شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي |
[266] فقال ما سخطت عليك ولكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك. وقال ابوجهل لقريش لا تعجلوا ولا تبطروا كما عجل وبطر ابناء ربيعة، عليكم باهل يثرب فاجزروهم جزرا وعليكم بقريش فخذوهم اخذا حتى ندخلهم مكة فنعرفهم ضلالتهم التي كانوا عليها وكان فتية من قريش اسلموا بمكة فاحتبسهم آباؤهم فخرجوا مع قريش إلى بدر وهم علي الشك والارتياب والنفاق منهم قيس بن الوليد بن المغيرة وابوقيس بن الفاكهة والحارث بن ربيعة وعلي ابن امية بن خلف والعاص بن المنية، فلما نظروا إلى قلة اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا مساكين هؤلاء غرهم دينهم فيقتلون الساعة، فانزل الله علي رسوله؟ (اذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فان الله عزيز حكيم) وجاء ابليس إلى قريش في صورة سراقة بن مالك فقال لهم انا جاركم ادفعوا الي رايتكم، فدفعوها اليه وجاء بشياطينه يهول بهم علي اصحاب رسول الله ويخيل اليهم ويفزعهم واقبلت قريش يقدمها ابليس معه الراية فنظر اليه رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال غضوا ابصاركم وعضوا علي النواجذ ولا تسلوا سيفا حتى آذن لكم ثم رفع يده إلى السماء وقال " يارب ان تهلك هذه العصانة؟ لم تعبد وان شئت ان لا تعبد لا تعبد " ثم اصابه الغشي فسري عنه وهو يسلت العرق عن وجهه ويقول: هذا جبرئيل قد اتاكم في الف من الملائكة مردفين قال فنظرنا فاذا بسحابة سوداء فيها برق لايح قد وقعت على عسكر رسول الله وقائل يقول اقدم حيزوم اقدم حيزوم ! وسمعنا قعقعة السلاح من الجو ونظر ابليس إلى جبرئيل فتراجع ورمى باللواء فاخذ منية بن الحجاج بمجامع ثوبة ثم قال ويلك ياسراقة تفت في اعضاد الناس فركله ابليس ركلة(1) في صدره وقال اني ارى ما لا ترون اني اخاف الله وهو قول الله (واذ زين لهم الشيطان اعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص علي عقبيه ___________________________________ (1) الركل: الضرب برجل واحدة [267] وقال اني برئ منكم اني ارى ما لا ترون اني اخاف الله والله شديد العقاب) ثم قال عزوجل (ولو ترى اذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وادبارهم وذوقوا عذاب الحريق). قال وحمل جبرئيل علي ابليس فطلبه حتى غاص في البحر، وقال رب انجز لي ما وعدتني من البقاء إلى يوم الدين، روي في الخبر ان ابليس التفت إلى جبرئيل وهو في الهزيمة فقال يا هذا أبدا لكم فيما اعطيتمونا؟ فقيل لابي عبدالله عليه السلام أترى كان يخاف ان يقتله؟ فقال لا ولكنه كان يضربه ضربا يشينه منها إلى يوم القيامة، وانزل علي رسوله صلى الله عليه وآله (اذ يوحي ربك إلى الملائكة اني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق واضربوا منهم كل بنان) قال اطراف الاصابع، فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد ان تطفئ نور الله ويأبي الله الا ان يتم نوره، وخرج ابوجهل من بين الصفين فقال ان محمدا صلى الله عليه وآله قطعنا الرحم واتانا بما لا نعرفه فاحنه(1) الغداة فانزل الله علي رسوله (ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وان تنتهوا فهو خير لكم وان تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وان الله مع المؤمنين) ثم اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله كفا من حصى فرمى به وجوه قريش وقال " شاهت الوجوه " فبعث الله رياحا تضرب في وجوه قريش فكانت الهزيمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم لا يفلتن فرعون هذه الامة ابوجهل بن هشام، فقتل منهم سبعون، واسر منهم سبعون، والتقى عمرو بن الجموح مع ابي جهل فصرب عمرو ابا جهل بن هشام علي فخذيه وضرب ابوجهل عمرو على يده فابانها من العضد فتعلقت بجلدة فاتكأ عمرو علي يده برجله ثم نزا في السماء حتى انقطعت ___________________________________ (1) يقال " حن عني شرك " اي كفه. [268] الجلدة ورمى بيده، وقال عبدالله بن مسعود انتهيت إلى ابي جهل وهو يتشحط في دمه فقلت الحمد لله الذي اخزاك، فرفع رأسه فقال إنما اخزى الله عبد بن ام عبدالله لمن الدين ويلك قلت لله ولرسوله واني قاتلك ووضعت رجلي على عنقه فقال ارتقيت مرتقا صعبا يارويعي الغنم اما انه ليس شئ اشد من قتلك إياي في هذا اليوم الا تولى قتلي رجل من المطمئنين او رجل من الاحلاف(1) فاقتلعت بيضة؟ كانت على رأسه فقتلته واخذت رأسه وجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقلت يا رسول الله البشرى هذا رأس ابي جهل بن هشام، فسجد لله شكرا واسر ابوبشر الانصاري العباس بن عبدالمطلب وعقيل بن ابي طالب (ع) وجاء بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له هل اعانك عليهما احد؟ قال نعم رجل عليه ثياب بياض، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ذاك من الملائكة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله للعباس افد نفسك وابن اخيك، فقال يا رسول الله قد كنت اسلمت ولكن القوم استكرهوني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اعلم باسلامك ان يكن ما تذكر حقا فان الله يجزيك عليه واما ظاهر امرك فقد كنت علينا ثم قال صلى الله عليه وآله ياعباس انكم خاصمتم الله فخصمكم، ثم قال افد نفسك وابن اخيك وقد كان العباس اخذ معه اربعين اوقية من ذهب فغنمها رسول الله صلى الله عليه وآله فلما قال صلى الله عليه وآله للعباس افد نفسك فقال يا رسول الله احسبها من فدائي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا، ذاك اعطانا الله منك، فافد نفسك وابن اخيك، فقال العباس فليس لي مال غير الذي ذهب مني، قال بلى المال الذي خلفته عند ام الفضل بمكة. فقلت لها ان حدث علي حدث فاقسموه بينكم. فقال ما تتركني إلا وانا اسئل الناس بكفي.فانزل ___________________________________ (1) وفى نسخة " الاجلاف " والجلف كالحلف: الاحمق، المطمئن من الارض: ما انخفض منها والمراد هنا الوضيع يعني لو تولى كل وضيع قتلى غيرك.ج.ز [269] الله على رسوله في ذلك (يا ايها النبي قل لمن في ايديكم من الاسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم) ثم قال (وان يريدوا خيانتك - في علي - فقد خانوا الله من قبل فامكن منهم والله عليم حكيم) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعقيل. قد قتل الله يا ابا يزيد ابا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشبيب بن ربيعة ومنية وبنية ابني الحجاج ونوفل بن خويلد وسهيل بن عمرو والنظر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن ابي معيط وفلانا وفلانا، فقال عقيل اذا لا تنازع في تهامة فان كنت قد اثخنت القوم إلا فاركب اكتافهم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله. وكان القتلى ببدر سبعين والاسرى سبعين قتل منهم امير المؤمنين (ع) سبعة وعشرين ولم يوسر احدا، فجمعوا الاسارى وقرنوهم في الجمال وساقوهم على اقدامهم وجمعوا الغنائم، وقتل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله تسعة رجال فمنهم سعد بن خثيمة وكان من النقباء فرحل رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل الاثيل عند غروب الشمس وهو من بدر علي ستة اميال فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عقبة بن ابي معيط والنضر بن الحارث بن كلدة وهما في قران واحد، فقال النضر لعقبة يا عقبة انا وانت من المقتولين فقال عقبة من بين قريش قال نعم لان محمدا قد نظر الينا نظرة رأيت فيها القتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ياعلي علي بالنضر وعقبة وكان النضر رجلا جميلا عليه شعر فجاء علي فاخذ بشعره فجره إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال النضر يا محمد اسألك بالرحم الذي بيني وبينك إلا اجريتني كرجل من قريش ان قتلتهم قتلتني وان فاديتهم فاديتني وان اطلقتهم اطلقتني فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا رحم بينى وبينك قطع الله الرحم بالاسلام قدمه ياعلي فاضرب عنقه، فقال عقبة يا محمد ألم تقل لا تصبر قريش أي لا يقتلون صبرا، قال أفانت من قريش؟ إنما أنت علج من اهل صفورية لانت في الميلاد اكبر من ابيك الذي تدعى له لست منها قدمه [270] ياعلي فاضرب عنقه، فقدمه وضرب عنقه فلما قتل رسول الله صلى الله عليه وآله النضر وعقبة خافت الانصار ان يقتل الاسارى كلهم فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وآله قد قتلنا سبعين واسرنا سبعين وهم قومك واساراك هبهم لنا يارسول الله وخذ منهم الفداء واطلقهم فانزل الله عليهم (ما كان النبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما اخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) فاطلق لهم ان يأخذوا الفداء ويطلقوهم وشرط انه يقتل منهم في عام قابل بعدد من يأخذوا منهم الفداء فرضوا منه بذلك فلما كان يوم احد قتل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله سبعون رجلا فقال من بقي من اصحابه يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما هذا الذي اصابنا وقد كنت تعدنا بالنصر ! فانزل الله عزوجل فيهم (او لما اصابتكم مصيبة قد اصبتم مثليها) ببدر قتلتم سبعين واسرتم سبعين (قلتم انى هذا قل هو من عند انفسكم)(1) بما اشترطتم. رجع الحديث إلى تفسير الآيات التي لم تكتب في قوله (وإذ يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم) قال العير او قريش وقوله (وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم) قال ذات الشوكة الحرب قال تودون العير لا الحرب (ويريد الله ان يحق الحق بكلماته) قال الكلمات الائمة (ع) وقوله: (ذلك بانهم شاقوا الله ورسوله) اي عادوا الله ورسوله، ثم قال عزوجل (ياايها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا) اي يدنوا بعضكم من بعض. (فلا تولوهم الادبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال) يعني يرجع (او متحيزا إلى فئة) يعني يرجع إلى صاحبه وهو الرسول او الامام، فقد كفرو (باء بغضب من الله وماواه جهنم وبئس المصير) ثم قال (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم) اي انزل الملئكة حتى قتلوهم ثم قال (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) يعني الحصى الذي حمله ___________________________________ (1) آل عمران 165 [271] رسول الله صلى الله عليه وآله ورمى به في وجوه قريش وقال " شاهت الوجوه " ثم قال (ذلكم وان الله موهن كيد الكافرين) اي مضعف كيدهم وحيلتهم ومكرهم، وقوله (ياايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم) قال الحياة الجنة وقوله (واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه) اي يحول بين ما يريد الله وبين ما يريده. حدثنا احمد بن محمد عن جعفر بن عبدالله عن كثير بن عياش عن ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله " ياايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " يقول ولاية علي بن ابي طالب (ع) فان اتباعكم إياه وولايته اجمع لامركم وابقى للعدل فيكم، واما قوله " واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه " يقول يحول بين المؤمن ومعصيته التي تقوده إلى النار ويحول بين الكافر وبين طاعته ان يستكمل به الايمان واعلموا ان الاعمال بخواتيمها، وقوله (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) فهذه في اصحاب النبي صلى الله عليه وآله، قال الزبير يوم هزم اصحاب الجمل لقد قرأت هذه الآية وما احسب اني من اهلها حتى كان اليوم، لقد كنت اتقيها ولا اعلم اني من اهلها. رجع إلى تفسير علي بن ابراهيم قوله " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " قال نزلت في الزبير وطلحة لما حاربا امير المؤمنين (ع) وظلموه وقوله (واذكروا إذ انتم قليل مستضعفون في الارض تخافون ان يتخطفكم الناس فآواكم وايدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) نزلت في قريش خاصة وقوله (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا اماناتكم وانتم تعلمون) نزلت في ابي لبابة بن عبدالمنذر فلفظ الآية عام ومعناها خاص وهذه الآية نزلت في غزوة بني قريظة في سنة خمس من الهجرة، وقد كتبت في هذه السورة مع اخبار بدر وكانت بدر على رأس ستة عشر شهرا [272] من مقدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة ونزلت مع الآية التي في سورة التوبة قوله " آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا " الآية نزلت في ابي لبابة فهذا دليل على ان التأليف على خلاف ما انزله الله على نبيه صلى الله عليه وآله. وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا اماناتكم وانتم تعلمون " فخيانة الله والرسول معصيتهما واما خيانة الامانة فكل انسان مأمون على ما افترض الله عليه. رجع إلى تفسير علي بن ابراهيم قوله (ياأيها الذين آمنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) يعني العلم الذي تفرقون به بين الحق والباطل (ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) وقوله (وإذا يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) فانها نزلت بمكة قبل الهجرة وكان سبب نزولها انه لما اظهر رسول الله صلى الله عليه وآله الدعوة بمكة قدمت عليه الاوس والخزرج، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله تمنعوني وتكونون لي جارا حتى اتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله الجنة؟ فقالوا نعم خذ لربك ولنفسك ما شئت، فقال لهم موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التشريق فحجوا ورجعوا إلى منى، وكان فيهم ممن قد حج بشر كثير، فلما كان اليوم الثاني من ايام التشريق قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان الليل فاحضروا دار عبدالمطلب على العقبة ولا تنبهوا نأئما ولينسل واحد فواحد، فجاء سبعون رجلا من الاوس والخزرج فدخلوا الدار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله تمنعوني وتجيروني حتى اتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله الجنة؟ فقال سعد بن زرارة والبراء بن مغرور (معرور ط) وعبدالله بن حزام نعم با رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال اما ما اشترط لربي فان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا واشترط لنفسي ان تمنعوني مما تمنعون انفسكم وتمنعوا اهلى مما تمنعون اهاليكم [273] واولادكم، فقالوا ومالنا على ذلك؟ فقال الجنة في الآخرة وتملكون العرب وتدين لكم العجم في الدنيا،... فقالوا قد رضينا، فقال اخرجوا إلى منكم اثني عشر نقيبا يكونون شهداء عليكم بذلك كما اخذ موسى من بني اسرائيل اثني عشر نقيبا فاشار اليهم جبرئيل فقال هذا نقيب هذا نقيب تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس فمن الخزرج سعد بن زرارة والبراء بن مغرور وعبدالله بن حزام و (وهوك) ابوجابر بن عبدالله ورافع بن مالك وسعد بن عبادة والمنذر بن عمر وعبدالله بن رواحة وسعد بن الربيع وعبادة بن والصامت ومن الاوس ابوالهشيم بن التيهان وهو من اليمن واسد بن حصين وسعد ابن خثيمة، فلما اجتمعوا وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله صاح ابليس يا معشر قريش والعرب ! هذا محمد والصباة من أهل يثرب على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم فاسمع اهل منى وهاجت قريش فاقبلوا بالسلاح وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله النداء فقال للانصار تفرقوا، فقالوا يا رسول الله ان امرتنا ان نميل عليهم باسيافنا فعلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لم اومر بذلك ولم يأذن الله لي في محاربتهم، قالوا أفتخرج معنا قال انتظر امر الله فجاءت قريش على بكره ابيها(1) قد اخذوا السلاح، وخرج حمزة وامير المؤمنين (ع) ومعهما السيوف فوقفا على العقبة فلما نظرت قريش اليهما قالوا ما هذا الذي اجتمعتم له؟ فقال حمزة ما اجتمعنا وما ههنا احد والله لا يجوز هذه العقبة احد إلا ضربته بسيفي فرجعوا إلى مكة وقالوا لا نأمن من ان يفسد امرنا ويدخل واحد من مشايخ قريش في دين محمد صلى الله عليه وآله، فاجتمعوا في الندوة وكان لا يدخل دار الندوة إلا من قد اتى عليه اربعون سنة، فدخلوا اربعون رجلا من مشايخ قريش، وجاء ابليس لعنه الله في صورة شيخ كبير فقال ___________________________________ (1) يقال جاء القوم على بكرة ابيهم: اي جاؤا جميعا لم يتخلف منهم احد ج.ز [274] له البواب من أنت فقال انا شيخ من اهل نجد لا يعدمكم مني رأي صائب اني حيث بلغني اجتماعكم في امر هذا الرجل فجئت لاشير عليكم، فقال الرجل ادخل فدخل ابليس. فلما اخذوا مجلسهم قال ابوجهل يامعشر قريش انه لم يكن احد من العرب اعز منا، نحن اهل الله تغدو الينا العرب في السنة مرتين ويكرموننا ونحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبدالله فكنا نسميه الامين لصلاحه وسكونه وصدق لهجته حتى إذا بلغ ما بلغ واكرمناه ادعى انه رسول الله صلى الله عليه وآله وان اخبار السماء تأتيه فسفه احلامنا وسب آلهتنا وافسد شبابنا وفرق جماعتنا وزعم انه من مات من اسلافنا ففي النار فلم يرد علينا شئ اعظم من هذا، وقد رأيت فيه رأيا قالوا وما رأيت؟ قال رأيت ان ندس اليه رجلا منا ليقتله، فان طلبت بنو هاشم بدمه اعطيناهم عشر ديات، فقال الخبيث هذا رأي خبيث قالوا وكيف ذلك؟ قال لان قاتل محمد مقتول لا محالة فمن ذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم؟ فانه إذا قتل محمد تغضب بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة وان بني هاشم لا ترضى ان يمشي قاتل محمد على الارض فيقع بينكم الحروب في حرمكم وتتفانوا. فقال آخر منهم فعندي رأي آخر، قال وما هو؟ قال نثبته في ييت ونلقى اليه قوته حتى يأتي عليه ريب المنون فيموت كما مات زهير والنابغة وامرؤ القيس، فقال ابليس هذا اخبث من الآخر. قال وكيف ذلك؟ قال لان بني هاشم لا ترضى بذلك، فاذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم واجتمعوا عليكم فاخرجوه، قال آخر منهم لا ولكنا نخرجه من بلادنا ونتفرغ نحن لعبادة آلهتنا، قال ابليس هذا اخبث من الرأيين المتقدمين قالوا وكيف ذاك؟ قال لانكم تعمدون إلى اصبح الناس وجها وانطق الناس لسانا وافصحهم لهجة فتحملونه إلى وادي العرب فيخدعهم ويسحرهم بلسانه فلا يفجأكم [275] إلا وقد ملاها عليكم خيلا ورجلا، فبقوا حائرين ثم قالوا لابليس فما الرأي فيه ياشيخ؟ قال ما فيه إلا رأي واحد، قالوا وما هو؟ قال يجتمع من كل بطن من بطون قريش واحد ويكون معهم من بني هاشم رجل، فيأخذون سكينة او حديدة او سيفا فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة حتى يتفرق دمه في قريش كلها، فلا يستطيع بنو هاشم ان يطلبوا بدمه وقد شاركوا فيه، فان سألوكم ان تعطوا الدية فاعطوهم ثلاث ديات فقالوا نعم وعشر ديات، ثم قالوا الرأي رأي الشيخ النجدي، فاجتمعوا ودخل معهم في ذلك ابولهب عم النبي، ونزل جبرئيل (ع) على رسول الله صلى الله عليه وآله واخبره ان قريشا قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك وانزل عليه في ذلك " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " واجتمعت قريش ان يدخلوا عليه ليلا فيقتلوه وخرجوا إلى المسجد يصفرون ويصفقون ويطوفون بالبيت فانزل الله (وما كان صلوتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) فالمكاء التصفير والتصدية صفق اليدين وهذه الآية معطوفة على قوله " وإذا يمكر بك الذين كفروا " وقد كتبت. بعد آيات كثيرة. فلما امسى رسول الله صلى الله عليه وآله جاءت قريش ليدخلوا عليه فقال ابولهب لا ادعكم ان تدخلوا عليه بالليل فان في الدار صبيانا ونساءا ولا نأمن ان تقع بهم يد خاطئة فنحرسه الليلة، فاذا اصبحنا دخلنا عليه، فناموا حول حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وامر رسول الله صلى الله عليه وآله ان يفرش له ففرش له فقال لعلي بن ابي طالب افدني بنفسك، قال نعم يا رسول الله قال نم على فراشي والتحف ببردتي فنام علي على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله والتحف ببردته(1) وجاء جبرئيل فاخذ ___________________________________ (1) اقول وعند ذلك نزل جبرئيل بالآية: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤف بالعباد (البقرة 207) وقد ذكر القندوزي في الينا بيع وغيره قضية مباهاة الله فراجع.ج.ز [276] بيد رسول الله صلى الله عليه وآله فاخرجه على قريش وهم نيام وهو يقرأ عليهم " وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فاغشيناهم فهم لا يبصرون " وقال له جبرئيل خذ على طريق ثور، وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور، فدخل الغار وكان من امره ما كان فلما اصبحت قريش واتوا إلى الحجرة وقصدوا الفراش، فوثب علي في وجوههم، فقال ما شأنكم؟ قالوا له اين محمد؟ قال اجعلتموني عليه رقيبا؟ الستم قلتم نخرجه من بلادنا، فقد خرج عنكم، فاقبلوا يضربون ابا لهب ويقولون أنت تخدعنا منذ الليلة، فتفرقوا في الجبال، وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له ابوكرز يقفو الآثار، فقالوا له ياابا كرز اليوم اليوم، فوقف بهم على باب حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال هذه قدم محمد والله انها لاخت القدم التي في المقام وكان ابوبكر استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله فرده معه، فقال ابوكرز وهذه قدم ابن ابي قحافة او ابيه ثم قال وههنا عبر ابن ابي قحافة فما زال بهم حتى اوقفهم على باب الغار، ثم قال ما جاوزا هذا المكان اما ان يكونا صعدا إلى السماء او دخلا تحت الارض، وبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار، وجاء فارس من الملائكة حتى وقف على باب الغار ثم قال ما في الغار واحد فتفرقوا في الشعاب وصرفهم الله عن رسوله صلى الله عليه وآله ثم اذن لنبيه في الهجرة. وقوله (واذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم) فانها نزلت لما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لقريش ان [277] الله بعثني ان اقتل جميع ملوك الدنيا واجر الملك اليكم فاجيبوني إلى ما ادعوكم اليه تملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم وتكونوا ملوكا في الجنة، فقال ابوجهل اللهم ان كان هذا الذي يقوله محمد صلى الله عليه وآله هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء اوآتنا بعذاب اليم، حسدا لرسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال كنا وبنو هاشم كفرسي رهان نحمل اذا حملوا ونطعن إذا طعنوا ونوقد إذا اوقدوا(1) فلما استوى بنا وبهم الركب قال قائل منهم منا نبي، لا نرضى بذلك ان يكون في بني هاشم ولا يكون في بني مخزوم، ثم قال غفرانك اللهم فانزل الله في ذلك (وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) حين قال غفرانك اللهم، فلما هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وآله واخرجوه من مكة قال الله (وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا اولياءه) يعني قريشا ما كانوا اولياء مكة (ان اولياؤه إلا المتقون) انت واصحابك يامحمد فعذبهم الله بالسيف يوم بدر فقتلوا، قال وحدثني ابي عن حنان بن سدير عن ابيه عن ابي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله مقامي بين اظهركم خير لكم فان الله يقول " وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم " ومفارقتي اياكم خير لكم فقالوا يارسول الله مقامك بين اظهرنا خير لنا فكيف تكون مفارقتك خيرا لنا؟ قال اما ان مفارقتي اياكم خير لكم فان اعمالكم تعرض علي كل خميس واثنين فما كان من حسنة حمدت الله عليها وما كان من سيئة استغفرت الله لكم واما قوله (ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) قال نزلت في قريش لما وافاهم ضمضم واخبرهم بخروج رسول الله صلى الله عليه وآله في طلب العير فاخرجوا اموالهم ___________________________________ (2) يقال " اوقدت بك زنادي " اي نجح بك امري.ج.ز [278] وحملوا وانفقوا وخرجوا إلى محاربة رسول الله صلى الله عليه وآله ببدر فقتلوا وصاروا إلى النار وكان ما انفقوا حسرة عليهم وقوله (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) اي كفرا وهى ناسخة لقوله " كفوا ايديكم " ولقوله " ودع اذاهم " قوله (واعلموا الجزء(10) انما غنتمهم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) وهو الامام (واليتامى والمساكين وابن السبيل) فهم أيتام آل محمد خاصة ومساكينهم وابناء سبيلهم خاصة فمن الغنيمة يخرج الخمس ويقسم علي ستة اسهم: سهم لله وسهم لرسول الله وسهم للامام، فسهم الله وسهم الرسول يرثه الامام (ع) فيكون للامام ثلاثة اسهم من ستة وثلاثة اسهم لايتام آل الرسول ومساكينهم وابناء سبيلهم، إنما صارت للامام وحده من الخمس ثلاثة اسهم لان الله قد الزمه ما ألزم النبي من تربية الايتام ومؤن المسلمين وقضاء ديونهم وحملهم في الحج والجهاد وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله لما انزل الله عليه " النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم " وهو اب لهم فلما جعله الله ابا للمؤمنين لزمه ما يلزم الوالد للولد فقال عند ذلك من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا او ضياعا فعلى الوالي، فلزم الامام ما لزم الرسول فلذلك صار له من الخمس ثلاثة اسهم. قوله (واذ انتم بالعدوة(1) الدنيا وهم بالعدوة القصوى) يعني قريشا حيث نزلوا بالعدوة اليمانية ورسول الله صلى الله عليه وآله حيث نزل بالعدوة الشامية (والركب اسفل منكم) وهي العير التي افلتت ثم قال ولو تواعدتم للحرب لما وفيتم ولكن الله جمعكم من غير ميعاد كان بينكم (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) قال يعلم من بقي ان الله نصره وقوله (إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو اريكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الامر) فالمخاطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله ___________________________________ (1) العدوة بضم العين وكسرها قرء بهما في السبعة: شاطي الوادي (مجمع) [279] والمعنى لاصحابه اراهم الله قريشا في نومهم انهم قليل ولو اراهم كثيرا لفزعوا. حدثنا جعفر بن احمد قال حدثنا عبدالكريم بن عبدالرحيم عن محمد بن على عن محمد بن الفضيل عن ابي حمزة عن ابي جعفر صلوات الله عليه في قوله (ان شر الدواب عندالله الذين كفروا فهم لا يؤمنون) قال ابوجعفر (ع) نزلت في بني امية فهم شر خلق الله هم الذين كفروا في باطن القرآن فهم لا يؤمنون قوله (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل عام مرة) فهم اصحابه الذين فروا يوم احد قوله (واما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على السواء) نزلت في معاوية لما خان امير المؤمنين (ع) قوله (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) قال السلاح قوله (وان جنحوا للسلم فاجنح لها) قال هى منسوخة بقوله " ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وانتم الاعلون والله معكم " نزلت هذه الآية اعني قوله " وان جنحوا للسلم " قبل نزول قوله " يسئلونك عن الانفال " وقبل الحرب، وقد كتبت في آخر السورة بعد انقضاء اخبار بدر وقوله (وان يريدوا ان يخدعوك فان حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم انه عزيز حكيم) قال نزلت في الاوس والخزرج. وفي رواية ابى الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال ان هؤلاء قوم كانوا معه من قريش فقال الله " فان حسبك الله هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم " إلى آخر الآية فهم الانصار كان بين الاوس والخزرج حرب شديد وعداوة في الجاهلية فالف الله بين قلوبهم ونصر بهم نبيه صلى الله عليه وآله فالذين الف بين قلوبهم هم الانصار خاصة، رجع إلى رواية علي بن ابراهيم قوله (ياايها النبي حرض المؤمنين علي القتال ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وان يكن منكم مائة يغلبوا الفا) قال كان الحكم في اول النبوة في اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ان [280] الرجل الواحد وجب عليه ان يقاتل عشرة من الكفار، فان هرب منهم فهو الفار من الزحف(1) والمائة يقاتلون الفا ثم علم الله ان فيهم ضعفا لا يقدرون على ذلك فانزل الله (ألآن خفف الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) ففرض الله عليهم ان يقاتل رجل من المؤمنين رجلين من الكفار فان فر منهما فهو الفار من الزحف، فان كانوا ثلاثة من الكفار وواحد من المسلمين ففر المسلم منهم فليس هو الفار من الزحف، وقوله (ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا اولئك بعضهم اولياء بعض) فان الحكم كان في اول النبوة ان المواريث كانت على الاخوة لا على الولادة، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة آخا بين المهاجرين وبين الانصار فكان اذا مات الرجل برثه اخوه في الدين ويأخذ المال وكان ما ترك له دون ورثته، فلما كان بعد؟ بدر انزل الله " النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم واولوا الارحام بعضهم اولي ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا ان تفعلوا إلى اوليائكم معروفا " فنسخت آية الاخوة بقوله " اولوا الارحام بعضهم اولى ببعض " قوله (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) فانها نزلت في الاعراب وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله صالحهم علي ان يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا إلى المدينة وعلى انه ان ارادهم رسول الله صلى الله عليه وآله غزا بهم وليس لهم في الغنيمة شئ واوجبوا على النبي انه ان ارادهم الاعراب من غيرهم او دهاهم دهم من عدوهم ان ينصرهم إلا على قوم بينهم وبين الرسول عهد وميثاق إلى مدة (والذين كفروا بعضهم اولياء بعض) يعني هم يوالي بعضهم بعضا ثم قال (إلا تفعلوه) يعني ان لم تفعلوه فوضع حرف مكان حرف (تكن فتنة في الارض وفساد كبير) ___________________________________ (1) الزحف: الجيش.ق [281] ثم قال (والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فاولئك منكم واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله) قال نسخت قوله " والذين عقدت ايمانكم فاتوهم نصيبهم ". |
مدنية مأة وتسع وعشرون آية (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) قال حدثني ابي عن محمد بن الفضيل عن ابى الصباح الكنانى عن ابى عبدالله عليه السلام قال نزلت هذه الآية بعد ما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من غزوة تبوك في سنة سبع من الهجرة قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لما فتح مكة لم يمنع المشركين الحج في تلك السنة وكان سنة في العرب في الحج انه من دخل مكة وطاف بالبيت في ثيابه لم يحل له امساكها وكانوا يتصدقون بها ولا يلبسونها بعد الطواف، وكان من وافى مكة يستعير ثوبا ويطوف فيه ثم يرده ومن لم يجد عارية اكترى ثيابا ومن لم يجد عارية ولا كراءا ولم يكن له إلا ثوب واحد طاف بالبيت عريانا فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة فطلبت ثوبا عارية او كراءا فلم تجده، فقالوا لها ان طفت في ثيابك احتجت ان تتصدقي بها فقالت وكيف اتصدق بها وليس لي غيرها فطافت بالبيت عريانة، واشرف عليها الناس فوضعت احدى يديها على قبلها والاخرى على دبرها فقالت مرتجزة: اليوم يبدو بعضه او كله * فما بدا منه فلا احله فلما فرغت من الطواف خطبها جماعة فقالت ان لي زوجا. وكانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله قبل نزول سورة البراءة ان لا يقاتل إلا من قاتله ولا يحارب إلا من حاربه واراده وقد كان نزل عليه في ذلك من الله [282] عزوجل " فان اعتزلوكم ولم يقاتلوكم والقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا(1) " فكان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقاتل احدا قد تنحى عنه واعتزله حتى نزلت عليه سورة البراءة وامره الله بقتل المشتركين من اعتزله ومن لم يعتزله إلا الذين قد كان عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة إلى مدة، منهم صفوان بن امية وسهيل ابن عمرو، فقال الله عزوجل " براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الارض اربعة اشهر " ثم يقتلون حيث ما وجدوا فهذه اشهر السياحة عشرون من ذى الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشرة من شهر ربيع الآخر، فلما نزلت الآيات من اول براءة دفعها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ابي بكر وامره ان يخرج إلى مكة ويقرأها على الناس بمنى يوم النحر، فلما خرج ابوبكر نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يامحمد لا يؤدي عنك إلا رجل منك، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله امير المؤمنين عليه السلام في طلبه فلحقه بالروحا فاخذ منه الآيات فرجع ابوبكر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول اللهءأنزل الله في شئ؟ قال لا ان الله امرني ان لا يؤدي عني إلا انا او رجل مني. قال فحدثني ابي عن محمد بن الفضيل عن ابي الحسن الرضا قال قال امير المؤمنين عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله امرني ان ابلغ عن الله ان لا يطوف بالبيت عريان ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام وقرأ عليهم " براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الارض اربعة اشهر " فاحل الله للمشركين الذين حجوا تلك السنة اربعة اشهر حتى يرجعوا إلى مأمنهم ثم يقتلون حيث وجدوا، قال وحدثني ابي عن فضالة بن ايوب عن ابان بن عثمان عن حكيم بن جبير عن علي بن الحسين عليهما السلام في قوله (واذان من الله ورسوله) قال الاذان امير المؤمنين عليه السلام وفي حديث آخر قال امير المؤمنين عليه السلام كنت انا الاذان في الناس وقوله (يوم الحج الاكبر) قال هو يوم النحر ثم ___________________________________ (1) النساء 89. [283] استثنى عزوجل فقال (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم احدا فاتموا اليهم عهدهم إلى مدتهم ان الله يحب المتقين فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد - إلى قوله - غفور رحيم) ثم قال (وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه) قال إقرأ عليه وعرفه لا تتعرض له حتى يرجع إلى مأمنه واما قوله (وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون) فانها نزلت في اصحاب الجمل وقال امير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل والله ما قاتلت هذه الفئة الناكثة إلا بآية من كتاب الله عزوجل يقول الله " وان نكثوا ايمانهم من بعد بعهدهم وطعنوا في دينكم إلى آخر الآية " فقال امير المؤمنين عليه السلام في خطبته الزهراء: والله لقد عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله غير مرة ولا اثنتين ولا ثلاث ولا اربع فقال ياعلي ! انك ستقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين أفاضيع ما امرني به رسول الله صلى الله عليه وآله او أكفر بعد اسلامي؟ " وقوله (ام حسبتم ان تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) اي لما ير فاقام العلم مقام الرؤية لانه قد علم قبل ان يعلموا. وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) يعني بالمؤمنين آل محمد والوليجة البطانة(1) وقال على بن ابراهيم في قوله (ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله شاهدين على انفسهم بالكفر) اي لا يعمروا وليس لهم ان يقيموا وقد اخرجوا رسول الله صلى الله عليه وآله منه ثم قال: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر. الآية) وهي محكمة واما قوله (أجعلتم سفاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن ___________________________________ (1) اي خاصته وما يتخذه معتمدا عليه.