عده .
     
    (نهج البلاغة).ج-ز
     
    [27]
     
    القصص وقوله لقد ارسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك، ومثله كثير ونحن نذكر ذلك كله في مواضعه ان شاء الله تعالى وانما ذكرنا من الابواب التي اختصرناها من الكتاب آية واحدة ليستدل بها على غيرها ويعرف معنى ما ذكرناه مما في الكتاب من العلم وفي ذلك الذي ذكرناه كفاية لمن شرح الله صدره وقبله للاسلام ومن عليه بدينه الذي ارتضاه لملائكته وانبيائه ورسله وبالله نستعين وعليه نتوكل ونسأله العصمة والتوفيق والعون على ما يقربنا منه ويزلفنا لديه واستفتح الله الفتاح العليم الذي من استمسك بحبله ولجأ إلى سلطانه وعمل بطاعته وانتهى عن معصيته ولزم دين اوليائه وخلفائه نجى بحوله وقوته واسأله عزوجل ان يصلي على خيرته من خلقه محمد وآله الاخيار والابرار.
     
    اقول تفسير "بسم الله الرحمن الرحيم" حدثنى(1) ابوالفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر عليه السلام قال حدثنا ابوالحسن علي بن ابراهيم قال حدثني ابي رحمه الله عن محمد بن ابي عمير عن حماد بن عيسى عن حريث عن ابي عبدالله (ع) قال حدثنى ابى عن حماد وعبدالرحمان بن ابى نجران وابن فضال عن علي بن عقبة قال وحدثنى ابى عن النضر بن سويد واحمد بن محمد بن ابى نصير(2) عن عمرو بن شمر عن جابر عن ابى جعفر (ع) قال وحدثني ابى عن ابن ابى عمير عن حماد عن الحلبي وهشام ابن سالم وعن كلثوم بن العدم(3) عن عبدالله بن سنان وعبدالله بن مسكان وعن
     
    ___________________________________
     
    (1) حدثنا ط.
     
    (2) نصرط.
     
    (3) الهرم ج-ز
     
    [28]
     
    صفوان وسيف بن عميرة وابى حمزة الثمالي وعن عبدالله بن جندب والحسين بن خالد عن ابى الحسن الرضا (ع) قال وحدثني ابى عن حنان وعبدالله بن ميمون القداح وابان بن عثمان عن عبدالله بن شريك العامري عن مفضل بن عمر وابى بصير عن ابى جعفر وابى عبدالله (ع) تفسير (بسم الله الرحمن الرحيم) قال وحدثني ابى عن عمرو بن ابراهيم الراشدي وصالح بن سعيد ويحيى بن ابى عمير بن عمران الحلبي واسماعيل بن فرار وابي طالب عبدالله بن الصلت عن علي ابن يحيى عن ابى بصير عن ابى عبدالله (ع) قال سألته عن تفسير بسم الله الرحمن الرحيم فقال الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم ملك الله والله اله كل شئ والرحمن بجميع خلقه والرحيم بالمؤمنين خاصة وعن ابن اذينه قال قال ابوعبدالله عليه السلام " بسم الله الرحمن الرحيم " احق ما اجهر به وهي الآية التي قال الله عزوجل واذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفورا.
    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة
    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي
    مكيّة وهى سبع آيات(1)
     
    بسم الله الرحمن الرحيم
     
    قال وحدثني ابي عن محمد بن ابى عمير عن النضر ابن سويد عن ابي بصير عن ابى عبدالله عليه السلام في قوله الحمد لله قال الشكر لله في قوله رب العالمين قال خلق المخلوقين الرحمن بجميع خلقه الرحيم بالمؤمنين خاصة مالك يوم الدين قال يوم الحساب والدليل على ذلك قوله وقالوا ياويلنا هذا يوم الدين يعنى يوم الحساب (اياك نعبد) مخاطبة الله عزوجل (واياك نستعين) مثله (اهدنا الصراط المستقيم) قال الطريق ومعرفة الامام قال وحدثني ابي عن حماد عن ابي عبدالله عليه السلام في قوله الصراط المستقيم قال هو امير المؤمنين عليه السلام ومعرفته والدليل على انه امير المؤمنين
     
    ___________________________________
     
    (1) وفى ط مدنية وكلاهما صحيح لانها نزلت مرتين.ج-ز
     
    [29]
     
    قوله وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم(1) وهو امير المؤمنين عليه السلام في ام الكتاب وفي قوله الصراط المستقيم قال وحدثني ابي عن القاسم (القسم ط) بن محمد بن سليمان بن داود المنقري عن جعفر (حفص ط) بن غياث قال وصف ابوعبدالله عليه السلام الصراط فقال الف سنة صعود والف سنة هبوط والف سنة حدال(2) وعنه عن سعدان بن مسلم عن ابي عبدالله (ع) قال سألته عن الصراط فقال هو ادق من الشعر واحد من السيف فمنهم من يمر عليه مثل البرق ومنهم من يمر عليه مثل عدو الفرس ومنهم من يمر عليه ماشيا ومنهم من يمر عليه حبوا(3) ومنهم من يمر عليه متعلقا فتأخذ النار منه شيئا وتترك منه شيئا قال وحدثني ابي عن حماد عن حريز عن ابي عبدالله عليه السلام انه قرأ اهدنا الصراط المستقيم صراط من انعمت عليهم وغير المغضوب عليهم ولا(4) الضالين قال المغضوب عليهم النصاب والضالين اليهود والنصارى وعنه عن ابن ابي عمير عن ابن اذينه عن ابي عبدالله (ع) في قوله غير المغضوب عليهم وغير الضالين قال المغضوب عليهم النصاب والضالين والشكاك والذين لا يعرفون الامام قال وحدثني ابي عن الحسين (الحسن ط) بن علي بن فضال عن علي بن عقبة عن ابي عبدالله (ع) قال ان ابليس ان انينا لما بعث الله نبيه صلى الله عليه وآله على حين فترة من الرسل وحين انزلت ام الكتاب.
     
    ___________________________________
     
    (1) الزخرف 4.
     
    (2) الحدال بضم الحاء كل شئ املس.
     
    (3) حبى الصبى حبوا زحف على يديه وبطنه.
     
    (4) وفى ط " غير الضالين " ج-ز
     

     
    وهى مائتان وست وثمانون آية
     
    (بسم الله الرحمن الرحيم آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) قال ابوالحسن علي بن ابراهيم حدثنى ابي عن يحيى بن ابن عمران عن يونس عن سعدان بن مسلم عن ابي بصير عن ابي عبدالله (ع) قال الكتاب علي (ع) لا شك فيه هدى للمتقين قال بيان لشيعتنا قوله (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) قال مما علمناهم ينبئون ومما علمناهم من القرآن يتلون وقال الم هو حرف من حروف اسم الله الاعظم المتقطع في القرآن الذي خوطب به النبي صلى الله عليه وآله والامام فاذا دعا به اجيب والهداية في كتاب الله على وجوه اربعة فمنها ما هو للبيان للذين يؤمنون بالغيب قال يصدقون بالبعث والنشور والوعد والوعيد والايمان في كتاب الله على اربعة اوجه فمنه اقرار باللسان قد سماه الله ايمانا ومنه تصديق بالقلب ومنه الاداء ومنه التأييد.
     
    (الاول) الايمان الذي هو اقرار باللسان وقد سماه الله تبارك وتعالى ايمانا ونادى اهله به لقوله (يا ايها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات او انفروا جميعا وان منكم لمن ليبطئن فان اصابتكم مصيبة قال قد انعم الله علي اذ لم اكن معهم شهيدا ولئن اصابكم فضل من الله ليقولن كان لم تكن بينكم وبينه مودة ياليتني كنت معهم فافوز فوزا عظيما(1) قال الصادق عليه السلام لو ان هذه الكلمة قالها اهل المشرق واهل المغرب لكانوا بها خارجين من الايمان ولكن قد سماهم الله مؤمنين
     
    ___________________________________
     
    (1) النساء 70
     
    [31]
     
    باقرارهم وقوله " يا ايها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله " فقد سماهم الله مؤمنين باقرارهم ثم قال لهم صدقوا.
     
    (الثاني) الايمان الذي هو التصديق بالقلب فقوله " الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة(1) " يعني صدقوا وقوله " وقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة " اي لا نصدقك وقوله " يا ايها الذين آمنوا آمنوا " اي ياايها الذين اقروا صدقوا فالايمان الحق هو التصديق وللتصديق شروط لا يتم التصديق الا بها وقوله " ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون(2) " فمن اقام بهذه الشروط فهو مؤمن مصدق.
     
    (الثالث) الايمان الذي هو الاداء فهو قوله لما حول الله قبلة رسوله إلى الكعبة قال اصحاب رسول الله يا رسول الله صلواتنا إلى بيت المقدس بطلت فانزل الله تبارك وتعالى " وما كان الله ليضيع ايمانكم " فسمى الصلاة ايمانا.
     
    (الرابع) من الايمان وهو التأييد الذي جعله الله في قلوب المؤمنين من روح الايمان فقال " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباء‌هم او ابناء‌هم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه(3) " والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله " لا يزني الزانى وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن يفارقه روح الايمان ما دام على بطنها فاذا
     
    ___________________________________
     
    (1) يونس 64.
     
