Rss Feed

  1. الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي  
    مدنية وهى مأة وست وسبعون آية
     
    (بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) يعني آدم (عليه السلام) (وخلق منها زوجها) يعني حواء برأها الله من اسفل اضلاعه (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساء‌لون به والارحام) قال يساء‌لون يوم القيامة عن التقوى هل اتقيتم، وعن الارحام هل وصلتموها، وقوله (ان الله كان عليكم رقيبا) اي كفيلا، وفي رواية ابي الجارود الرقيب الحفيظ، قال علي بن ابراهيم في قوله (وآتوا الينامى اموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا اموالهم إلى اموالكم) يعني لا تأكلوا مال اليتيم ظلما فتسرفوا وتتبدلوا الخبيث بالطيب والطيب ما قال الله " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ولا تأكلوا اموالهم إلى اموالكم يعني مال اليتيم (انه كان حوبا كبيرا) أي اثما عظيما.
     
    واما قوله (وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع) قال نزلت مع قوله تعالى " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتوهن ما كتب لهن وترغبون ان تنكحوهن فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فنصف الآية في اول السورة ونصفها على رأس المائة وعشرين آية، وذلك انهم كانوا لا يستحلون ان يتزوجوا يتيمة قد ربوها فسألوا الرسول صلى الله عليه وآله عن ذلك فانزل الله تعالى يستفتونك في النساء إلى قوله مثنى وثلاث ورباع قوله (فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة او ما ملكت ايمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا اي لا تتزوجوا ما لا تقدرون ان تعولوا (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) اي هبة (فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) يعني
     
    [131]
     
    ما يهبه لها من مهرها ان ردته عليه فهو هنيئ مرئ، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (ولا تؤتوا السفهاء اموالكم) فالسفهاء النسا والولد، إذا علم الرجل ان امرأته سفيهة مفسدة وولده سفيه مفسد لا ينبغي له يسلط واحدا منهما على ماله الذي جعله الله له (قياما) يقول معاشا قال (وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا) المعروف العدة(1) قال علي بن ابراهيم حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله شارب الخمر لا تصدقوه إذا حدث ولا تزوجوه إذا خطب ولا تعودوه إذا مرض ولا تحضروه إذا مات ولا تأتمنوه على أمانة فمن ائتمنه على امانة فاهلكها فليس على الله ان يخلف عليه ولا ان يأجره عليها، لان الله يقول ولا تؤتوا السفهاء اموالكم واي سفيه اسفه من شارب الخمر.
     
    واما قوله (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا ان يكبروا) قال من كان في يده مال اليتامى فلا يجوز له ان يعطيه حتى يبلغ النكاح، فاذا احتلم وجب عليه الحدود واقامة الفرائض، ولا يكون مضيعا ولا شارب خمر ولا زانيا، فاذا أنس منه الرشد دفع اليه المال واشهد عليه وان كانوا لا يعلمون انه قد بلغ فانه يمتحن بريح إبطه او نبت عانته، فاذا كان ذلك فقد بلغ فيدفع اليه ماله اذا كان رشيدا، ولا يجوز ان يحبس عليه ماله ويعلل انه لم يكبر وقوله " ولا تأكلوها اسرافا وبدارا ان يكبروا " فان من كان في يده مال يتيم وهو غني فلا يحل له ان يأكل من مال اليتيم ومن كان فقيرا قد حبس نفسه على ماله فله ان يأكل بالمعروف، ومعنى قوله (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه او كثر نصيبا مفروضا) فهي منسوخة بقوله " يوصيكم الله في اولادكم " وقوله (واذا حضر القسمة اولوا
     
    ___________________________________
     
    (1) العدة ما اعددته من مال وسلاح.ج.ز
     
    [132]
     
    القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا) منسوخ بقوله " يوصيكم الله في اولادكم " واما قوله (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا) فان الله عزوجل يقول لا تظلموا اليتامي فيصيب اولادكم مثل ما فعلتم باليتامى وإن الله تبارك وتعالى يقول إذا ظلم الرجل اليتيم وكان مستحلا لم يحفظ ولده ووكلهم إلى ابيهم، وان كان صالحا حفظ ولده في صلاح ابيهم، والدليل على ذلك قوله تبارك وتعالى " واما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان ابوهما صالحا إلى قوله - رحمة من ربك " لان الله لا يظلم اليتامى لفساد ابيهم ولكن يكل الولد إلى ابيه فان كان صالحا حفظ ولده بصلاحه، واما قوله (ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا الآية) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن هشام بن سالم عن ابي عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسري بي إلى السماء رأيت قوما تقذف في اجوافهم النار وتخرج من ادبارهم، فقلت من هؤلاء ياجبرئيل؟ فقال هؤلاء الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما.
     
    وقوله (يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) قال إذا مات الرجل وترك بنين وبنات فللذكر مثل حظ الانثيين وقوله (فان كن نساء فوق انثتين فلهن ثلثا ما ترك) يعني إذا مات الرجل وترك ابوبن وابنتين فللابوين السدسان وللابنتين الثلثان، فان كانت البنت واحدة فلها النصف ولابويه لكل واحد منهما السدس، وبقى سهم يقسم على خمسة اسهم فما أصاب ثلاثة اسهم فللبنت وما اصاب اثنين فللابوين، وقوله (فان لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث) يعني إذا ترك ابوين فللام الثلث وللاب الثلثان (من بعد وصية يوصي بها او دين) اي لا تكون الوصية على المضارة يعني بولده ثم قال للرجال (ولكم نصف ما ترك
     
    [133]
     
    ازواجكم) فاذا ماتت المرأة فلزوجها النصف اذا لم يكن لها ولد فان كان لها ولد فلزوجها اربع وللمرأة اذا مات زوجها ولم يكن له ولد فلها الربع وان كان له ولد فلها الثمن.
     
    وقوله: (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله اخ او اخت فلكل واحد منهما السدس) فهذه كلالة الام وهي الاخوة والاخوات من الام فان كانوا اكثر من ذلك فهم يأخذون الثلث، فيقتسمون فيما بينهم بالسوية الذكر والانثى فيه سواء، فان كان للميت اخوة واخوات من قبل الاب والام او من قبل الاب وحده فلامه السدس وللاب خمسة اسداس، فان الاخوة والاخوات من قبل الاب هم في عيال الاب ويلزمه مؤنتهم فهم يحجبون الام عن الثلث ولا يرثون وقوله (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن اربعة منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت او يجعل الله لهن سبيلا) فانه في الجاهلية كان إذا زنى الرجل المرأة كانت تحبس في بيت إلى ان تموت ثم نسخ ذلك بقوله " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " وقوله (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فاولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما) فانه محكم قوله (ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الآن) فانه حدثني ابي عن ابن فضال عن علي ابن عقبة عن ابي عبدالله عليه السلام قال نزل في القرآن ان زعلون(1) تاب حيث لم تنفعه التوبة ولم تقبل منه وقوله (ياايها الذين آمنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لنذهبوا ببعض ما آتيتموهن) قال لا بحل للرجل اذا نكح امرأة ولم يردها وكرهها ان لا يطلقها إذا لم يجبر (يجر ط) عليها، ويعضلها اي يحبسها ويقول لها حتى تؤدي ما اخذت مني فنهى الله عن ذلك (إلا ان يأتين
     
    ___________________________________
     
    (1) اسم مشرك.ج-ز
     
    [134]
     
    بفاحشة مبينة) وهو ما وصفناه في الخلع فان قالت له ما تقول المختلعة يجوز له ان يأخذ منها ما اعطاها وما فضل.
     
    وفي رواية ابي الجارود(1) عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (ياايها الذين آمنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها) فانه كان في الجاهلية في اول ما اسلموا من قبائل العرب اذا مات حميم(2) الرجل وله امرأة القى الرجل ثوبه عليها فورث نكاحها بصداق حميمه الذى كان اصدقها فكان يرث نكاحها كما يرث ماله، فلما مات ابوقيس بن الاسلب (ابوقيس بن الاسلت ط) القى محصن بن ابي قيس ثوبه على امرأة ابيه وهي كبيثة (كبيشة ط) بنت معمر بن معبد فورث نكاحها ثم تركها لا يدخل به ولا ينفق عليها فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت يا رسول الله مات ابوقيس بن الاسلب فورث ابنه محصن نكاحي فلا يدخل علي ولا ينفق علي ولا يخلى سبيلى فالحق باهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ارجعي إلى بيتك فان يحدث الله في شأنك شيئا اعلمتك به، فنزل (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا) فلحقت باهلها، وكانت نساء في المدينة قد ورث نكاحهن كما ورث نكاح كبيثة غير انه ورثهن عن الابناء فانزل الله " يا ايها الذين آمنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها " وقوله (وعاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) يعني الرجل يكره اهله فاما ان يمسكها فيعطفه الله عليها واما ان يخلي سبيلها فيتزوجها غيره
     
    ___________________________________
     
    (1) لا يخفى ان الروايات التي صدرت بذكر ابى الجارود، ليست من عبارة تفسير القمى، بل انها مضافات ابي الفضل العباس تلميذ المصنف التي اضافها إلى اصل التفسير بمناسبة المقام.
     
    (2) القريب والصديق.ج-ز
     
    [135]
     
    فيرزقها الله الود والولد ففي ذلك قد جعل الله خيرا كثيرا قال (وان اردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم احديهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا واثما مبينا) وذلك اذا كان الرجل هو الكاره للمرأة، فنهى الله ان يسئ اليها حتى تفتدي منه يقول الله (وكيف تأخذونه وقد افضى بعضكم إلى بعض) والافضاء المباشرة يقول الله (واخذن منكم ميثاقا غليظا) والميثاق الغليظ الذي اشترطه الله للنساء على الرجال امساك بمعروف او تسريح باحسان.
     
    قال علي بن ابراهيم في قوله: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف " فان العرب كانوا ينكحون نساء آبائهم فكان إذا كان للرجال اولاد كثيرة وله اهل ولم تكن امهم ادعى كل واحد فيها فحرم الله مناكحتهم وله اهل ثم قال (حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم واخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت وامهاتكم اللاتي ارضعنكم وأخواتكم من الرصاعة وامهات نسائكم الآية) فان هذه المحرمات هي محرمة وما فوقها الي اقصاها وكذلك البنت والاخت، واما التي هي محرمة بنفسها وبنتها حلال فالعمة والخالة هي محرمة بنفسها وبنتها حلال وامهات النساء امها محرمة وبنتها حلال اذا ماتت ابنتها الاولى التي هي امرأته او طلقها واما قوله (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم) فالخوارج زعمت ان الرجل اذا كانت لاهله بنت ولم يربها ولم تكن في حجره حلت له لقول الله " واللاتي في حجوركم " قال الصادق عليه السلام لا تحل له (وحلائل ابنائكم الذين من اصلابكم) يعني امرأة الولد، وقوله (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت الجزء(5) ايمانكم) يعني امة الرجل إذا كان قد زوجها من عبده ثم اراد نكاحها فرق بينهما واستبرأ رحمها بحيضة او حيضتين فاذا استبرأ رحمها حل له ان ينكحها وقوله (كتاب الله عليكم) يعني حجة الله عليكم فيما يقول (واحل لكم ما وراء ذلكم ان تبتغوا باموالكم محصنين غير مسافحين) يعني يتزوج بمحصنة غير زانية
     
    [136]
     
    مسافحة قوله (فمن استمتعتم به منهن) قال الصادق عليه السلام: " فمن استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى فآتوهن اجورهن فريضة " قال الصادق عليه السلام فهذه الآية دليل على المتعة وقوله (ومن لم يستطع منكم طولا ان ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات) قال ومن لم يستطع ان ينكح الحرة فالاماء باذن اصحابهن (والله اعلم بايمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن باذن اهلهن وآتوهن اجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات) قال غير خديعة ولا فسق ولا فجور وقوله (ولا متخذات اخدان) اي لا يتخذها صديقة وقوله (فاذا احصن فان اتين بفاحشة مبينة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) يعني به العبيد والاماء اذا زنيا ضربا نصف الحد، فمن عاد فمثل ذلك حتى يفعلوا ذلك ثماني مرات ففي الثامنة يقتلون، قال الصادق عليه السلام وانما صار يقتل في الثامنة لان الله رحمه ان يجمع عليه ربق الرق وحد الحر.
     
    وقوله (ياايها الذين آمنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل) يعني الربا (إلا ان تكون تجارة عن تراض منكم) يعني الشرى والبيع الحلال (ولا تقتلوا انفسكم) قال كان الرجل إذا خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله في الغزو يحمل علي العدو وحده من غير ان يأمره رسول اله صلى الله عليه وآله فنهى الله ان يقتل نفسه من غير امر رسول الله صلى الله عليه وآله وقوله (ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) قال هي سبعة: الكفر وقتل النفس، وعقوق الوالدين، واكل مال اليتيم واكل الربا، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وكلما وعد الله في القرآن عليه النار فهو من الكبائر، ثم قال (نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) وقوله (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) قال لا يجوز للرجل ان يتمنى امرأة رجل مسلم او ماله ولكن يسأل الله من فضله (ان الله كان بكل شئ عليما).
     
    [137]
     
    قوله (ولكل جعلناه موالي مما ترك الوالدان والاقربون والذين عقدت ايمانكم) وكان المواريث في الجاهلية علي الاخوة لا على الرحم وكانوا يورثون الحليف والموالى الذين اعتقوهم ثم نزل بعد ذلك " واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله) نسخت هذه، وقوله (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم) يعنى فرض الله على الرجال ان ينفقوا على النساء ثم مدح الله النساء فقال: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) يعني تخفظ نفسها إذا غاب زوجها عنها، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله " قانتات " يقول مطيعات وقوله (واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) وذلك ان نشزت المرأة عن فراش زوجها قال زوجها اتقى الله وارجعي إلى فراشك، فهذه الموعظة، فان اطاعته فسبيل ذلك وإلا سبها وهو الهجر فان رجعت إلى فراشها فذلك وإلا ضربها ضربا غير مبرح فان اطاعته وضاجعته يقول الله " فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا " يقول لا تكلفوهن الحب فانما جعل الموعظة والسب والضرب لهن في المضجع (ان الله كان عليا كبيرا).
     
    وقوله (وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها) فبما حكم به الحكمان فهو جائز يقول الله (ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما بعني الحكمين فاذا كانا عدلين دخل حكم المرأة فيقول اخبريني ما في نفسك، فاني لا احب ان اقطع شيئا دونك، فان كانت هي الناشزة قالت اعطوه من مالي ما شاء وفرق بيني وبينه، وان لم تكن ناشزة قالت انشدك الله ان لا تفرق بيني وبينه، ولكن استزد لي في النفقة فانه مسيئ ويخلو حكم الرجل يجئ إلى الرجل فيقول حدثني بما في نفسك فاني لا احب ان اقطع شيئا دونك، فان كان هو الناشز قال خذ لي منها ما استطعت وفرق بيني وبينها فلا حاجة لي فيها،
     
    [138]
     
    وان لم يكن ناشزا قال انشدك الله ان لا تفرق بيني وبينها فانها احب الناس، الي فارضها من مالي بما شئت، ثم يلتقي الحكمان وقد علم كل واحد منهما ما افضى به اليه صاحبه فاخذ كل واحد منهما على صاحبه عهد الله وميثاقه لتصدقني ولاصدقنك، وذلك حين يريد الله ان يوفق بينهما) فاذا فعلا وحدث كل واحد منهم صاحبه بما افضى اليه عرفا من الناشز فان كانت المرأة هي الناشزة قالا انت عدوة الله الناشزة العاصية لزوجك ليس لك عليه نفقة ولا كرامة لك وهو احق ان يبغضك ابدا حتى ترجعي إلى امر الله، وان كان الرجل هو الناشز قالا له انت عدو الله وانت العاصي لامر الله المبغض لامر الله (لامرأثك ط) فعليك نفقتها ولا تدخل لها بيتا ولا ترى لها وجها ابدا حتى ترجع إلى امر الله وكتابه.
     