(مجمع) [284] آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله) فانه حدثني ابي عن صفوان عن ابن مسكان عن ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلام قال نزلت في على وحمزة والعباس وشيبة قال العباس انا افضل لان سقاية الحاج بيدي وقال شيبة انا افضل لان حجابة البيت وقال حمزة انا افضل لان عمارة البيت بيدي وقال علي أنا افضل آمنت قبلكم ثم هاجرت وجاهدت فرضوا برسول الله صلى الله عليه وآله حكما فانزل الله " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام إلى قوله عنده اجر عظيم ". وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال نزلت هذه الآية في علي ابن ابي طالب عليه السلام قوله " كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " ثم وصف علي بن ابي طالب عليه السلام (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله باموالهم وانفسهم اعظم درجة عند الله واولئك هم الفائزون) ثم وصف ما لعلي عليه السلام عنده فقال (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها ابدا ان الله عنده اجر عظيم) قوله (قل ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها) يقول اكتسبتموها. وقال علي بن ابراهيم لما اذن امير المؤمنين عليه السلام بمكة ان لا يدخل المسجد الحرام مشرك بعد ذلك العام جزعت قريش جزعا شديدا وقالوا ذهبت تجارتنا وضاعت عيالنا وخربت دورنا فانزل الله عزوجل في ذلك قل يامحمد (ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بامره والله لا يهدي القوم الفاسقين) قوله (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) حدثني محمد بن عمير قال كان المتوكل قد اعتل علة شديدة [285] فنذر ان عافاه الله ان يتصدق بدنانير كثيرة او قال بدراهم كثيرة فعوفي، فجمع العلماء فسألهم عن ذلك فاختلفوا عليه، قال احدهم عشرة آلاف وقال بعضهم مائة الف فلما اختلفوا قال له عبادة ابعث إلى ابن عمك على بن محمد بن على الرضا عليهم السلام فاسأله فبعث اليه فسأله فقال الكثير ثمانون، فقالوا له رد اليه الرسول فقل من اين قلت ذلك؟ فقال من قوله تعالى لرسوله " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة " وكانت المواطن ثمانين موطنا، وقال علي بن ابراهيم في قوله (ويوم حنين اذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) فانه كان سبب غزوة حنين انه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فتح مكة اظهر انه يريد هوازن وبلغ الخبر هوازن فتهيئوا وجمعوا الجموع والسلاح واجتمعوا رؤساء هوازن إلى مالك بن عوف النضري فرأسوه عليهم وخرجوا وساقوا معهم اموالهم ونساءهم وذراريهم ومروا حتى نزلوا باوطاس وكان دريد بن الصمة الجشمي في القوم وكان رئيس جشم وكان شيخا كبيرا قد ذهب بصره من الكبر فلمس الارض بيده فقال في اي واد انتم؟ قالوا بوادي اوطاس قال نعم مجال خيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس(1) مالي اسمع رغاء البعير ونهيق الحمير وخوار البقر وثغاء الشاة وبكاء الصبي، فقالوا له ان مالك بن عوف ساق مع الناس اموالهم ونساءهم وذراريهم ليقاتل كل امرئ عن نفسه وماله واهله، فقال دريد: راعي ضأن ورب الكعبة ! ماله وللحرب، ثم قال ادعوهم لى مالكا فلما جاءه قال له يامالك ما فعلت؟ قال سقت مع الناس اموالهم ونساءهم وابناءهم ليجعل كل رجل اهله وماله وراء ظهره فيكون اشد ___________________________________ (1) الحزن: ما غلظ من الارض، الضرس: الامكنة الخشنة، الدهس: المكان السهل. [286] لحربه، فقال يا مالك انك اصبحت رئيس قومك وانك تقاتل رجلا كبيرا وهذا اليوم لما بعده ولم تضع في تقدمة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا(1) ويحك وهل يلوي المنهزم على شئ؟ اردد بيضة هوازن إلى عليا بلادهم وممتنع محالهم وابق الرجال على متون الخيل فانه لا ينفعك إلا رجل بسيفه ودرعه وفرسه فان كانت لك لحق بك من وراؤك وان كانت عليك لا تكون قد فضحت في اهلك وعيالك، فقال له مالك انك قد كبرت وذهب علمك وعقلك فلم يقبل من دريد فقال دريد ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا لم يحضر منهم أحد قال غاب الجد والحزم لو كان يوم علا وسعادة ما كانت تغيب كعب ولا كلاب قال فمن حضرها من هوازن؟ قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر قال ذانك الجذعان لا ينفعان ولا يضران ثم تنفس دريد وقال حرب عوان ليتني فيها جذع احب فيها واضع اقود وطفاء الزمع كأنها شاة صدع. (2) وبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله اجتماع هوازن باوطاس فجمع القبائل ورغبهم في الجهاد ووعدهم النصر وان الله قد وعده ان يغنمه اموالهم ونساءهم وذراريهم فرغب الناس وخرجوا على راياتهم وعقد اللواء الاكبر ودفعه إلى امير المؤمنين عليه السلام وكل من دخل مكة براية امره ان يحملها، وخرج في اثنى عشر الف رجل عشرة آلاف ممن كانوا معه. وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال وكان معه من بني سليم الف رجل رئيسهم عباس بن مرداس السلمي ومن مزينة، الف رجل، رجع الحديث إلى علي بن ابراهيم قال فمضوا حتى كان من القوم على مسيرة بعض ليلة قال وقال مالك بن عوف لقومه ليصير كل رجل منكم اهله وماله خلف ظهره واكسروا ___________________________________ (1) اي لم تخف في عرض جميغة هوزان على سيوف العدو. (2) (العوان الحرب الشديدة) الجذع الشاب اخب واضع اى اسرع، الزمع الرعدة التى تكون عند الخوف، والصدع من الظباء والحمر: الفتى الشاب القوى.ج.ز [287] جفون سيوفكم واكمنوا في شعاب هذا الوادي وفي الشجر فاذا كان في غلس الصبح فاحملوا حملة رجل واحد وهدوا القوم فان محمدا لم يلق احدا يحسن الحرب قال فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله الغداة انحدر في وادي حنين وهو واد له انحدار بعيد وكانت بنو سليم على مقدمة فخرجت عليها كتائب هوازن من كل ناحية فانهزمت بنو سليم وانهزم من ورائهم ولم يبق أحد إلا انهزم وبقى امير المؤمنين عليه السلام يقاتلهم في نفر قليل ومر المنهزمون برسول الله صلى الله عليه وآله لا يلوون على شئ وكان العباس أخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله عن يمينه وابوسفيان بن الحارث ابن عبدالمطلب عن يساره فاقبل رسول الله صلى الله عليه وآله ينادي يامعشر الانصار إلى اين المفر؟ ألا انا رسول الله فلم يلو أحد عليه وكانت نسيبة بنت كعب المازنية تحثو التراب في وجوه المنهزمين وتقول: اين تفرون عن الله وعن رسوله؟ ومر بها عمر فقالت له ويلك ما هذا الذي صنعت؟ فقال لها هذا امر الله فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله الهزيمة ركض يحوم على بغلته قد شهر سيفه، فقال يا عباس اصعد هذا الطرب(1) وناد ياأصحاب البقرة ! ويااصحاب الشجرة ! إلى اين تفرون هذا رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وآله يده فقال: اللهم لك الحمد واليك المشتكى وانت المستعان، فنزل جبرئيل عليه السلام عليه فقال له يارسول الله دعوت بما دعا به موسى حين فلق الله له البحر ونجاه من فرعون ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لابي سفيان بن الحارث ناولني كفا من حصى فناوله فرماه في وجوه المشركين ثم قال شاهت الوجوه ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: " اللهم ان تهلك هذه العصابة لم تعبد وان شئت ان لا تعبد لا تعبد " فلما سمعت الانصار نداء العباس عطفوا وكسروا جفون سيوفهم وهم يقولون لبيك ومروا برسول الله صلى الله عليه وآله واستحيوا ان يرجعوا اليه ولحقوا بالراية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للعباس من هؤلاء ياابا الفضل؟ ___________________________________ (1) الطرب ككتف فرس النبى صلى الله عليه وآله ق [288] فقال يارسول الله هؤلاء الانصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله الآن حمي الوطيس(1) ونزل النصر من السماء وانهزمت هوازن فكانوا يسمعون قعقعة السلاح في الجو وانهزموا في كل وجه وغنم الله رسوله اموالهم ونساءهم وذراريهم وهو قول الله " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين ". وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (ثم انزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا) وهو القتل (وذلك جزاء الكافرين) قال وقال رجل من بني نضر بن معاوية يقال له شجرة بن ربيعة للمؤمنين وهو اسير في ايديهم اين الخيل البلق والرجال عليهم الثياب البيض؟ فانما كان قتلنا بايديهم وما كنا نريكم فيهم إلا كهيئة الشامة قالوا تلك الملائكة قوله (ياايها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وان خفتم علية فسوف يغنيكم الله من فضله ان شاء ان الله عليم حكيم) وهي معطوفة علي قوله " قل ان كان آباؤكم الآية " قوله (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا بدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) حدثنا محمد بن عمير وقال حدثني ابراهيم بن مهزيار عن اخيه علي بن مهزيار عن اسماعيل بن سهل عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال قلت لابي عبدالله عليه السلام ما حد الجزية على اهل الكتاب وهل عليهم في ذلك شئ يوصف لا ينبغي ان يجوز إلى غيره؟ فقال ذلك إلى الامام يأخذ من كل انسان منهم ما شاء على قدر ماله ما يطيق إنما هم قوم فدوا انفسهم من ان يستعبدوا أو يقتلوا فالجزية تؤخذ منهم ما يطيقون له أن يؤخذ منهم بها حتى يسلموا فان الله قال " حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون " (قلت ط) وكيف يكون صاغرا وهو لا يكترث لما يؤخذ منه (قال ط) لا حتى يجد ذلا لما اخذ منه فيتألم لذلك فيسلم وفي رواية ___________________________________ (1) الوطيس التنوراى اشتدت الحرب ق. [289] ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله والمسيح بن مريم) اما المسيح فعصوه وعظموه في انفسهم حتى زعموا انه إله وانه ابن الله وطائفة منهم قالوا ثالث ثلاثة وطائفة منهم قالوا هو الله واما احبارهم ورهبانهم فانهم اطاعوهم واخذوا بقولهم واتبعوا ما امروهم به ودانوا بهم بما دعوهم اليه فاتخذوهم اربابا بطاعتهم لهم وتركهم ما امر الله وكتبه ورسله فنبذوه وراء ظهورهم وما امرهم به الاحبار والرهبان اتبعوه واطاعوهم وعصموا الله وإنما ذكر هذا في كتابنا لكى نتعظ بهم فعير الله بني اسرائيل بما صنعوا يقول الله (وما امروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون). قال علي بن ابراهيم في قوله (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) فانها نزلت في القائم من آل محمد وهو الذي ذكرناه مما تأويله بعد تنزيله وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم) فان الله حرم كنز الذهب والفضة وامر بانفاقه في سبيل الله وقوله (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) قال كان ابوذر الغفاري يغدو كل يوم وهو بالشام وينادي باعلى صوته بشر اهل الكنوز بكي في الجباه وكي في الجنوب وكي في الظهور ابدا حتى يتردد الحر في اجوافهم وقال علي بن ابراهيم في قوله (ان عدة الشهور عندالله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها اربعة حرم ذلك الدين القيم) فالآن يعد الحرم منها ذوالقعدة وذوالحجة والمحرم ثلاثة متواليات ورجب مفرد وحرم الله فيها القتال. وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (وقاتلوا المشركين كافة) [290] يقول جميعا كما يقاتلونكم كافة وقال على بن ابراهيم في قوله (انما النسئ زيادة في الكفر الخ) فانه كان سبب نزولها ان رجلا من كنانة كان يقف في الموسم فيقول قد احللت دماء المحدين؟ من طى وخثعم في شهر المحرم وانسأته وحرمت بدله صفر فاذا كان العام المقبل يقول قد احللت صفر وانسأته وحرمت بدله شهر المحرم فانزل الله " انما النسى زيادة في الكفر - إلى قوله - زين لهم سوء اعمالهم " وقوله (الا تنصروه فقد نصره الله اذا خرجه الذين كفروا ثانى اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا) فانه حدثنى ابى عن بعض رجاله رفعه إلى ابى عبدالله قال لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار قال لفلان كانى انظر إلى سفينة جعفر في اصحابه يقوم في البحر وانظر إلى الانصار محتسبين في افنيتهم فقال فلان وتراهم يارسول الله قال نعم قال فارنيهم فمسح على عينيه فرآهم (فقال في نفسه الآن صدقت انك ساحر ط) فقال له رسول الله انت الصديق وقوله (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا) قول رسول الله صلى الله عليه وآله (والله عزيز حكيم) وقوله (انفروا خفافا وثقالا) قال شبابا وشيوخا يعنى إلى غزوة تبوك وفى رواية ابي الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله (لو كان عرضا قريب) يقول غنيمة قريبة (لاتبعوك) وقال علي بن ابراهيم في قوله (ولكن بعدت عليهم الشقة) يعني إلى تبوك وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يسافر سفرا ابعد منه ولا اشد منه وكان سبب ذلك ان الصيافة كانوا يقدمون المدينة من الشام معهم الدرموك(1) والطعام وهم الانباط فاشاعوا بالمدينة ان الروم قد اجتمعوا يريدون غزوة رسول الله صلى الله عليه وآله في عسكر عظيم وان هرقل قد سار في جنود رحلت معهم غسان وجذام (حزام ك) وبهراء (فهرا ك) وعاملة وقد قدم عساكره البلقاء ونزل هو حمص، فامر رسول الله صلى الله عليه وآله اصحابه بالتهيؤ إلى تبوك وهي من بلاد البلقاء وبعث إلى القبائل حوله والي مكة والى من اسلم من خزاعة ومزينة وجهينة فحثهم على الجهاد، وامر رسول الله صلى الله عليه وآله بعسكره وضرب في ثنية الوداع وامر اهل الجدة(2) ان يعينوا من لا قوة به ومن كان عنده شئ اخرجه وحملوا وقووا وحثوا على ذلك وخطب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بعد ان حمد الله واثنى عليه: " ايها الناس ان اصدق الحديث كتاب الله واولى القول كلمة التقوى وخير الملل ملة ابراهيم، ___________________________________ (1) البساط والثوب. (2) اي الاغنياء. [291] وخير السنن سنة محمد، واشرف الحديث ذكر الله، واحسن القصص هذا القرآن وخير الامور عزايمها وشر الامور محدثاتها واحسن الهدى الانبياء، واشرف القتل قتل الشهداء، واعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير الاعمال ما نفع، وخير الهدى ما اتبع، وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من اليد السفلى، وما قل وكفى خير مما كثر والهى، وشر المعذرة حين يحضر الموت وشر الندامة يوم القيامة، ومن الناس من لا يأتى الجمعة إلا نزرا(1) ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا، ومن اعظم خطايا اللسان الكذب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله، وخير ما القي في القلب اليقين، والارتياب من الكفر، والنياحة من عمل الجاهلية، والغلول(2) من جمر جهنم، والسكر جمر النار والشعر من ابليس، والخمر جماع الاثم، والنساء حبائل ابليس، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربا، وشر المآكل اكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن امه، وانما يصير أحدكم إلى موضع اربعة اذرع، والامر إلى آخره وملاك العمل خواتيمه واربا الربى الكذب، وكل ما هو آت قريب، وسباب المؤمن فسق، وقتال المؤمن كفر، واكل لحمه من معصية الله، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن توكل على الله كفاه، ومن صبر ظفر، ومن يعف يعف الله عنه. ومن كظم الغيظ يأجره الله، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله، ومن يتبع السمعة يسمع الله به، ومن يصم يضاعف الله له، ومن يعص الله يعذبه، اللهم اغفر لي ولامتي اللهم اغفرلي ولامتى استغفر الله لي ولكم " قال فرغبوا الناس في الجهاد لما سمعوا هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وقدمت القبائل من العرب ممن استنفرهم، وقعد عنه قوم من المنافقين ولقي ___________________________________ (1) اي بطيئا. (2) أي الخيانة [292] رسول الله الجد بن قيس(1) فقال له: ياابا وهب ! ألا تنفر معنا في هذه الغزاة؟ لعلك ان تستحفد(2) من بنات الاصغر(3) فقال يارسول الله والله ان قومى ليعلمون انه ليس فيهم احد اشد عجبا بالنساء مني واخاف ان خرجت معك ان لا اصبر إذا رأيت بنات الاصفر فلا تفتني وائذن لي ان اقيم، وقال لجماعة من قومه لا تخرجوا في الحر فقال ابنه: ترد على رسول الله صلى الله عليه وآله وتقول له ما تقول ! ثم تقول لقومك لا تنفروا في الحر والله لينزلن في هذا قرآنا تقرأه الناس إلى يوم القيامة فانزل الله على رسوله في ذلك (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين) ثم قال الجد بن القيس أيطمع محمد ان حرب الروم مثل حرب غيرهم لا يرجع من هؤلاء احد ابدا وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (ان تصبك حسنة تسوءهم وان تصبك مصيبة) اما الحسنة فالغنيمة والعافية واما المصيبة فالبلاء والشدة (يقولوا قد اخذنا امرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولينا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) وقوله (قل هل تربصون بنا إلا احدى الحسنيين) يقول الغنيمة والجنة إلى قوله (انا معكم متربصون) ونزل ايضا في الجد بن قيس في رواية علي بن ابراهيم لما قال لقومه لا تخرجوا في الحر (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا ان يجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم اشد حرا لو كانوا يفقهون - إلى قوله - وماتوا وهم فاسقون) ففضح الله الجد بن قيس واصحابه فلما اجتمع لرسول الله صلى الله عليه وآله الخيول رحل من ثنية الوداع وخلف امير المؤمنين ___________________________________ (1) وفى ط الحر بن قيس وهو خطأ وان كان كلاهما صحابيين غير ممدوحين لكن المراد هنا هو الجد وفى قاموس الرجال ناقلا عن جماعة: انه يظن فيه النفاق وكل من حضر الحديبية بايع النبى صلى الله عليه وآله الاجد بن قيس فانه استتر تحت ناقة النبى ص (اقول) هذا عمله وذاك - اى الاستهزاء برسول الله عند ذكره بنات الاصفر - قوله أبعد اللتيا والتى يبقى المجال ان يقال فيه " يظن فيه النفاق. (2) الاستحفاد والاستخدام. (3) اسم اطلقه العرب على الغربيين لاسيما على اليونان والروم.ج.ز [293] عليه السلام على المدينة فاوجف المنافقون بعلي عليه السلام فقالوا ما خلفه الا تشأما به فبلغ ذلك عليا فاخذ سيفه وسلاحه ولحق برسول الله صلى الله عليه وآله بالجرف، فقال له رسول الله يا علي ألم اخلفك علي المدينة؟ قال نعم ولكن المنافقين زعموا انك خلفتني تشأما بي، فقال كذب المنافقون ياعلي أما ترضى ان تكون اخى وانا اخوك بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي وان كان بعدى نبى لقلت انت وأنت خليفتي في امتي وانت وزيري واخى في الدنيا والآخرة، فرجع علي عليه السلام إلى المدينة وجاء البكاؤن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهم سبعة من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير قد شهد بدرا لا اختلاف فيه ومن بنى واقف هدمي (هرمي ط مدعى ك) بن عمير ومن بنى جارية علية بن زيد (يزيد خ ل) وهوالذي تصدق بعرضه وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله امر بصدقة فجعل الناس يأتون بها فجاء علية فقال يا رسول الله والله ما عندي ما اتصدق به وقد جعلت عرضي حلا فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله قد قبل الله صدقتك ومن بني مازن بن النجار ابوليلى عبدالرحمن بن كعب ومن بني سلمة عمرو بن غنمة (عتمة ط) ومن بني زريق سلمة بن صخر ومن بني العرياض ناصر بن سارية السلمى هؤلاء جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يبكون فقالوا يارسول الله ليس بنا قوة ان تخرج معك فانزل الله فيهم (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج اذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذ ما اتوك لتحملهم قلت لا اجد ما احملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون) قال وإنما سألوا هؤلاء البكاؤن نعلا يلبسونها ثم قال (إنما السبيل على الذين يستأذنوك وهم اغنياء رضوا بان يكونوا مع الخوالف) والمستأذنون ثمانون رجلا من قبائل شتى والخوالف النساء. وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله (عفى الله عنك لم اذنت [294] لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) يقول تعرف اهل الغدر والذين جلسوا بغير عذر وفي رواية علي بن ابراهيم قوله (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر - إلى قوله - ما زادوكم إلا خبالا) اي وبالا (ولا وضعوا خلالكم) اى يهربوا عنكم. وتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوم من اهل ثبات وبصائر لم يكن يلحقهم شك ولا ارتياب ولكنهم قالوا نلحق برسول الله صلى الله عليه وآله منهم ابوخثيمة وكان قويا وكانت له زوجتان وعريشتان فكانت زوجتاه قد رشتا عريشتيه وبردتا له الماء وهيئتا له طعاما، فاشرف على عريشته، فلما نظر اليهما قال والله، ما هذا بانصاف رسول الله صلى الله عليه وآله فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قد خرج في الصخ(1) والريح وقد حمل السلاح مجاهدا في سبيل الله وابوخثيمة قوي قاعد في عريشته وامرأتين حسناوتين لا والله ما هذا بانصاف ثم اخذ ناقته فشد عليها رحله فلحق برسول الله صلى الله عليه وآله فنظر الناس إلى راكب على الطريق فاخبروا رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كن ابا خثيمة، فاقبل واخبر النبي بما كان منه فجزاه خيرا ودعا له. وكان ابوذر رحمه الله تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة أيام وذلك ان جمله كان اعجف(2) فلحق بعد ثلاثة ايام به ووقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه علي ظهره فلما ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كن أباذر فقالوا هو ابوذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ادركوه بالماء فانه عشطان فادركوه بالماء ووافى ابوذر رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه اداوة فيها ماء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا اباذر معك ماء وعطشت؟ فقال نعم يارسول الله بابي انت وامي انتهيت ___________________________________ (1) الداهية. (2) أي هزل |