وهى مائتان وست وثمانون آية (بسم الله الرحمن الرحيم آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) قال ابوالحسن علي بن ابراهيم حدثنى ابي عن يحيى بن ابن عمران عن يونس عن سعدان بن مسلم عن ابي بصير عن ابي عبدالله (ع) قال الكتاب علي (ع) لا شك فيه هدى للمتقين قال بيان لشيعتنا قوله (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) قال مما علمناهم ينبئون ومما علمناهم من القرآن يتلون وقال الم هو حرف من حروف اسم الله الاعظم المتقطع في القرآن الذي خوطب به النبي صلى الله عليه وآله والامام فاذا دعا به اجيب والهداية في كتاب الله على وجوه اربعة فمنها ما هو للبيان للذين يؤمنون بالغيب قال يصدقون بالبعث والنشور والوعد والوعيد والايمان في كتاب الله على اربعة اوجه فمنه اقرار باللسان قد سماه الله ايمانا ومنه تصديق بالقلب ومنه الاداء ومنه التأييد. (الاول) الايمان الذي هو اقرار باللسان وقد سماه الله تبارك وتعالى ايمانا ونادى اهله به لقوله (يا ايها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات او انفروا جميعا وان منكم لمن ليبطئن فان اصابتكم مصيبة قال قد انعم الله علي اذ لم اكن معهم شهيدا ولئن اصابكم فضل من الله ليقولن كان لم تكن بينكم وبينه مودة ياليتني كنت معهم فافوز فوزا عظيما(1) قال الصادق عليه السلام لو ان هذه الكلمة قالها اهل المشرق واهل المغرب لكانوا بها خارجين من الايمان ولكن قد سماهم الله مؤمنين ___________________________________ (1) النساء 70 [31] باقرارهم وقوله " يا ايها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله " فقد سماهم الله مؤمنين باقرارهم ثم قال لهم صدقوا. (الثاني) الايمان الذي هو التصديق بالقلب فقوله " الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة(1) " يعني صدقوا وقوله " وقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة " اي لا نصدقك وقوله " يا ايها الذين آمنوا آمنوا " اي ياايها الذين اقروا صدقوا فالايمان الحق هو التصديق وللتصديق شروط لا يتم التصديق الا بها وقوله " ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون(2) " فمن اقام بهذه الشروط فهو مؤمن مصدق. (الثالث) الايمان الذي هو الاداء فهو قوله لما حول الله قبلة رسوله إلى الكعبة قال اصحاب رسول الله يا رسول الله صلواتنا إلى بيت المقدس بطلت فانزل الله تبارك وتعالى " وما كان الله ليضيع ايمانكم " فسمى الصلاة ايمانا. (الرابع) من الايمان وهو التأييد الذي جعله الله في قلوب المؤمنين من روح الايمان فقال " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم او ابناءهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه(3) " والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله " لا يزني الزانى وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن يفارقه روح الايمان ما دام على بطنها فاذا ___________________________________ (1) يونس 64. (2) البقرة 177. (3) المجادلة 22 [32] قام عاد اليه " قيل وما الذي يفارقه قال " الذي يدعه (يرعد ط) في قلبه " ثم قال عليه السلام " ما من قلب إلا وله اذنان على احدهما ملك مرشد وعلى الآخر شيطان مغتر(1) هذا يأمره وهذا يزجره " ومن الايمان ما قد ذكره الله في القرآن (خبيث وطيب ط) حيث قال " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب " ومنهم من يكون مؤمنا مصدقا ولكنه يلبس ايمانه بظلم وهو قوله " الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون " فمن كان مؤمنا ثم دخل في المعاصي التي نهى الله عنها فقد لبس ايمانه بظلم فلا ينفعه الايمان حتى يتوب إلى الله من الظلم الذي لبس ايمانه حتى يخلص لله فهذه وجوه الايمان في كتاب الله. قوله (والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك) قال بما انزل من القرآن اليك وما انزل على الانبياء قبلك من الكتب. قوله (ان الذين كفروا سواء عليهم ءانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون) فان