    قال واتى علي بن ابي طالب عليه السلام رجل وامرأته علي هذه الحال فبعث حكما من اهله وحكما من اهلها وقال للحكمين هل تدريان ما تحكمان؟ ان شئتما فرقتما وان شئتما جمعتما، فقال الزوج لا ارضى بحكم فرقة ولا اطلقها، فاوجب عليه نفقتها ومنعه ان يدخل عليها، وان مات على ذلك الحال الزوج ورثته، وان ماتت لم يرثها إذا رضيت منه بحكم الحكمين وكره الزوج، فان رضى الزوج وكرهت المرأة انزلت بهذه المنزلة، ان كرهت لم يكن لها عليه نفقة وان مات لم ترثه وان ماتت ورثها حتى ترجع إلى حكم الحكمين.
     
    قال علي بن ابراهيم في قوله (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب) يعني صاحبك في السفر (وابن السببل) يعني ابناء الطريق الذين يستعينون بك في طريقهم (وما ملكت ايمانكم) يعني الاهل والخادم (ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا، الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكنمون ما آتاهم الله من فضله واعتدنا للكافرين عذابا مهينا) فسمى الله البخيل كافرا ثم
     
    [139]
     
    ذكر المنافقين فقال: (والذين ينفقون اموالهم رئاه الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن بكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) ثم قال: (وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وانفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما) قال انفقوا في طاعة الله وقوله (ان الله لا يظلم مثقال ذرة) معطوفة على قوله " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا " وقوله (فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد) يعني الائمة صلوات الله عليهم اجمعين (وجئنا بك) يامحمد (على هؤلاء شهيدا) يعني على الائمة، فرسول الله صلى الله عليه وآله شهيد على الائمة وهم شهداء على الناس وقوله (يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض ولا يكتمون الله حديثا) قال يتمنى الذين غصبوا امير المؤمنين عليه السلام أن تكون الارض ابتلعتهم في اليوم الذي اجتمعوا فيه على غصبه وأن لم يكتموا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وقوله: (يا ايها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) قال من النوم (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) فانه سئل الصادق عليه السلام عن الحائض والجنب يدخلان المسجد ام لا؟ فقال الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين فان الله تعالى يقول: " ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " ويضعان فيه الشئ ولا يأخذان منه فقلت ما بالهما يضعان فيه ولا يأخذان منه؟ فقال لانهما يقدران على وضع الشئ فيه من غير دخول ولا يقدران على أخذ ما فيه حتى يدخلا فاوجب الغسل والوضوء من الجناية بالماء ثم رخص لمن لم يجد الماء التيمم بالتراب فقال وان كنتم جنبا فاطهروا (وان كنتم مرضى او على سفر او جاء احد منكم الغائط او لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ان الله كان عفوا غفورا) وقوله (ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة) يعني ضلوا في امير المؤمنين (ويريدون ان تضلوا السبيل) يعني اخرجوا الناس من ولاية امير المؤمنين، وهو
     
    [140]
     
    الصراط المستقيم، قوله (والله اعلم باعدائكم وكفى بالله وليا، وكفى بالله نصيرا، من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع) قال نزلت في اليهود، وقوله (ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فانه حدثني ابي عن ابن ابى عمير عن هشام عن ابي عبدالله عليه السلام قال: قلت له دخلت الكبائر في الاستثناء؟ قال: نعم، وقوله (ألم تر إلى الذين يزكون انفسهم بل الله يزكي من يشاء) قال هم الذين سموا انفسهم بالصديق والفاروق وذى النورين (ط)، وقوله: (ولا يظلمون فتيلا) قال: القشرة التي على النواة، ثم كنى عنهم فقال: (انظر كيف يفترون علي الله الكذب) وهم الذين غاصبوا آل محمد حقهم، قوله (ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من الذين آمنوا سبيلا) قال نزلت في اليهود حين سألهم مشركوا العرب، فقالوا ديننا افضل ام دين محمد؟ قالوا بل دينكم افضل، وقد روي فيه ايضا انها نزلت في الذين غصبوا آل محمد حقهم وحسدوا منزلتهم، فقال الله تعالى (اولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا، ام لهم نصيب من الملك فاذا لا يؤتون الناس نفيرا) يعني النقطة في ظهر النواة، ثم قال: (ام يحسدون الناس) يعني بالناس ههنا امير المؤمنين والائمة عليهم السلام (على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) وهى الخلافة بعد النبوة، وهم الائمة عليهم السلام، حدثنا علي بن الحسين عن احمد بن ابي عبدالله عن ابيه عن يونس عن ابي جعفر الاحول عن حنان عن ابي عبدالله عليه السلام قال: قلت قوله " فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب " قال: النبوة، قلت: والحكمة؟ قال: الفهم والقضاء قلت: وآتيناهم ملكا عظيما؟ قال: الطاعة المفروضة.
     
    قال علي بن ابراهيم في قوله (فمنهم من آمن به) يعني امير المؤمنين عليه السلام
     
    [141]
     
    وهم سلمان وابوذر والمقداد وعمار رضي الله عنهم (ومنهم من صد عنه) وهم غاصبوا آل محمد صلى الله عليه وآله حقهم، ومن تبعهم قال فيهم نزلت (وكفى بجهنم سعيرا) ثم ذكر عزوجل ما قد اعده لهؤلاء الذين قد تقدم ذكرهم وغصبهم فقال: (ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا) قال الآيات امير المؤمنين والائمة عليهم السلام، وقوله (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ان الله كان عزيزا حكيما) فقيل لابي عبدالله عليه السلام كيف تبدل جلود غيرها؟ قال أرأيت لو اخذت لبنة فكسرتها وصيرتها ترابا ثم ضربتها في الفالب اهي التى كانت، إنما هي ذلك، وحدث تفسيرا آخر والاصل واحد.
     
    ثم ذكر المؤمنين المقرين بولاية آل محمد عليهم السلام بقوله (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا لهم فيها ازواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا) ثم خاطب الائمة عليهم السلام، فقال: (ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات إلى اهلها) قال فرض الله على الامام ان يؤدي الامانة إلى الذي امره الله من بعده ثم فرض على الامام ان يحكم بين الناس بالعدل فقال (واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل) ثم فرض على الناس طاعتهم فقال: (يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم) يعني امير المؤمنين عليه السلام حدثني ابي عن حماد عن حريز عن ابي عبدالله عليه السلام قال نزلت " فان تنازعتم في شئ فارجعوه إلى الله والى الرسول والى اولي الامر منكم ".
     
    وقوله (ألم تر إلى الذين يزعمون انهم آمنوا بما انزل اليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا ان يكفروا به) فانها نزلت في الزبير بن العوام فانه نازع رجلا من اليهود في حديقة فقال الزبير ترضى بابن شيبة اليهودي فقال اليهودي ترضى بمحمد؟ فانزل الله " ألم تر إلى الذين يزعمون
     
    [142]
     
    انهم آمنوا..الخ " وقوله (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما انزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) وهم اعداء آل محمد كلهم جرت فيهم هذه الآية واما قوله (فكيف إذا اصابتهم مصيبة بما قدمت ايديهم ثم جاؤك بحلفون بالله ان اردنا إلا احسانا وتوفيقا) فهذا مما تأويله بعد تنزيله في القيامة إذا بعثهم الله حلفوا لرسول الله إنما اردنا بما فعلنا من ازالة الخلافة عن موضعها إلا احسانا وتوفيقا، والدليل على ان ذلك في القيامة ما حدثني به ابي عن ابن ابي عمير عن منصور عن ابي عبدالله عليه السلام وعن ابي جعفر عليه السلام قالا المصيبة هى الخسف والله بالمنافقين عند الحوض، قول الله (فكيف إذا اصابتهم مصيبة بما قدمت ايديهم ثم جاؤك يحلفون بالله ان اردنا إلا احسانا وتوفيقا) ثم قال الله (اولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم) يعني من العداوة لعلى في الدنيا (فاعرض عنهم وعظهم وقل لهم في انفسهم قولا بليغا) اي ابلغهم في الحجة عليهم وآخر امرهم إلى يوم القيامة وقوله (وما ارسلنا من رسول إلا ليطاع باذن الله) اي بأمر الله وقوله (ولو انهم إذ ظلموا انفسهم جاؤك فاستغفروا الله) فانه حدثني ابي عن ابن ابى عمير عن ابن اذينة عن زرارة عن ابى جعفر (ع) قال "ولو انهم إذ ظلموا انفسهم جاؤك يا علي فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما" هكذا نزلت.
     
    ثم قال (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك) ياعلي (فيما شجر بينهم) يعني فيما تعاهدوا وتعاقدوا عليه من خلافك بينهم وغصبك ثم (لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت) عليهم يا محمد على لسانك من ولايته (ويسلموا تسليما) لعلي (ع) ثم قال (ولو انا كتبنا عليهم ان اقتلوا انفسكم) إلى قوله (ولهديناهم صراطا مستقيما) فانه محكم واما قوله (ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا) قال النبيين رسول الله صلى الله عليه وآله، والصديقين علي (ع) والشهداء الحسن
     
    [143]
     
    والحسين عليهما السلام، والصالحين الائمة، وحسن أولئك رفيقا، القائم من آل محمد عليهم السلام، وقوله (ياايها الذين آمنوا حذوا حذركم فانفروا ثبات او انفروا جميعا وان منكم لمن ليبطئن فان اصابتكم مصيبة قال قد انعم الله علي إذ لم اكن معهم شهيدا) قال الصادق (ع) والله لو قال هذه الكلمة أهل الشرق والغرب لكانوا بها خارجين من الايمان(1) ولكن الله قد سماهم مؤمنين باقرارهم (وقوله فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحيوة الدنيا بالآخرة) أي يشترون وقوله (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان) بمكة معذبين فقاتلوا حتى يتخلصوا وهم يقولون (ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا الذين آمنوا) يعني المؤمنين من أصحاب النبي (يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت) وهم مشركوا قريش يقاتلون على الاصنام وقوله (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا ايديكم واقيموا الصلاة وآتوا الزكوة) فانها(2) نزلت بمكة قبل الهجرة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وكتب عليهم القتال نسخ هذا، فجزع اصحابه من هذا فانزل الله " ألم تر إلى الذين قيل لهم بمكة كفوا ايديكم " لانهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة ان يأذن لهم في محاربتهم فانزل الله " كفوا
     
    _______________________________
     
    (1) لان قائل هذه الكلمة قد اظهر عدم وفائه لرسول الله صلى الله عليه وآله والمؤمنين حيث اظهر فرحه على عدم اصابته المصيبة معه صلى الله عليه وآله مع انه من شأن المؤمن ان يشارك النبي صلى الله عليه وآله في المصائب حيث امكن، ومع عدم الامكان يتمنى المشاركة ويظهر حزنه على حزنه.ج-ز
     
    (2) يعني ان آية " كفوا ايديكم واقيموا الصلوة وآتوا الزكوة " فقط نزلت بمكة، والباقي نزل في المدينة.ج-ز
     
    [144]
     
    ايديكم واقيموا الصلوة وآتوا الزكوة " فلما كتب عليهم القتال بالمدينة (قالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا اخرتنا إلى اجل قريب) فقال الله قل لهم يا محمد (متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا) الفتيل القشر الذي في النواة ثم قال: (اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) يعني الظلمات الثلاث التي ذكرها وهى المشيمة والرحم والبطن وقوله (وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عندالله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله) يعني الحسنات والسيئات ثم قال في آخر الآية (ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك) وقد اشتبه هذا على عدة من العلماء، فقالوا يقول الله وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله الحسنة والسيئة، ثم قال في آخر الآية " وما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك، فكيف هذا وما معنى القولين؟ فالجواب في ذلك ان معنى القولين جميعا عن الصادقين عليهم السلام انهم قالوا الحسنات في كتاب الله على وجهين والسيئات على وجهين (فمن الحسنات) التي ذكرها الله، الصحة والسلامة والامن والسعة والرزق وقد سماها الله حسنات " وان تصبهم سيئة " يعني بالسيئة ههنا المرض والخوف والجوع والشدة " يطيروا بموسى ومن معه " أي يتشاء‌موا به (والوجه الثاني من الحسنات) يعني به افعال العباد وهو قوله " من جاء بالحسنة فله عشر امثالها " ومثله كثير وكذلك السيئات على وجهين فمن السيئات الخوف والجوع والشدة وهو ما ذكرناه في قوله " وان تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه " وعقوبات الذنوب فقد سماها الله السيئات (والوجه الثاني من السيئات) يعني بها؟ افعال العباد التي يعاقبون عليها فهو قوله " ومن جاء بالسيئة فكبت وجوهم في النار " وقوله: " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك " يعني ما عملت
     
    [145]
     
    من ذنوب فعوقبت عليها في الدنيا والآخرة فمن نفسك بافعالك لان السارق يقطع والزاني يجلد ويرجم والقاتل يقتل فقد سمى الله تعالى العلل والخوف والشدة وعقوبات الذنوب كلها سيئات فقال ما اصابك من سيئة فمن نفسك باعمالك وقوله (قل كل من عند الله) يعنى الصحة والعافية والسعة والسيئات التي هي عقوبات الذنوب من عند الله وقوله عزوجل يحكى قول المنافقين فقال (ويقولون طاعة فاذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون) اى يبدلون (فاعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) وقوله (واذا جاء‌هم امر من الامن والخوف اذاعوا به) اي اخبروا به (ولو ردوه إلى الرسول والى اولي الامر منهم) يعنى امير المؤمنين عليه السلام (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) اي الذين يعلمون منهم وقوله (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) قال الفضل رسول الله صلى الله عليه وآله والرحمة امير المؤمنين عليه السلام (لاتبعتم الشيطان الا قليلا) وقوله (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) قال يكون كفيل ذلك الظلم الذي يظلم صاحب الشفاعة وقوله (وكان الله على كل شئ مقيتا) اي مقتدرا وقوله (واذا حبيتم بتحية فحيوا باحسن منها او ردوها ان الله كان على كل شئ حسيبا) او ردوها قال السلام وغيره من البر.
     
    وقوله (الله لا اله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه - إلى قوله فلن تجد له سببلا) فانه محكم، وقوله (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تنخذوا منهم اولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فان تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا) فانها نزلت في اشجع وبنى ضمرة (وهما قبيلتان) وكان من خبرهما انه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى غزاة الحديبية (بدر ط) مر قريبا من بلادهم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله هادن
     
    [146]
     
    بنى ضمرة ووادعهم(1) قبل ذلك فقال اصحاب رسول الله ص، يا رسول الله هذه بنو ضمرة قريبا منا ونخاف ان يخالفونا إلى المدينة او يعينوا علينا قريشا فلو بدأنا بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كلا إنهم أبر العرب بالوالدين، واوصلهم للرحم، وأوفاهم بالعهد، وكان اشجع بلادهم قريبا من بلاد بنى ضمرة وهم بطن من كنانة وكانت اشجع بينهم وبين بنى ضمرة حلف في المراعات والامان، فاجدبت بلاد اشجع واخصبت بلاد بنى ضمرة فصارت اشجع إلى بلاد بنى ضمرة فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله مسيرهم إلى بنى ضمرة تهيأ للمصير إلى اشجع فيغزوهم للموادعة التي كانت بينه وبين بنى ضمرة فانزل الله ودوا لو تكفرون كما كفروا..الخ ثم استثنى بأشجع فقال (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق او جاء‌كم حصرت صدورهم ان يقاتلونكم او يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فان اعتزلوكم ولم يقاتلوكم والقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) وكانت اشجع محالها البيضاء والجبل والمستباح، وقد كانوا قربوا من رسول الله صلى الله عليه وآله فهابوا لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله ان يبعث اليهم من يغزوهم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله قد خافهم ان يصيبوا من اطرافه شيئا فهم بالمسير اليهم فبينما هو على ذلك اذ جاء‌ت اشجع ورئيسها مسعود بن رجيلة وهم سبعمائة، فنزلوا شعب سلع وذلك في شهر ربيع الاول (الآخر ط) سنة ست فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله اسيد ابن حصين، فقال له اذهب في نفر من أصحابك حتى تنظر ما اقدم اشجع، فخرج اسيد ومعه ثلاثة نفر من أصحابه فوقف عليهم، فقال ما اقدمكم؟ فقام اليه مسعود بن رجيلة وهو رئيس اشجع فسلم على اسيد وعلى اصحابه وقالوا جئنا لنوادع محمدا فرجع اسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
     
    ___________________________________
     
    (1) اي صالحهم
     
    [147]
     
    خاف القوم ان اغزوهم فأرادوا الصلح بينى وبينهم، ثم بعث اليهم بعشرة اجمال تمر فقدمها امامه، ثم قال نعم الشئ الهدية امام الحاجة، ثم اتاهم، فقال يامعشر اشجع ما اقدمكم؟ قالوا قربت دارنا منك وليس في قومنا اقل عددا منا فضقنا بحربك لقرب دارنا منك، وضقنا بحرب قومك لقلتنا فيهم، فجئنا لنوادعك فقبل النبي صلى الله عليه وآله ذلك منهم ووادعهم، فاقاموا يومهم ثم رجعو إلى بلادهم وفيهم نزلت هذه الآية (الا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق - إلى قوله - فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) وقوله (ستجدون آخرين يريدون ان يأمنوكم ويامنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة اركسوا فيها) نزلت في عيينة بن حصين الفزاري اجدبت بلادهم، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ووادعه على ان يقيم ببطن نخل، ولا يتعرض له وكان منافقا ملعونا، وهو الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وآله الاحمق المطاع في قومه، ثم قال (فان لم يعتزلوكم ويلقوا اليكم السلم ويكفوا ايديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم واولئك جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا).
     