    (2) البقرة 177.
     
    (3) المجادلة 22
     
    [32]
     
    قام عاد اليه " قيل وما الذي يفارقه قال " الذي يدعه (يرعد ط) في قلبه " ثم قال عليه السلام " ما من قلب إلا وله اذنان على احدهما ملك مرشد وعلى الآخر شيطان مغتر(1) هذا يأمره وهذا يزجره " ومن الايمان ما قد ذكره الله في القرآن (خبيث وطيب ط) حيث قال " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب " ومنهم من يكون مؤمنا مصدقا ولكنه يلبس ايمانه بظلم وهو قوله " الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون " فمن كان مؤمنا ثم دخل في المعاصي التي نهى الله عنها فقد لبس ايمانه بظلم فلا ينفعه الايمان حتى يتوب إلى الله من الظلم الذي لبس ايمانه حتى يخلص لله فهذه وجوه الايمان في كتاب الله.
     
    قوله (والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك) قال بما انزل من القرآن اليك وما انزل على الانبياء قبلك من الكتب.
     
    قوله (ان الذين كفروا سواء عليهم ء‌انذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون) فان حدثني ابي عن بكر بن صالح عن ابي عمر الزبيدي (الزبيري ط) عن ابي عبدالله (ع) قال الكفر في كتاب الله على خمسة وجوه فمنه كفر بجحود وهو على وجهين جحود بعلم وجحود بغير علم فاما الذين جحدوا بغير علم فهم الذين حكاه الله عنهم في قوله (وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وما لهم بذلك من علم ان هم الا يظنون) وقوله " ان الذين كفروا سواء عليهم أانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون " فهؤلآء كفروا وجحدوا بغير علم واما الذين كفروا وجحدوا بعلم فهم الذين قال الله تبارك وتعالى وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاء‌هم ما عرفوا كفروا به فهؤلآء كفروا وجحدوا بعلم قال وحدثني ابي عن ابن ابى عمير عن حماد عن حريز عن ابى عبدالله (ع) قال هذه
     
    ___________________________________
     
    (1) اغتره اي طلب غفلته ج-ز
     
    [33]
     
    الآية نزلت في اليهود والنصارى بقول الله تبارك وتعالى " الذين آتيناهم الكتاب - يعني التورية والانجيل - يعرفونه - يعني رسول الله صلى الله عليه وآله - كما يعرفون ابناء‌هم(1) " لان الله عزوجل قد انزل عليهم في التورية والزبور والانجيل صفة محمد صلى الله عليه وآله وصفة اصحابه ومبعثه وهجرته وهو قوله " محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله رضوانا؟ سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التورية ومثلهم في الانجيل(2) " هذه صفة رسول الله صلى الله عليه وآله واصحابه في التورية والانجيل فلما بعثه الله عرفه اهل الكتاب كما قال جل جلاله " فلما جاء‌هم ما عرفوا كفروا به " فكانت اليهود يقولون للعرب قبل مجئ النبي ايها العرب هذا اوان نبي يخرج بمكة ويكون هجرته بالمدينة وهو آخر الانبياء وافضلهم، في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة يلبس الشملة ويجتزي بالكسرة والتميرات ويركت الحمار عرية(3) وهو الضحوك القتال يضع سيفه على عاتقه ولا يبالي بمن لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر وليقتلنكم الله به يا مشعر العرب قتل عاد، فلما بعث الله نبيه بهذه الصفة حسدوه وكفروا به كما قال الله " وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاء‌هم ما عرفوا كفروا به " ومنه كفر البراء‌ة وهو قوله " ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض " اي يتبرأ بعضكم من بعض، ومنه كفر الشرك لما امر الله وهو قوله " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر " اي ترك الحج وهو مستطيع فقد كفر، ومنه كفر النعم وهو قوله " ليبلونئ اشكر ام اكفر ومن شكر فانما يشكر لنفسه ومن كفر " - اي ومن لم يشكر - نعمة الله فقد كفر فهذه وجوه الكفر في كتاب الله.
     
    ___________________________________
     
    (1) البقرة 146.
     
    (2) الفتح 29.
     
    (3) أي بلا سرج
     
    [34]
     
    قوله (ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين) فانها نزلت في قوم منافقين اظهروا لرسول الله الاسلام وكانوا اذا رأوا الكفار قالوا " انا معكم " واذا لقوا المؤمنين قالوا نحن مؤمنون وكانوا يقولون للكفار " انا معكم انما نحن مستهزؤن " فرد الله عليهم " الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون " والاستهزاء من الله هو العذاب " ويمدهم في طغيانهم يعمهون " اي يدعهم.
     
    قوله (اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) والضلالة هنا الحيرة والهدى هو البيان واختاروا الحيرة والضلالة على الهدى وعلى البيان فضرب الله فيهم مثلا فقال (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاء‌ت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون) قوله (صم بكم عمي) والصم الذي لا يسمع والبكم الذي يولد من امه اعمى والعمى الذي يكون بصيرا ثم يعمى قوله (او كصيب من السماء) اي كمطر من السماء وهو مثل الكفار قوله (يخطف ابصارهم) اي يعمي قوله (ان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) اى في شك، قوله (فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداء‌كم - يعني الذين عبدوهم واطاعوهم - من دون الله إن كنتم صادقين) قوله (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها) قال يؤتون من فاكهة واحدة على الوان متشابهة قوله (ولهم فيها ازواج مطهرة) اي لا يحضن ولا يحدثن.
     
    واما قوله " ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثل يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا) فانه قال الصادق عليه السلام ان هذا القول من الله عزوجل رد على من زعم ان الله تبارك وتعالى يضل العباد ثم يعذبهم على ضلالتهم فقال الله عزوجل ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها قال وحدثنى ابى عن النضر بن سويد عن القسم بن سليمان عن المعلى بن خنيس
     
    [35]
     
    عن ابي عبدالله عليه السلام ان هذا المثل ضربه الله لامير المؤمنين عليه السلام فالبعوضة امير المؤمنين عليه السلام وما فوقها رسول الله صلى الله عليه وآله والدليل على ذلك قوله " فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم " يعنى امير المؤمنين كما اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله الميثاق عليهم له " واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا " فرد الله عليهم فقال " وما يضل به الا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه - في علي - ويقطعون ما امر الله به ان يوصل " يعني من صلة امير المؤمنين (ع) والائمة عليهم السلام " ويفسدون في الارض اولئك هم الخاسرون " قوله " وكيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فاحياكم) اي نطفة ميتة وعلقة واجرى فيكم الروح فاحياكم (ثم يميتكم - بعد - ثم يحييكم) في القيامة (ثم اليه ترجعون) والحياة في كتاب الله على وجوه كثيرة، فمن الحياة ابتداء خلق الانسان في قوله " فاذا سويته ونفخت فيه منروحي " فهي الروح المخلوق خلقه الله واجرى في الانسان " فقعوا له ساجدين ".
     
    والوجه الثاني من الحياة يعني به انبات الارض وهو قوله يحيى الارض بعد موتها والارض الميتة التي لا نبات لها فاحياؤها بنباتها.
     
    ووجه آخر من الحياة وهو دخول الجنة وهو قوله " استجيبوا لله ولرسوله اذا دعاكم لما يحييكم " يعني الخلود في الجنة والدليل على ذلك قوله " وان الدار الآخرة لهي الحيوان ".
     
    واما قوله (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن جميل عن ابي عبدالله (ع) قال سئل عما ندب الله الخلق اليه ادخل فيه الضلالة؟ قال نعم والكافرون دخلوا فيه لان الله تبارك وتعالى امر الملائكة بالسجود لآدم فدخل في امره الملائكة وابليس فان ابليس كان من الملائكة في السماء يعبد الله وكانت
     
    [36]
     
    الملائكة تظن انه منهم ولم يكن منهم فلما امر الله الملائكة بالسجود لآدم (ع) اخرج ما كان في قلب ابليس من الحسد فعلم الملائكة عند ذلك ان ابليس لم يكن مثلهم فقيل له (ع) فكيف وقع الامر على ابليس وانما امر الله الملائكة بالسجود لآدم؟ فقال كان ابليس منهم بالولاء(1) ولم يكن من جنس الملائكة وذلك ان الله خلق خلقا قبل آدم وكان ابليس منهم حاكما في الارض فعتوا وافسدوا وسفكوا الدماء فبعث الله الملائكة فقتلوهم واسروا ابليس ورفعوه إلى السماء وكان مع الملائكة يعبد الله إلى ان خلق الله تبارك وتعالى آدم (ع).
     
    فحدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن (ابى ط) مقدام عن ثابت الحذاء عن جابر بن يزيد الجعفي عن ابي جعفر محمد بن على بن الحسين عن ابيه عن آبائه عليهم السلام عن امير المؤمنين عليه السلام قال ان الله تبارك وتعالى اراد ان يخلق خلقا بيده وذلك بعد ما مضى من الجن والنسناس في الارض سبعة آلاف سنة وكان من شأنه خلق آدم كشط(2) عن اطباق السموات قال للملائكة انظروا إلى اهل الارض من خلقى من الجن والنسناس فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الارض بغير الحق عظم ذلك عليهم وغضبوا وتأسنوا على اهل الارض ولم يملكوا غضبهم قالوا ربنا إنك أنت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشأن وهذا خلقك الضعيف الذليل يتقلبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويتمتعون بعافيتك وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام لا تأسف عليهم ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى وقد عظم ذلك علينا واكبرناه فيك قال فلما سمع ذلك من الملائكة قال (اني جاعل في الارض خليفة) يكون حجة لي في الارض على خلقي فقالت الملائكة سبحانك (اتجعل فيها من يفسد فيها)
     
    ___________________________________
     
    (1) يعني انه كان يحب الملائكة.
     
    (2) اي كشف
     
    [37]
     
    كما افسد بنو الجان ويسفكون الدماء كما سفك بنو الجان ويتحاسدون ويتباغضون فاجعل ذلك الخليفة منا فانا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدماء ونسبح بحمدك ونقدس لك قال عزوجل (اني اعلم ما لا تعلمون) اني اريد ان اخلق خلقا بيدي واجعل من ذريته انبياء ومرسلين وعبادا صالحين ائمة مهتدين واجعلهم خلفاء على خلقي في ارضي ينهونهم عن معصيتي وينذرونهم من عذابي ويهدونهم إلى طاعتي ويسلكون بهم طريق سبيلي وأجعلهم لي حجة عليهم وابيد النساس من ارضي واطهرها منهم وانقل مردة الجن العصاة من بريتي وخلقي وخيرتي واسكنهم في الهواء في اقطار الارض فلا يجاورون نسل خلقي وأجعل بين الجن وبين خلقي حجابا فلا يرى نسل خلقي الجن ولا يجالسونهم ولا يخالطونهم فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم واسكنتهم مساكن العصاة اوردتهم مواردهم ولا آبالي قال فقالت الملائكة يا ربنا افعل ما شئت (لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم) قال فباعدهم الله من العرش مسيرة خمس مأة عام، قال فلاذوا بالعرش واشاروا بالاصابع فنظر الرب عزوجل اليهم ونزلت الرحمة فوضع لهم البيت المعمور فقال طوفوا به ودعوا العرش فانه لي رضى فطافوا به وهو البيت الذي يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون ابدا فوضع الله البيت المعمور توبة لاهل السماء ووضع الكعبة توبة لاهل الارض فقال الله تبارك وتعالى " اني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " قال وكان ذلك من الله تعالى في آدم قبل ان يخلقه واحتجاجا منه عليهم (قال) فاغترف ربنا عزوجل غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات وكلتا يديه يمين فصلصلها في كفه حتى جمدت فقال لها منك اخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين والائمة المهتدين والدعاة إلى الجنة وأتباعهم إلى يوم القيامة ولا ابالي ولا اسأل عما
     
    [38]
     
    أفعل وهم يسألون، ثم اغترف غرفة اخرى من الماء المالح الاجاج(1) فصلصلها في كفه فجمدت ثم قال لها منك اخلق الجبارين والفراعنة والعتاة واخوان الشياطين والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة واشياعهم ولا ابالي ولا اسأل عما افعل وهم يسألون قال وشرطه في ذلك البداء(2) ولم يشترط في اصحاب اليمين ثم اخلط
     
    ___________________________________
     
    (1) لا يقال ان هذا الخبر مؤيد للمجبرة الذين يقولون بعدم اختيار العباد، لانه يقال انه الله تعالى عالم بسريرة العباد قبل خلقهم وخبير بمصيرهم إلى الحسن او القبح بدون ان يكون لهذا العلم دخل في افعالهم لان العلم بالشئ لا يكون مؤثرا فيه، بل المؤثر في الافعال ارادة الفاعل، فلما علم الله سبحانه وتعالى ان فريقا من العباد يفعلون الخير والحسنات، وآخرين يرتكبون الفواحش والمنكرات جعل في طينة الاولين الماء العذب، انعاما عليهم واكراما لهم ليكون اوفق لهم في مقام الطاعة واسهل في الانقياد، وليس هذا على حد الالجاء ولا سببا لما صدر عنهم من الاعمال الحسنة بل انه من الموفقات - وكذلك جعل في طينة الاشرار الماء المالح الاجاج تخفيضا وتحقيرا لهم وليس فيه الزام والجاء على فعل القبيح بل هو تابع لارادتهم كما ذكر ويؤيد ما ذكرنا قوله عليه السلام " وشرطه في ذلك البداء " فاندفع من هذا ما يرد على الاخبار الواردة من هذا القبيل كاخبار الطينة، واخبار السعادة والشقاوة في بطون الامهات -
     
    (2) قال جدي السيد الجزائري رحمه الله في زهر الربيع في معنى البداء انه " تكثرت الاحاديث من الفريقين في البداء " مثل " ما عظم الله بمثل البداء " وقوله " ما بعث الله نبيا حتى يقر له بالبداء " اي يقر له بقضاء مجدد في كل يوم بحسب مصالح العباد لم يكن ظاهرا عندهم، وكان الاقرار عليهم بذلك للرد على اليهود حيث زعموا انه تعالى فرغ من الامر، يقولون انه تعالى عالم في الازل بمقتضيات الاشياء فقدر كل شئ على مقتضى علمه.
     
    وقال شيخنا الطوسي رحمه الله في العدة: واما البداء فحقيقته في اللغة الظهور، كما يقال " بدا لنا سور المدينة، وقد يستعمل في العلم بالشئ بعد ان لم يكن حاصلا، فاذا اضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز اطلاقه عليه ومنه ما لا يجوز، فالاول هو ما افاد النسخ بعينه ويكون اطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع، وعلى هذا يحمل جميع ما ورد عن الصادق عليه السلام من الاخبار المتضمنة لاضافة البداء إلى الله تعالى دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد ان لم يكن، ويكون وجه اطلاق ذلك عليه تعالى التشبيه هو انه اذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين مالم يكن ظاهرا ويحصل لهم العلم به بعد ان لم يكن حاصلا واطلق على ذلك لفظ " البداء ".
     
    قال وذكر سيدنا المرتضى وجها آخر في ذلك وهو: انه قال يمكن حمل ذلك على حقيقته بان يقال بد الله بمعنى انه ظهر له من الامر ما لم يكن ظاهرا له، وبدا له من النهي ما لم يكن ظاهرا له، لان قبل وجود الامر والنهي لا يكونان ظاهرين مدركين وانما يعلم انه يأمر وينهى في المستقبل، فاما كونه آمرا وناهيا فلا يصح ان يعلمه الا اذا وجد الامر والنهي وجرى ذلك مجرى احد الوجهين المذكورين في قوله تعالى " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم " بان نحمله على ان المراد به حتى نعلم جهادكم موجودا، لان قبل وجود الجهاد لا يعلم الجهاد موجودا وانما يعلم كذلك بعد حصوله فكذلك القول في البداء (انتهى).
     
    ويظهر مما افاده الشيخ رحمه الله عدم الفرق بين البداء والنسخ ولكن يمكن ان يقال في مقام الفرق بينهما ان الاول يطلق على ما يتعلق بالاصول المنوطة - بالاعتقاد التي لا دخل له في العمل، والثاني مخصوص بالفروع والشرائع المتعلقة باعمال المكلفين، وهذا الفرق غير خفي على كل حفي واحسن ما يمكن التمثيل به في معنى البداء قوله تعالى " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ثم اتممناها بعشر (الاعراف 142) فواعد الله موسى لاعطاء التوارة ثلاثين ليلة، ثم غير الوعد المذكور على الظاهر باضافة عشر ليال، ولم يكن هذا التغيير لاجل سنوح مصلحة جديدة كانت خفية عنه سابقا بل المعنى ان الميعاد المقرر عند الله لم يكن إلا اربعين ليلة، لكنه بين اولا بانه ثلاثون لحكمة امتحان ايمان تابعي موسى، فمنهم من ثبت عند هذا الامتحان، ومنهم من خرج عن ربقة الايمان، وتعبد بالعجل والاوثان، وبعد ما انتهى هذا الابتلاء اتم الميعاد باضافة عشر ليال، والدليل على ان الميعاد المقرر عند الله كان اربعين ليلة لا غير قوله تعالى " واذ واعدنا موسى اربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون.
     
    البقرة 51 " قال البلاغي " اربعين ليلة باعتبار مجموع العددين، الوعد الاول - وهو ثلاثون ليلة - والثاني، وهو اتمامها بعشر كما في سورة الاعراف ".
     
    فعلى هذا لا يرد على البداء من انه موجب لجهله تعالى عن عواقب الامور او موجب للتغير في علمه، او نقصانه، لان التغير في المعلوم دون العالم، وان سلم فهو اعتباري غير قادح في وجوبه كما اشار اليه بقوله " كل يوم هو في شأن.الرحمن 29 ".
     