حدثني ابي عن بكر بن صالح عن ابي عمر الزبيدي (الزبيري ط) عن ابي عبدالله (ع) قال الكفر في كتاب الله على خمسة وجوه فمنه كفر بجحود وهو على وجهين جحود بعلم وجحود بغير علم فاما الذين جحدوا بغير علم فهم الذين حكاه الله عنهم في قوله (وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وما لهم بذلك من علم ان هم الا يظنون) وقوله " ان الذين كفروا سواء عليهم أانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون " فهؤلآء كفروا وجحدوا بغير علم واما الذين كفروا وجحدوا بعلم فهم الذين قال الله تبارك وتعالى وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فهؤلآء كفروا وجحدوا بعلم قال وحدثني ابي عن ابن ابى عمير عن حماد عن حريز عن ابى عبدالله (ع) قال هذه ___________________________________ (1) اغتره اي طلب غفلته ج-ز [33] الآية نزلت في اليهود والنصارى بقول الله تبارك وتعالى " الذين آتيناهم الكتاب - يعني التورية والانجيل - يعرفونه - يعني رسول الله صلى الله عليه وآله - كما يعرفون ابناءهم(1) " لان الله عزوجل قد انزل عليهم في التورية والزبور والانجيل صفة محمد صلى الله عليه وآله وصفة اصحابه ومبعثه وهجرته وهو قوله " محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله رضوانا؟ سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التورية ومثلهم في الانجيل(2) " هذه صفة رسول الله صلى الله عليه وآله واصحابه في التورية والانجيل فلما بعثه الله عرفه اهل الكتاب كما قال جل جلاله " فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به " فكانت اليهود يقولون للعرب قبل مجئ النبي ايها العرب هذا اوان نبي يخرج بمكة ويكون هجرته بالمدينة وهو آخر الانبياء وافضلهم، في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة يلبس الشملة ويجتزي بالكسرة والتميرات ويركت الحمار عرية(3) وهو الضحوك القتال يضع سيفه على عاتقه ولا يبالي بمن لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر وليقتلنكم الله به يا مشعر العرب قتل عاد، فلما بعث الله نبيه بهذه الصفة حسدوه وكفروا به كما قال الله " وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به " ومنه كفر البراءة وهو قوله " ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض " اي يتبرأ بعضكم من بعض، ومنه كفر الشرك لما امر الله وهو قوله " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر " اي ترك الحج وهو مستطيع فقد كفر، ومنه كفر النعم وهو قوله " ليبلونئ اشكر ام اكفر ومن شكر فانما يشكر لنفسه ومن كفر " - اي ومن لم يشكر - نعمة الله فقد كفر فهذه وجوه الكفر في كتاب الله. ___________________________________ (1) البقرة 146. (2) الفتح 29. (3) أي بلا سرج [34] قوله (ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين) فانها نزلت في قوم منافقين اظهروا لرسول الله الاسلام وكانوا اذا رأوا الكفار قالوا " انا معكم " واذا لقوا المؤمنين قالوا نحن مؤمنون وكانوا يقولون للكفار " انا معكم انما نحن مستهزؤن " فرد الله عليهم " الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون " والاستهزاء من الله هو العذاب " ويمدهم في طغيانهم يعمهون " اي يدعهم. قوله (اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) والضلالة هنا الحيرة والهدى هو البيان واختاروا الحيرة والضلالة على الهدى وعلى البيان فضرب الله فيهم مثلا فقال (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون) قوله (صم بكم عمي) والصم الذي لا يسمع والبكم الذي يولد من امه اعمى والعمى الذي يكون بصيرا ثم يعمى قوله (او كصيب من السماء) اي كمطر من السماء وهو مثل الكفار قوله (يخطف ابصارهم) اي يعمي قوله (ان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) اى في شك، قوله (فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم - يعني الذين عبدوهم واطاعوهم - من دون الله إن