    وقوله (وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا الا خطأ) أي لا عمدا ولا خطأء والا في موضع لا وليست باستثناء (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى اهله الا ان يصدقوا) يعني يعفوا ثم قال (فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) وليست له دية يعني اذا قتل رجل من المؤمنين وهو نازل في دار الحرب فلا دية للمقتول وعلى القاتل تحرير رقبة مؤمنة لقول رسول الله صلى الله عليه وآله لمن نزل دار الحرب فقد برئت الذمة ثم قال (وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى اهله وتحرير رقبة مؤمنة) يعني ان كان المؤمن نازلا في دار الحرب، وبين اهل الشرك وبين الرسول او الامام عهد ومدة ثم قتل ذلك المؤمن وهو بينهم فعلى القاتل دية مسلمة إلى اهله وتحرير رقبة مؤمنة (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما) وقوله





    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي  
    [148]
     
    (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) قال من قتل مؤمنا على دينه(2) لم تقبل توبته، ومن قتل نبيا او وصي نبي فلا توبة له لانه لا يكون له مثله فيقاد به، وقد يكون الرجل بين المشركين واليهود والنصارى يقتل رجلا من المسلمين على انه مسلم فاذا دخل في الاسلام محاه الله عنه لقول رسول الله صلى الله عليه وآله الاسلام يجب ما كان قبله اي يمحو، لان اعظم الذنوب عند الله هو الشرك بالله فاذا قبلت توبته في الشرك قبلت فيما سواه واما قول الصادق عليه السلام ليست له توبة فانه عنى من قتل نبيا أو وصيا فليست له توبة فانه لا يقاد احد بالانبياء إلا الانبياء وبالاوصياء إلا الاوصياء والانبياء والاوصياء لا تقتل بعضهم بعضا وغير النبي والوصي لا يكون مثل النبي والوصي فيقاد به وقاتلهما لا يوفق للتوبة.
     
    وقوله (ياايها الذين آمنوا اذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحيوة الدنيا) فانها نزلت لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من غزوة خيبر وبعث اسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الاسلام، وكان رجل من اليهود يقال؟ له؟ مرداس بن نهيك الفدكى في بعض القرى فلما احس بخيل رسول الله صلى الله عليه وآله جمع اهله وماله وصار في ناحية الجبل فاقبل يقول اشهد ان لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، فمر باسامة بن زيد فطعنه فقتله، فلما رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله اخبر بذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله قتلت رجلا شهد أن لا اله الا الله واني رسول الله فقال يارسول الله انما قال تعوذا من القتل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فلا شققت الغطاء عن قبله ولا ما قال بلسانه قبلت ولا ما كان في نفسه
     
    ___________________________________
     
    (1) اي لاجل دينه.
     
    (2) من القود بالتحريك وهو القصاص ج
     
    [149]
     
    علمت فحلف بعد ذلك انه لا يقتل احدا شهد ان لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، فتخلف عن امير المؤمنين عليه السلام في حروبه، وأنزل الله في ذلك " ولا تقولوا لمن القى اليكم السلم لست مؤمنا..الخ " ثم ذكر فضل المجاهدين على القاعدين فقال (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير اولى الضرر) يعني الزمن كما ليس على الاعمى حرج (والمجاهدون في سبيل الله باموالهم وانفسهم إلى آخر الآية) وقوله (ان الذين توفيهم الملائكة ظالمي أنفسهم) قال نزلت فيمن اعتزل امير المؤمنين عليه السلام ولم يقاتل معه فقالت الملائكة لهم عند الموت (فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض) اي لم نعلم مع من الحق فقال الله (الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها) اي دين الله وكتاب الله واسع فتنظروا فيه (فاولئك ماويهم جهنم وساء‌ت مصيرا) ثم استثنى فقال (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) حدثنى ابي عن يحيى عن ابى عمران عن يونس عن حماد عن ابن طيار عن ابى جعفر ع ط) بن يحيى عن ابن ابي عمير عن يونس عن حماد بن الظبيان عن ابي جعفر عليه السلام قال سألت عن المستضعف فقال هو الذي لا يستطيع حيلة الكفر فيكفر ولا يهتدي سبيلا إلى الايمان لا يستطيع ان يؤمن ولا يستطيع ان يكفر فهم الصبيان، ومن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان من رفع عنه القلم، وقوله (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغما كثيرا وسعة) اي يجد خيرا اذا جاهد مع الامام وقوله (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله) قال اذا خرج إلى الامام ثم مات قبل ان يبلغه وقوله (واذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلوة ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا) فانه حدثني ابي عن النوفلي عن السكوني عن ابي عبدالله عليه السلام قال قال امير المؤمنين عليه السلام ستة لا يقصرون الصلوة، الجباة الذين يدورون في جبايتهم، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق والامير الذي يدور في امارته
     
    [150]
     
    والراعي الذي يطلب مواقع القطر ومنبت الشجر والرجل يخرج في طلب الصيد يريد لهوا للدنيا والمحارب الذي يقطع الطريق.
     
    واما قوله (واذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلوة فلتقم طائفة منهم معك الآية) فانها نزلت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الحديبية يريد مكة فلما وقع الخبر إلى قريش بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا ليستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على الجبال، فلما كان في بعض الطريق وحضرت صلوة الظهر فاذن بلال فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس، فقال خالد بن الوليد لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلوة لاصبناهم، فانهم لا يقطعون صلاتهم ولكن يجئ لهم الآن صلوة اخرى هي احب اليهم من ضياء ابصارهم فاذا دخلوا فيها حملنا عليهم، فنزل جبرئيل (ع) بصلوة الخوف بهذه الآية واذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلوة..الخ ففرق رسول الله صلى الله عليه وآله اصحابه فرقتين، فوقف بعضهم تجاه العدو وقد اخذوا سلاحهم وفرقة صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله قياما، ومروا فوقفوا مواقف اصحابهم وجاء اولئك الذين لم يصلوا فصلى ربهم رسول الله صلى الله عليه وآله الركعة الثانية، ولهم الاولى وقعد وتشهد رسول الله صلى الله عليه وآله وقاموا اصحابه وصلوا هم الركعة الثانية وسلم عليهم وقوله (واذا قضيتم الصلوة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) قال الصحيح يصلى قائما والعليل يصلى جالسا فمن لم يقدر فمضطجعا يؤمي ايماء‌ا وقوله (ان الصلوة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) اي موجوبة وقوله (ولا تهنوا في ابتغاء القوم) فانه معطوف على قوله في سورة آل عمران " ان يمسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " وقوله (انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله ولا تكن للخائنين خصيما) فانه كان سبب نزولها ان قوما من الانصار من بني ابيزق اخوة ثلاثة كانوا منافقين بشير وبشر ومبشر، فنقبوا على عم قتادة بن النعمان وكان قتادة بدريا واخرجوا طعاما كان اعده لعياله وسيفا
     
    [151]
     
    ودرعا فشكى قتادة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يارسول الله ان قوما نقبوا على عمي واخذوا طعاما كان اعده لعياله ودرعا وسيفا وهم اهل بيت سوء، وكان معهم في الرأي رجل مؤمن يقال له لبيد بن سهل فقال بنو ابيزق لقتادة هذا عمل لبيد بن سهل، فبلغ ذلك لبيدا فاخذ سيفه وخرج عليهم فقال يابني ابيزق اترموننى بالسرقة وانتم اولى به مني وانتم المنافقون تهجون رسول الله صلى الله عليه وآله وتنسبون إلى قريش لتبينن ذلك او لاملان سيفي منكم، فداروه فقالوا له ارجع يرحمك الله فانك برئ من ذلك، فمشوا بنو ابيزق إلى رجل من رهطهم يقال له اسيد بن عروة وكان منطيقا بليغا فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ان قتادة بن النعمان عمد إلى اهل بيت منا اهل شرف ونسب وحسب فرماهم بالسرقة، واتهمهم بما ليس فيهم، فاغتم رسول الله صلى الله عليه وآله لذلك وجاء اليه قتادة فاقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له عمدت اهل بيت شرف وحسب نسب فرميتهم بالسرقة فعاتبه عتابا شديدا فاغتم قتادة من ذلك ورجع إلى عمه وقال ياليتني مت ولم اكلم رسول الله صلى الله عليه وآله فقد كلمني بما كرهته، فقال عمه الله المستعان فانزل الله في ذلك على نبيه صلى الله عليه وآله (انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله ان الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون انفسهم ان الله لا يحب من كان خوانا آثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم اذ يبيتون ما لا يرضى من القول) يعني الفعل فوقع القول مقام الفعل.
     
    ثم قال (هاأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحيوة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ومن يعمل سوء‌ا او يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما، ومن يكسب إثما فانما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما، ومن يكسب خطيئة او اثما ثم يرم به بريئا) يعني لبيد بن سهل (فقد احتمل
     
    [152]
     
    بهتانا واثما مبينا) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال ان اناسا من رهط بشير الادنين قالوا انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقالوا نكلمه في صاحبنا ونعذره وان صاحبنا برئ فلما انزل الله " يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم - إلى قوله - وكيلا " فاقبلت رهط بشير فقال يابشير استغفر الله وتب الله من الذنب فقال والذي احلف به ما سرقها إلا لبيد فنزلت " ومن يكسب خطيئة او اثما يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا واثما مبينا " ثم أن بشيرا كفر ولحق بمكة وانزل الله في النفر الذين اعذروا بشيرا واتوا النبي ليعذروه قوله (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم ان يضلوك وما يضلون إلا انفسهم وما يضرونك من شئ وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) ونزلت في بشير وهو بمكة (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساء‌ت مصيرا).
     
    وقال علي بن ابراهيم في قوله (لا خير في كثير من نجويهم) وقال لا خير في كثير من كلام الناس ومحاوراتهم إلا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس (ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما) حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن حماد عن ابي عبدالله عليه السلام قال ان الله فرض التحمل (التمحل ن) في القرآن، قلت وما التحمل؟ جعلت فداك، قال ان يكون وجهك اعرض من وجه اخيك فتحمل له وهو قوله " لا خير في كثير من نجويهم " حدثني ابي عن بعض رجاله رفعه إلى امير المؤمنين عليه السلام قال ان الله فرض عليكم زكاة جاهكم كما فرض عليكم زكاة ما ملكت ايديكم، وقوله (من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى) اي يخالفه (نوله ما تولى ونصله جهنم وساء‌ت مصيرا) وقوله (ان يدعون من دونه إلا اناثا) قال قالت قريش ان الملائكة هم بنات الله (وإن
     
    [153]
     
    يدعون...إلا شيطانا مريدا) قال كانوا يعبدون الجن وقوله (لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) يعني ابليس حيث قال: (ولاضلنهم ولامنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الانعام ولآمرنهم فليغبرن خلق الله) اي امر الله وقوله (ليس بأمانيكم ولا أماني اهل الكتاب) يعني ليس ما تتمنون انتم ولا اهل الكتاب أن لا تعذبوا بافعالكم وقوله (ولا يظلمون نقيرا) وهي النقطة التي في النواة وقوله (واتبع ملة ابراهيم حنيفا) قال هي الحنفية العشرة التي جاء بها ابراهيم التي لم تنسخ إلى يوم القيامة(1) وقوله (واتخذ الله ابراهيم خليلا) فانه حدثني ابى عن هارون بن مسلم عن مسعود (مسعدة ط) بن صدقة عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال ان ابراهيم عليه السلام هو اول من حول له الرمل دقيقا، وذلك انه قصد صديقا له بمصر في قرض طعام، فلم يجده في منزله فكره ان يرجع بالحمار خاليا فملا جرابه رملا، فلما دخل منزله خلا بين الحمار وبين سارة، استحياء‌ا منها ودخل البيت ونام، ففتحت سارة عن دقيق أجود ما يكون، فخبزت وقدمت اليه طعاما طيبا، فقال ابراهيم من اين لك هذا؟ قالت من الدقيق الذي حملته من عند خليلك المصري، فقال ابراهيم اما انه خليلي وليس بمصري فلذلك اعطي الخلة فشكر الله وحمده واكل وقوله (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتى لا تؤتوهن ما كتب لهن وترغبون ان تنكحوهن فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع) واما قوله (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا او إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) قال ان خافت المرأة من زوجها ان يطلقها ويعرض عنها فتقول له قد تركت لك كلما عليك ولا اسألك نفقة فلا تطلقني ولا تعرض عني فاني اكره شماتة الاعداء، فلا جناح عليه ان يقبل ذلك ولا يجري عليها شيئا، وفي رواية ابى الجارود
     
    ___________________________________
     
    (1) وياتى ذكرها في ص 391 من هذا الكتاب.ج.ز
     
    [154]
     
    عن ابي جعفر عليه السلام في قوله " ويستفتونك في النساء " فان نبي الله صلى الله عليه وآله سئل عن النساء ما لهن من الميراث فانزل الله الربع والثمن، وقوله (وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء) فان الرجل كان يكون في حجره يتيمة فتكون ذميمة او ساقطة يعني حمقاء فيرغب الرجل عن ان يزوجها ولا يعطيها مالها فينكحها غيره من اخذ مالها ويمنعها النكاح ويتربص بها الموت ليرثها فنهى الله عن ذلك وقوله (والمستضعفين من الولدان) فان اهل الجاهلية كانوا لا يورثون الصبي الصغير ولا الجارية من ميراث آبائهم شيئا وكانوا لا يعطون الميراث إلا لمن يقاتل وكانوا يرون ذلك في دينهم حسنا، فلما انزل الله فرائض المواريث وجدوا من ذلك وجدا(1) شديدا، فقالوا انطلقوا الي رسول الله صلى الله عليه وآله فنذكره ذلك لعله يدعه او يغيره فاتوه، فقالوا يارسول الله للجارية نصف ما ترك ابوها واخوها ويعطى الصبي الصغير الميراث وليس احد منهما يركب الفرس ولا يحوز الغنيمة ولا يقاتل العدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك امرت، واما قوله (وان تقوموا لليتامي بالقسط) فانهم كانوا يفسدون مال اليتيم فامرهم الله ان يصلحوا مالهم واما قوله (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا او اعراضا) نزلت في ابنة محمد بن مسلمة كانت امرأة رافع بن جريح، وكانت امرأة قد دخلت في السن فتزوج عليها امرأة شابة كانت اعجب اليه من ابنة محمد بن مسلمة، فقالت له بنت محمد بن مسلمة ألا اراك معرضا عني مؤثرا علي؟ فقال رافع هي امرأة شابة وهي اعجب الي فان شئت اقررت على ان لها يومين او ثلاثة مني ولك يوم واحد، فابت ابنة محمد بن مسلمة ان ترضاها فطلقها تطليقة واحدة ثم طلقها اخرى، فقالت لا والله لا ارضى ان تسوي بيني وبينها يقول الله (واحضرت الانفس الشح)___________________________________
     
    (1) الفرح والحزن والمراد معني الاخير، فهو من لغات الاضداد.ج-ز.
     
    [155]
     
    وابنة محمد لم تطب نفسها بنصيبها وشحت عليه، فعرض عليها رافع اما ان ترضى واما ان يطلقها الثالثة، فشحت على زوجها ورضيت فصالحته على ما ذكر فقال الله (فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) فلما رضيت واستقرت.
     
    لم يستطع ان يعدل بينهما فنزلت (ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلفة) ان تأتي واحدة وتذر الاخرى لا ايم(1) ولا ذات بعل وهذه السنة فيما كان كذلك إذا اقرت المرأة ورضيت على ما صالحها عليه زوجها فلا جناح على الزوج ولا على المرأة وان هي ابت طلقها او يساوي بينهما لا يسعه إلا ذلك.
     
    قال علي بن ابراهيم في قوله (واحضرت الانفس الشح) قال احضرت الشح فمها ما اختارته ومنها ما لم تختره وقوله (ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء) انه روي انه سأل رجل من الزنادقة ابا جعفر الاحول فقال اخبرني عن قوله " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة " وقال في آخر السورة " ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل " فبين القولين فرق، فقول ابوجعفر الاحول فلم يكن في ذلك عندي جواب فقدمت المدينة، فدخلت على ابي عبدالله (ع) فسألته.
     
    عن الآيتين، فقال اما قوله " فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة " فانما عنى به النفقة وقوله " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء فانما عنى به المودة، فانه لا يقدر احد ان يعدل بين امرأتين في المودة، فرجع ابوجعفر الاحول إلى الرجل فاخبره، فقال هذا حملته الابل من بالحجاز.
     
    واما قوله (ياايها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو علي
     
    ___________________________________
     
    (1) الايم كقيم امرأة لا بعل لها.ج.ز.
     
    [156]
     
    أنفسكم او الوالدين والاقربين ان يكن غنيا او فقيرا فالله اولى بهما - إلى قوله - فان الله كان بما تعملون خبيرا) فان الله امر الناس ان يكونوا قوامين بالقسط اى بالعدل ولو على انفسهم او على والديهم او على قراباتهم، قال ابوعبدالله عليه السلام ان على المؤمن سبع حقوق، فاوجبها ان يقول الرجل حقا وان كان على نفسه او على والديه فلا يميل لهم عن الحق ثم قال (فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا او ان تلوا او تعرضوا) يعني عن الحق (فان الله كان بما تعملون خبيرا) وقوله (يا ايها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله) يعني ايها الذين اقروا صدقوا وقوله (ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا) قال نزلت في الذين آمنوا برسول الله اقرارا لا تصديقا ثم كفروا لما كتبوا الكتاب فيما بينهم أن لا يردوا الامر إلى اهل بيته ابدا فلما نزلت الولاية واخذ رسول الله صلى الله عليه وآله الميثاق عليهم لامير المؤمنين عليه السلام آمنوا اقرارا لا تصديقا، فلما مضى رسول الله صلى الله عليه وآله كفروا وازدادوا كفرا (لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) يعني طريقا إلا طريق جهنم، وقوله (الذين يتخذون الكافرين اولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فان العزة لله جميعا) يعني القوة، قال نزلت في بني امية حيث خالفوا نبيهم على ان لا يردوا الامر في بني هاشم وقوله (وقد نزل عليكم في الكتاب ان اذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انكم اذا مثلهم) قال آيات الله هم الائمة عليهم السلام، وقوله (الذين يتربصون بكم فان كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وان كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين) فانها نزلت في عبدالله ابن ابي واصحابه الذين قعدوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله يوم احد، فكان اذا ظفر رسول الله صلى الله عليه وآله بالكفار قالوا له ألم نكن معكم وإذا ظفرتم؟ الكفار قالوا ألم نستحوذ ان نعينكم
     
    [157]
     
    ولم نعن عليكم(1) قال الله (فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) واما قوله (ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) قال الخديعة من الله العذاب قوله (اذا قاموا) مع رسول الله صلى الله عليه وآله (إلى الصلاة قاموا كسالا يراؤن الناس) أنهم مؤمنون (ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) أي لم يكونوا من المؤمنين ولا من اليهود ثم قال (ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار) نزلت في عبدالله بن ابي وجرت في كل منافق ومشرك وقوله (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) اي لا يحب ان يجهر الرجل الجزء(6 بالظلم والسوء ويظلم إلا من ظلم فقد اطلق له ان يعارضه بالظلم، وفي حديث آخر في تفسير هذا قال ان جاء‌ك رجل وقال فيك ما ليس فيك من الخير والثناء والعمل الصالح فلا تقبله منه وكذبه فقد ظلمك، وقوله (ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض) قال هم الذين اقروا برسول الله صلى الله عليه وآله وانكروا امير المؤمنين عليه السلام (ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا اولئك هم الكافرون حقا).
     
    وقوله (فبما نقضهم ميثاقهم) يعني فبنقضهم ميثاقهم (وكفرهم بآيات الله وقتلهم الانبياء بغير حق) قال هؤلاء لم يقتلوا الانبياء وإنما قتلهم اجدادهم واجداد اجدادهم فرضوا هؤلاء بذلك فالزمهم الله القتل بفعل اجدادهم، فكذلك من رضي بفعل فقد لزمه وان لم يفعله، والدليل على ذلك ايضا قوله في سورة البقرة " فلم تقتلون " انبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين " فهؤلاء لم يقتلوهم ولكنهم رضوا بقتل آبائهم فالزمهم فعلهم، وقوله (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما) اي قولهم انها فجرت وقوله (قولهم انا قتلنا عيسى بن مريم رسول الله) لما رفعه الله اليه وقوله
     
    ___________________________________
     
    (1) اعان عليه اي ضره وفي الدعاء (رب اعني ولا تعن علي).ج.ز.
     
    [158]
     
    (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) وقوله (وان من اهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيمة يكون عليهم شهيدا) فانه روى ان رسول الله ص اذا رجع آمن به الناس كلهم قال حدثني ابي عن القاسم بن محمد بن سليمان بن داود المنقري عن ابي حمزة عن شهر بن حوشب قال قال لي الحجاج بان آية في كتاب الله قد اعيتني، فقلت ايها الامير أية آية هي؟ فقال قوله " وان من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " والله اني لآمر باليهودي والنصراني فيضرب عنقه ثم ارمقه بعيني فما أراه يحرك شفتيه حتى يخمد، فقلت اصلح الله الامير ليس على ما تأولت، قال كيف هو؟ قلت ان عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى اهل ملة يهودي ولا نصرانى إلا آمن به قبل موته ويصلي خلف المهدي، قال ويحك انى لك هذا ومن اين جئت به، فقلت حدثني به محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام، فقال جئت بها والله من عين صافية، وقوله (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا) فانه حدثني ابى عن ابن محبوب عن عبدالله بن ابى يعقوب (يعفور ط) قال سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول من زرع حنطة في ارض فلم يزك في ارضه وزرعه وخرج زرعه كثير الشعير فبظلم عمله في ملك رقبة الارض او بظلم مزارعه واكرته لان الله يقول فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم الطيبات احلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا هكذا انزلها الله فاقرؤها هكذا وما كان الله ليحل شيئا في كتابه ثم يحرمه من بعد ما احله ولا ان يحرم شيئا ثم يحله من بعد ما حرمه، قلت وكذلك ايضا قوله ومن الابل والبقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما، قال نعم، قلت فقوله إلا ما حرم اسرائيل على نفسه، قال ان اسرائيل كان إذا أكل من لحم الابل يهيج عليه وجع الخاصرة فحرم على نفسه لحم الابل وذلك من قبل ان تنزل التورية، فلما انزلت التورية
     
    [159]
     
    لم يحرمه ولم يأكله وقوله (لكن الراسخون في العلم إلى قوله وكان الله عزيزا حكيما) فانه محكم.
     
    وقوله (لكن الله يشهد بما انزل اليك انزله بعلمه) فانه حدثني ابى عن ابن ابي عمير عن ابي بصير عن ابى عبدالله عليه السلام قال إنما انزلت " لكن الله يشهد بما انزل اليك في علي انزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا " وقرأ ابوعبدالله عليه السلام ان الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها ابدا وكان ذلك على الله يسيرا وقوله (وآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة) فهم الذين قالوا بالله وبعيسى و مريم فقال الله (انتهوا خيرا لكم انما الله اله واحد سبحانه ان يكون له ولد له ما في السموات وما في الارض وكفى بالله وكيلا) وقوله (ان يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله) اي لا يأنف ان يكون عبدا لله (ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا) وقوله (ياايها الناس قد جاء‌كم برهان من ربكم وانزلنا اليكم نورا مبينا) فالنور امامة امير المؤمنين عليه السلام، ثم قال (فاما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل) وهم الذين تمسكوا بولاية امير المؤمنين والائمة عليهم السلام، وقوله (يستفتونك، قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وان كانوا اخوة رجالا ونساء‌ا فللذكر مثل حظ الانثيين) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن عمر بن اذينة عن بكير عن ابى جعفر عليه السلام قال إذا مات الرجل وله اخت تأخذ نصف ما ترك من الميراث، لها نصف الميراث بالآية كما تأخذ البنت لو كانت، والنصف الباقي يرد عليها بالرحم إذا لم يكن للميت وارث اقرب منها، فان كان موضع الاخت اخ اخذ الميراث كله بالآية لقوله الله (وهو يرثها ان لم يكن لها
     
    [160]
     
    ولد) وان كانتا اختين اخذتا الثلثين بالآية والثلث الباقي بالرحم وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين وذلك كله إذا لم يكن للميت ولد أو ابوان أو زوحة
       



    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي  
    مدنية وهى مأة وعشرون آية
     
    (بسم الله الرحمن الرحيم يا ايها الذين آمنوا اوفوا بالعقود احلت لكم بهيمة الانعام) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن عبدالله بن سنان عن ابى عبدالله عليه السلام قوله " اوفوا بالعقود " قال بالعهود، واخبرنا الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى بن محمد البصري عن ابن ابى عمير عن ابى جعفر الثاني عليه السلام في قوله: (يا ايها الذين آمنوا اوفوا بالعقود) قال ان رسول الله صلى الله عليه وآله عقد عليهم لعلي بالخلافة في عشرة مواطن، ثم انزل الله " يا ايها الذين آمنوا اوفوا بالعقود التي عقدت عليكم لامير المؤمنين عليه السلام " وقال علي بن ابراهيم في قوله (احلت لكم بهيمة الانعام) قال الجنين في بطن امه إذا اوبر واشعر فذكانه ذكاة امه فذلك الذى عناه الله، وقوله (احلت لكم بهيمة الانعام) دليل على ان غير الانعام محرم، وقوله (يا ايها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام) فالشعائر الاحرام، والطواف والصلاة في مقام ابراهيم، والسعى بين الصفا والمروة، ومناسك الحج كلها من شعائر الله، ومن الشعائر إذا ساق الرجل بدنة في الحج ثم اشعرها أي قطع سنامها او جللها او قلدها ليعلم الناس انها هدي فلا تتعرض لها احد، وانما سميت الشعائر لتشعر الناس بها فيعرفونها، وقوله " ولا الشهر الحرام " وهو ذو الحجة وهو من الاشهر الحرام، وقوله " ولا الهدي " وهو الذي يسوقه إذا احرم
     
    [161]
     
    "ولا القلائد" قال يقلدها النعل الذي قد صلى فيه وقوله " ولا آمين البيت الحرام " قال الذين يحجون البيت الحرام وقوله (واذا حللتم فاصطادوا) فاحل لهم الصيد بعد تحريمه اذا أحلوا، وقوله (ولا يجر منكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام ان تعتدوا) اي لا يحملنكم عداوة قريش ان صدوك عن المسجد الحرام في غزوة حديبية أن تعتدوا عليهم وتظلموهم ثم نسخت هذه الآية بقوله " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ".
     
    واما قوله (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما اكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وان تستقسموا بالازلام ذلكم فسق) فالميتة والدم ولحم الخنزير معروف، وما اهل لغير الله به يعني به ما ذبح للاصنام، والمنخنقة: فان المجوس كانوا لا يأكلون الذبائح ويأكلون الميتة، وكانوا يخنقون البقر والغنم فاذا ماتت اكلوها، والموقوذة: كانوا يشدون عينيها وارجلها ويضربونها حتى تموت، فاذا ماتت اكلوها، والمتردية: كانوا يشدون عينها ويلقونها من السطح، فاذا ماتت اكلوها، والبطيحة: كانوا يتناطحون بالكباش فاذا مات احدهما اكلوه وما اكل السبع إلا ما ذكيتم: فانهم كانوا يأكلون ما يأكله الذئب والاسد والدب فحرم الله ذلك، وما ذبح على النصب: كانوا يذبحون لبيوت النيران، وقريش كانوا يعبدون الشجر والصخر فيذبحون لها، وان تستقسموا بالازلام ذلكم فسق: قال كانوا يعمدون إلى الجزور فيجزونه عشرة اجزاء ثم يجتمعون عليه فيخرجون السهام ويدفعونها إلى رجل، والسهام عشرة سبعة لها انصباء وثلاثة لا انصباء لها، فالتي لها إنصباء، الفذ والتوام، والمسبل، والنافس، والحلس (الحليس ط)، والرقيب، والمعلى، فالفذ له سهم والتوام له سهمان والمسبل له ثلاثة اسهم والنافس له اربعة اسهم والحلس له خمسة اسهم والرقيب له ستة اسهم والمعلى
     
    [162]
     
    له سبعة اسهم، والتي لا انصباء لها السفح والمنيح والوغد، وثمن الجزور على من لم يخرج له الانصباء شيئا، وهو القمار فحرمه الله عزوجل.
     
    وقوله (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) قال ذلك لما نزلت ولاية امير المؤمنين عليه السلام واما قوله (اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) فانه حدثني ابي عن صفوان بن يحيى عن العلا عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال آخر فريضة انزلها الله الولاية ثم لم ينزل بعدها فريضة ثم انزل " اليوم اكملت لكم دينكم " بكراع الغنم(1) فاقامها رسول الله صلى الله عليه وآله بالجحفة فلم ينزل بعدها فريضة واما قوله (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم) فهو رخصة للمضطر ان يأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، والمخمصة الجوع وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر (ع) في قوله غير متجانف لاثم، قال يقول غير متعمد لاثم، وقال علي بن ابراهيم في قوله غير متجانف لاثم، اي غير مائل في الاثم فلا يأكل الميتة اذا اضطر اليها إذا كان في سفر غير حق، وكذلك ان كان في قطع الطريق او ظلم أو جور قوله (يسئلونك ماذا احل لهم قل احل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله) وهو صيد الكلاب المعلمة خاصة احله الله إذا ادركته و، قتلته لقوله " فكاوا مما امسكن عليكم " واخبرني ابى عن فضالة بن ايوب عن سيف بن عميرة عن ابى بكر الحضرمي عن ابى عبدالله (ع) قال سألته عن صيد البزاة والصقور والفهود والكلاب، قال لا تأكلوا إلا ما ذكيتم إلا الكلاب، قلت فان قتله قال كل فان الله يقول وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما امسكن عليكم، ثم قال (ع) كل شئ من السباع تمسك الصيد على نفسها
     
    ___________________________________
     
    (1) كراع الغميم خ.ل.
     
    [163]
     
    إلا الكلاب المعلمة فانها تمسك على صاحبها قال اذا ارسلت الكلب المعلم فاذكروا اسم الله عليه، فهو ذكاته وقوله (أحل لكم الطيبات وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم) قال عنى بطعامهم الحبوب والفاكهة غير الذبائح التي يذبحونها فانهم لا يذكرون اسم الله على ذبائحهم، ثم قال والله ما استحلوا ذبايحكم فكيف تستحلون ذبائحهم.
     
    وقوله (والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم) فقد احل الله نكاح اهل الكتاب بعد تحريمه في قوله في سورة البقرة (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) وإنما يحل نكاح اهل الكتاب الذين يؤدون الجزية على ما يجب فاما اذا كانوا في دار الشرك ولم يؤدوا الجزية لم يحل مناكحتهم وقوله (ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله) قال من آمن ثم اطاع اهل الشرك فقد حبط عمله وكفر بالايمان (وهو في الآخرة من الخاسرين) وقوله (يا ايها الذين آمنوا اذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم إلى المرافق) يعني من المرفق وهو محكم وقوله (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به) قال لما اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله الميثاق عليهم بالولاية قالوا اسمعنا واطعنا، ثم نقضوا ميثاقهم وقول (اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا اليكم ايديهم فكف ايديهم عنكم) يعني اهل مكة من قبل ان فتحها فكف أيديهم بالصلح يوم الحديبية وقوله (فيما نقضهم ميثاقهم لعناهم) يعني نقض عهد امير المؤمنين عليه السلام (وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه) قال من نحي امير المؤمنين عليه السلام(1) عن موضعه،
     
    ___________________________________
     
    (1) كما ان بعض الآيات فيه مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمراد منه امته على نحو " اياك اعني واسمعي يا جارة " كذلك هذه الآية - بناء‌ا على التفسير المذكور - وان كان ظاهرها متعرضا لشأن بني اسرائيل اما باطنها متعلق باعداء آل محمد ج-ز.
     
    [164]
     
    والدليل على ذلك الكلمة امير المؤمنين عليه السلام قوله " وجعلها كلمة باقية في عقبه " يعني به الامامة وقوله (ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح) قال منسوخة بقوله: اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وقوله (ومن الذين قالوا انا نصارى اخذنا ميثاقهم) قال على (ع) ان عيسى بن مريم عبد مخلوق فجعلوه ربا (فنسوا حظا مما ذكروا به).
     
    وقوله (يااهل الكتاب قد جاء‌كم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير) قال يبين النبي صلى الله عليه وآله ما اخفيتموه مما في التورية من اخباره ويدع كثيرا لا يبينه (قد جاء‌كم من الله نور وكتاب مبين) يعني بالنور امير المؤمنين والائمة عليهم السلام: وقوله (قد جاء‌كم رسولنا يبين لكم) مخاطبة لاهل الكتاب (على فترة من الرسل) قال علي (ع) انقطاع من الرسل احتج عليهم فقال (ان تقولوا) اي لئلا تقولوا (ما جاء‌نا من بشير ولا نذير فقد جاء‌كم بشير ونذير والله على كل شئ قدير) وقوله (اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا) يعني في بني اسرائيل لم يجمع الله لهم النبوة والملك في بيت واحد، ثم جمع ذلك لنبيه وقوله (يا قوم ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم) فان ذلك نزل لما قالوا لن نصبر على طعام واحد، فقال لهم موسى اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم، فقالوا ان فيها قوما جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون فنصف الآية ههنا ونصفها في سورة البقرة، فلما قالوا لموسى ان فيها قوما جبارين، وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، قال لهم موسى لابد ان تدخلوها، فقالوا له؟ (فاذهب انت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون) فاخذ موسى بيد هارون وقال كما حكى الله (انى لا املك إلا نفسي واخي) يعني هارون (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) فقال الله (فانها محرمة عليهم اربعين سنة) يعني مصر لن يدخلوها اربعين سنة (يتيهون في
     
    [165]
     
    الارض) فلما أراد موسى ان يفارقهم فزعوا وقالوا ان خرج موسى من بيننا نزل علينا العذاب ففزعوا اليه وسألوه ان يقيم معهم ويسأل الله أن يتوب عليهم، فاوحى الله اليه قد تبت عليهم على ان يدخلوا مصر وحرمتها عليهم اربعين سنة يتيهون في الارض عقوبة لقولهم اذهب انت وربك فقاتلا فدخلا كلهم في التيه البرقادون (الاقارون ط)، فكانوا يقومون في اول الليل ويأخذون في قراء‌ة التوراة فاذا اصبحوا على باب مصر دارت بهم الارض، فردتهم إلى مكانهم وكان بينهم وبين مصر اربع فراسخ، فبقوا في ذلك اربعين سنة، فمات هارون وموسى في التيه ودخلها ابناؤهم وابناء ابنائهم.
     
    وروي ان الذي حفر قبر موسى ملك الموت في صورة آدمي، ولذلك لا تعرف بنو اسرائيل قبر موسى، وسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قبره فقال عند الطريق الاعظم عند الكثيب الاحمر، قال وكان بين موسى وداود خمس مائة سنة وبين داود وعيسى الف ومائة سنة واما قوله (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق اذ قربا قربانا فتقبل من احدهما ولم يتقبل من الآخر) فانه حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن ابى حمزة الثمالي عن ثوير بن ابى فاختة قال سمعت علي بن الحسين عليهما السلام يحدث رجلا من قريش قال لما قرب ابنا آدم القربان، قرب احدهما أسمن كبش كان في ظأنيته وقرب الآخر ضغثا من سنبل، فقبل من صاحب الكبش وهو هابيل ولم يتقبل من الآخر فغضب قابيل فقال لهابيل والله لاقتلنك، فقال هابيل (إنما يتقبل الله من المتقين لان بسطت الي يدك لتقتلني ما انا بباسط يدي اليك لاقتلك انى اخاف الله رب العالمين اني اريد ان تبوء باثمي واثمك فتكون من اصحاب النار وذلك جزاؤ الظالمين فطوعت له نفسه قتل اخيه) فلم يدر كيف يقتله حتى جاء ابليس فعلمه، فقال ضع رأسه بين حجرين ثم اشدخه، فلما قتله لم يدر
     
    [166]
     
    ما يصنع به فجاء غرابان فاقبلا يتضاربان حتى قتل احدهما صاحبه ثم حفر الذي بقي الارض بمخالبه ودفن فيما صاحبه، قال قابيل (يا ويلتا اعجزت أن اكون مثل هذا الغراب فاواري سوء‌ة اخي فاصبح من النادمين) فحفر له حفيرة ودفنه فيها فصارت سنة يدفنون الموتى فرجع قابيل إلى ابيه فلم ير معه هابيل، فقال له آدم اين تركت ابني؟ قال له قابيل ارسلتني عليه راعيا؟ فقال آدم انطلق معي إلى مكان القربان واوجس قلب آدم بالذي فعل قابيل، فلما بلغ المكان استبان قتله، فلعن آدم الارض التي قبلت دم هابيل وامر آدم ان يلعن قابيل ونودي قابيل من السماء لعنت كما قتلت اخاك ولذلك لا تشرب الارض الدم، فانصرف آدم فبكى على هابيل اربعين يوما وليلة فلما جزع عليه شكى ذلك إلى الله فاوحى الله اليه اني واهب لك ذكرا يكون خلفا من هابيل، فولدت حواء غلاما زكيا مباركا، فلما كان اليوم السابع اوحى الله اليه يا آدم ان هذا الغلام هبة مني لك فسمه هبة الله، فسماه آدم هبة الله قال وحدثني ابي عن عثمان بن عيسى عن (ابى ط) ايوب عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال كنت جالسا معه في المسجد الحرام فاذا طاووس في جانب الحرم يحدث اصحابه حتى قال اتدري أي يوم قتل نصف الناس، فاجابه ابوجعفر عليه السلام فقال او ربع الناس يا طاووس، فقال او ربع الناس، فقال أتدري ما صنع بالقاتل؟ فقلت ان هذه المسألة، فلما كان من الغد غدوت على ابى جعفر عليه السلام فوجدته قد لبس ثيابه وهو قاعد على الباب ينتظر الغلام ان يسرج له، فاستقبلني بالحديث قبل ان اسأله فقال، ان بالهند او من وراء الهند رجلا معقولا برجله اي واحدة، لبس المسح(1) موكل به عشرة نفر كلما مات رجل منهم اخرج اهل القرية بدله فالناس يموتون والعشرة لا ينقصون يستقبلونه بوجه الشمس حين تطلع ويديرونه معها حين تغيب ثم يصبون عليه في البرد الماء البارد
     
    ___________________________________
     
    (1) المسح بالكسر كساء من صوف جمعه مسوح ج.ز
     
    [167]
     
    وفي الحر الماء الحار، قال فمر به رجل من الناس فقال له من انت ياعبدالله؟ فرفع رأسه ونظر اليه ثم قال له اما ان تكون احمق الناس واما ان تكون اعقل الناس، انى لقائم ههنا منذ قامت الدنيا ما سألني احد غيرك من أنت، ثم قال يزعمون انه ابن آدم(1).
     
    قال الله عزوجل (من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا) فلفظ الآية خاص في بني اسرائيل ومعناه جار في الناس كلهم، وقوله (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) قال من أنقذها من حرق او غرق او هدم او سبع او كلفة حتى يستغني او اخرجه من فقر إلى غنى، وافضل من ذلك ان اخرجه من ضلال إلى هدى، وقوله فكأنما احيا الناس جميعا، قال يكون مكانه كمن احيا الناس جميعا واما قوله (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض) فانه حدثني ابي عن علي بن حسان عن ابي جعفر عليه السلام قال من حارب الله واخذ المال وقتل كان عليه ان يقتل ويصلب، ومن حارب وقتل ولم يأخذ المال
     
    ___________________________________
     
    (1) ان هذا الخبر من غرائب الاخبار حيث لم يشاهد مثل هذا الشخص المعذب اي مكان، ولو كان لبان، فيمكن ان الامام عليه السلام لم يكن مقصوده بيان اعتقاده بل ذكره حسب ما كان على السنة الناس في ذاك الزمان كما يدل عليه لفظه " يزعمون انه ابن آدم " وعلى فرض كونه حاكيا عن اعتقاد نفسه يجوز ان تكون العشرة الموكلون على هذا الرجل من الاجنة المخفية عن انظار عامة البشر فلذا لم يطلعوا وعلمه الامام عليه السلام لانه عالم بخبايا الامور.ج.ز.
     
    [168]
     
    كان عليه ان يقتل ولا يصلب، ومن حارب فاخذ المال ولم يقتل كان عليه ان تقطع يده ورجله من خلاف، ومن حارب ولم يأخذ المال ولم يقتل كان عليه ان ينفى، ثم استثنى عزوجل فقال " إلا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم " يعني يتوب من قبل ان يأخذهم الامام، وقوله (اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة) فقال تقربوا اليه بالامام، وقوله (ان الذين كفروا لو ان لهم ما في الارض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيمة ما تقبل منهم - إلى قوله - والله على كل شئ قدير) فانه محكم.
     
    واما قوله (ياايها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بافواههم ولم تؤمن قلوبهم) فانه كان سبب نزولها انه كان في المدينة بطنان من اليهود من بني هارون وهم النضير وقريضة وكانت قريضة سبع مائة والنضير الفا، وكانت النضير اكثر مالا واحسن حالا من قريضة.
     
    وكانوا حلفاء لعبد الله بن ابي، فكان إذا وقع بين قريضة والنضير قتل وكان الفاتل من بني النضير قالوا لبني قريضة لا نرضى ان يكون قتيل منا بقتيل منكم فجرى بينهم في ذلك مخاطبات كثيرة حتى كادوا ان يقتتلوا حتى رضيت قريضة وكتبوا بينهم كتابا على انه اي رجل من اليهود من النضير قتل رجلا من بني قريضة ان يجنيه ويحمم، والتجنية ان يقعد على جمل ويولى وجهه إلى ذنب الجمل ويلطخ بالحماة ويدفع نصف الدية، وإيما رجل من بني قريضة قتل رجلا من بني النضير ان يدفع اليه دية كاملة ويقتل به، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة ودخلت الاوس والخرج في الاسلام ضعف امر اليهود فقتل رجل من بني قريضة رجلا من بني النضير فبعثوا اليهم بنو النضير ابعثوا الينا فدية؟ المقتول وبالقاتل حتى نقتله، فقالت قريضة ليس هذا حكم التوراة وإنما هو شئ غلبتمونا عليه فاما الدية واما القتل وإلا فهذا محمد بيننا وبينكم فهلموا لنتحاكم اليه، فمشت بنو
     
    [169]
     
    النضير إلى عبدالله بن ابي وقالوا سل محمدا ان لا ينقض شرطنا في هذا الحكم الذي بيننا وبين بني قريضة في القتل، فقال عبدالله بن ابي ابعثوا معي رجلا يسمع كلامي وكلامه فان حكم لكم بما تريدون وإلا فلا ترضوا به، فبعثوا معه رجلا فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له يارسول الله ان هؤلاء القوم قريضة والنضير قد كتبوا بينهم كتابا وعهدا وثيقا تراضوا به والآن في قدومك يريدون نقضه وقد رضوا بحكمك فيهم فلا تنقض عليهم كتابهم وشرطهم، فان بني النضير لهم القوة والسلاح والكراع، ونحن نخاف الغوائل والدوائر، فاغتم لذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يجبه بشئ، فنزل عليه جبرئيل بهذه الآيات " يا ايها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بافواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا " يعني اليهود " سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه " يعني عبدالله بن ابي وبني النضير " يقولون ان اوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا " يعني عبدالله بن ابي حيث قال لبني النضير إن لم يحكم لكم بما تريدون فلا تقبلوا " ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا اولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب أكالون للسحت فان جاؤك فاحكم بينهم او اعرض عنهم، وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين - إلى قوله - ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون " وقوله (وكتبنا عليهم فيها) يعني في التوراة (ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص) فهي منسوخة بقوله (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى) وقوله (والجروح قصاص) لم تنسخ ثم قال (فمن تصدق به) اي عفى (فهو كفارة له) وقوله (لكل جعلنا منكم شرعة
     
    [170]
     
    ومنهاجا) قال لكل نبي شريعة وطريق (ولكن ليبلوكم فيما آتاكم) أي يختبركم ثم قال لنبيه (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى ان تصيبنا دائرة) وهو قول عبدالله بن ابي لرسول الله صلى الله عليه وآله لا تنقض حكم بني النضير فانا نخاف الدوائر، فقال الله تعالى (فعسى الله ان يأتي بالفتح أو امر من عنده فيصبحوا علي ما اسروا في انفسهم نادمين) واما قوله (ياايها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم وبحبونه اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله) قال هو محاطبة لاصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذين غصبوا آل محمد حقهم وارتدوا عن دين الله " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونهم " نزلت في القائم عليه السلام واصحابه (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) واما قوله (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) فانه حدثني ابي عن صفوان عن ابان بن عثمان بن ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السلام قال بينما رسول الله صلى الله عليه وآله جالس وعنده قوم من اليهود فيهم عبدالله بن سلام، إذ نزلت عليه هذه الآية فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المسجد فاستقبله سائل، فقال هل اعطاك احد شيئا؟ قال نعم، ذاك المصلي فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فاذا هو علي امير المؤمنين عليه السلام وقوله (واذا جاؤكم قالوا آمنا) قال نزلت في عبدالله بن ابي لما اظهر الاسلام (وقد دخلوا في الكفر) قال وخرجوا به من الايمان وقوله (واكلهم السحت) قال السحت هو بين الحلال والحرام وهو ان يؤاجر الرجل نفسه على حمل المسكر ولحم الخنزير واتخاذ الملاهي فاجارته نفسه خلال ومن جهة ما يحمل ويعلم هو سحت.
     
    وحدثني ابي عن النوفل عن السكوني عن ابي عبدالله عليه السلام قال قال امير المؤمنين عليه السلام من السحت ثمن الميتة، وثمن الكلب، ومهر البغى، والرشوة في الحكم، واجر الكاهن، وقوله (قالت اليهود يد الله مغلولة غلت
     
    [171]
     
    ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان) قال قالوا قد فرغ الله من الامر لا يحدث الله غير ما قد قدره في التقدير الاول، فرد الله عليهم فقال بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء اي يقدم ويؤخر ويزيد وينقص وله البداء والمشية، وقوله (كلما اوقدوا نارا للحرب اطفأها الله) قال كلما اراد جبار من الجبابرة هلاك آل محمد قصمه الله، وقوله (ولو انهم اقاموا التورية والانجيل وما انزل اليهم من ربهم) يعني اليهود والنصارى (لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم) قال من فوقهم المطر ومن تحت ارجلهم النعبات وقوله (منهم امة مقتصدة) قال قوم من اليهود دخلوا في الاسلام فسماهم الله مقتصدة.
     
    وقوله (ياايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك) قال نزلت هذه الآية في علي (وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) قال نزلت هذه الآية في منصرف رسول الله صلى الله عليه وآله من حجة الوداع وحج رسول الله صلى الله عليه وآله حجة الوداع لتمام عشر حجج من مقدمه المدينة، فكان من قوله بمنى ان حمد الله واثنى عليه ثم قال: " ايها الناس اسمعوا قولي واعقلوه عني، فاني لا ادري لا القاكم بعد عامي هذا، ثم قال هل تعلمون اي يوم اعظم حرمة؟ قال الناس هذا اليوم، قال فاي شهر؟ قال الناس هذا، قال واي بلد اعظم حرمة؟ قالوا بلدنا هذا، قال فان دماء‌كم واموالكم واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم فيسألكم عن اعمالكم، ألا هل بلغت ايها الناس؟ قالوا نعم، قال اللهم اشهد، ثم قال ألا وكل مأثره او بدعة كانت في الجاهلية او دم او مال فهو تحت قدمي هاتين، ليس احد أكرم من احد إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ قالوا نعم؟ قال اللهم اشهد، ثم قال ألا وكل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع، واول موضوع منه ربا العباس بن عبدالمطلب،
     
    [172]
     
    ألا وكل دم كان في الجاهلية فهو موضوع، واول موضوع دم ربيعة، ألا هل بلغت؟ قالوا نعم، قال اللهم اشهد، ثم قال ألا وان الشيطان قد يئس ان يعبد بارضكم هذه ولكنه راض بما تحتقرون من اعمالكم، ألا وانه اذا اطيع فقد عبد، ألا ايها الناس ان المسلم اخو المسلم حقا، لا يحل لامرء مسلم دم امرء مسلم وماله إلا ما اعطاه بطيبة نفس منه، واني امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فاذا قالوها فقد عصموا مني دماء‌هم واموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله، ألا هل بلغت ايها الناس؟ قالوا نعم، قال اللهم اشهد، ثم قال ايها الناس احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي وافهموه تنعشوا ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدنيا، فان فعلتم ذلك ولتفعلن لنجدوني في كتيبة بين جبرئيل وميكائيل اضرب وجوهكم بالسيف، ثم التفت عن يمينه فسكت ساعة ثم قال - ان شاء‌الله او علي بن ابى طالب، ثم قال ألا واني قد تركت فيكم امرين ان اخذتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي اهل بيتي فانه قد نبأنى اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، ألا فمن اعتصم بهما فقد نحبا ومن خالفهما فقد هلك، ألا هل بلغت؟ قالوا نعم، قال اللهم اشهد، ثم قال ألا وانه سيرد علي الحوض منكم رجال فيدفعون عني، فاقول رب اصحابي، فقال يامحمد انهم احدثوا بعدك وغيروا سنتك فاقول سحقا سحقا(1).
     
    ___________________________________
     
    (1) وفي لفظ صحيح البخاري: ان اناسا من اصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فاقول اصحابي اصحابي ! فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم، وفي لفظ صحيح مسلم: اقول انهم مني فيقال انك لا تدري ما عملوا بعدك، فاقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي، قال النووي في ذيل هذه الاحاديث (اي احاديث الحوض): قال القاضي عياض احاديث الحوض صحيحة والايمان به فرض والتصديق به من الايمان، متواتر النقل رواه خلائق من الصحابة راجع صحيح البخاري ج 2 / 145 - 159 وج 3 / 79 وج 4 / 87 (باب الحوض) وصحيح مسلم ج 2 / 249 - 252.ج.ز.
     
    [173]
     
    فلما كان آخر يوم من أيام التشريق انزل الله: إذا جاء نصر الله والفتح، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله نعيت إلى نفسي ثم نادى الصلاة جامعة في مسجد الخيف فاجتمع الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال نصر الله امرء‌ا، سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو افقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرء مسلم اخلص العمل لله والنصيحة لائمة المسلمين ولزم جماعتهم فان دعوتهم محيطة من ورائهم، المؤمنون اخوة تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم ادناهم وهم يد على من سواهم.
     
    أيها الناس انى تارك فيكم الثقلين، قالوا يارسول الله وما الثقلان؟ قال كتاب الله وعترتى اهل بيتي، فانه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن يفترفا حتى يردا علي الحوض كاصبعي هاتين، وجمع بين سبابتيه ولا اقول كهاتين وجمع سبابته والوسطى، فتفضل هذه على هذه، فاجتمع قوم من اصحابه وقالوا يريد محمد ان يجعل الامامة في اهل بيته فخرج اربعة نفر منهم إلى مكه ودخلوا الكعبة تعاهدوا وتعاقدوا وكتبوا فيما بينهم كتابا ان مات محمد او قتل أن لا يردوا هذا الامر في اهل بيته ابدا فانزل الله على نبيه في ذلك " ام ابرموا امرا فانا مبرمون ام يحسبون انا لا نسمع سرهم ونجويهم بلي ورسلنا لديهم يكتبون(1) " فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله من مكة يريد المدينة حتى نزل منزلا يقال له غدير خم، وقد
     
    ___________________________________
     
    (1) الزخرف 79.
     
    [174]
     
    علم الناس مناسكهم واوعز اليهم وصيته إذ نزلت عليه هذه الآية " ياايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك فان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بعد ان حمد الله واثنى عليه ثم قال ايها الناس هل تعلمون من وليكم؟ فقالوا نعم الله ورسوله، ثم قال ألستم تعلمون اني اولى بكم من انفسكم؟ قالوا بلى، قال اللهم اشهد فاعاد ذلك عليهم ثلاثا كل ذلك يقول مثل قوله الاول ويقول الناس كذلك ويقول اللهم اشهد، ثم اخذ بيد امير المؤمنين (ع) فرفعها حتى بدا للناس بياض ابطيهما ثم قال " ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله واحب من احبه ثم رفع رأسه إلى السماء فقال اللهم اشهد عليهم وانا من الشاهدين " فاستفهمه عمر فقام من بين اصحابه فقال يارسول الله هذا من الله ومن رسوله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله نعم من الله ورسوله انه امير المؤمنين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين، يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل اولياء‌ه الجنة واعداء‌ه النار، فقال اصحابه الذين ارتدوا بعده قد قال محمد في مسجد الخيف ما قال وقال ههنا ما قال وان رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له فاجتمعوا اربعة عشر نفرا وتوامروا على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وقعدوا في العقبة، وهى عقبة هر شى (ارشى ط) بين الجحفة والابواء، فقعدوا سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها لينفروا ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله فلما جن الليل تقدم رسول الله صلى الله عليه وآله في تلك الليلة العسكر فاقبل ينعس على ناقته، فلما دنا من العقبة ناداه جبرئيل يا محمد ان فلانا وفلانا (وفلانا ط) قد قعدوا لك، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال من هذا خلفي فقال حذيفة اليماني انا يارسول الله حذيفة بن اليمان، قال سمعت ما سمعت قال بلى قال فاكتم، ثم دنا رسول الله صلى الله عليه وآله منهم فناداهم باسمائهم، فلما سمعوا نداء رسول الله صلى الله عليه وآله فروا ودخلوا في غمار الناس وقد كانوا عقلوا
     
    [175]
     
    رواحلهم فتركوها ولحق الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وطلبوهم وانتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى رواحلهم فعرفهم، فلما نزل قال ما بال اقوام تحالفوا في الكعبة ان مات محمد او قتل ألا يردوا هذا الامر في اهل بيته ابدا، فجاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فحلفوا انهم لم يقولوا من ذلك شيئا ولم يريدوه ولم يكتموا شيئا من رسول الله صلى الله عليه وآله، فانزل الله " يحلفون بالله ما قالوا " ان لا يردوا هذا الامر في اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله " ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم وهموا بما لم ينالوا " من قتل رسول الله صلى الله عليه وآله " وما نقموا إلا ان اغناهم الله ورسوله من فضله فان يتوبوا يك خيرا لهم وان يتولوا يعذبهم الله عذابا اليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الارض من ولي ولا نصير(1) " فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وبقي بها محرم والنصف من صفر لا يشتكي شيئا ثم ابتدأ به الوجع الذي توفى فيه صلى الله عليه وآله.
     
    فحدثني ابي عن مسلم بن خالد عن محمد بن جابر عن ابن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع من حجة الوداع يابن مسعود قد قرب الاجل ونعيت الي نفسي فمن لذلك بعدي؟ فاقبلت اعد عليه رجلا رجلا، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال ثكلتك الثواكل فاين انت عن علي بن ابي طالب لم لا تقدمه على الخلق اجمعين، يابن مسعود انه إذا كان يوم القيامة رفعت لهذه الامة اعلام، فاول الاعلام لوائي الاعظم مع علي بن ابى طالب والناس اجمعين تحت لوائه ينادي مناد هذا الفضل يا بن ابي طالب ثم نزل كتاب الله يخبر عن اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال (وحسبوا ألا تكون فتنة) اي لا يكون اختبار ولا يمتحنهم الله بامير المؤمنين عليه السلام (فعموا وصموا) قال حيث كان رسول الله صلى الله عليه وآله بين اظهرهم (ثم عموا وصموا) حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله واقام امير المؤمنين عليه السلام عليهم
     
    ___________________________________
     
    (1) التوبة 74.
     
    [176]
     
    فعموا وصموا فيه حتى الساعة، ثم احتج عزوجل على النصارى في عيسى فقال: (ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وامه صديقة كانا يأكلان الطعام) يعني كانا يحدثان فكنى الله عن الحدث وكل من اكل الطعام يحدث.
     
    ثم قال (يااهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق) اى لا تقولوا ان عيسى هو الله وابن الله، وحدثنى ابي قال حدثنى هارون بن مسلم عن مسعدة ابن صدقة قال سأل رجل ابا عبدالله عليه السلام عن قوم من الشيعة يدخلون في اعمال السلطان ويعملون لهم ويجبونهم ويوالونهم، قال ليس هم من الشيعة ولكنهم من اولئك ثم قرأ ابوعبدالله عليه السلام هذه الآية (لعن الذين كفروا من بنى اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم - إلى قوله - ولكن كثيرا منهم فاسقون) قال الخنازير على لسان داود والقردة على لسان عيسى وقوله " كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " قال كانوا يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر وياتون النساء ايام حيضهن، ثم احتج الله على المؤمنين الموالين للكفار " وترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم انفسهم - إلى قوله - ولكن كثيرا منهم فاسقون " فنهى الله عزوجل ان يوالى المؤمن الكافر إلا عند التقية واما قوله (لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا ولتجدن اقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى) فانه كان سبب نزولها انه لما اشتدت قريش في اذى رسول الله صلى الله عليه وآله واصحابه الذين آمنوا به بمكة قبل الهجرة امرهم رسول الله صلى الله عليه وآله ان يخرجوا إلى الحبشة، وامر جعفر بن ابي طالب عليه السلام ان يخرج معهم، فخرج جعفر ومعه سبعون رجلا من المسلمين حتى ركبوا البحر، فلما بلغ قريش خروجهم بعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلى النجاشي ليردوهم، وكان عمرو وعمارة متعاديين، فقالت قريش كيف نبعث رجلين متعاديين فبرئت بنو مخزوم من جناية عمارة وبرئت بنو سهم من جناية
      

    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي  
    [177]
     
    عمرو بن العاص، فخرج عمارة وكان حسنن؟ الوجه شابا مترفا فاخرج عمرو بن العاص اهله معه فلما ركبوا السفينة شربوا الخمر، فقال عمارة لعمرو بن العاص، قل لاهلك تقبلني، فقال عمرو ايجوز هذا سبحان الله فسكت عمارة فلما انتشأ(1) عمرو وكان على صدر السفينة، دفعه عمارة والقاه في البحر فتشبث عمرو بصدر السفينة وادركوه فاخرجوه " فوردوا على النجاشي وقد كانوا حملوا اليه هدايا فقبلها منهم، فقال عمرو بن العاص ايها الملك ان قوما منا خالفونا في ديننا وسبوا آلهتنا وصاروا اليك فردهم الينا، فبعث النجاشي إلى جعفر فجاؤا به، فقال يا جعفر ما يقول هؤلاء؟ فقال جعفر ايها الملك وما يقولون؟ قال يسألون ان اردكم اليهم، قال ايها الملك سلهم أعبيد نحن لهم؟ فقال عمرو لا بل احرار كرام، قال فسلهم الهم علينا ديون يطالبوننا بها؟ قال لا مالنا عليكم ديون، قال فلكم في اعناقنا دماء تطالبوننا بها؟ قال عمرو لا، قال فما تريدون منا آذيتمونا فخرجنا من بلادكم، فقال عمرو بن العاص ايها الملك خالفونا في ديننا وسبوا آلهتنا وافسدوا شبابنا وفرقوا جماعتنا فردهم الينا لنجمع امرنا، فقال جعفر نعم ايها الملك خالفناهم بانه بعث الله فينا نبيا امر بخلع الانداد، ترك الاستقسام بالازلام، وأمرنا بالصلوة والزكوة، وحرم الظلم والجور، وسفك الدماء بغير حقها والزناء والربا والميتة والدم، وامرنا بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، فقال النجاشي بهذا بعث الله عيسى بن مريم عليه السلام، ثم قال النجاشي يا جعفر هل تحفظ مما انزل الله على نبيك شيئا؟ قال نعم فقرأ عليه سورة مريم فلما بلغ إلى قوله " وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلى واشربي وقري عينا " فلما سمع النجاشي بهذا بكى بكاء‌ا شديدا، وقال هذا
     
    ___________________________________
     
    (1) اي سكر.مجمع ج-ز.
     
    [178]
     
    والله هو الحق، فقال عمرو بن العاص ايها الملك ان هذا مخالفنا فرده الينا، فرفع النجاشي يده فضرب بها وجه عمرو ثم قال اسكت، والله يا هذا لان ذكرته بسوء لافقدنك نفسك، فقام عمرو بن العاص من عنده والدماء تسيل على وجهه وهو يقول ان كان هذا كما تقول ايها الملك فانا لا نتعرض له، وكانت على رأس النجاشي وصيفة له تذب عنه، فنظرت إلى عمارة بن الوليد وكان فتى جميلا فاحبته فلما رجع عمرو بن العاص إلى منزله، قال لعمارة لو راسلت جارية الملك، فراسلها فاجابته، فقال عمرو قل لها تبعث اليك من طيب الملك شيئا، فقال لها فبعثت اليه فاخذ عمرو من ذلك الطيب، وكان الذي فعل به عمارة في قلبه حين القاه في البحر فادخل الطيب على النجاشي، فقال ايها الملك ان حرمة الملك عندنا وطاعته علينا وما يكرمنا اذا دخلنا بلاده ونأمن فيه ان لا نغشه ولا نريبه وان صاحبي هذا الذي معي قد ارسل حرمتك وخدعها وبعثت اليه من طيبك ثم وضع الطيب بين يديه، فغضب النجاشي وهم بقتل عمارة ثم قال لا يجوز قتله فانهم دخلوا بلادي فامان لهم، فدعا النجاشي السحرة فقال لهم اعملوا به شيئا اشد عليه من القتل، فأخذوه ونفخوا في احليله الزئبق فصار مع الوحش يغدو ويروح، وكان لا يأنس بالناس فبعثت قريش بعد ذلك فكمنوا له في موضع حتى ورد الماء مع الوحش فاخذوه فما زال يضطرب في ايديهم ويصيح حتى مات.
     
    ورجع عمرو إلى قريش فاخبرهم ان جعفر في ارض الحبشة في اكرم كرامة فلم يزل بها حتى هادن رسول الله صلى الله عليه وآله قريشا وصالحهم وفتح خيبر فوافى بجميع من معه وولد لجعفر بالحبشة من اسماء بنت عميس عبدالله بن جعفر، وولد للنجاشي ابن فسماه محمدا، وكانت ام حبيب بنت ابي سفيان تحت عبدالله(1)
     
    ___________________________________
     
    (1) وهي ام حبيبة رملة بنت ابي سفيان، هاجرت مع زوجها عبدالله بن جحش إلى الحبشة ثم تنصر عبدالله هنالك ومات علي النصرانية وثبتت ام حبيبة على دينها الاسلام ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله (اعلام النساء) ج.ز.
     
    [179]
     
    فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى النجاشي يخطب ام حبيب، فبعث اليها النجاشي فخطبها لرسول الله صلى الله عليه وآله فاجابته، فزوجها منه واصدقها اربعمائة دينار وساقها عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وبعث اليها بثياب وطيب كثير وجهزها وبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وبعث اليه بمارية القبطية ام ابراهيم، وبعث اليه بثياب وطيب وفرس، وبعث ثلاثين رجلا من القسيسين، فقال لهم انظروا إلى كلامه والى مقعده ومشربه ومصلاه فلما وافوا المدينة دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الاسلام وقرأ عليهم القرآن " واذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك - إلى قوله - فقال الذين كفروا منهم ان هذا إلا سحر مبين " فلما سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله يكوا وآمنوا ورجعوا إلى النجاشي فاخبروه خبر رسول الله صلى الله عليه وآله وقرأوا عليه ما قرأ عليهم، فبكي النجاشي وبكى القسيسون واسلم النجاشي ولم يظهر للحبشة اسلامه وخافهم على نفسه وخرج من بلاد الحبشة إلى النبي صلى الله عليه وآله فلما عبر البحر توفي فانزل الله على رسوله (لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود - إلى قوله - وذلك جزاء المحسنين " واما قوله (ياايها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم) فانه حدثنى ابي عن ابن ابى عمير عن بعض رجاله عن ابى عبدالله عليه السلام قال نزلت هذه الآية في امير المؤمنين عليه السلام وبلال وعثمان بن مظعون، فاما امير المؤمنين عليه السلام فحلف ان لا ينام بالليل ابدا واما بلال فانه حلف ان لا يفطر بالنهار ابدا، واما عثمان بن مظعون فانه حلف ان لا ينكح ابدا فدخلت امرأة عثمان على عائشة وكانت امرأة جميلة، فقالت عائشة ما لي اراك معطلة فقالت ولمن أتزين فوالله ما قاربني زوجي منذ كذا وكذا، فانه قد ترهب ولبس المسوح وزهد في الدنيا، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله اخبرته عائشة
     
    [180]
     
    بذلك، فخرج فنادى الصلوة جامعة، فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال ما بال اقوام يحرمون على انفسهم الطيبات الا انى انام بالليل وانكح وافطر بالنهار فمن رغب عن سنتي فليس منى، فقاموا هؤلاء فقالوا يارسول الله فقد الجزء(7) حلفنا على ذلك فانزل الله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام ذلك كفارة ايمانكم اذا حلفتم الآية) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (ياايها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام) اما الخمر فكل مسكر من الشراب خمر اذا اخمر فهو حرام؟ واما المسكر كثيره وقليله حرام وذلك ان الاول شرب قبل ان يحرم الخمر فسكر فجعل يقول الشعر ويبكي على قتلى المشركين من اهل بدر، فسمع رسول الله صلى الله عليه وآله فقال اللهم امسك على لسانه، فامسك على لسانه فلم يتكلم حتى ذهب عنه السكر فانزل الله تحريمها بعد ذلك، وانما كانت الخمر يوم حرمت بالمدينة فضيخ البسر(1) والتمر فلما نزل تحريمها خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقعد في المسجد ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فاكفأ كلها ثم قال هذه كلها خمر وقد حرمها الله، قكان اكثر شئ اكفئ(2) من ذلك يومئذ من الاشربة الفضيخ، ولا اعلم اكفئ يومئذ من خمر العنب شئ الا اناء واحد كان فيه زبيب وتمر جميعا، واما عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شئ، حرم الله الخمر قليلها وكثيرها وبيعها وشراء‌ها والانتفاع بها، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله من شرب الخمر فاجلدوه ومن عاد فاجلدوه ومن عاد فاجلدوه ومن عاد في الرابعة فاقتلوه، وقال حق على الله ان يسقي من شرب الخمر مما يخرج من فروج المومسات، والمومسات الزواني يخرج من فروجهن صديد والصديد قيح ودم غليظ مختلط يؤذي اهل النار حره ونتنه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله من شرب الخمر لم تقبل له صلاة اربعين ليلة، فان عاد فاربعين
     
    ___________________________________
     
    (1) الفضيخ كنبيذ شراب يتخذ من البسر.
     
    (2) كفأه كمنعه قلبه ق.ج-ز
     
    [181]
     
    ليلة من يوم شربها فان مات في تلك الاربعين ليلة من غير توبة سقاه الله يوم القيامة من طينة خبال(1) وسمي المسجد الذي قعد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله يوم اكفئت المشربة مسجد الفضيخ من يومئذ، لانه كان اكثر شئ اكفئ من الاشربة الفضيخ.
     
    واما الميسر فالنرد والشطرنج وكل قمار ميسر، واما الانصاب فالاوثان التي كانوا يعبدونها المشركون، واما الازلام فالاقداح التي كانت تستقسم بها مشركوا العرب في الجاهلية، كل هذا بيعه وشراه والانتفاع بشئ من هذا حرام من الله محرم، وهو رجس من عمل الشيطان، فقرن الله الخمر والميسر مع الاوثان، واما قوله (اطيعو الله واطيعوا الرسول واحذروا) يقول لا تعصوا ولا تركنوا إلى الشهوات من الخمر والميسر (فان توليتم) يقول عصيتم (فاعلموا انما على رسولنا البلاغ المبين) اذ قد بلغ وبين فانتهوا، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله انه سيكون قوم يبيتون وهم على شرب الخمر واللهو والغناء فبينماهم كذلك اذ مسخوا من ليلتهم واصبحوا قردة وخنازير وهو قوله " واحذروا " ان تعتدوا كما اعتدى اصحاب السبت، فقد كان املي لهم حتى اثروا(2) وقالوا ان السبت لنا حلال وانما كان حرم على اولينا وكانوا يعاقبون على استحلالهم السبت، فاما نحن فليس علينا حرام وما زلنا بخير منذ استحللناه وقد كثرت اموالنا وصحت اجسامنا، ثم اخذهم الله ليلا وهم غافلون فهو قوله " واحذروا " ان يحل بكم مثل ماحل بمن تعدى وعصى فلما نزل تحريم الخمر والميسر والتشديد في امرهما قال الناس من المهاجرين والانصار يا رسول الله قتل اصحابنا وهم يشربون الخمر وقد سماه الله رجسا وجعله من عمل الشيطان وقد قلت ما قلت أفيضر اصحابنا ذلك
     
    ___________________________________
     
    (1) وهو الصديد يخرج من فروج الزناة.
     
    (2) اي عزموا على المعصية.ج-ز
     
    [182]
     
    شيئا بعد ما ماتوا؟ فانزل الله (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية) فهذا لمن مات او قتل قبل تحريم الخمر، والجناح هو الاثم على من شربها بعد التحريم، قال علي بن ابراهيم في قوله (ياايها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله ابديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب) قال نزلت في غزاة الحديبية قد جمع الله عليهم الصيد فدخل بين رحائلهم ليبلونهم الله اي يختبرهم وقوله (ليعلم الله من يخافه بالغيب قبل ذلك) ولكنه عزوجل لا يعذب احدا الا بحجة بعد اظهار الفعل وقوله (ياايها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وانتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) فواجب لفظ الآية ان الفداء يجب على من قتل الصيد متعمدا وفي المعنى والتفسير يجب الجزاء على من قتل الصيد متعمدا او خطأ.
     
    حدثني محمد بن الحسين (الحسن ط) عن محمد بن عون النصيبي قال لما اراد المأمون ان يزوج ابا جعفر محمد بن علي بن موسى عليه السلام ابنته ام الفضل اجتمع اليه اهل بيته الادنين منه فقالوا له ياامير المؤمنين ننشدك الله ان لا تخرج عنا امرا قد ملكناه وتنزع عنا عزا قد البسنا الله فقد عرفت الامر الذي بيننا وبين آل علي قديما وحديثا، قال المأمون اسكتوا فوالله لاقبلت من احدكم في امره، فقالوا ياامير المؤمنين أفتزوج قرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله ولا يعرف فريضة ولا سنة ولا يميز بين الحق والباطل، ولا بي جعفر عليه السلام يومئذ عشرة سنين او احد عشرة سنة، فلو صبرت عليه حتى يتأدب ويقرأ القرآن ويعرف فرضا من سنته، فقال لهم المأمون والله انه لافقه منكم واعلم بالله وبرسوله وفرائضه وسننه واحكامه واقرأ بكتاب الله واعلم بمحكمه ومتشابهه وخاصه وعامة وناسخه ومنسوخه وتنزيله وتأويله منكم فاسألوه فان كان الامر كما قلتم قبلت منكم في امره وان كان كما قلت علمتم ان الرجل خير منكم، فخرجوا من عنده وبعثوا إلى
     
    [183]
     
    يحيى بن اكثم واطمعوه في هدايا ان يحتال على ابي جعفر عليه السلام بمسألة لا يدري كيف الجواب فيها عند المأمون اذا اجتمعوا للتزويج، فلما حضروا وحضر ابوجعفر عليه السلام قالوا ياامير المؤمنين هذا يحيى بن اكثم ان اذنت له ان يسأل ابا جعفر عليه السلام عن مسألة، فقال المأمون يايحيى سل ابا جعفر عليه السلام عن مسألة في الفقه لننظر كيف فقهه، فقال يحيى يا اباجعفر اصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيدا؟ فقال ابوجعفر عليه السلام قتله في حل او حرم، عالما او جاهلا، عمدا أو خطأ، عبدا او حرا، صغيرا او كبيرا، مبديا او معيدا، من ذوات الطير او من غيرها، من صغار الصيد او من كبارها، مصرا عليها او نادما، بالليل في وكرها او بالنهار عيانا، محرما لعمرة او للحج؟ قال فانقطع يحيى بن اكثم انقطاعا لم يخف على اهل المجلس واكثر الناس تعجبا من جوابه، ونشط المأمون فقال نخطب يا ابا جعفر، فقال نعم يا امير المؤمنين فقال المأمون: الحمد لله اقرارا بنعمته ولا اله إلا الله اخلاصا لعظمته وصلى الله علي محمد عند ذكره وقد كان من فضل الله على الانام ان اغناهم بالحلال عن الحرام فقال وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ثم ان محمد بن علي ذكر ام الفضل بنت عبدالله وبذل لها من الصداق خمسمائة درهم وقد زوجتك فهل قبلت ياابا جعفر، قال ابوجعفر عليه السلام نعم ياامير المؤمنين قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق ثم اولم عليه المأمون وجاء الناس على مراتبهم الخاص والعام، قال فبينما نحن كذلك اذ سمعنا كلاما كأنه من كلام الملاحين في مجاوباتهم فاذا نحن بالخدم يجرون سفينة من فضة وفيها نسائج ابريسم مكان القلوس(1) مملوة غالية فخضبوا اهل الخاص بها ثم مروا بها إلى دار العامة فطيبوهم، فلما تفرق الناس قال المأمون ياابا جعفر ان رأيت ان تبين لنا ما الذي يجب على كل صنف من هذه الاصناف التي ذكرت في قتل الصيد؟ فقال ابوجعفر (ع)
     
    ___________________________________
     
    (1) قلوص كفلوس جمع قلس حبل للسفينة ضخم.ج.ز
     
    [184]
     
    نعم ياامير المؤمنين ان المحرم اذا قتل صيدا في الحل والصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاة، واذا اصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، واذا قتل فرخا في الحل فعليه جمل قد فطم وليس عليه قيمته لانه ليس في الحرم، واذا قتله في الحرم فعليه الجمل وقيمته لانه في الحرم، واذا كان من الوحش فعليه في حمار الوحش بدنة وكذلك في النعامة، فان لم يقدر فعليه اطعام ستين مسكينا، فان لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما، وان كانت بقرة فعليه بقرة فان لم يقدر فعليه اطعام ثلاثين مسكينا، فمن لم يقدر فليصم تسعة ايام، وان كان ظبيا فعليه شاة، فان لم يقدر فاطعام عشرة مساكين، فان لم يقدر فصيام ثلاثة ايام، وان كان في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة حقا واجبا عليه ان ينحره، وان كان في حج بمنى حيث ينحر الناس فان كان في عمرة ينحره بمكة ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفا، وكذلك اذا اصاب ارنبا فعليه شاة واذا قتل الحمامة تصدق بدرهم او يشتري به طعاما لحمامة الحرم، وفي الفرخ نصف درهم، وفي البيضة ربع درهم.
     
    وكلما اتى به المحرم بجهالة فلا شئ عليه فيه الا الصيد فان عليه الفداء بجهالة كان او بعلم بخطأ كان او بعمد، وكلما اتى به العبد فكفارته على صاحبه بمثل ما يلزم صاحبه، وكلما اتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شئ عليه فيه، وان كان ممن عاد فهو ممن ينتقم الله منه ليس عليه كفارة والنقمة في الآخرة، وان دل على الصيد وهو محرم فقتل فعليه الفداء، والمصر عليه يلزمه بعد الفداء عقوبة في الآخرة، والنادم عليه لا شئ عليه بعد الفداء واذا اصاب ليلا في وكرها خطأ فلا شئ عليه الا ان يتعمده فان تعمد بليل او نهار فعليه الفداء، والمحرم بالحج ينحر الفداء بمنى حيث ينحر الناس والمحرم للعمرة ينحر بمكة " فامر المأمون ان يكتب ذلك كله عن ابي جعفر (ع) ثم دعا اهل بيته الذين انكروا تزويجه عليه فقال لهم هل فيكم احد يجيب بمثل هذا الجواب؟ قالوا لا والله ولا القاضي، ثم قال ويحكم ان اهل هذا البيت خلو من هذا الخلق اوما علمتم ان رسول الله صلى الله عليه وآله بايع للحسن والحسين وهما صبيان غير بالغين ولم؟ يبايع؟ طفلا غيرهما
     
    [185]
     
    او ما علمتم ان اباه عليا آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وهو ابن اثني عشر سنة وقبل الله ورسوله منه ايمانه ولم يقبل من طفل غيره، ولا دعا رسول الله صلى الله عليه وآله طفلا غيره إلى الايمان او ما علمتم انها ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم مثل ما يجري لاولهم، فقالوا صدقت ياامير المؤمنين كنت انت اعلم به منا.
     
    قال ثم امر المأمون ان ينثر على ابي جعفر عليه السلام ثلاثة اطباق رقاع زعفران ومسك معجون بماء الورد وجوفها رقاع على طبق رقاع عمالات، والثاني ضياع طعمة لمن اخذها، والثالث فيه بدر فامر أن يفرق الطبق الذي عليه عمالات على بني هاشم خاصة، والذي عليه ضياع طعمة على الوزراء، والذي عليه البدر على القواد، ولم يزل مكرما لابي جعفر عليه السلام ايام حياته حتى كان يؤثره على ولده(1) واما قوله (او كفارة طعام مساكين او عدل ذلك صياما) فانه حدثني ابي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن سفين بن عيينة عن الزهري عن علي ابن الحسين عليهما السلام قال قال يوما يازهري من اين جئت؟ قلت من المسجد قال فيم كنتم، قلت تذاكرنا امر الصوم فاجتمع رأيي ورأي اصحابي انه ليس من الصوم شئ واجب إلا صوم شهر رمضان، فقال يازهري ليس كما قلتم الصوم على اربعين وجها، فعشرة اوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان واربعة عشر
     
    ___________________________________
     
    (1) نعم.انه كان مكرما له عليه السلام ايام حياته لكنه الذي قتل والده، الرضا عليه السلام لما اقتضت سياسته ان ينحيه عن طريق ملكه " وان الملك عقيم " دس اليه السم فقتله وممن ذكر كون المأمون قاتلا للامام علي الرضا عليه السلام: المسعودي في مروج الذهب 9 / 33، ابن طقطقي في الفخرى ص 163، ابن الاثير في الكامل 6 / 111 الشبلنجى في نور الانصار ص 144 وكذا في روضة الصفا 3 / 16 وشواهد النبوة ص 202 ومطالب السئول ص 288 وحبيب السير 2 / 51.ج-ز
     
    [186]
     
    وجها صاحبها فيها بالخيار ان شاء صام وان شاء افطر، وعشرة اوجه منها حرام، وصوم الاذن على ثلاثة اوجه، وصوم التأديب وصوم الاباحة وصوم السفر والمرض، فقلت فسرهن لي جعلت فداك، فقال اما الواجب فصوم شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين فيمن افطريوما من شهر رمضان متعمدا، وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب، قال الله " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبه مؤمنة ودية مسلمة إلى اهله " وقوله " فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين " وصيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار لمن لم يجد العتق واجب قال الله تعالى " فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قل ان يتماسا " وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد الاطعام قال الله تعالى " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة ايمانكم اذا حلفتم " كل ذلك متتايع وليس بمتفرق، وصيام اذى حلق الرأس واجب قال الله " او به اذى من رأسه ففدية من صيام او صدقة او نسك " فصاحبها فيها بالخيار فان شاء صام ثلاثة ايام، وصوم دم المتعة واجب لمن لم يجد الهدي قال الله: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام في الحج وسبعة اذا رجعتم تلك عشرة كاملة " وصوم جزاء الصيد واجب قال الله تعالى " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة او كفارة طعام مساكين او عدل ذلك صياما " او تدري كيف يكون عدل ذلك صياما يازهري؟ قلت لا، قال يقوم الصيد قيمته ثم تنقض تلك القيمة على البر، ثم يكال ذلك البر اصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما، وصوم النذر واجب وصوم الاعتكاف واجب، واما الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الاضحى وثلاثة ايام التشريق وصوم يوم الشك امرنا به ونهينا عنه ان يتفرد للرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس، قلت فان لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال ينوي ليلة الشك
     
    [187]
     
    انه صائم من شعبان، فان كان من شهر رمضان اجزأ عنه وان كان من شعبان لم يضره، فقلت وكيف يجزى صوم تطوع من فريضة؟ فقال لو ان رجلا صام شهر رمضان تطوعا وهو لا يعلم انه شهر رمضان ثم علم بعد ذلك اجزأه عنه لان الفرض إنما وقع على الشهر بعينه، وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر حرام، واما الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار: فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين، وصوم أيام البيض، وصوم ستة ايام من شوال بعد شهر رمضان، وصوم يوم عرفة، وصوم يوم عاشورا كل ذلك صاحبه فيه بالخيار ان شاء صام وان شاء ترك، واما صوم الاذن فان المرأة لا تصوم تطوعا إلا باذن زوجها، والعبد لا يصوم تطوعا إلا باذن سيده والضيف لا يصوم تطوعا إلا باذن صاحبه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله من نزل على قوم فلا يصوم إلا باذنهم واما صوم التأديب فالصبي يؤمر بالصوم إذا راهق تأديبا وليس بفرض، وكذلك من افطر أول النهار ثم عوفي بقية يومه أمر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا اكل من اول النهار ثم دخل مصره أمر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض، فاما صوم الاباحة فمن اكل او شرب ناسيا او تقيأ او قاء من غير تعمد فقد اباح الله له ذلك واجزأ عنه صومه واما صوم السفر والمرض فان العامة اختلفت في ذلك، فقال قوم يصوم وقال قوم ان شاء صام وان شاء افطر، وقال قوم لا يصوم واما نحن فنقول يفطر في الحاتين جميعا فان صام في السفر او في حال المرض فهو عاص وعليه القضاء وذلك لان الله يقول: " فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام أخر ".
     
    وقوله (احل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) وقوله (وجعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس) قال ما دامت الكعبة قائمة ويحج الناس اليها لم يهلكوا فاذا هدمت وتركوا الحج
     
    [188]
     
    هلكوا واما قوله (ياايها الذين آمنوا لا تسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم) فانه حدثني ابي عن حنان بن سدير عن ابيه عن ابي جعفر عليه السلام ان صفية بنت عبدالمطلب مات ابن لها فاقبلت فقال لها الثانى غطي قرطك فان قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله لا تنفعك شيئا، فقالت له هل رأيت لى قرطا يابن اللخناء، ثم دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فاخبرته بذلك وبكت، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال ما بال اقوام يزعمون ان قرابتي لا تنفع لو قد قربت المقام المحمود لشفعت في احوجكم، لا يسألني اليوم احد من ابواه إلا اخبرته، فقام اليه رجل فقال من ابي فقال ابوك غير الذي تدعى له ابوك فلان بن فلان، فقام آخر فقال من ابى يارسول الله؟ فقال ابوك الذي تدعى له ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما بال الذي يزعم ان قرابتي لا تنفع لا يسئلني عن ابيه، فقام اليه الثانى فقال له اعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله اعف عني عفى الله عنك فانزل الله تعالى (ياايها الذين آمنوا لا تسئلوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم - إلى قوله - ثم اصبحوا بها كافرين) واما قوله (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) فان البحيرة كانت إذا وضعت الشاة خمسة ابطن ففي السادسة قالت العرب قد بحرت فجعلوها للصنم ولا تمنع ماء‌ا ولا مرعى، والوصيلة اذا وضعت الشاة خمسة ابطن ثم وضعت في السادسة جديا وعناقا في بطن واحد جعلوا الانثى للصنم، وقالوا وصلت اخاها وحرموا لحمها على النساء، والحام كان اذا كان الفحل من الابل جدا لجد قالوا قد حمي ظهره فسموه حاما فلا يركب ولا يمنع ماء‌ا ولا مرعى، ولا يحمل عليه شئ، فرد الله عليهم فقال " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام - إلى قوله - واكثرهم لا يعقلون " وقوله (ياايها الذين آمنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم) قال اصلحوا
     
    [189]
     
    انفسكم ولا تتبعوا عورات الناس ولا تذكروهم فانه لا يضركم ضلالتهم إذا كنتم انتم صالحين.
     
    وقوله (ياايها الناس آمنوا شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم او آخران من غيركم ان انتم ضربتم في الارض فاصابكم مصيبة الموت) فانها نزلت في ابن بندي ابن ابى مارية النصرانيين، وكان رجل يقال له تميم الدارمي مسلم خرج معهما في سفر، وكان مع تميم خرح ومتاع وآنية منقوشة بالذهب وقلادة اخرجها إلى بعض اسواق العرب ليبيعها، فلما مروا بالمدينة اعتل تميم فلما حضره الموت دفع ما كان معه إلى ابن بندى وابن ابى مارية وامرهما ان يوصلاه إلى ورثته فقدما المدينة واوصلا ما كان دفعه اليهما تميم وحبسا الآنية المنقوشة والقلادة، فقال ورثة الميت هل مرض صاحبنا مرضا طويلا انفق فيه نفقة كثيرة؟ فقالا ما مرض إلا اياما قليلة، قالوا فهل سرق منه شئ في سفر؟ قالا لا، قالوا فهل اتجر تجارة خسر فيها؟ فقالا لا، قالوا فقد افتقدنا انبل شئ كان معه آنية منقوشة بالذهب مكللة وقلادة قالا ما دفعه الينا قد اديناه اليكم، فقدموهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاوجب عليهما اليمين فحلفا واطلقهما، ثم ظهرت القلادة والآنية عليهما فاخبروا ورثة الميت رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، فانتظر الحكم من الله، فانزل الله " ياايها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر احدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم او آخران من غيركم " يعني من اهل الكتاب " ان انتم ضربتم في الارض " فاطلق الله شهادة اهل الكتاب علي الوصية فقط اذا كان في سفر ولم يجد المسلم ثم قال (فاصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلوة يعني صلاة العصر (فيقسمان بالله ان ارتبتم لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله انا اذا لمن الآثمين) فهذه الشهادة الاولى التي احلفها رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال عزوجل (فان عثرا على انهما استحقا اثما) اي حلفا على كذب (فآخران
     
    [190]
     
    يقومان مقامهما) يعني من اولياء المدعي (من الذين استحق عليهم الاوليان) فيقسمان بالله اي يحلفان بالله (لشهادتنا احق من شهادتهما وما اعتدينا انا اذا لمن الظالمين) وانهما قد كذبا فيما حلفا بالله (ذلك ادنى ان يأتوا بالشهادة على وجهها او يخافوا ان ترد ايمان بعد ايمانهم) فامر رسول الله صلى الله عليه وآله اولياء تميم الدارمي ان يحلفوا بالله علي ما امرهم به فاخذ الآنية والقلادة من ابن بندي وابن ابى مارية وردهما على اولياء تميم.
     
    واما قوله (يوم يجمع الله الرسل فيقول ما اذا اجبتم) فانه حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن العلا بن العلا عن محمد عن ابي جعفر عليه السلام قال ماذا اجبنم في اوصيائكم يسأل الله تعالى يوم القيامة فيقولون لا علم لنا بما فعلوا بعدنا بهم.
     
    وقوله (وإذا قال الله ياعيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك - إلى قوله - واشهد باننا مسلمون) فانه محكم، واما قوله (وإذ قال الحواربون ياعيسى بن مريم هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء) قال عيسى: (اتقو الله ان كنتم مؤمنين) قالوا كما حكى الله (نريد ان نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم ان قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين) فقال عيسى (اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لاولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وانت خير الرازقين) فقال الله احتجاجا عليهم (انى منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فانى اعذبه عذابا لا اعذبه احدا من العالمين) فكانت تنزل المائدة عليهم فيجتمعون عليها ويأكلون حتى يشبعون ثم ترفع، فقال كبراؤهم ومترفوهم لا تدع سفلتنا يأكلون منها فرفع الله المائدة ومسخوا قردة وخنازير، قوله: (وإذ قال الله ياعيسى بن مريم‌ء‌أنت قلت للناس اتخذونى وامي إلهين من دون الله) فلفظ الآية ماض ومعناه مستقبل ولم يقله بعد وسيقوله، وذلك ان النصارى
     
    [191]
     
    زعموا ان عيسى قال لهم اتخذوني وامي إلهين من دون الله، فاذا كان يوم القيامة يجمع الله بين النصارى وبين عيسى بن مريم فيقول له‌ء‌انت قلت لهم ما يدعون عليك اتخذونى وامي إلهين، فيقول عيسى (سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب - إلى قوله - وانت على كل شئ شهيد) والدليل على ان عيسى لم يقل لهم ذلك قوله: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم.
     
    وحدثني ابى عن الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان عن ضريس عن ابى جعفر عليه السلام في قوله (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) قال اذا كان يوم القيامة وحشر الناس للحساب فيمرون باهوال يوم القيامة فلا ينتهون إلى العرصة حتى يجهدوا جهدا شديدا، قال فيقفون بفناء العرصة ويشرف الجبار عليهم وهو على عرشه(1) فاول من يدعى بنداء يسمع الخلائق اجمعون ان يهتف باسم محمد ابن عبدالله النبي القرشي العربي، قال فيتقدم حتى يقف على يمين العرش، قال ثم يدعى بصاحبكم علي عليه السلام، فيتقدم حتى يقف على يسار رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم يدعى بامة محمد فيقفون على يسار علي عليه السلام ثم يدعى بنبي نبي وامته معه من اول النبيين الي آخرهم وامتهم معهم، فيقفون عن يسار العرش، قال ثم اول من يدعى للمسائلة القلم قال فيتقدم، فيقف بين يدي الله في صورة الآدميين، فيقول الله هل سطرت في اللوح ما الهمتك وامرتك به من الوحي؟ فيقول القلم نعم، يارب قد علمت انى قد سطرت في اللوح ما امرتني والهمتني به من وحيك فيقول الله فمن يشهد لك بذلك، فيقول يا رب وهل اطلع على مكنون سرك خلق غيرك، قال فيقول له الله افلحت حجتك، قال ثم يدعى باللوح فيتقدم في صورة الآدميين حتى يقف مع القلم، فيقول له هل سطر فيك القلم ما الهمته وامرته به من وحيي، فيقول اللوح نعم يارب وبلغته اسرافيل، فيتقدم مع
     
    ___________________________________
     
    (1) يؤل كتاويل قوله تعالى: الرحمن على العرش استوى اى استولى.ج.ز
     
    [192]
     
    القلم واللوح في صورة الآدميين، فيقول الله هل بلغك اللوح ما سطر فيه القلم من وحيي؟ فيقول نعم يا رب وبلغته جبرئيل، فيدعى بجبرائيل فيتقدم حتى يقف مع اسرافيل، فيقول الله هل بلغك اسرافيل ما بلغ فيقول نعم يارب وبلغته جميع انبيائك وانفذت اليهم جميع ما انتهى الي من امرك واديت رسالتك إلى نبي نبي ورسول رسول وبلغتهم كل وحيك وحكمتك وكتبك وان آخر من بلغته رسالاتك ووحيك وحكمتك وعلمك وكتابك وكلامك محمد بن عبدالله العربي القرشي الحرمي حبيبك، قال ابوجعفر عليه السلام فان اول من يدعى من ولد آدم للمسائلة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله فيدنيه الله(1) حتى لا يكون خلق اقرب إلى الله يومئذ منه، فيقول الله يامحمد هل بلغك جبرئيل ما اوحيت اليك وارسلته به اليك من كتابى وحكمتي وعلمي وهل اوحى ذلك اليك؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله نعم يارب قد بلغني جبرائيل جميع ما اوحيته اليه وارسلته من كتابك وحكمتك وعلمك واوحاه الي، فيقول الله لمحمد هل بلغت امتك ما بلغك جبرئيل من كتابي وحكمتي وعلمي؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله نعم يارب قد بلغت امتي ما اوحى الي من كتابك وحكمتك وعلمك وجاهدت في سبيلك، فيقول الله لمحمد فمن يشهد لك بذلك؟ فيقول محمد صلى الله عليه وآله يارب أنت الشاهد لي بتبليغ الرسالة وملائكتك والابرار من امتى وكفى بك شهيدا، فيدعى بالملائكة فيشهدون لمحمد بتبليغ الرسالة ثم يدعى بامة محمد فيسألون هل بلغكم محمد رسالتي وكتابي وحكمتي وعلمي وعلمكم ذلك؟ فيشهدون لمحمد بتبليغ الرسالة والحكمة والعلم، فيقول الله لمحمد فهل استخلفت في امتك من بعدك من يقوم فيهم بحكمتى وعلمي ويفسر لهم كتابي ويبين لهم
     
    ___________________________________
     
    (1) المراد من هذا هو القرب المعنوي وإلا فالله سبحانه برئ عن الجسم والمكان وكذا المراد من اشرافه ظهور جلاله.ج.ز.
     
    [193]
     
    ما يختلفون فيه من بعدك حجة لي وخليفة في الارض؟ فيقول محمد نعم يارب قد خلفت فيهم علي بن ابي طالب اخي ووزيري وخير امتي ونصبته لهم علما في حياتي ودعوتهم إلى طاعته وجعلته خليفتي في امتي واماما يقتدي به الائمة من بعدي إلى يوم القيامة، فيدعى بعلي بن ابي طالب عليه السلام فيقال له هل اوصى اليك محمد واستخلفك في امته ونصبك علما لامته في حياته وهل قمت فيهم من بعده مقامه؟ فيقول له علي نعم يارب قد اوصى الي محمد وخلفني في امته ونصبني لهم علما في حياته فلما قبضت محمدا اليك جحدتني امته ومكروا بي واستضعفوني وكادوا يقتلونني وقدموا قدامي من اخرت، واخروا من قدمت ولم يسمعوا مني ولم يطيعوا امري فقاتلتهم في سبيلك حتى قتلوني، فيقال لعلي فهل خلفت من بعدك في امة محمد حجة وخليفة في الارض يدعو عبادي إلى ديني والى سبيلي؟ فيقول علي نعم يارب قد خلفت فيهم الحسن ابني وابن بنت نبيك، فيدعى بالحسن بن علي عليهما السلام فيسئل عما سئل عنه علي بن ابي طالب عليه السلام، قال ثم يدعى بامام امام وباهل عالمه فيحتجون بحجتهم فيقبل الله عذرهم ويجيز حجتهم قال ثم يقول الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم قال ثم انقطع حديث ابي جعفر عليه وعلى آبائه السلام.