    ومن هذا يظهر ايضا دفع الاشكال الوارد على الحديث المشهور عن الصادق عليه السلام في ولده اسماعيل عند وفاته، وهو قوله عليه السلام: " ما بدالله في كل شئ كما بدا له في اسماعيل " وقد بين له معان لا يسعني ذكرها فنقتصر على ما خطر في خاطري وهو انه: لما كان الغرض المهم من خلقه الكون خلقة الانسان، والمهم في خلقهم بعث الانبياء، والمهم في بعثهم نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله، والمهم في بقاء شريعته صلى الله عليه وآله امامة اثنى عشرة ائمة، فكانت النتيجة ان هذه الامامة مدار الكون، فكان الابتلاء فيها من اهم الابتلاء‌ات، فكان ظهور البداء فيها من اعظم البدوات التي امتحن الله بها قلوب العباد - والله العالم -ج-ز
     
    [39]
     
    المائتين جميعا في كفه فصلصلهما ثم كفهما قدام عرشه وهما سلالة من طين ثم امر الله الملائكة الاربعة الشمال والجنوب والصبا والدبوران يجولوا على هذه السلالة من الطين فأمرؤها(1) وأنشؤها ثم انزوها(2) وجزوها وفصلوها(3) واجروا فيها الطبايع الاربعة الريح والدم والمرة والبلغم فجالت الملائكة عليها وهى الشمال والجنوب والصبا والدبور واجروا فيها الطبايع الاربعة، الريح في الطبايع الاربعة من البدن من ناحية الشمال والبلغم في الطبايع الاربعة من ناحية الصبا والمرة في الطبايع الاربعة من ناحية الدبور والدم في الطبايع الاربعة من ناحية الجنوب، قال فاستفلت النسمة وكمل البدن فلزمه من ناحية الريح حب النساء وطول الامل والحرص، ولزمه من ناحية البلغم حب الطعام والشراب والبر والحلم والرفق، ولزمه من ناحية المرة الحب والغضب والسفه والشيطنة والتجبر والتمرد والعجلة، ولزمه من ناحية الدم حب الفساد واللذات وركوب المحارم والشهوات، قال ابوجعفر وجدناه هذا في كتاب امير المؤمنين عليه السلام، فخلق الله آدم فبقى اربعين سنة مصورا فكان يمر به ابليس اللعين فيقول لامر ما خلقت فقال العالم عليه السلام فقال ابليس لئن امرني الله بالسجود لهذا لاعصينه، قال ثم نفخ فيه فلما بلغت الروح إلى دماغه عطس عطسة جلس منها فقال الحمد لله فقال الله تعالى يرحمك الله قال الصادق عليه السلام فسبقت له من الله الرحمة ثم قال الله تبارك وتعالى للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا له فاخرج ابليس ما كان في قلبه من
     
    ___________________________________
     
    (1) اي هذبوها وطيبوها.
     
    (2) انز الشئ تصلب وتشدد.
     
    (3) وروى " فابدؤها وانشاؤها ثم ابرؤها وتجزوها " وما ذكرناه اوفق.ج-ز
     
    [42]
     
    الحسد فابى ان يسجد فقال الله عزوجل " ما منعك ألا تسجد اذ أمرتك قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " قال الصادق عليه السلام فاول من قاس ابليس واستكبر والاستكبار هو اول معصية عصي الله بها قال فقال ابليس يارب اعفني من السجود لآدم عليه السلام وانا اعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبي مرسل قال الله تبارك وتعالى لا حاجة لي إلى عبادتك انما اريد ان اعبد من حيث اريد لا من حيث تريد فابى ان يسجد فقال الله تعالى " فاخرج منها فانك رجيم وان عليك لعنتي إلى يوم الدين " فقال ابليس يا رب كيف وانت العدل الذي لا تجور فثواب عملي بطل قال لا ولكن إسأل من امر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك فاعطيتك فاول ما سأل البقاء إلى يوم الدين فقال الله قد اعطيتك قال سلطني على ولد آدم قال قد سلطتك قال اجرني منهم مجرى الدم في العروق قال قد اجريتك قال ولا يلد لهم ولد الا ويلد لى اثنان قال واراهم ولا يروني واتصور لهم في كل صورة شئت فقال قد اعطيتك قال يا رب زدني قال قد جعلت لك في صدورهم اوطانا قال رب حسبي فقال ابليس عند ذلك " فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين ثم لآتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين " قال وحدثني ابي عن ابن ابي عمير عن جميل عن زرارة عن ابى عبدالله عليه السلام قال لما اعطى الله تبارك وتعالى ابليس ما اعطاه من القوة قال آدم يا رب سلطته على ولدي واجريته مجرى الدم في العروق واعطيته ما اعطيته فما لي ولولدي؟ فقال لك ولولدك السيئة بواحدة والحسنة بعشرة امثالها قال يا رب زدنى قال التوبة مبسوطة إلى حين يبلغ النفس الحلقوم فقال يا رب زدنى قال اغفر ولا ابالي قال حسبي قال قلت له جعلت فداك بماذا استوجب ابليس من الله ان اعطاه ما اعطاه فقال بشئ كان منه شكره الله عليه قلت وما كان منه جعلت فداك قال ركعتين ركعهما في السماء في اربعة آلاف سنة.
     
    [43]
     
    واما قوله (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) فانه حدثني ابى رفعه قال سئل الصادق عليه السلام عن جنة آدم أمن جنان الدنيا كانت ام من جنان الآخرة فقال كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الآخرة ما اخرج منها أبدا آدم ولم يدخلها إبليس قال اسكنه الله الجنة واتى جهالة إلى الشجرة فاخرجه لانه خلق خلقة لا تبقى الا بالامر والنهي واللباس والاكنان(1) والنكاح ولا يدرك ما ينفعه مما يضره الا بالتوقيف فجاء‌ه ابليس فقال انكما ان اكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين وبقيتما في الجنة أبدا وان لم تأكلا منها اخرجكما الله من الجنة وحلف لهما انه لهما ناصح كما قال الله تعالى حكاية عنه " ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين وقاسمهما انى لكما لمن الناصحين " فقبل آدم قوله فاكلا من الشجرة فكان كما حكى الله " بدت لهما سوء‌اتهما " وسقط عنهما ما البسهما الله من لباس الجنة واقبلا يستتران بورق الجنة " وناداهما ربهما الم انهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين " فقالا كما حكى الله عزوجل عنهما " ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " فقال الله لهما (اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين) قال إلى يوم القيامة، قوله (فازلهما الشيطان عنها فاخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين) فهبط آدم على الصفا وانما سميت الصفا لان صفوة الله نزل عليها ونزلت حواء على المروة وانما سميت المروة لان المرأة نزلت عليها فبقي آدم اربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال يا آدم الم يخلقك الله
     
    ___________________________________
     
    (1) الاكنان جمع كن وهو ماكن من الحر والبرد.
     
    [44]
     
    بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته قال بلى قال وأمرك ان لا تأكل من الشجرة فلم عصيته؟ قال يا جبرئيل ان ابليس حلف لي بالله انه لي ناصح وما ظننت ان خلقا يخلقه الله ان يحلف بالله كاذبا، قال وحدثني ابى عن ابن ابى عمير عن إبن مسكان عن ابى عبدالله عليه السلام قال ان موسى عليه السلام سأل ربه ان يجمع بينه وبين آدم عليه السلام فجمع فقال له موسى يا ابة الم يخلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته وامرك ان لا تأكل من الشجرة فلم عصيته؟ فقال يا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التورية؟ قال بثلاثين الف سنة قبل ان خلق آدم قال فهو ذاك قال الصادق (ع) فحج آدم موسى عليهما السلام.
     
    واما قوله (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم) فانه حدثني ابي عن ابن ابى عمير عن ابان بن عثمان عن ابى عبدالله عليه السلام قال ان آدم عليه السلام بقي على الصفا اربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة وعلى خروجه من الجنة من جوار الله عزوجل فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال يا آدم مالك تبكي فقال يا جبرئيل مالي لا أبكي وقد اخرجني الله من الجنة من جواره واهبطني إلى الدنيا فقال يا آدم تب اليه قال وكيف اتوب فانزل الله عليه قبة من نور فيه موضع البيت فسطع نورها في جبال مكة فهو الحرم فامر الله جبرئيل ان يضع عليه الاعلام قال قم يا آدم فخرج به يوم التروية وامره ان يغتسل ويحرم واخرج من الجنة اول يوم من ذي القعدة فلما كان يوم الثامن من ذي الحجة اخرجه جبرئيل عليه السلام إلى منى فبات بها فلما اصبح اخرجه إلى عرفات وقد كان علمه حين اخرجه من مكة الاحرام وعلمه التلبية فلما زالت الشمس يوم عرفة قطع التلبية وامره ان يغتسل فلما صلى العصر اوقفه بعرفات وعلمه الكلمات التي تلقاها من ربه وهي " سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا انت عملت سوء‌ا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك انت الغفور الرحيم سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا انت عملت سوء‌ا
    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة
    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي
    [45]
     
    وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك خير الغافرين سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا انت عملت سوء‌ا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك انت التواب الرحيم " فبقي إلى ان غابت الشمس رافعا يديه إلى السماء يتضرع ويبكي إلى الله فلما غابت الشمس رده إلى المشعر فبات بها فلما اصبح قام على المشعر الحرام فدعا الله تعالى بكلمات وتاب الله ثم افضى إلى منى وامره جبرئيل ان يحلق الشعر الذي عليه فحلقه ثم رده إلى مكة فاتى به عند الجمرة الاولى فعرض له ابليس عندها فقال يا آدم اين تريد؟ فامره جبرئيل ان يرميه بسبع حصيات فرمى وان يكبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل ثم ذهب فعرض له ابليس عند الجمرة الثانية فامره ان يرميه بسبع حصيات فرمى وكبر مع كل حصاة تكبيرة ثم ذهب فعرض له ابليس عند الجمرة الثالثة فامره ان يرميه بسبع حصيات عند كل حصاة تكبيرة فذهب ابليس لعنه الله وقال له جبرئيل انك لن تراه بعد هذا اليوم ابدا، فانطلق به إلى البيت الحرام وامره ان يطوف به سبع مرات ففعل فقال له ان الله قد قبل توبتك وحلت لك زوجتك قال فلما قضى آدم حجه لقيته الملائكة بالابطح فقالوا يا آدم بر حجك اما انا قد حججنا قبلك هذا البيت بالفي عام، قال وحدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن ابى جعفر (ع) قال كان عمر آدم (ع) من يوم خلقه الله إلى يوم قبضه تسعماء‌ة وثلاثين سنة ودفن بمكة ونفخ فيه يوم الجمعة بعد الزوال ثم برأ زوجته من اسفل اضلاعه واسكنه جنته من يومه ذلك فما استقر فيها الا ست ساعات من يومه ذلك حتى عصى الله واخرجهما من الجنة بعد غروب الشمس وما بات فيها.
     
    واما قوله (وعلم آدم الاسماء كلها) قال اسماء الجبال والبحار والاودية والنبات والحيوان ثم قال الله عزوجل للملائكة (أنبئونى باسماء هؤلآء ان كنتم صادقين) فقالوا كما حكى الله (سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم) فقال الله (يا آدم انبئهم باسمائهم فلما انبأهم باسمائهم) فقال الله (الم اقل لكم
     
    [46]
     
    انى اعلم غيب السموات والارض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) فجعل آدم عليه السلام حجة عليهم، واما قوله (يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم واوفوا بعهدي اوف بعهدكم واياي فارهبون) فانه حدثني ابى عن محمد بن ابى عمير عن جميل عن ابى عبدالله (ع) قال له رجل جعلت فداك ان الله يقول " ادعونى استجب لكم " وانا ندعو فلا يستجاب لنا، قال لانكم لا تفون الله بعهده وان الله يقول " اوفوا بعهدي اوف بعهدكم " والله لو وفيتم لله لوفى الله لكم، واما قوله (اتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم) قال نزلت في القصاص والخطاب وهو قول أمير المؤمنين (ع) وعلى كل منبر منهم خطيب مصقع يكذب على الله وعلى رسوله وعلى كتابه، وقال الكميت في ذلك.
     
    مصيب على الاعواد يوم ركوبها * لما قال فيها، مخطئ حين ينزل
     
    ولغيره في هذا المعنى.
     
    وغير تقي يأمر الناس بالتقى * طبيب يداوي الناس وهو عليل
     
    وقوله جل ذكره (واستعينوا بالصبر والصلاة) قال الصبر الصوم (وانها لكبيرة الا على الخاشعين) يعني الصلاة وقوله (الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم وانهم اليه راجعون) قال الظن في الكتاب على وجهين فمنه ظن يقين ومنه ظن شك ففي هذا الموضع الظن يقين وانما الشك قوله تعالى " ان نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين " وقوله " وظننتم ظن السوء " واما قوله " يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم وانى فضلتكم على العالمين) قال لفظ العالمين عام ومعناه خاص وانما فضلهم على عالمي زمانهم باشياء خصهم بها مثل المن والسلوى والحجر الذي انفجر منه اثنتا عشرة عينا وقوله (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يوخذ منها عدل) وهو قوله (ع) والله لو ان كل ملك مقرب او نبي مرسل شفعوا في ناصب ما شفعوا وقوله " واذ نجيناكم من آل
     
    [47]
     
    فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون ابناء‌كم ويستحيون نساء‌كم) وان فرعون لما بلغه ان بني اسرائيل يقولون يولد فينا رجل يكون هلاك فرعون واصحابه على يده كان يقتل اولادهم الذكور ويدع الاناث، واما قوله (واذ واعدنا موسى اربعين ليلة الآية) فان الله تبارك وتعالى اوحى إلى موسى (ع) انى انزل عليكم التورية وفيها الاحكام التي يحتاج اليها إلى اربعين يوما وهو ذو القعدة وعشرة من ذي الحجة فقال موسى (ع) لاصحابه ان الله قد وعدنى ان ينزل على التورية والالواح إلى ثلاثين يوما فامره الله ان لا يقول لهم إلى اربعين يوما فتضيق صدورهم ونكتب خبره في سورة طه وقوله (واذ قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم) فان موسى (ع) لما خرج إلى الميقات ورجع إلى قومه وقد عبدوا العجل قال لهم " يا قوم انكم ظلمتم انفسكم " فقالوا وكيف نقتل انفسنا فقال لهم موسى اغدوا كل واحد منكم إلى بيت المقدس ومعه سكين او حديدة او سيف فاذا صعدت انا منبر بني اسرائيل فكونوا انتم متلثمين لا يعرف احد صاحبه فاقتلوا بعضكم بعضا فاجتمعوا سبعين الف رجل ممن كانوا عبدوا العجل إلى بيت المقدس فلما صلى بهم موسى (ع) وصعد المنبر اقبل بعضهم يقتل بعضا حتى نزل جبرئيل فقال قل لهم يا موسى ارفعوا القتل فقد تاب الله عليكم فقتل عشرة آلاف وانزل الله (ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم) وقوله (واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة الآية) فهم السبعون الذين اختارهم موسى ليسعموا كلام الله فلما سمعوا الكلام قالوا لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة فبعث الله عليهم صاعقة فاحترقوا ثم احياهم الله بعد ذلك وبعثهم انبياء فهذا دليل على الرجعة في امة محمد صلى الله عليه وآله فانه قال صلى الله عليه وآله لم يكن في بني اسرائيل شئ الا وفي امتي مثله وقوله (وظللنا عليكم الغمام وانزلنا عليكم
     
    [48]
     
    المن والسلوى الآية) فان بني إسرائيل لما عبر بهم موسى البحر نزلوا في مفازة فقالوا يا موسى اهلكتنا وقتلتنا واخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظل ولا شجر ولا ماء وكانت تجئ بالنهار غمامة تظلهم من الشمس وينزل عليهم بالليل المن فيقع على النبات والشجر والحجر فيأكلونه وبالعشي يأتيهم طائر مشوي فيقع على موايدهم فاذا اكلوا وشبعوا طار وكان مع موسى حجر يضعه في وسط العسكر ثم يضربه بعصاة فينفجر منه اثنتا عشرة عينا كما حكى الله فيذهب كل سبط في رحله وكانوا اثنى عشر سبطا فلما طال عليهم الامد قالوا يا موسى (لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها) والفوم الحنطة فقال لهم موسى (اتستبدلون الذي هو ادنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم) فقالوا " يا موسى ان فيها قوما جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون " فنصفت الآية في سورة البقرة وتمامها وجوابها لموسى في المائدة وقوله (وقولوا حطة) اي حط عنا ذنوبنا فبدلوا ذلك وقالوا " حنطة " وقال الله (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذى قيل لهم فانزلنا على الذين ظلموا - آل محمد حقهم(1) رجزا من السما بما كانوا يفسقون) وقوله (ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين) قال الصائبون قوم لا مجوس لا يهود ولا نصارى ولا مسلمين وهم يعبدون الكواكب والنجوم وقوله (واذ اخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور
     
    ___________________________________
     
    (1) وتفسير هذه الكلمة كما في تفسير الامام العسكري (ع) انه قيل لهم بالانقياد لولاية الله ولولاية محمد صلى الله عليه وآله وعلي (ع) وآلهما الطيبين وانهم لما لم ينقادوا وظلموا حق الله وحق محمد صلى الله عليه وآله وآله انزل الرجز عليهم من السماء.ج-ز
     
    [49]
     
    خذوا ما آتيناكم بقوة) فان موسى (ع) لما رجع إلى بني إسرائيل ومعه النوربة لم يقبلوا منه فرفع الله جبل طور سينا عليهم وقال لهم موسى لئن لم تقبلوا ليقعن الجبل عليكم وليقتلنكم فنكسوا رؤسهم فقالوا نقبله.
     