كنتم صادقين) قوله (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها) قال يؤتون من فاكهة واحدة على الوان متشابهة قوله (ولهم فيها ازواج مطهرة) اي لا يحضن ولا يحدثن. واما قوله " ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثل يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا) فانه قال الصادق عليه السلام ان هذا القول من الله عزوجل رد على من زعم ان الله تبارك وتعالى يضل العباد ثم يعذبهم على ضلالتهم فقال الله عزوجل ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها قال وحدثنى ابى عن النضر بن سويد عن القسم بن سليمان عن المعلى بن خنيس [35] عن ابي عبدالله عليه السلام ان هذا المثل ضربه الله لامير المؤمنين عليه السلام فالبعوضة امير المؤمنين عليه السلام وما فوقها رسول الله صلى الله عليه وآله والدليل على ذلك قوله " فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم " يعنى امير المؤمنين كما اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله الميثاق عليهم له " واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا " فرد الله عليهم فقال " وما يضل به الا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه - في علي - ويقطعون ما امر الله به ان يوصل " يعني من صلة امير المؤمنين (ع) والائمة عليهم السلام " ويفسدون في الارض اولئك هم الخاسرون " قوله " وكيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فاحياكم) اي نطفة ميتة وعلقة واجرى فيكم الروح فاحياكم (ثم يميتكم - بعد - ثم يحييكم) في القيامة (ثم اليه ترجعون) والحياة في كتاب الله على وجوه كثيرة، فمن الحياة ابتداء خلق الانسان في قوله " فاذا سويته ونفخت فيه منروحي " فهي الروح المخلوق خلقه الله واجرى في الانسان " فقعوا له ساجدين ". والوجه الثاني من الحياة يعني به انبات الارض وهو قوله يحيى الارض بعد موتها والارض الميتة التي لا نبات لها فاحياؤها بنباتها. ووجه آخر من الحياة وهو دخول الجنة وهو قوله " استجيبوا لله ولرسوله اذا دعاكم لما يحييكم " يعني الخلود في الجنة والدليل على ذلك قوله " وان الدار الآخرة لهي الحيوان ". واما قوله (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن جميل عن ابي عبدالله (ع) قال سئل عما ندب الله الخلق اليه ادخل فيه الضلالة؟ قال نعم والكافرون دخلوا فيه لان الله تبارك وتعالى امر الملائكة بالسجود لآدم فدخل في امره الملائكة وابليس فان ابليس كان من الملائكة في السماء يعبد الله وكانت [36] الملائكة تظن انه منهم ولم يكن منهم فلما امر الله الملائكة بالسجود لآدم (ع) اخرج ما كان في قلب ابليس من الحسد فعلم الملائكة عند ذلك ان ابليس لم يكن مثلهم فقيل له (ع) فكيف وقع الامر على ابليس وانما امر الله الملائكة بالسجود لآدم؟ فقال كان ابليس منهم بالولاء(1) ولم يكن من جنس الملائكة وذلك ان الله خلق خلقا قبل آدم وكان ابليس منهم حاكما في الارض فعتوا وافسدوا وسفكوا الدماء فبعث الله الملائكة فقتلوهم واسروا ابليس ورفعوه إلى السماء وكان مع الملائكة يعبد الله إلى ان خلق الله تبارك وتعالى آدم (ع). فحدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن (ابى ط) مقدام عن ثابت الحذاء عن جابر بن يزيد الجعفي عن ابي جعفر محمد بن على بن الحسين عن ابيه عن آبائه عليهم السلام عن امير المؤمنين عليه السلام قال ان الله تبارك وتعالى اراد ان يخلق خلقا بيده وذلك بعد ما مضى من الجن والنسناس في الارض سبعة آلاف سنة وكان من شأنه خلق آدم كشط(2) عن اطباق السموات قال للملائكة انظروا إلى اهل الارض من خلقى من الجن والنسناس فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الارض بغير الحق عظم ذلك عليهم وغضبوا وتأسنوا على اهل الارض ولم يملكوا غضبهم قالوا ربنا إنك أنت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشأن وهذا خلقك الضعيف الذليل يتقلبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويتمتعون بعافيتك وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام لا تأسف عليهم ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى وقد عظم ذلك علينا واكبرناه فيك قال فلما سمع ذلك من الملائكة قال (اني جاعل في الارض خليفة) يكون حجة لي في الارض على خلقي فقالت الملائكة سبحانك (اتجعل فيها من يفسد فيها) ___________________________________ (1) يعني انه كان يحب الملائكة. (2) اي كشف [37] كما افسد بنو الجان ويسفكون الدماء كما سفك بنو الجان ويتحاسدون ويتباغضون فاجعل ذلك الخليفة منا فانا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدماء ونسبح بحمدك ونقدس لك قال عزوجل (اني اعلم ما لا تعلمون) اني اريد ان اخلق خلقا بيدي واجعل من ذريته انبياء ومرسلين وعبادا صالحين ائمة مهتدين واجعلهم خلفاء على خلقي في ارضي ينهونهم عن معصيتي وينذرونهم من عذابي ويهدونهم إلى طاعتي ويسلكون بهم طريق سبيلي وأجعلهم لي حجة عليهم وابيد النساس من ارضي واطهرها منهم وانقل مردة الجن العصاة من بريتي وخلقي وخيرتي واسكنهم في الهواء في اقطار الارض فلا يجاورون نسل خلقي وأجعل بين الجن وبين خلقي حجابا فلا يرى نسل خلقي الجن ولا يجالسونهم ولا يخالطونهم فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم واسكنتهم مساكن العصاة اوردتهم مواردهم ولا آبالي قال فقالت الملائكة يا ربنا افعل ما شئت (لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم) قال فباعدهم الله من العرش مسيرة خمس مأة عام، قال فلاذوا بالعرش واشاروا بالاصابع فنظر الرب عزوجل اليهم ونزلت الرحمة فوضع لهم البيت المعمور فقال طوفوا به ودعوا العرش فانه لي رضى فطافوا به وهو البيت الذي يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون ابدا فوضع الله البيت المعمور توبة لاهل السماء ووضع الكعبة توبة لاهل الارض فقال الله تبارك وتعالى " اني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " قال وكان ذلك من الله تعالى في آدم قبل ان يخلقه واحتجاجا منه عليهم (قال) فاغترف ربنا عزوجل غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات وكلتا يديه يمين فصلصلها في كفه حتى جمدت فقال لها منك اخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين والائمة المهتدين والدعاة إلى الجنة وأتباعهم إلى يوم القيامة ولا ابالي ولا اسأل عما [38] أفعل وهم يسألون، ثم اغترف غرفة اخرى من الماء المالح الاجاج(1) فصلصلها في كفه فجمدت ثم قال لها منك اخلق الجبارين والفراعنة والعتاة واخوان الشياطين والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة واشياعهم ولا ابالي ولا اسأل عما افعل وهم يسألون قال وشرطه في ذلك البداء(2) ولم يشترط في اصحاب اليمين ثم اخلط ___________________________________ (1) لا يقال ان هذا الخبر مؤيد للمجبرة الذين يقولون بعدم اختيار العباد، لانه يقال انه الله تعالى عالم بسريرة العباد قبل خلقهم وخبير بمصيرهم إلى الحسن او القبح بدون ان يكون لهذا العلم دخل في افعالهم لان العلم بالشئ لا يكون مؤثرا فيه، بل المؤثر في الافعال ارادة الفاعل، فلما علم الله سبحانه وتعالى ان فريقا من العباد يفعلون الخير والحسنات، وآخرين يرتكبون الفواحش والمنكرات جعل في طينة الاولين الماء العذب، انعاما عليهم واكراما لهم ليكون اوفق لهم في مقام الطاعة واسهل في الانقياد، وليس هذا على حد الالجاء ولا سببا لما صدر عنهم من الاعمال الحسنة بل انه من الموفقات - وكذلك جعل في طينة الاشرار الماء المالح الاجاج تخفيضا وتحقيرا لهم وليس فيه الزام والجاء على فعل القبيح بل هو تابع لارادتهم كما ذكر ويؤيد ما ذكرنا قوله عليه السلام " وشرطه في ذلك البداء " فاندفع من هذا ما يرد على الاخبار الواردة من هذا القبيل كاخبار الطينة، واخبار السعادة والشقاوة في بطون الامهات - (2) قال جدي السيد الجزائري رحمه الله في زهر الربيع في معنى البداء انه " تكثرت الاحاديث من الفريقين في البداء " مثل " ما عظم