    وأما قوله (واذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة الآية) قال حدثني أبى عن ابن أبى عمير عن بعض رجالهم عن أبى عبدالله (ع) قال إن رجلا من خيار بني إسرائيل وعلمائهم خطب إمرأة منهم فانعمت له(1) وخطبها ابن عم لذلك الرجل وكان فاسقا رديا فلم ينعموا له فحسد إبن عمه الذي أنعموا له فقعد له فقتله غيلة ثم حمله إلى موسى (ع) فقال يا نبي الله هذا ابن عمى قد قتل قال موسى من قتله؟ قال لا أدري وكان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا فعظم ذلك على موسى فاجتمع اليه بنو إسرائيل فقالوا ما ترى يا نبي الله؟ وكان في بني إسرائيل رجل له بقرة وكان له ابن بار وكان عند ابنه سلعة فجاء قوم يطلبون سلعته وكان مفتاح بيته تحت رأس أبيه وكان نائما وكره إبنه ان ينبهه وينغض عليه نومه فانصرف القوم ولم يشتروا سلعته فلما انتبه ابوه قال له يابني ماذا صنعت في سلعتك؟ قال هى قائمة لم ابعها لان المفتاح كان تحت رأسك فكرهت ان انبهك وانغض عليك نومك قال له أبوه قد جعلت هذه البقرة لك عوضا عما فاتك من ربح سلعتك وشكر الله لابنه ما فعل بابيه وامر بني إسرائيل ان يذبحوا تلك البقرة بعينها فلما اجتمعوا إلى موسى وبكوا وضجوا قال لهم موسى (ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة) فتعجبوا فقالوا (اتتخذنا هزوا) نأتيك بقتيل فتقول اذبحوا بقرة فقال لهم موسى (اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين) فعلموا انهم قد اخطأوا فقالوا (ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال انه يقول انها بقرة لا فارض ولا
     
    ___________________________________
     
    (1) أنعم له أي قال له " نعم " ج-ز
     
    [50]
     
    بكر) والفارض التي قد ضربها الفحل ولا تحمل والبكر التي لم يضربها الفحل (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها) اي شديدة الصفرة (تسر الناظرين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال انه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الارض) اي لم تذلل (ولا تسقى الحرث) اي لا تسقى الزرع (مسلمة لاشية فيها) اي لا نقط فيها الا الصفرة (قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون) هي بقرة فلان فذهبوا ليشتروها فقال لا ابيعها الا بمل‌ء جلدها ذهبا فرجعوا إلى موسى فاخبروه فقال لهم موسى لابد لكم من ذبحها بعينها بمل‌ء جلدها ذهبا فذبحوها ثم قالوا ما تأمرنا يا نبي الله فاوحى الله تعالى اليه قل لهم اضربوه ببعضها وقولوا من قتلك؟ فاخذوا الذنب فضربوه به وقالوا من قتلك يا فلان فقال فلان بن فلان إبن عمي الذي جاء به وهو قوله (فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون).
     
    وقوله (افتطمعون ان يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون الآية) فانما نزلت في اليهود وقد كانوا اظهروا الاسلام وكانوا منافقين وكانوا إذا رأوا رسول الله قالوا إنا معكم وإذا رأوا اليهود قالوا انا معكم وكانوا يخبرون المسلمين بما في التورية من صفة رسول الله صلى الله عليه وآله واصحابه وقالوا لهم كبراؤهم وعلماؤهم (اتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم افلا تعقلون) فرد الله عليهم فقال (أو لا يعلمون ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ومنهم اميون) اى من اليهود (لا يعلمون الكتاب الا اماني وان هم الا يظنون) وكان قوم منهم يحرفون التورية واحكامه ثم يدعون انه من عند الله فانزل الله فيهم (فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم
     
    [51]
     
    مما كتب أيديهم وويل لهم مما يكسبون) وقوله (وقالوا لن تمسنا النار الا اياما معدودة) قال بنو إسرائيل لن تمسنا النار ولن نعذب الا الايام المعدودات التي عبدنا فيها العجل فرد الله عليهم فقال وقالوا لن تمسنا النار الا اياما معدودة قل يا محمد لهم (أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ام تقولون على الله ما لا تعلمون) وقوله (وقولوا للناس حسنا) نزلت في اليهود ثم نسخت بقوله " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ".
     
    واما قوله (وإذ اخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماء‌كم ولا تخرجون انفسكم من دياركم ثم اقررتم وانتم تشهدون الآية) وإنما نزلت في ابي ذر رحمة الله عليه وعثمان(1) بن عفان وكان سبب ذلك لما امر عثمان بنفي ابي ذر إلى الربذة دخل عليه ابوذر وكان عليلا متوكئا على عصاه وبين يدي عثمان مأة الف درهم قد حملت اليه من بعض النواحي واصحابه حوله ينظرون اليه ويطمعون ان يقسمها فيهم فقال ابوذر لعثمان ما هذا المال؟ فقال عثمان مأة الف درهم حملت الي من بعض النواحي اريد اضم اليها مثلها ثم ارى فيها رأي فقال ابوذر " يا عثمان ايما اكثر مأة الف درهم او اربعة دنانير "؟ فقال عثمان بل " مأة الف درهم " قال اما تذكر انا وانت وقد دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله عشيا فرأيناه كئيبا حزينا فسلمنا عليه فلم(2) يرد علينا السلام فلما اصبحنا اتيناه فرأيناه ضاحكا مستبشرا فقلنا له
     
    ___________________________________
     
    (1) إن قضية عثمان وابي ذر نالت من الشياع والظهور ما لا يكاد يخفى على من له مساس بالتاريخ، فمن شاء فليراجع: مروج الذهب 1 / 438، انساب البلاذري 5 / 53، تاريخ اليعقوبي 2 / 148، طبقات ابن سعد 4 / 168 صحيح البخاري كتاب الزكاة، عمدة القاري 4 / 291، شرح نهج البلاغة (محمد عبده) 2 / 17، كتاب ابوذر الغفاري لعبد الحميد جودة السحار ص 144.
     
    (2) لعل هذه الواقعة كانت قبل نزول آية التحية.ج-ز
     
    [52]
     
    بآبائنا وامهاتنا دخلنا اليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا ثم عدنا اليك اليوم فرأيناك فرحا مستبشرا فقال نعم كان قد بقي عندي من فئ المسلمين اربعة دنانير لم اكن قسمتها وخفت ان يدركني الموت وهي عندي وقد قسمتها اليوم واسترحت منها فنظر عثمان إلى كعب الاحبار، وقال له يا ابا اسحاق ما تقول في رجل ادى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك شيئا؟ فقال لا ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شئ فرفع ابوذر عصاه فضرب بها رأس كعب ثم قال له يابن اليهودية الكافرة ما انت والنظر في احكام المسلمين قول الله اصدق من قولك حيث قال " الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " فقال عثمان " يا ابا ذر انك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ولولا صحبتك لرسول الله لقتلتك " فقال " كذبت يا عثمان اخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لا يفتنونك يا ابا ذر ولا يقتلونك واما عقلي فقد بقي منه ما احفظه حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فيك وفي قومك " فقال وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله في وفي قومي؟ قال " سمعت يقول إذا بلغ آل ابي العاص ثلاثون رجلا صيروا مال الله دولا وكتاب الله دغلا وعباده خولا والفاسقين حزبا والصالحين حربا " فقال عثمان " يا معشر اصحاب محمد هل سمع احد منكم هذا من رسول الله " فقالوا لا ما سمعنا هذا من رسول الله " فقال عثمان ادع عليا فجاء امير المؤمنين عليه السلام فقال له عثمان: يا ابا الحسن انظر ما يقول هذا الشيخ الكذاب " فقال امير المؤمنين مه يا عثمان لا تقل كذاب فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول " ما اظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء على ذى لهجة (اللهجة اللسان) اصدق من ابي ذر " فقال اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله صدق ابوذر وقد سمعنا هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله فبكى ابوذر عند ذلك فقال ويلكم كلكم قد مد عنقه
     
    [53]
     
    إلى هذا المال ظنتم انى اكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ثم نظر اليهم فقال من خيركم فقالوا من خيرنا فقال انا فقالوا انت تقول انك خيرنا قال نعم خلفت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه الجبة وهو عني راض وانتم قد احدثتم احداثا كثيرة والله سائلكم عن ذلك ولا يسألني فقال عثمان يا ابا ذر اسألك بحق رسول الله صلى الله عليه وآله الا ما اخبرتنى عن شئ اسألك عنه فقال ابوذر والله لو لم تسألني بحق محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ايضا لاخبرتك فقال اي البلاد احب اليك ان تكون فيها فقال مكة حرم الله وحرم رسول الله اعبدالله فيها حتى يأتيني الموت فقال لا ولا كرامة لك قال المدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وآله قال لا ولا كرامة لك فسكت ابوذر فقال عثمان اي البلاد ابغض اليك ان تكون فيها قال الربذة التي كنت فيها على غير دين الاسلام فقال عثمان سر اليها فقال ابوذر قد سألتني فصدقتك وانا اسألك فاصدقني قال نعم قال اخبرنى لو بعثتني في بعث من اصحابك إلى المشركين فاسرونى فقالوا لا نفديه الا بثلث ما تملك قال كنت افديك قال فان قالوا لا نفديه الا بنصف ما تملك قال كنت افديك قال فان قالوا لا نفديه الا بكل ما تملك قال كنت افديك قال ابوذر الله اكبر قال حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يوما " يا ابا ذر وكيف انت إذا قيل لك اي البلاد احب اليك ان تكون فيها فتقول مكة حرم الله وحرم رسوله ا عبدالله فيها حتى يأتيني الموت فيقال لك لا ولا كرامة لك فتقول فالمدينة حرم رسول الله فيقال لك لا ولا كرامة لك ثم يقال لك فاي البلاد ابغض اليك ان تكون فيها فتقول الربذة التي كنت فيها على غير دين الاسلام فيقال لك سر اليها " فقلت وان هذا لكائن فقال " اي والذي نفسي بيده انه لكائن " فقلت يا رسول الله افلا اضع سيفي هذا على عاتقي فاضرب به قدما قدما قالا لا اسمع واسكت ولو لعبد حبشي وقد انزل الله فيك وفي عثمان آية فقلت وما هى يا رسول الله فقال قوله تعالى " وإذ اخذنا ميثاقكم لا تسفكون
     
    [54]
     
    دماء‌كم ولا تخرجون انفسكم من دياركم ثم اقررتم وانتم تشهدون ثم انتم هؤلآء تقتلون انفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وان يأتوكم اسارى تفادوهم وهو محرم عليكم اخراجهم افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ".
     
    واما قوله (واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) احبوا العجل حتى عبدوه ثم قالوا نحن اولياء الله فقال الله عزوجل ان كنتم اولياء الله كما تقولون (فتمنوا الموت ان كنتم صادقين) لان في التورية مكتوب ان اولياء الله يتمنون الموت ولا يرهبونه وقوله (قل من كان عدوا لجبريل فانه نزل على قلبك باذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين) فانما نزلت في اليهود الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله ان لنا في الملائكة اصدقاء واعداء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من صديقكم ومن عدوكم؟ فقالوا جبرئيل عدونا لانه يأتي بالعذاب ولو كان الذي ينزل عليك القرآن ميكائيل لآمنا بك فان ميكائيل صديقنا وجبريل ملك الفضاضة والعذاب وميكائيل ملك الرحمة فانزل الله (قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فان الله عدو للكافرين) وقوله (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من احد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه إلى قوله - كانوا يعلمون) فانه حدثنى ابي عن ابن ابي عمير عن ابان بن عثمان عن ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلام قال ان سليمان بن داود امر الجن والانس فبنوا له بيتا من قوارير قال فبينما هو متكئ على عصاه ينظر إلى الشياطين كيف يعملون
     
    [55]
     
    وينظرون اليه إذا حانت منه التفاتة فاذا هو برجل معه في القبة، ففزع منه وقال من انت؟ قال انا الذي لا اقبل الرشى ولا اهاب الملوك، انا ملك الموت، فقبضه وهو متكئ على عصاه فمكثوا سنة يبنون وينظرون اليه ويدانون له ويعملون حتى بعث الله الارضة فاكلت منساته وهى العصا فلما خر تبينت الانس ان لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا سنة في العذاب المهين فالجن تشكر الارضة بما عملت بعصا سليمان، قال فلا تكاد تراها في مكان الا وجد عندها ماء وطين فلما هلك سليمان وضع ابليس السحر وكتبه في كتاب ثم طواه وكتب على ظهره " هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخاير كنوز العلم من اراد كذا وكذا فليفعل كذا وكذا " ثم دفنه تحت السرير ثم استثاره لهم فقرأه فقال الكافرون ما كان سليمان عليه السلام يغلبنا الا بهذا وقال المؤمنون بل هو عبدالله ونبيه فقال الله جل ذكره " واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت " إلى قوله (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من احد الا باذن الله) فانه حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السلام قال سأله عطاء ونحن بمكة عن هاروت وماروت فقال ابوجعفر ان الملائكة كانوا ينزلون من السماء إلى الارض في كل يوم وليلة يحفظون اوساط اهل الارض من ولد آدم والجن ويكتبون اعمالهم ويعرجون بها إلى السماء قال فضج اهل السماء من معاصي اهل الارض فتوامروا(1) فيما بينهم مما يسمعون ويرون من افترائهم الكذب على الله تبارك وتعالى وجرء‌تهم عليه ونزهوا الله مما يقول فيه خلقه ويصفون، فقال طائفة من الملائكة " يا ربنا ما تغضب
     
    ___________________________________
     
    (1) اي تشاوروا وتكلموا فيما بينهم.ج-ز
     
    [56]
     
    مما يعمل خلقك في ارضك ومما يصفون فيك الكذب ويقولون الزور ويرتكبون المعاصي وقد نهيتهم عنها ثم انت تحلم عنهم وهم في قبضتك وقدرتك وخلال عافيتك " قال ابوجعفر (ع) فاحب الله ان يرى الملائكة القدرة ونافذ امره في جميع خلقه ويعرف الملائكة ما من به عليهم ومما عدله عنهم من صنع خلقه وما طبعهم عليه من الطاعة وعصمهم من الذنوب، قال فاوحى الله إلى الملائكة ان انتخبوا منكم ملكين حتى اهبطهما إلى الارض ثم اجعل فيهما من طبايع المطعم والمشرب والشهوة والحرص والامل مثل ما جعلته في ولد آدم ثم اختبرهما في الطاعة لي، فندبوا إلى ذلك هاروت وماروت وكانا من اشد الملائكة قولا في العيب لولد آدم واستيثار غضب الله عليهم، قال فاوحى الله اليهما ان اهبطا إلى الارض فقد جعلت فيكما من طبايع الطعام والشراب والشهوة والحرص والامل مثل ما جعلته في ولد آدم، قال ثم اوحى الله اليهما انظرا ان لا تشركا بي شيئا ولا تقتلا النفس التي حرم الله ولا تزنيا ولا تشربا الخمر قال ثم كشط عن السماوات السبع ليريهما قدرته ثم اهبطهما إلى الارض في صورة البشر ولباسهم فهبطا ناحية بابل فوقع لهما بناء مشرق فاقبلا نحوه فاذا بحضرته امرأة جميلة حسناء متزينة عطرة مقبلة مسفرة نحوهما، قال فلما نظرا اليها وناطقاها وتأملاها وقعت في قلوبهما موقعا شديدا لموقع الشهوة التي جعلت فيهما فرجعا اليها رجوع فتنة وخذلان وراوداها عن نفسهما فقالت لهما ان لي دينا ادين به وليس اقدر في ديني على ان اجيبكما إلى ما تريدان إلا ان تدخلا في ديني الذي ادين به فقالا لها وما دينك؟ قالت لي آله من عبده وسجد له كان لي السبيل إلى ان اجيبه إلى كل ما سألني، فقالا لها وما الهك قالت الهي هذا الصنم قال فنظر احدهما إلى صاحبه فقال هاتان خصلتان مما نهانا عنهما الشرك والزنا لانا ان سجدنا لهذا الصنم وعبدناه اشركنا بالله وانما نشرك بالله لنصل إلى الزنا وهو ذا نحن نطلب الزنا وليس نخطأ الا بالشرك فائتمرا بينهما
     
    [57]
     
    فغلبتهما الشهوة التي جعلت فيهما، فقالا لها فانا نجيبك ما سألت، فقالت فدونكما فاشربا هذا الخمر فانه قربان لكما عنده به تصلان إلى ما تريدان، فائتمرا بينهما فقالا هذه ثلاث خصال مما نهانا ربنا عنها الشرك والزنا وشرب الخمر وانما ندخل في شرب الخمر والشرك حتى نصل إلى الزنا فائتمرا بينهما، فقالا ما اعظم البلية بك قد أجبناك إلى ما سألت، قالت فدونكما فاشربا من هذا الخمر واعبدا هذا الصنم واسجدا له، فشربا الخمر وعبدا الصنم ثم راوداها من نفسها فلما تهيأت لهما وتهيئا لها دخل عليهما سائل يسأل، فلما رء‌اهما ورأياه ذعرا منه فقال لهما انكما لامرء‌ان ذعران فدخلتما بهذه المرأة العطرة الحسناء، انكما لرجلا سوء وخرج عنهما فقالت لهما لا والهي لا تصلان الآن الي وقد اطلع هذا الرجل على حالكما وعرف مكانكما ويخرج الآن ويخبر بخبركما ولكن بادرا إلى هذا الرجل فاقتلاه قبل ان يفضحكما ويفضحني ثم دونكما فاقضيا حاجتكما وانتما مطمئنان آمنان، قال فقاما إلى الرجل فادركاه فقتلاه ثم رجعا اليها فلم يرياها وبدت لهما سوء‌اتهما ونزع عنهما رياشهما واسقط في ايديهما، قال فاوحى الله اليهما انما اهبطتكما إلى الارض مع خلقي ساعة من النهار فعصيتماني باربع من معاصي كلها قد نهيتكما عنها فلم تراقباني فلم تستحيا مني وقد كنتما اشد من نقم على اهل الارض للمعاصي واستسجز اسفى وغضبى عليهم، ولما جعلت فيكما من طبع خلقي وعصمني اياكما من المعاصي فكيف رأيتما موضع خذلاني فيكما، اختارا عذاب الدنيا او عذاب الآخرة، فقال احدهما لصاحبه نتمتع من شهواتها في الدنيا اذ صرنا اليها إلى ان نصير إلى عذاب الآخرة، فقال الآخر ان عذاب الدنيا له مدة وانقطاع وعذاب الآخرة قائم لا انقضاء له فلسنا نختار عذاب الآخرة الدائم الشديد على عذاب الدنيا المنقطع الفاني قال فاختارا عذاب الدنيا وكانا يعلمان الناس السحر في ارض بابل ثم لما
     
    [58]
     
    علما الناس السحر رفعا من الارض إلى الهواء فهما معذبان منكسان معلقان في الهواء إلى يوم القيامة(1).
     