الله بمثل البداء " وقوله " ما بعث الله نبيا حتى يقر له بالبداء " اي يقر له بقضاء مجدد في كل يوم بحسب مصالح العباد لم يكن ظاهرا عندهم، وكان الاقرار عليهم بذلك للرد على اليهود حيث زعموا انه تعالى فرغ من الامر، يقولون انه تعالى عالم في الازل بمقتضيات الاشياء فقدر كل شئ على مقتضى علمه. وقال شيخنا الطوسي رحمه الله في العدة: واما البداء فحقيقته في اللغة الظهور، كما يقال " بدا لنا سور المدينة، وقد يستعمل في العلم بالشئ بعد ان لم يكن حاصلا، فاذا اضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز اطلاقه عليه ومنه ما لا يجوز، فالاول هو ما افاد النسخ بعينه ويكون اطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع، وعلى هذا يحمل جميع ما ورد عن الصادق عليه السلام من الاخبار المتضمنة لاضافة البداء إلى الله تعالى دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد ان لم يكن، ويكون وجه اطلاق ذلك عليه تعالى التشبيه هو انه اذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين مالم يكن ظاهرا ويحصل لهم العلم به بعد ان لم يكن حاصلا واطلق على ذلك لفظ " البداء ". قال وذكر سيدنا المرتضى وجها آخر في ذلك وهو: انه قال يمكن حمل ذلك على حقيقته بان يقال بد الله بمعنى انه ظهر له من الامر ما لم يكن ظاهرا له، وبدا له من النهي ما لم يكن ظاهرا له، لان قبل وجود الامر والنهي لا يكونان ظاهرين مدركين وانما يعلم انه يأمر وينهى في المستقبل، فاما كونه آمرا وناهيا فلا يصح ان يعلمه الا اذا وجد الامر والنهي وجرى ذلك مجرى احد الوجهين المذكورين في قوله تعالى " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم " بان نحمله على ان المراد به حتى نعلم جهادكم موجودا، لان قبل وجود الجهاد لا يعلم الجهاد موجودا وانما يعلم كذلك بعد حصوله فكذلك القول في البداء (انتهى). ويظهر مما افاده الشيخ رحمه الله عدم الفرق بين البداء والنسخ ولكن يمكن ان يقال في مقام الفرق بينهما ان الاول يطلق على ما يتعلق بالاصول المنوطة - بالاعتقاد التي لا دخل له في العمل، والثاني مخصوص بالفروع والشرائع المتعلقة باعمال المكلفين، وهذا الفرق غير خفي على كل حفي واحسن ما يمكن التمثيل به في معنى البداء قوله تعالى " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ثم اتممناها بعشر (الاعراف 142) فواعد الله موسى لاعطاء التوارة ثلاثين ليلة، ثم غير الوعد المذكور على الظاهر باضافة عشر ليال، ولم يكن هذا التغيير لاجل سنوح مصلحة جديدة كانت خفية عنه سابقا بل المعنى ان الميعاد المقرر عند الله لم يكن إلا اربعين ليلة، لكنه بين اولا بانه ثلاثون لحكمة امتحان ايمان تابعي موسى، فمنهم من ثبت عند هذا الامتحان، ومنهم من خرج عن ربقة الايمان، وتعبد بالعجل والاوثان، وبعد ما انتهى هذا الابتلاء اتم الميعاد باضافة عشر ليال، والدليل على ان الميعاد المقرر عند الله كان اربعين ليلة لا غير قوله تعالى " واذ واعدنا موسى اربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون. البقرة 51 " قال البلاغي " اربعين ليلة باعتبار مجموع العددين، الوعد الاول - وهو ثلاثون ليلة - والثاني، وهو اتمامها بعشر كما في سورة الاعراف ". فعلى هذا لا يرد على البداء من انه موجب لجهله تعالى عن عواقب الامور او موجب للتغير في علمه، او نقصانه، لان التغير في المعلوم دون العالم، وان سلم فهو اعتباري غير قادح في وجوبه كما اشار اليه بقوله " كل يوم هو في شأن.الرحمن 29 ". ومن هذا يظهر ايضا دفع الاشكال الوارد على الحديث المشهور عن الصادق عليه السلام في ولده اسماعيل عند وفاته، وهو قوله عليه السلام: " ما بدالله في كل شئ كما بدا له في اسماعيل " وقد بين له معان لا يسعني ذكرها فنقتصر على ما خطر في خاطري وهو انه: لما كان الغرض المهم من خلقه الكون خلقة الانسان، والمهم في خلقهم بعث الانبياء، والمهم في بعثهم نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله، والمهم في بقاء شريعته صلى الله عليه وآله امامة اثنى عشرة ائمة، فكانت النتيجة ان هذه الامامة مدار الكون، فكان الابتلاء فيها من اهم الابتلاءات، فكان ظهور البداء فيها من اعظم البدوات التي امتحن الله بها قلوب العباد - والله العالم -ج-ز [39] المائتين جميعا في كفه فصلصلهما ثم كفهما قدام عرشه وهما سلالة من طين ثم امر الله الملائكة الاربعة الشمال والجنوب والصبا والدبوران يجولوا على هذه السلالة من الطين فأمرؤها(1) وأنشؤها ثم انزوها(2) وجزوها وفصلوها(3) واجروا فيها الطبايع الاربعة الريح والدم والمرة والبلغم فجالت الملائكة عليها وهى الشمال والجنوب والصبا والدبور واجروا فيها الطبايع الاربعة، الريح في الطبايع الاربعة من البدن من ناحية الشمال والبلغم في الطبايع الاربعة من ناحية الصبا والمرة في الطبايع الاربعة من ناحية الدبور والدم في الطبايع الاربعة من ناحية الجنوب، قال فاستفلت النسمة وكمل البدن فلزمه من ناحية الريح حب النساء وطول الامل والحرص، ولزمه من ناحية البلغم حب الطعام والشراب والبر والحلم والرفق، ولزمه من ناحية المرة الحب والغضب والسفه والشيطنة والتجبر والتمرد والعجلة، ولزمه من ناحية الدم حب الفساد واللذات وركوب المحارم والشهوات، قال ابوجعفر وجدناه هذا في كتاب امير المؤمنين عليه السلام، فخلق الله آدم فبقى اربعين سنة مصورا فكان يمر به ابليس اللعين فيقول لامر ما خلقت فقال العالم عليه السلام فقال ابليس لئن امرني الله بالسجود لهذا لاعصينه، قال ثم نفخ فيه فلما بلغت الروح إلى دماغه عطس عطسة جلس منها فقال الحمد لله فقال الله تعالى يرحمك الله قال الصادق عليه السلام فسبقت له من الله الرحمة ثم قال الله تبارك وتعالى للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا له فاخرج ابليس ما كان في قلبه من ___________________________________ (1) اي هذبوها وطيبوها. (2) انز الشئ تصلب وتشدد. (3) وروى " فابدؤها وانشاؤها ثم ابرؤها وتجزوها " وما ذكرناه اوفق.ج-ز [42] الحسد فابى ان يسجد فقال الله عزوجل " ما منعك ألا تسجد اذ أمرتك قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " قال الصادق عليه السلام فاول من قاس ابليس واستكبر والاستكبار هو اول معصية عصي الله بها قال فقال ابليس يارب اعفني من السجود لآدم عليه السلام وانا اعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبي مرسل قال الله تبارك وتعالى لا حاجة لي إلى عبادتك انما اريد ان اعبد من حيث اريد لا من حيث تريد فابى ان يسجد فقال الله تعالى " فاخرج منها فانك رجيم وان عليك لعنتي إلى يوم الدين " فقال ابليس يا رب كيف وانت العدل الذي لا تجور فثواب عملي بطل قال لا ولكن إسأل من امر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك فاعطيتك فاول ما سأل البقاء إلى يوم الدين فقال الله قد اعطيتك قال سلطني على ولد آدم قال قد سلطتك قال اجرني منهم مجرى الدم في العروق قال قد اجريتك قال ولا يلد لهم ولد الا ويلد لى اثنان قال واراهم ولا يروني واتصور لهم في كل صورة شئت فقال قد اعطيتك قال يا رب زدني قال قد جعلت لك في صدورهم اوطانا قال رب حسبي فقال ابليس عند ذلك " فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين ثم لآتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين " قال وحدثني ابي عن ابن ابي عمير عن جميل عن زرارة عن ابى عبدالله عليه السلام قال لما اعطى الله تبارك وتعالى ابليس ما اعطاه من القوة قال آدم يا رب سلطته على ولدي واجريته مجرى الدم في العروق واعطيته ما اعطيته فما لي ولولدي؟ فقال لك ولولدك السيئة بواحدة والحسنة بعشرة امثالها قال يا رب زدنى قال التوبة مبسوطة إلى حين يبلغ النفس الحلقوم فقال يا رب زدنى قال اغفر ولا ابالي قال حسبي قال قلت له جعلت فداك بماذا استوجب ابليس من الله ان اعطاه ما اعطاه فقال بشئ كان منه شكره الله عليه قلت وما كان منه جعلت فداك قال ركعتين ركعهما في السماء في اربعة آلاف سنة. [43] واما قوله (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) فانه حدثني ابى رفعه قال سئل الصادق عليه السلام عن جنة آدم أمن جنان الدنيا كانت ام من جنان الآخرة فقال كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الآخرة ما اخرج منها أبدا آدم ولم يدخلها إبليس قال اسكنه الله الجنة واتى جهالة إلى الشجرة فاخرجه لانه خلق خلقة لا تبقى الا بالامر والنهي واللباس والاكنان(1) والنكاح ولا يدرك ما ينفعه مما يضره الا بالتوقيف فجاءه ابليس فقال انكما ان اكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين وبقيتما في الجنة أبدا وان لم تأكلا منها اخرجكما الله من الجنة وحلف لهما انه لهما ناصح كما قال الله تعالى حكاية عنه " ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين وقاسمهما انى لكما لمن الناصحين " فقبل آدم قوله فاكلا من الشجرة فكان كما حكى الله " بدت لهما سوءاتهما " وسقط عنهما ما البسهما الله من لباس الجنة واقبلا يستتران بورق الجنة " وناداهما ربهما الم انهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين " فقالا كما حكى الله عزوجل عنهما " ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " فقال الله لهما (اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين) قال إلى يوم القيامة، قوله (فازلهما الشيطان عنها فاخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين) فهبط آدم على الصفا وانما سميت الصفا لان صفوة الله نزل عليها ونزلت حواء على المروة وانما سميت المروة لان المرأة نزلت عليها فبقي آدم اربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال يا آدم الم يخلقك الله ___________________________________ (1) الاكنان جمع كن وهو ماكن من الحر والبرد. [44] بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته قال بلى قال وأمرك ان لا تأكل من الشجرة فلم عصيته؟ قال يا جبرئيل ان ابليس حلف لي بالله انه لي ناصح وما ظننت ان خلقا يخلقه الله ان يحلف بالله كاذبا، قال وحدثني ابى عن ابن ابى عمير عن إبن مسكان عن ابى عبدالله عليه السلام قال ان موسى عليه السلام سأل ربه ان يجمع بينه وبين آدم عليه السلام فجمع فقال له موسى يا ابة الم يخلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته وامرك ان لا تأكل من الشجرة فلم عصيته؟ فقال يا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التورية؟ قال بثلاثين الف سنة قبل ان خلق آدم قال فهو ذاك قال الصادق (ع) فحج آدم موسى عليهما السلام. واما قوله (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم) فانه حدثني ابي عن ابن ابى عمير عن ابان بن عثمان عن ابى عبدالله عليه السلام قال ان آدم عليه السلام بقي على الصفا اربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة وعلى خروجه من الجنة من جوار الله عزوجل فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال يا آدم مالك تبكي فقال يا جبرئيل مالي لا أبكي وقد اخرجني الله من الجنة من جواره واهبطني إلى الدنيا فقال يا آدم تب اليه قال وكيف اتوب فانزل الله عليه قبة من نور فيه موضع البيت فسطع نورها في جبال مكة فهو الحرم فامر الله جبرئيل ان يضع عليه الاعلام قال قم يا آدم فخرج به يوم التروية وامره ان يغتسل ويحرم واخرج من الجنة اول يوم من ذي القعدة فلما كان يوم الثامن من ذي الحجة اخرجه جبرئيل عليه السلام إلى منى فبات بها فلما اصبح اخرجه إلى عرفات وقد كان علمه حين اخرجه من مكة الاحرام وعلمه التلبية فلما زالت الشمس يوم عرفة قطع التلبية وامره ان يغتسل فلما صلى العصر اوقفه بعرفات وعلمه الكلمات التي تلقاها من ربه وهي " سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا انت عملت سوءا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك انت الغفور الرحيم سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا انت عملت سوءا |
-
إرسال بالبريد الإلكتروني كتابة مدونة حول هذه المشاركة المشاركة على X المشاركة في Facebook |