    واما قوله (يا ايها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) اي لا تقولوا تخليطا(2) وقولوا افهمنا وقوله (ما ننسخ من آية او ننسها نات بخير منها او مثلها) فقوله ننسها اي نتركها ونترك حكمها فسمى الترك بالنسيان في هذه الآية وقوله " او مثلها " فهي زيادة انما نزل " نات بخير مثلها " واما قوله (ومن اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) فانما نزلت في قريش حين منعوا رسول الله صلى الله عليه وآله دخول مكة وقوله (ولله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم
     
    ___________________________________
     
    (1) لا يخفى ان هذه الرواية وان كان ظاهرها مما ينكره العقل والنقل لكونه قادحا في قداسة الملائكة الذين لا يعصون الله طرفة عين لانهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول، وانه قد ورد في الباب اخبار رادة لها كالخبر المروي في تفسير الامام العسكري عليه السلام، الا ان التأمل الدقيق يعطي عدم منافاتها للعقل - لان عصيان الملائكة مستحيل مع كونهم كذلك - اما بعد ان اعطاهما الله تعالى ما للبشر من القوى الشهوية والاحساسات النفسانية - كما يظهر من الرواية - فظاهره صيرورتهما بشرا او مثل البشر في فقدان العصمة وامكان المعصية، واشكال الفلاسفة بعدم امكان انقلاب الماهيات مدفوع، بعموم قدرة الله تعالى، والمعاجز الصادرة عن المعصومين عليهم السلام شاهدة على ذلك - لكنه قد ورد في تفسير الامام العسكري عليه السلام ما يرد هذا الخبر فحينئذ يؤخذ بالاوضح متنا والاوثق سندا ويعمل بالمرجحات كما هو المناط في باب اختلاف الروايتين ولما لم يكن ثمة ثمرة عملية لم نطل الكلام في تنقيح المقام ج-ز.
     
    (2) خلط في الكلام اي هذى.
     
    [59]
     
    وجه الله) فانها نزلت في صلاة النافلة فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر واما الفرايض فقوله " وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " يعني الفرايض لا تصليها الا إلى القبلة واما قوله (وإذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال إني جاعلك للناس اماما) قال هو ما ابتلاه الله(1) مما اراه في نومه بذبح ولده فاتمها ابراهيم عليه السلام وعزم عليها وسلم فلما عزم وعمل بما امره الله قال الله تعالى " إني جاعلك للناس اماما " قال ابراهيم ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) لا يكون بعهدي إمام ظالم ثم انزل عليه الحنيفية وهي الطهارة وهي عشرة اشياء خمسة في الرأس وخمسة في البدن فاما التي في الرأس فاخذ الشارب، واعفاء اللحى وطم الشعر والسواك والخلال واما التي في البدن فحلق الشعر من البدن والختان وقلم الاظفار والغسل من الجنابة والطهور بالماء فهذه خمسة في البدن وهو الحنفية الطهارة التي جاء بها ابراهيم فلم تنسخ إلى يوم القيامة وهو قوله " واتبع ملة ابراهيم حنيفا " واما قوله (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وامنا) فالمثابة العود اليه وقوله (طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) قال الصادق عليه السلام يعني نحى عن المشركين وقال لما بنى ابراهيم البيت وحج الناس شكت الكعبة إلى الله تبارك وتعالى ما تلقى من ايدي المشركين وانفاسهم فاوحى الله اليها قرى كعبة فاني ابعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان الشجر ويتخللون وقوله (وارزق اهله من الثمرات من آمن
     
    ___________________________________
     
    (1) وفي تفسير الامام العسكري عليه السلام مرويا عن الصادق عليه السلام ان المراد من تلك الكلمات، الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام من ربه فتاب عليه وهي انه قال " يارب اسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين الا تبت علي " - قيل له يابن رسول الله فما يعني بقوله " فاتمهن "؟ قال " يعني فاتمهن إلى القائم عليه السلام (الرواية) ج-ز.
     
    [60]
     
    منهم بالله واليوم الآخر) فانه دعا ابراهيم ربه ان يرزق من آمن به فقال الله يا ابراهيم ومن كفر ايضا ارزقه (فامتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) واما قوله (واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل الآية) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن هشام عن ابي عبدالله عليه السلام قال ان ابراهيم عليه السلام كان نازلا في بادية الشام فلما ولد له من هاجر اسماعيل اغتمت سارة من ذلك غما شديدا لانه لم يكن له منها ولد كانت تؤذي ابراهيم في هاجر وتغمه فشكى ابراهيم ذلك إلى الله عزوجل فاوحى الله اليه انما مثل المرأة مثل الضلع العوجا ان تركتها استمتعتها وان اقمتها كسرتها ثم امره ان يخرج اسماعيل وامه (فقال يا رب إلى اي مكان؟ قال إلى حرمي وامني واول بقعة خلقتها من الارض وهي مكة فانزل الله عليه جبرائيل بالبراق(1) فحمل هاجر واسماعيل وكان ابراهيم لا يمر بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع الا قال يا جبرئيل إلى ههنا إلى ههنا فيقول لا امض، امض حتى اتى مكة فوضعه في موضع البيت وقد كان ابراهيم (ع) عاهد سارة ان لا ينزل حتى يرجع اليها، فلما نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجرة فالقت هاجر على ذلك الشجر كساء‌ا وكان معها فاستظلوا تحته فلما سرحهم ابراهيم ووضعهم واراد الانصراف منهم إلى سارة قالت له هاجر يا ابراهيم لم تدعنا في موضع ليس فيه انيس ولا ماء ولا زرع فقال ابراهيم الله الذي امرني ان اضعكم في هذا المكان حاضر عليكم ثم انصرف عنهم فلما بلغ كداء وهو جبل بذى طوى التفت اليهم ابراهيم فقال (رب اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوى اليهم وارزقهم
     
    ___________________________________
     
    (1) لم تكن العبارة بين القوسين في نسخة تفسير القمي الموجودة عندي انما نقلتها على ما حكاها عنه البحراني في البرهان ج-ز.
     
    [61]
     
    من الثمرات لعلهم يشكرون) ثم مضى وبقيت هاجر فلما ارتفع النهار عطش اسماعيل وطلب الماء فقامت هاجر في الوادي في مضوع المسعى ونادت هل في الوادي من انيس، فغاب عنها اسماعيل فصعدت على الصفا ولمع لها السراب في الوادي وظنت انه ماء فنزلت في بطن الوادى وسعت فلما بلغت المسعى غاب عنها اسماعيل ثم لمع لها السراب في ناحية الصفا فهبطت إلى الوادي تطلب الماء فلما غاب عنها اسماعيل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات فلما كان في الشوط السابع وهي على المروة نظرت إلى اسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجله فعادت حتى جمعت حوله رملا فانه كان سائلا فزمته بما جعلته حوله فلذلك سميت " زمزم " وكانت جرهم نازلة بذي المجاز وعرفات فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطير والوحش على الماء فنظرت جرهم إلى تعكف الطير على ذلك المكان فاتبعوها حتى نظروا إلى امرأة وصبي في ذلك الموضع قد استظلوا بشجرة وقد ظهر الماء لهما فقالوا لهاجر من انت وما شأنك وشأن هذا الصبي؟ فقالت انا ام ولد ابراهيم خليل الرحمن وهذا ابنه امره الله ان ينزلنا هيهنا فقالوا لها ايها المباركة أفتاذني لنا ان نكون بالقرب منكما؟ فقالت حتى ياتى ابراهيم فلما زارهم ابراهيم (ع) يوم الثالث فقالت هاجر يا خليل الله ان هيهنا قوما من جرهم يسألونك ان تأذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا افتأذن لهم في ذلك فقال ابراهيم نعم فاذنت فنزلوا بالقرب منهم وضربوا خيامهم فآنست هاجر واسماعيل بهم فلما زارهم ابراهيم في المرة الثالثة نظر إلى كثرة الناس حولهم فسر بهم سرورا شديدا فلما ترعرع اسماعيل عليه السلام وكانت جرهم قد وهبوا لاسماعيل كل واحد منهم شاة وشاتين فكانت هاجر واسماعيل يعيشان بها.
     
    فلما بلغ اسماعيل مبلغ الرجال امر الله ابراهيم (ع) ان يبني البيت فقال يا رب في اي بقعه قال في البقعة التي انزلت على آدم القبة فاضاء لها الحرم فلم تزل القبة التي انزلها الله على آدم قائمة حتى كان ايام الطوفان ايام نوح عليه السلام
    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة