Rss Feed

  1.      
    مكية مأة واثنتان وعشرون آية
     
    (بسم الله الرحمن الرحيم الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) يعني من عند الله (ألا تعبدوا إلا الله انني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يمتعكم متاعا حسنا إلى اجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله) وهو محكم، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام " الرا كتاب احكمت آياته " قال هو القرآن " من لدن حكيم خبير " قال من عند حكيم خبير " وان استغفروا ربكم " يعني المؤمنين قوله " ويؤت كل ذي فضل فضله " فهو علي بن ابي طالب عليه السلام وقوله (وان تولوا فاني اخاف عليكم عذاب يوم كبير) قال الدخان والصيحة وقوله (ألا انهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه) يقول يكتمون ما في صدورهم من بغض على، قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان آية المنافق بغض علي فكان قوم يظهرون المودة لعلي (ع) عند النبي صلى الله عليه وآله ويسرون بغضه فقال (ألا حين يستغشون ثيابهم) فانه كان اذا حدث بشئ من فضل علي بن ابي طالب (ع) او تلا عليهم ما انزل الله فيه نفضوا ثيابهم ثم قاموا يقول الله (يعلم ما يسرون وما يعلنون) حين قاموا (انه عليم بذات الصدور) وقوله (وما الجزء(12) من دابة في الارض إلا على الله رزقها) يقول يكفل بارزاق الخلق قوله (ويعلم مستقرها) يقول حيث يأوي بالليل (ومستودعها) حيث يموت وقوله (وهو الذي خلق السموات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء) وذلك في مبتداء الخلق، ان الرب تبارك وتعالى خلق الهواء ثم خلق القلم فامره ان يجري فقال يارب بما
     
    [322]
     
    اجري؟ فقال بما هو كائن ثم خلق الظامة من الهواء وخلق النور من الهواء وخلق الماء من الهواء وخلق العرش من الهواء وخلق العقيم من الهواء وهو الريح الشديد وخلق النار من الهواء وخلق الخلق كلهم من هذه الستة التي خلقت من الهواء فسلط العقيم على الماء فضربته فاكثرت الموج والزبد وجعل يثور دخانه في الهواء فلما بلغ الوقت الذي اراد قال للزبد اجمد فجمد وقال للموج اجمد فجمد فجعل الزبد ارضا وجعل الموج جبالا رواسي للارض فلما اجمدها قال للروح والقدرة سويا عرشي إلى السماء فسويا عرشه إلى السماء وقال للدخان اجمد فجمد ثم قال له ازفر فزفر(1) فناداها والارض جميعا ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين ففضاهن سبع سموات في يومين ومن الارض مثلهن، فلما اخذ في رزق خلقه خلق السماء وجناتها والملائكة يوم الخميس وخلق الارض يوم الاحد وخلق دواب البحر والبر يوم الاثنين وهما اليومان اللذان يقول الله انكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وخلق الشجر ونبات الارض وانهارها وما فيها والهوام في يوم الثلاثاء وخلق الجان وهو ابوالجن في يوم السبت وخلق الطير يوم الاربعاء وخلق آدم في ست ساعات من يوم الجمعة فهذه الستة الايام خلق الله السموات والارض وما بينهما.
     
    قال علي ابراهيم في قوله (ليبلوكم ايكم احسن عملا) معطوف على قوله " الرا كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ليبلوكم ايكم احسن عملا " وقوله (ولئن اخرنا عنهم العذاب إلى امة معدودة) قال ان متعناهم في هذه الدنيا إلى خروج القائم فنردهم ونعذبهم (ليقولن ما يحبسه) اي يقولون
     
    ___________________________________
     
    (1) زفر زفيرا: اخرج نفسه والمراد هنا اخرج الصوت من اعماق النفس.ج.ز
     
    [323]
     
    اما لا يقوم القائم ولا يخرج، على حد الاستهزاء فقال الله (الا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن) اخبرنا احمد بن ادريس قال حدثنا احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف عن حسان عن هشام بن عمار عن ابيه وكان من اصحاب على ع عن على ع في قوله تعالى " لئن اخرنا عنهم العذاب الي امة معدودة ليقولن ما يحبسه " قال الامة المعدودة اصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر، قال علي بن ابراهيم والامة في كتاب الله على وجوه كثيرة فمنه المذهب وهو قوله " كان الناس امة واحدة " اي على مذهب واحد، ومنه الجماعة من الناس وهو قوله " وجد عليه امة من الناس يسقون " اي جماعة، ومنه الواحد قد سماه الله امة قوله " ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا " ومنه جميع اجناس الحيوان وهو قوله " وان من امة إلا خلا فيها نذير " ومنه امة محمد صلى الله عليه وآله وهو قوله " وكذلك ارسلناك في امة قد خلت من قبلها امم " وهى امة محمد صلى الله عليه وآله ومنه الوقت وهو قوله " وقال الذي نجا منهما وادكر بعد امة " اي بعد وقت وقوله: إلى امة معدودة، يعني به الوقت ومنه الخلق كله وهو قوله " وترى كل امة جاثية وكل امة تدعى إلى كتابها "، وقوله " يوم نبعث من كل امة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون " ومثله كثير.
     
    وقوله (ولان اذقنا الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه انه ليؤس كفور ولان اذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني انه لفرح فخور) قال اذا اغنى الله العبد ثم افتقر اصابه الاياس والجزع والهلع فاذا كشف الله عنه ذلك فرح وقال ذهب السيئات عني انه لفرح فخور ثم قال (إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات) قال صبروا في الشدة وعملوا الصالحات في الرخاء.
     
    قوله (فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك وضائق به صدرك ان يقولوا لو لا انزل عليه كنز او جاء معه ملك إنما أنت نذير والله علي كل شئ وكيل) فانه
     
    [324]
     
    حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن ابن مسكان عن عمارة بن سويد عن ابي عبدالله عليه السلام انه قال سبب نزول هذه الآية ان رسول الله صلى الله عليه وآله خرج ذات يوم فقال لعلي يا علي اني سألت الله الليلة بان يجعلك وزيري ففعل وسألته ان يجعلك وصيي ففعل وسألته ان يجعلك خليفتي في امتي ففعل، فقال رجل من اصحابه المنافقين والله لصاع من تمر في شن(1) بال احب الي مما سأل محمد ربه ألا سأله ملكا يعضده او مالا يستعين به علي ما فيه ووالله ما دعا عليا(2) قط إلى حق او إلى باطل إلا اجابه فانزل الله علي رسوله الله " فلعلك تارك بعض ما يوحي اليك الآية " وقوله (أم يقولون افتريه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين) يعني قولهم ان الله لم يأمره بولاية علي عليه السلام وإنما يقول من عنده فيه فقال الله عزوجل (فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا إنما انزل بعلم الله) اي ولاية امير المؤمنين عليه السلام من عند الله وقوله (من كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها نوف اليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون اولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار) قال من عمل الخير على ان يعطيه الله ثوابه في الدنيا اعطاه ثوابه في الدنيا وكان له في الآخرة النار وقوله (أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة اولئك يؤمنون به - إلى قوله - لا يؤمنون) فانه حدثني ابي عن يحيى بن ابي عمران عن يونس عن ابي بصير والفضيل عن ابي جعفر عليه السلام قال انما نزلت افمن كان على بينة من ربه، يعني رسول الله صلى الله عليه وآله ويتلوه شاهد منه اماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى اولئك يؤمنون به فقدموا واخروا في التأليف وقوله (ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا اولئك يعرضون علي ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا
     
    ___________________________________
     
    (1) الشن القربة.
     
    (2) كذا في النسخ والمظنون ان يكون لفظ " ربه " مكان " عليا " ج ز
     
    [325]
     
    علي ربهم) يعني بالاشهاد الائمة عليهم السلام (ألا لعنة الله على الظالمين) لآل محمد صلى لله عليه وآله حقهم وقوله (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا) يعني يصدون عن طريق الله وهى الامامة " ويبغونها عوجا " يعنى حرفوها الي غيرها وقوله (ما كانوا يستطيعون السمع) قال ما قدروا ان يسمعوا بذكر امير المؤمنين عليه السلام وقوله (اولئك الذين خسروا انفسهم وضل) اي بطل (عنهم ما كانوا يفترون) يعني يوم القيامة بطل الذين دعوا غير امير المؤمنين عليه السلام (وقال ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات واخبتوا الي ربهم) اي تواضعوا لله وعبدوه وقوله (مثل الفريقين كالاعمى والاصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون) يعني المؤمنين والخاسرين وقوله (إلا الذين هم اراذلنا بادى الرأي وما نرى لكم علينا من فضل) يعني الفقراء والمساكين الذين تراهم بادي الرأي (فعميت عليكم) الانباء اي اشتبهت عليكم حتى لم تعرفوها ولم تفهموها (ويا قوم لا اسئلكم عليه مالا ان اجري إلا على الله وما انا بطارد الذين آمنوا انهم ملاقوا ربهم) اي الفقراء الذين آمنوا به قوله (وياقوم من ينصرني من الله ان طردتهم أفلا تذكرون ولا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب - إلى قوله - للذين تزدري اعينكم) اي تقصر اعينكم عنهم وتستحقرونهم (لن يؤتيهم الله خيرا الله اعلم بما في انفسهم اني اذا لمن الظالمين) وقوله (واوحي إلى نوح انه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير من ابن سنان عن ابي عبدالله عليه السلام قال بقي نوح في قومه ثلاثمائة سنة يدعوهم الي الله فلم يجيبوه فهم ان يدعو عليهم، فوافاه عند طلوع الشمس اثنا عشر الف قبيل من قبائل ملائكة سماء الدنيا وهم العظماء من الملائكة، فقال لهم نوح من انتم؟ فقالوا نحن اثنا عشر الف قبيل من قبائل ملائكة سماء الدنيا وان مسيرة غلظ سماء الدنيا خمسمائة عام ومن سماء الدنيا إلى الدنيا مسيرة خمسمائة عام
     
    [326]
     
    وخرجنا (اخرجنا الله ك) عند طلوع الشمس ووافيناك في هذا الوقت فنسألك ان لا تدعو علي قومك، فقال نوح قد اجلتهم ثلاثمائة سنة، فلما اتى عليهم ستمائة سنة ولم يؤمنوا هم ان يدعو عليهم فوافاه اثنا عشر الف قبيل من قبايل ملائكة السماء الثانية فقال نوح من انتم قالوا نحن اثنا عشر الف قبيل من قبايل ملائكة السماء الثانية وغلظ السماء الثانية مسيرة خمسمائة عام ومن السماء الثانية الي سماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وغلظ سماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام ومن سماء الدنيا إلى الدنيا مسيرة خمسمائة عام خرجنا عند طلوع الشمس ووافيناك ضحوة نسألك ان لا تدعو على قومك فقال نوح قد اجلتهم ثلاثمائة سنة.
     
    فلما اتى عليهم تسعمائة سنة هم ان يدعو عليهم فانزل الله عزوجل " انه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون " فقال نوح " رب لا تذر علي الارض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا " فامره الله ان يغرس النخل فكان قومه يمرون به فيسخرون منه ويستهزؤن به ويقولون شيخ قد اتى له تسعمائة سنة يغرس النخل وكانوا يرمونه بالحجارة فلما اتى لذلك خمسون سنة وبلغ النخل واستحكم أمر بقطعه فسخروا منه وقالوا بلغ النخل مبلغه وهو قوله (وكلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه وقال ان تسخروا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعملون) فامره الله ان ينحت السفينة وامر جبرئيل ان ينزل عليه ويعلمه كيف يتخذها فقدر طولها في الارض الفا ومائتي ذراع وعرضها ثمانمائة ذراع، وطولها في السماء ثمانون ذراعا فقال يا رب من يعينني على اتخاذها؟ فاوحى الله اليه ناد في قومك من اعانني عليها ونجر منها شيئا صار ما ينجره ذهبا وفضة، فنادى نوح فيهم بذلك فاعانوه عليها وكانوا يسخرون منه ويقولون ينحت سفينة في البر.
     
    قال حدثني ابي عن صفوان عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال لما
     
    [327]
     
    اراد الله عزوجل هلاك قوم نوح عقم ارحام النساء اربعين سنة فلم يولد فيهم مولود فلما فرغ نوح من اتخاذ السفينة امره الله ان ينادي بالسريانية لا يبقى بهيمة ولا حيوان إلا حضر، فادخل من كل جنس من اجناس الحيوان زوجين في السفينة وكان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانين رجلا فقال الله عزوجل: (احمل فيها من كان زوجين اثنين واهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه الا قليل) وكان نجر السفينة في مسجد الكوفة (المدينة ك) فلما كان في اليوم الذي اراد الله هلاكهم كانت امرأة نوح تخبز في الموضع الذي يعرف بفار التنور في مسجد الكوفة وقد كان نوح اتخذ لكل ضرب من اجناس الحيوان موضعا في السفينة وجمع لهم فيها ما يحتاجون من الغذاء، فصاحت امرأته لما فارالتنور فجاء نوح إلى التنور فوضع عليها طينا وختمه حتى ادخل جميع الحيوان السفينة ثم جاء الي التنور ففض الخاتم ورفع الطين وانكسفت الشمس وجاء من السماء ماء منهمر صب بلا قطر وتفجرت الارض عيونا وهو قوله عز وجل " ففتحنا ابواب السماء بماء منهمر وفجرنا الارض عيونا فالتقى الماء علي امر قد قدر وحملناه على ذات الواح ودسر " فقال الله عزوجل (اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرسيها) يقول مجربها اي مسيرها ومرسيها اى موقفها فدارت السفينة ونظر نوح إلى ابنه يقع ويقوم فقال له (يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين) فقال ابنه كما حكى الله عزوجل (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) قال نوح (لا عاصم اليوم من امر الله الا من رحم) الله ثم قال نوح: (رب ان ابني من اهلي وان وعدك الحق وانت احكم الحاكمين) فقال الله (يانوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم اني اعظك ان تكون من الجاهلين) فقال نوح كما حكى الله (رب اني اعوذ بك ان اسئلك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني اكن من الخاسرين) فكان كما حكى الله
     
    [328]
     
    (وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) فقال ابوعبدالله عليه السلام فدارت السفينة وضربتها الامواج حتى وافت مكة وطافت بالبيت وغرق جميع الدنيا إلا موضع البيت إنما سمي البيت العتيق لانه اعتق من الغرق فبقي الماء ينصب من السماء اربعين صباحا ومن الارض العيون حتى ارتفعت السفينة فمسحت السماء قال فرفع نوح يده فقال يارهمان اخفرس (اتغرك) تفسيرها رب احسن فامر الله الارض ان تبلع ماء‌ها وهو قوله (وقيل يا ارض ابلعي ماء‌ك وياسماء اقلمي) يعني امسكي (وغيض الماء وقضي الامر واستوت على الجودي) فبلعت الارض ماء‌ها فاراد ماء السماء ان يدخل في الارض فامتنعت الارض من قبولها وقالت إنما امرني الله عزوجل ان ابلع مائي فبقي ماء السماء على وجه الارض واستوت السفينة على جبل الجودي وهو بالموصل جبل عظيم، فبعث الله جبرئيل فساق الماء الي البحار حول الدنيا وانزل الله على نوح (يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى امم من معك وامم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب اليم) فنزل نوح بالموصل من السفينة مع الثمانين وبنوا مدينة الثمانين وكانت لنوح ابنة ركبت معه في السفينة فتناسل الناس منها وذلك قول النبي صلى الله عليه وآله نوح احد الابوين ثم قال الله عزوجل لنبيه (تلك من انباء الغيب نوحيها اليك ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا فاصبر ان العاقبة للمتقين) وروي في الخبر ان اسم نوح عبدالغفار وانما سمي نوحا لانه كان ينوح علي نفسه اخبرنا احمد بن ادريس قال حدثنا احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن ابان بن عثمان الاحمر عن موسى بن اكيل النميري عن العلا بن سيابة عن ابي عبدالله عليه السلام في قول الله ونادى نوح ابنه فقال ليس بابنه إنما هو ابنه من زوجته علي لغة طي يقولون لابن المرأة ابنه.
     
    قال علي بن ابراهيم ثم حكى الله عزوجل خبر هود عليه السلام وهلاك قومه
     
    [329]
     
    فقال (والي عاد اخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ان انتم إلا مفترون يا قوم لا اسئلكم عليه اجرا ان اجري إلا علي الذي فطرني أفلا تعقلون) قال ان عادا كانت بلادهم في البادية من الشقيق إلى الاجفر اربعة منازل وكان لهم زرع ونخيل كثير ولهم اعمار طويلة واجسام طويلة فعيدوا الاصنام فبعث الله اليهم هودا يدعوهم إلى الاسلام وخلع الانداد فأبوا ولم يؤمنوا بهود وآذوه فكفت السماء عنهم سبع سنين حتى قحطوا وكان هود زراعا وكان يسقي الزرع فجاء قوم إلى بابه يريدونه، فخرجت عليهم امرأة شمطاء عوراء(1) فقالت من انتم؟ فقالوا نحن من بلاد كذا وكذا اجدبت بلادنا فجئنا إلى هود نسأله ان يدعو الله حتى تمطر وتخصب بلادنا، فقالت لو استجيب لهود لدعا لنفسه فقد احترق زرعه لقلة الماء، قالوا فاين هو؟ قالت هو في موضع كذا وكذا فجاؤا اليه فقالوا يانبي الله قد اجدبت بلادنا ولم تمصر؟ فاسأل الله ان يخصب بلادنا وتمطر فتهيأ للصلاة وصلى ودعا لهم فقال لهم ارجعوا فقد امطرتم واخصبت بلادكم، فقالوا يانبي الله انا رأينا عجبا قال وما رأيتم؟ فقالوا رأينا في منزلك امرأة شمطاء عوراء قالت لنا من انتم وما تريدون قلنا جئنا إلى هود ليدعو الله فنمطر فقالت لو كان هود داعيا لدعا لنفسه فان زرعه قد احترق فقال هود تلك اهلي وانا ادعوا الله لها بطول البقاء فقالوا وكيف ذلك قال لانه ما خلق الله مؤمنا إلا وله عدو يؤذيه وهى عدوتي فلان يكون عدوى ممن املكه خير من ان يكون عدوي ممن يملكني، فبقي هود في قومه يدعوهم إلى الله وينهاهم عن عبادة الاصنام حتى تخصب بلادهم وانزل الله عليهم المطر وهو قوله عزوجل (ياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين) فقالوا كما حكى الله (ياهود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إلى آخر الآية) فلما لم يؤمنوا ارسل الله
     
    ___________________________________
     
    (1) الشمط محركة بياض الراس خالطه سواد والعور: محركة ذهاب حس احدى العينين ق
     
    [330]
     
    عليهم " الريح الصرصر يعني الباردة وهو قوله في سورة اقتربت " كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر انا ارسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر " وحكى في سورة الحاقة فقال " واما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما " قال كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال وثمانية أيام.
     
    قال فحدثني ابي عن ابن ابي عمير عن عبدالله بن سنان عن معروف بن خربوذ عن ابي جعفر عليه السلام قال الريح العقيم تخرج من تحت الارضين السبع وما يخرج منها شئ قط إلا على قوم عاد حين غضب الله عليهم فامر الخزان ان يخرجوا منها مثل سعة الخاتم فعصت علي الخزنة فخرج منها مثل مقدار منخر الثور تغيظا منها على قوم عاد فضج الخزنة إلى الله من ذلك وقالوا يا ربنا انها قد عتت علينا ونحن نخاف ان يهلك من لم يعصك من خلقك وعمار بلادك فبعث الله جبرئيل فردها بجناحه وقال لها اخرجي علي ما امرت به فرجعت وخزجت علي ما امرت به فاهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم واما قوله (والى ثمود اخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره هو انشأكم من الارض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا اليه ان ربى قريب مجيب) إلى قوله (واما لفي شك مما تدعونا اليه مريب) فان الله تبارك وتعالى بعث صالحا إلى ثمود وهو ابن ستة عشر سنة لا يجيبوه إلى خير وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله فلما رأى ذلك منهم قال لهم ياقوم بعثت اليكم وانا ابن ستة عشر سنة وقد بلغت عشرين ومائة سنة وانا اعرض عليكم امرين ان شئتم فاسألوني مهما اردتم حتى اسأل إلهي فيجيبكم وان شئتم سألت آلهتكم فان اجابتني خرجت عنكم، فقالوا انصفت فامهلنا فاقبلوا يتعبدون ثلاثة ايام ويتمسحون بالاصنام ويذبون لها واخرجوها إلى سفح الجبل واقبلوا يتضرعون اليها، فلما كان اليوم
     
    [331]
     
    الثالث قال لهم صالح عليه السلام قد طال هذا الامر فقالوا له سل من شئت، فدنا إلى اكبر صنم لهم، فقال ما اسمك؟ فلم يجبه، فقال لهم ما له لا يجبيني؟ قالوا له تنح عنه فتنحى عنه واقبلوا اليه ووضعوا على رؤوسهم التراب وضجوا وقالوا فضحتنا ونكست رؤوسنا وقال صالح قد ذهب النهار، فقالوا سله فدنا منه فكلمه فلم يجبه فبكوا وتضرعوا حتى فعلوا ذلك ثلاث مرات فلم يجبهم بشئ، فقالوا ان هذا لا يجيبك ولكنا نسأل إلهك، فقال لهم سلوا ما شئتم فقالوا سله ان يخرج لنا من هذا الجبل ناقة حمراء شقراء عشراء اي حاملة تضرب بمنكبيها طرفي الجبلين وتلقى فصيلها من ساعتها وتدر لبنها، فقال صالح ان الذي سألتموني عندي عظيم وعند الله هين، فقام وصلي ركعتين ثم سجد وتضرع إلى الله فما رفع رأسه حتى تصدع الجبل وسمعوا له دويا شديدا ففزعوا منه وكادوا ان يموتوا منه فطلع رأس الناقة وهى تجتر فلما خرجت القت فصيلها ودرت لبنها فبهتوا وقالوا قد علمنا ياصالح ان ربك اعز واقدر من آلهتنا التي نعبدها.
     
    وكان لقريتهم ماء وهى الحجر التي ذكرها الله تعالى في كنابه وهو قوله " كذب اصحاب الحجر المرسلين " فقال لهم صالح لهذه الناقة شرب اي تشرب ماء‌كم يوما وتدر لبنها عليكم يوما وهو قوله عزوجل " لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم " فكانت تشرب ماء‌هم يوما وإذا كان من الغد وقفت وسط قريتهم فلا يبقى في القرية احد إلا حلب منها حاجته وكان فيهم تسعة من رؤسائهم كما ذكر الله في سورة النمل " وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون " فعقروا الناقة ورموها حتى قتلوها وقتلوا الفصيل فلما عقروا الناقة قالوا لصالح " ائتنا بما تعدنا ان كنت من المرسلين " قال صالح (تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب)
     
    [332]
     
    ثم قال لهم وعلامة هلاككم انه تبيض وجوهكم غدا وتحمر بعد غد وتسود في اليوم الثالث فلما كان من الغد نظروا إلى وجوههم وقد ابيضت مثل القطن فلما كان اليوم الثاني احمرت مثل الدم فلما كان اليوم الثالث اسودت وجوههم فبعث الله عليهم صيحة وزلزلة فهلكوا وهو قوله " فاخذتهم الرجفة فاصبحوا في ديارهم جاثمين " فما تخلص منهم غير صالح وقوم مستضعفين مؤمنين وهو قوله (فلما جاء امرنا نجينا صالحا - إلى قوله - ألا ان ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود).
     
    واما قوله (ولقد جاء‌ت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث ان جاء بعجل حنيذ) اي مشوي نضج فانه لما القى نمرود ابراهيم عليه السلام في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما بقي ابراهيم مع نمرود وخاف نمرود من ابراهيم فقال ياابراهيم اخرج من بلادي ولا تساكني فيها، وكان ابراهيم عليه السلام قد تزوج بسارة وهى بنت خاله وقد كانت آمنت به، وآمن له لوط وكان غلاما، وقد كان ابراهيم عليه السلام عنده غنيمات وكان معاشه منها فخرج ابراهيم من بلاد نمرود ومعه سارة في صندوق وذلك انه كان شديد الغيرة، فلما اراد الخروج من بلاد نمرود منعوه وارادوا ان يأخذوا منه غنيماته، وقالوا له هذا ما كسبته في سلطان الملك وبلاده وانت مخالف له فقال لهم ابراهيم بيني وبينكم قاضي الملك سدوم (سندوم ك) فصاروا اليه وقالوا ان هذا مخالف لدين الملك وما معه كسبه في بلاد الملك ولا ندعه يخرج معه شيئا فقال سندوم صدقوا خل عما في في يديك، فقال ابراهيم عليه السلام انك ان لم تقض بالحق تمت الساعة، قال وما الحق قال قل لهم يردوا علي عمري الذي افنيته في كسب ما معي حتى ارد عليهم، فقال سندوم يجب ان تردوا عمره فخلوا عنه عما كان في يده فخرج ابراهيم وكتب نمرود في الدنيا ألا تدعوه يسكن العمران فمر ببعض عمال نمرود وكان كل من مر به يأخذ عشر ما معه وكانت سارة مع ابراهيم في الصندوق، فاخذ
     
    [333]
     
    عشر ما كان مع ابراهيم ثم جاء إلى الصندوق فقال له لابد من ان افتحه فقال ابراهيم عليه السلام عده ما شئت وخذ عشره فقال لابد من ان تفتحه ففتحه فلما نظر إلى سارة تعجب من جمالها فقال لابراهيم ما هذه المرأة التى هى معك؟ قال هى اختي وإنما عني اخته في الدين، قال العاشر لست ادعك تبرح من مكانك حتى اعلم الملك بحالك وحالها فبعث رسولا إلى الملك فامر اجناده فحملت الصندوق اليه فهم بها ومد يده اليها فقالت له اعوذ بالله منك فجفت يده والتصقت بصدره واصابته من ذلك شدة، فقال ياسارة ما هذا الذى اصابني منك؟ فقالت بما هممت به، فقال قد هممت لك بالخير فادعي الله ان يردني الي ما كنت، فقالت اللهم ان كان صادقا فرده كما كان فرجع إلى ما كان وكانت على رأسه جارية فقال ياساره خذي هذه الجارية تخدمك وهى هاجر ام اسماعيل عليه السلام فحمل ابراهيم سارة وهاجر فنزلوا البادية علي ممر طريق اليمن والشام وجميع الدنيا فكان يمر به الناس فيدعوهم إلى الاسلام وقد كان شاع خبره في الدنيا ان الملك القاه في النار فلم يحترق وكانوا يقولون له لا تخالف دين الملك فانه يقتل من خالفه، وكان ابراهيم كل من يمر به يضيفه وكان على سبعة فراسخ منه بلاد عامرة كثيرة قالشجر والنبات والخير وكان الطريق عليهم، فكان كل من يمر بتلك البلاد يتناول من ثمارهم وزروعهم فجزعوا من ذلك فجاء‌هم ابليس في صورة شيخ فقال لهم ادلكم على ما ان فعلتموه لم يمر بكم احد، فقالوا ما هو؟ قال من مر بكم فانكحوه في دبره فاسلبوه ثيابه ثم تصور لهم ابليس في صورة امرد حسن الوجه جميل الثياب فجاء‌هم فوثبوا عليه ففجروا به كما امرهم فاستطابوه فكانوا يفعلونه بالرجال فاستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، فشكى الناس ذلك إلى ابراهيم عليه السلام فبعث الله اليهم لوطا يحذرهم وينذرهم فلما نظروا إلى لوط قالوا من أنت؟ قال انا ابن خال ابراهيم الذي القاه الملك في النار فلم يحترق وجعلها الله بردا وسلاما وهو بالقرب منكم قاتقوا الله ولا تفعلوا هذا فان الله يهلككم فلم يجسروا
     
    [334]
     
    عليه وخافوه وكفوا عنه وكان لوط كلما مر به رجل يريدونه بسوء خلصه من ايديهم وتزوج لوط فيهم وولد له بنات، فلما طال ذلك علي لوط ولم يقبلوا منه قالوا له " لئن لم تنته يالوط لتكونن من المخرجين " الي لنرجمنك ولنخرجنك فدعا عليهم لوط فبينما ابراهيم عليه السلام قاعد في موضعه الذي كان فيه وقد كان اضاف قوما وخرجوا ولم يكن عنده شئ فنظر إلى اربعة نفر قد وقفوا عليه لا يشبهون الناس فقالوا سلاما فقال ابراهيم سلام، فجاء ابراهيم إلى سارة فقال لها قد جاء اضياف لا يشبهون الناس قال ما عندنا إلا هذا العجل فذبحه وشواه وحمله اليهم وذلك قول الله عزوجل " ولقد جاء‌ت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث ان جاء بعجل حنيذ فلما رأى ايديهم لا تصل اليه نكرهم واوجس منهم خيفة " وجاء‌ت سارة في جماعة معها فقالت لهم مالكم تمتنعون من طعام خليل الله فقالوا لابراهيم (لا تخف انا ارسلنا إلى قوم لوط) ففزعت سارة، وضحكت اي حاضت وقد كان ارتفع حيضها منذ دهر طويل فقال الله عزوجل (فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب) فوضعت يدها على وجهها فقالت (ياويلتئ الد وانا عجوز وهذا بعلى شيخا ان هذا لشئ عجيب) فقال لها جبرئيل (أتعجبين من امر الله ورحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد فلما ذهب عن ابراهيم الروع وجاء‌ته البشرى) باسحق اقبل يجادل كما حكى الله عزوجل (يجادلنا في قوم لوط ان ابراهيم لحليم اواه منيب) فقال ابراهيم لجبرئيل بما اذا ارسلت قال بهلاك قوم لوط فقال ابراهيم " ان فيها لوطا " قال جبرئيل نحن اعلم بمن فيها لننجيه واهله " إلا امرأته كانت من الغابرين " قال ابراهيم ياجبرئيل ان كان في المدينة مائة رجل من المؤمنين يهلكهم الله قال لا قال فان كان فيهم خمسون قال لا قال فان كان فيهم عشرة رجال قال لا قال فان كان واحد قال لا وهو قوله فما وجدنا فيها غير بيت من
     
    [335]
     
    المسلمين فقال ابراهيم ياجبرئيل راجع ربك فيهم فاوحى الله كلمح البصر (يا ابراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء امر ربك وانهم اتاهم عذاب غير مردود) فخرجوا من عند ابراهيم عليه السلام فوقفوا على لوط في ذلك الوقت وهو يسقي زرعه فقال لهم لوط من انتم قالوا نحن ابناء السبيل اضفنا الليلة، فقال لهم ياقوم ان اهل هذه القرية قوم سوء لعنهم الله واهلكهم ينكحون الرجال ويأخذون الاموال فقالوا فقد ابطأنا فاضفنا فجاء لوط إلى اهله وكانت منهم فقال لها انه قد اتاني اضياف في هذه الليلة فاكتمي عليهم حتى اعفو عنك جميع ما كان منك الي هذا الوقت، قالت افعل وكانت العلامة بينها وبين قومها اذا كان عند لوط اضياف بالنهار تدخن فوق السطح وإذا كان بالليل توقد النار، فلما دخل جبرئيل والملائكة معه بيت لوط عليه السلام وثبت امرأته على السطح فاوقدت نارا فعلم اهل القرية واقبلوا اليه من كل ناحية كما حكى الله عزوجل (وجاء‌ه قومه يهرعون اليه) اي يسرعون ويعدون فلما صاروا الي باب البيت قالوا يالوط أو لم ننهك عن العالمين فقال لهم كما حكى الله (هؤلاء بناتي هن اطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد).
     
    وحدثني ابى عن محمد بن عمرو رحمه الله في قول لوط عليه السلام " هؤلاء بناتي هن اطهر لكم " قال عني به ازواجهم وذلك ان النبي ابوامته، فدعاهم إلى الحلال ولم يكن يدعوهم إلى الحرام، فقال ازواجكم هن اطهر لكم (قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وانك لتعلم ما نريد) فقال لوط لما يئس (لو ان لي بكم قوة او آوى إلى ركن شديد) اخبرنا الحسن بن علي بن مهزيار عن ابيه عن ابى ابي عمير عن بعض اصحابه عن ابي عبدالله (ع) قال ما بعث الله نبيا بعد لوط إلا في عز من قومه، وحدثني محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن احمد (مسلم ط) عن محمد بن الحسين عن موسى بن سعدان عن عبدالله بن القسم عن صالح عن
     
    [336]
     
    ابي عبدالله (ع) قال في قوله قوة قال القوة القائم (ع) والركن الشديد ثلاثمائة وثلاثة عشر قال علي بن ابراهيم فقال جبرئيل لو علم ما له من القوة، فقال من انتم؟ فقال جبرئيل انا جبرئيل، فقال لوط بماذا امرت قال بهلاكهم فسأله الساعة قال (موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) فكسروا الباب ودخلوا البيت فضرب جبرئيل بجناحه على وجوههم فطمسها(1) وهو قول الله عزوجل " ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا اعينهم فذوقوا عذابي ونذر " فلما رأوا ذلك وعلموا انهم قد اتاهم العذاب فقال جبرئيل يا لوط (فاسر باهلك بقطع من الليل) واخرج من بينهم انت وولدك (ولا يلتفت منكم احد إلا امرأتك انه مصيبها ما اصابهم) وكان في قوم لوط رجل عالم فقال لهم يا قوم قد جاء‌كم العذاب الذي كان يعدكم لوط فاحرسوه ولا تدعوه يخرج من بينكم فانه ما دام فيكم لا يأتيكم العذاب، فاجتمعوا حول داره يحرسونه فقال جبرئيل يا لوط اخرج من بينهم فقال كيف اخرج وقد اجتمعوا حول داري، فوضع بين يديه عمودا من نور فقال له اتبع هذا العمود ولا يلتفت منكم احد فخرجوا من القرية من تحت الارض فالتفتت امرأته فارسل الله عليها صخرة فقتلتها، فلما طلع الفجر صارت الملائكة الاربعة كل واحد في طرف من قريتهم فقلعوها من سبع ارضين إلى تخوم الارض ثم رفعوها في الهواء حتى سمع اهل السماء نباح الكلاب وصراخ الديكة ثم قلبوها عليهم وامطرهم الله (حجارة من سجيل منضودة مسومة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد) قوله " منضود " يعني بعضها على بعض منضدة وقوله " مسومة " اى منقوطة.
     
    حدثني ابي عن سليمان الديلمي عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام في قوله " وامطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة " قال ما من عبد يخرج من الدنيا يستحل عمل قوم لوط إلا رماه الله كبده من تلك الحجارة تكون منيته
     
    ___________________________________
     
    (1) الطموس كالدروس لفظا ومعنى.ج ز
     
    [337]
     
    فيها ولكن الخلق لا يرونه.
     
    ثم ذكر عزوجل هلاك اهل مدين فقال (والى مدين اخاهم شعيبا - إلى قوله - ولا تعثوا في الارض مفسدين) قال بعث الله شعيبا إلى مدين وهى قرية على طريق الشام فلم يؤمنوا به وحكى الله قولهم (قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك ان نترك ما يعبد آباؤنا - إلى قوله - الحليم الرشيد) قال قالوا انك لانت السفيه الجاهل فكنى الله عزوجل قولهم فقال (انك لانت الحليم الرشيد) وانما اهلكهم الله بنقص المكيال والميزان (قال يا قوم أرأيتم ان كنت علي بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما اريد ان اخالفكم إلى ما انهيكم عنه ان اريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيق إلا بالله عليه توكلت واليه انيب) ثم ذكرهم وخوفهم بما نزل بالامم الماضية فقال (ياقوم لا يجر منكم شقاقي ان يصيبكم مثل ما اصاب قوم نوح او قوم هود او قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد قالوا ياشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وانا لنراك فينا ضعيفا) وقد كان ضعف بصره (ولولا رهطلك لرجمناك وما انت علينا بعزيز - إلى قوله - اني معكم رقيب) اي انتظروا فبعث الله عليهم صيحة فماتوا وهو قوله (فلما جاء امرنا نجيبنا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا واخذت الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود).
     
    ثم ذكر عزوجل قصة موسى (ع) فقال (ولقد ارسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين - إلى قوله - واتبعوا في هذه لعنة) يعني الهلاك والغرق (ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) اي يرفدهم الله بالعذاب ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (ذلك من انباء القرى) اي اخبارها (نقصه عليك - يا محمد - منها قائم وحصيد - إلى قوله - وما زادوهم غير تتبيب) اي غير تخسير (وكذلك اخذ ربك إذ اخذ القرى وهى ظالمة إن اخذه اليم شديد ان في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة
     
    [338]
     
    ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) اي يشهد عليهم الانبياء والرسل (وما نؤخره إلا لاجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا باذنه فمنهم شقي وسعيد فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والارض) فهذا هو في نار الدنيا قبل القيامة ما دامت السموات والارض وقوله (واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها) يعني في جنات الدنيا التي تنقل اليها ارواح المؤمنين (ما دامت السموات والارض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) يعني غير مقطوع من نعيم الآخرة في الجنة يكون متصلا به وهو رد على من ينكر عذاب القبر والثواب والعقاب في الدنيا في البرزخ قبل يوم القيامة وقوله (وان كلا لما ليوفينهم ربك اعمالهم) قال في القيامة ثم قال لنبيه (فاستقم كما امرت ومن تاب معك ولا تطغوا) اي في الدنيا لا تطغوا (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) قال ركون مودة ونصيحة وطاعة (وما لكم من دون الله من اولياء ثم لا تنصرون) وقوله (أقم الصلاة طرفي النهار) الغداة والمغرب (وزلفا من الليل) العشاء الآخرة (ان الحسنات يذهبن السيئات) فان صلاة المؤمنين في الليل تذهب ما عملوا بالنهار من السيئات والذنوب ثم قال (ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة) اي على مذهب واحد (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال في قوله: لا يزالون مختلفين في الدين إلا من رحم ربك يعني آل محمد واتباعهم يقول الله ولذلك خلقهم يعني اهل رحمة لا يختلفون في الدين قوله (وتمت كلمة ربك لاملان جهنم من الجنة والناس اجمعين) وهم الذين سبق الشقاء لهم فحق عليهم القول انهم للنار خلقوا وهم الذين حقت عليهم كلمة ربك انهم لا يؤمنون قال علي بن ابراهيم ثم خاطب الله نبيه فقال (وكلا نقص عليك من انباء الرسل اي اخبارهم (ما نثبت به فؤادك وجاء‌ك في هذه الحق) في القرآن وهذه السورة من اخبار الانبياء وهلاك الامم ثم قال (وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على
     
    [339]
     
    مكانكم انا عاملون) اي نعاقبكم (وانتظروا انا منتظرون ولله غيب السموات والارض واليه يرجع الامر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون).


    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي  
    مكية اياتها مأة واحدى عشر
     
    (بسم الله الرحمن الرحيم الرا تلك آيات الكتاب المبين انا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) اي كي تعقلوا ثم خاطب الله نبيه فقال (نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن وان كنت من قبله لمن الغافلين) ثم قص قصة يوسف لابيه (ياابت اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن احمد قال حدثنا علي بن محمد عمن حدثه عن المنقري عن عمرو بن شمر عن اسماعيل السندي عن عبدالرحمن ابن سابط القرشي عن جابر بن عبدالله الانصاري في قول الله عزوجل " اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " قال في تسمية النجوم هو الطارق وحوبان والذيال (الدبال ك) وذو الكتفين (ذو الكنفين ط) ووثاب وقابس وعمودان وفليق (فيلق) ومصبح والصرح والفروع (والقروع) والضياء والنور يعني الشمس والقمر وكل هذه النجوم محيطة بالسماء، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال تأويل هذه الرؤيا انه سيملك مصر ويدخل عليه ابواه واخوته، اما الشمس فأم يوسف راحيل والقمر يعقوب واما احد عشر كوكبا فاخوته، فلما دخلوا عليه سجدوا شكرا لله وحده حين نظروا اليه وكان ذلك السجود لله.
     
    قال علي بن ابراهيم فحدثنى ابي عن عمرو بن شمر عن جابر عن ابي جعفر عليه السلام انه كان من خبر يوسف عليه السلام انه كان له احد عشر اخا فكان له من امه
     
    [340]
     
    اخ واحد يسمى بنيامين وكان يعقوب اسرائيل الله ومعنى اسرائيل الله خالص الله بن اسحاق نبي الله ابن ابراهيم خليل الله، فرأى يوسف هذه الرؤيا وله تسع سنين فقصها على ابيه فقال يعقوب (يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا ان الشيطان للانسان عدو مبين) " يكيدوا لك كيدا " أي يحتالوا عليك، فقال يعقوب ليوسف (وكذلك يجبتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما اتمها على ابويك من قبل ابراهيم واسحق ان ربك عليم حكيم) وكان يوسف من احسن الناس وجها وكان يعقوب يحبه ويؤثره على اولاده فحسده اخوته علي ذلك وقالوا فيما بينهم كما حكى الله عزوجل (إذ قالوا ليوسف واخوه احب الي ابينا منا ونحن عصبة) اي جماعة (ان ابانا لفي ضلال مبين) فعمدوا علي قتل يوسف فقالوا نقتله حتى يخلو لنا وجه ابينا فقال لاوي لا يجوز قتله ولكن نغيبه عن ابينا ونخلو نحن به فقالوا كما حكى الله عزوجل (يا ابانا مالك لا تأمنا علي يوسف وانا له لناصحون ارسله معنا غدا يرتع ويلعب) اي يرعى الغنم ويلعب (وانا له لحافظون) فاجرى الله علي لسان يعقوب (انى ليحزنني ان تذهبوا به واخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون) فقالوا كما حكى الله (لئن اكله الذئب ونحن عصبة انا إذا لخاسرون) والعصبة عشرة إلى ثلاثة عشر (فلما ذهبوا به واجمعوا ان يجعلوه في غيابة الجب واوحينا اليه لتنبئنهم بامرهم هذا وهم لا يشعرون) اي لاخبرنهم بما هموا به.
     
    وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله " لتنبئنهم بامرهم هذا وهم لا يشعرون " يقول لا يشعرون انك انت يوسف اتاه جبرئيل واخبره بذلك قال علي بن ابراهيم فقال لاوي القوه في هذا الجب (يلتقطه بعض السيارة ان كنتم فاعلين) فادنوه من رأس الجب فقالوا له انزع قميصك فبكى وقال يااخوتي لا تجردوني، فسل واحد منهم عليه السكين وقال لئن لم تنزعه لاقتلنك
     
    [341]
     
    فنزعه فألقوه في اليم وتنحوا عنه فقال يوسف في الجب يا إله ابراهيم واسحق ويعقوب ارحم ضعفي وقلة حيلتي وصغري، فنزلت سيارة من اهل مصر، فبعثوا رجلا ليستقي لهم الماء من الجب فلما ادلي الدلو على يوسف تشبت بالدلو فجروه فنظروا إلى غلام من احسن الناس وجها فعدوا الي صاحبهم فقالوا يا بشرى هذا غلام فنخرجه ونبيعه ونجعله بضاعة لنا فبلغ اخوته فجاؤا وقالوا هذا عبد لنا، ثم قالوا ليوسف لئن لم تقر بالعبودية لنقتلنك فقالت السيارة ليوسف ما تقول قال نعم انا عبدهم، فقالت السيارة أفتبيعونه منا؟ قالوا نعم فباعوه منهم على ان يحملوه إلى مصر (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين) قال الذي بيع بها يوسف ثمانية عشر درهما وكان عندهم كما قال الله تعالى " وكانوا فيه من الزاهدين) اخبرنا احمد بن ادريس عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد ابن محمد عن ابي بصير عن الرضا عليه السلام في قول الله " وشروه بثمن بخس دراهم معدودة " قال كانت عشرين درهما والبخس النقص وهى قيمة كلب الصيد إذا قتل كان قيمته عشرين درهما.
     
    وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (وجاؤا على قميصه بدم كذب) قال انهم ذبحوا جديا على قميصه، قال علي بن ابراهيم ورجع اخوته فقالوا نعمد إلى قميصه فنلطخه بالدم ونقول لابينا ان الذئب اكله فلما فعلوا ذلك قال لهم لاوي يا قوم ألسنا بني يعقوب اسرائيل الله بن اسحق نبي الله ابن ابراهيم خليل الله أفتظنون ان الله يكتم هذا الخبر عن انبيائه، فقالوا وما الحيلة؟ قال نقوم ونغتسل ونصلي جماعة ونتضرع إلى الله تعالى ان يكتم ذلك الخبر عن نبيه فانه جواد كريم، فقاموا واغتسلوا وكان في سنة ابراهيم واسحق ويعقوب انهم لا يصلون جماعة حتى يبلغوا احد عشر رجلا فيكون واحد
     
    [342]
     
    منهم اماما وعشرة يصلون خلفه فقالوا كيف نصنع وليس لنا امام(1) فقال لاوي نجعل الله امامنا فصلوا وتضرعوا وبكوا وقالوا يارب اكتم علينا هذا ثم جاؤا إلى ابيهم عشاء‌ا يبكون ومعهم القميص قد لطخوه بالدم فقالوا (ياابانا انا ذهبنا نستبق) اي نعدو (وتركنا يوسف عند متاعنا فاكله الذئب وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين - إلى قوله - على ما تصفون) ثم قال يعقوب ما كان اشد غضب ذلك الذئب على يوسف واشفقه علي قميصه حيث اكل يوسف ولم يمزق قميصه.
     
    قال فحملوا يوسف إلى مصر وباعوه من عزيز مصر فقال العزيز (لامرأته اكرمي مثواه) اي مكانه (عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا) ولم يكن له ولد فاكرموه وربوه فلما بلغ اشده هوته امرأة العزيز وكانت لا تنظر إلى يوسف امرأة إلا هوته ولا رجل إلا احبه وكان وجهه مثل القمر ليلة البدر فراودته امرأة العزيز وهو قوله (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الابواب وقالت هيت لك قال معاذ الله انه ربى احسن مثواي انه لا يفلح الظالمون) فما زالت تخدعه حتى كان كما قال الله عزوجل (ولقد همت به وهم بها لولا ان رأى برهان ربه) فقامت امرأة العزيز وغلفت الابواب فلما هما رأى يوسف صورة يعقوب في ناحية البيت عاضا على اصبعيه يقول يا يوسف ! انت في السماء مكتوب في النبيين وتريد ان تكتب في الارض من الزناة؟ فعلم انه قد اخطأ وتعدى، وحدثني ابي عن بعض رجاله رفعه قال قال ابوعبدالله عليه السلام لما همت به وهم بها قامت إلى صنم في بيتها فالقت عليه الملاء‌ة لها فقال لها يوسف ما تعملين؟ قالت القي على هذا الصنم ثوبا لا يرانا فانى استحيي منه، فقال يوسف فانت
     
    ___________________________________
     
    (1) وذلك لان بنيامين كان في البيت فكانوا عشرا.ج.ز
     
    [343]
     
    تستحين من صنم لا يسمع ولا يبصر ولا استحي انا من ربي فوثب وعدا وعدت من خلفه وادركهما العزيز على هذه الحالة وهو قول الله تعالى (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدا الباب) فبادرت امرأة العزيز فقالت للعزيز (ما جزاء من اراد باهلك سوء‌ا إلا ان يسجن او عذاب اليم) فقال يوسف للعزيز (هى راودتني عن نفسي وشهد شاهد من اهلها) فألهم الله يوسف ان قال للملك سل هذا الصبي في المهد فانه يشهد انها راودتني عن نفسي، فقال العزيز للصبي فانطق الله الصبي في المهد ليوسف حتى قال (ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين) فلما رأى قميصه قد تخرق من دبر قال لامرأته (انه من كيدكن ان كيدكن عظيم (ثم قال ليوسف (أعرض عن هذا واستغفري لذنبك انك كنت من الخاطئين) وشاع الخبر بمصر وجعلت النساء يتحدثن بحديثها ويعيرنها ويذكرنها وهو قوله (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه) فبلغ ذلك امرأة العزيز فبعثت إلى كل امرأة رئيسة فجمعتهن في منزلها وهئيت لهن مجلسا ودفعت إلى كل امرأة اترنجة وسكينا فقالت اقطعن ثم قالت ليوسف (اخرج عليهن) وكان في بيت فخرج يوسف عليهن فلما نظرن اليه اقبلن يقطعن ايديهن وقلن كما حكى الله عزوجل (فلما سمعت بمكرهن ارسلت اليهن واعتدت لهن متكأ) اي اترنجة (وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه اكبرنه) إلى قوله (ان هذا إلا ملك كريم) فقالت امرأة العزيز (فذلكن الذي لمتنني فيه) اي في حبه (ولقد راودته عن نفسه) اي دعوته (فاستعصم) اي امتنع ثم قالت (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين) فما امسى يوسف في ذلك البيت حتى بعثت اليه كل امرأة رأته تدعوه إلى نفسها فضجر يوسف فقال (رب السجن احب الي مما يدعونني اليه والا
     
    [344]
     
    تصرف عني كيدهن) اي حيلهن (اصب اليهن) اي اميل اليهن وامرت امرأة العزيز بحبسه فحبس في السجن وفي رواية ابى الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) فالآيات شهادة الصبي والقميص المخرق من دبر واستباقهما الباب حتى سمع مجاذبتها اياه على الباب فلما عصاها فلم تزل ملحة بزوجها حتى حبسه (ودخل معه السجن فتيان) يقول عبدان للملك احدهما خباز والآخر صاحب الشراب والذي كذب ولم ير المنام هو الخباز، رجع إلى حديث علي بن ابراهيم قال ووكل الملك بيوسف رجلين يحفظانه فلما دخلا السجن قالا له ما صناعتك؟ قال اعبر الرؤيا فرأى احد الموكلين في نومه كما قال الله عزوعلى (اعصر خمرا) قال يوسف تخرج وتصير على شراب الملك وترتفع منزلتك عنده وقال الآخر (اني أرانى احمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه) ولم يكن رأى ذلك فقال له يوسف انت يقتلك الملك ويصلبك وتأكل الطير من دماغك، فجحد الرجل وقال اني لم أر ذلك، فقال يوسف كما قال الله تعالى (يا صاحبى السجن اما احدكما فيسقى ربه خمرا واما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الامر الذي فيه تستفتيان) فقال ابوعبدالله عليه السلام في قوله " انا نراك من المحسنين " قال كان يقوم على المريض ويلتمس المحتاج ويوسع على المحبوس فلما اراد من رأى في نومه يعصر الخمر الخروج من الحبس قال له يوسف (اذكرني عند ربك) فكان كما قال الله عزوجل (فانساه الشيطان ذكر ربه) اخبرنا الحسن به علي عن ابيه عن اسماعيل بن عمر عن شعيب العقرقوفي عن ابي عبدالله عليه السلام قال ان يوسف اتاه جبرئيل فقال له: يا يوسف ان رب العالمين يقرؤك السلام ويقول لك من جعلك في احسن خلقه؟ قال فصاح ووضع خده على الارض ثم قال انت يارب، ثم قال له: ويقول لك من حببك إلى ابيك دون اخوتك؟ قال فصاح ووضع خده على الارض
     
    [345]
     
    وقال انت يا رب، قال ويقول لك: من اخرجك من الجب بعد ان طرحت فيها وايقنت بالهلكة؟ قال فصاح ووضع خده على الارض ثم قال انت يارب قال: فان ربك قد جعل لك جل عقوبة في استغاثتك بغيره فلبثت في السجن بضع سنين، قال فلما انقضت المدة واذن الله له في دعاء الفرج فوضع خده على الارض ثم قال " اللهم ان كانت ذنوبي قد اخلقت وجهي عندك فاني اتوجه اليك بوجه آبائي الصالحين ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب " ففرج الله عنه، قلت جعلت فداك أندعو نخن بهذا الدعاء؟ فقال ادع بمثله " اللهم ان كانت ذنوبي قد اخلقت وجهي عندك فاني اتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة عليهم السلام ".
     
    قال علي بن ابراهيم ثم ان الملك رأى رؤيا فقال لوزرائه اني رأيت في نومي (سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف) اي مهازيل، ورأيت (سبع سنبلات خضر واخر يابسات) وقرأ ابوعبدالله عليه السلام سبع سنابل خضر ثم قال (ياايها الملا أفتوني في رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون) فلم يعرفوا تأويل ذلك، فذكر الذي كان على رأس الملك رؤياه التي رآها وذكر يوسف بعد سبع سنين وهو قوله (وقال الذي نجا منهما وادكر بعد امة) اى بعد حين (انا انبئكم بتأويله فارسلون) فجاء إلى يوسف فقال (ايها الصديق افتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابسات) قال يوسف (تزرعون سبع سنين دأبا) اي ولاء‌ا (فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون) أي لا تدوسوه فانه يفسد في طول سبع سنين واذا كان في سنبله لا ينفسد (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن) اي سبع سنين مجاعة شديدة يأكلن ما قدمتم لهن في السبع سنين الماضية قال الصادق عليه السلام إنما نزل ما قربتم لهن (ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون)
     
    [346]
     
    اي يمطرون، وقال ابوعبدالله عليه السلام قرأ رجل على امير المؤمنين عليه السلام ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون قال ويحك اي شئ يعصرون أيعصرون الخمر؟ قال الرجل يا امير المؤمنين كيف اقرؤها؟ قال إنما نزلت " عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون "(1) اي يمطرون بعد سنين المجاعة والدليل على ذلك قوله " وانزلنا من المعصرات ماء‌ا ثجاجا " فرجع الرجل إلى الملك فاخبره بما قال يوسف فقال الملك (إئتوني به فلما جاء‌ه الرسول قال ارجع إلى ربك) يعني إلى الملك (فسئله ما بال النسوة التي قطعن ايديهن ان ربي بكيدهن عليم) فجمع الملك النسوة فقال لهن (ما خطبكن اذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص(2) الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين ذلك ليعلم اني لم اخنه بالغيب وان الله لا يهدي كيد الخائنين) أي لا اكذب عليه الآن كما كذبت عليه من قبل ثم قالت الجزء(13) (وما أبرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء) اي تأمر بالسوء فقال الملك (إئتوني به استخلصه لنفسي) فلما نظر إلى يوسف (قال انك اليوم لدينا مكين امين) سل حاجتك (قال اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم) يعني على الكناديج والانابير فجعله عليها وهو قوله (وكذلك مكنا ليوسف في الارض يتبوء منها حيث يشاء) فامر يوسف ان يبنى كناديج(3) من صخر وطينها بالكلس(4) ثم امر بزروع مصر فحصدت ودفع إلى كل انسان حصته وترك الباقي في سنبله لم يدسه، فوضعها في الكناديج ففعل ذلك سبع سنين فلما جاء سني الجدب فكان يخرج السنبل فيبيع بما شاء، وكان بينه وبين ابيه ثمانية عشر يوما وكانوا في بادية وكان الناس من الآفاق يخرجون إلى مصر ليمتاروا طعاما وكان يعقوب
     
    ___________________________________
     
    (1) اى مبنيا للمجهول.واعصروا اى امطروا.والمعصرات السحاب.
     
    (2) جصحص.وضح.
     
    (3) جمع كندوج كصندوق شبه المخزن.
     
    (4) الكلس بالكسر الصاروج (النورة)
     
    [347]
     
    وولده نزولا في بادية فيه مقل(1) فاخذ اخوة يوسف من ذلك المقل وحملوه إلى مصر ليمتاروا به وكان يوسف يتولى البيع بنفسه فلما دخلوا اخوته على يوسف عرفهم ولم يعرفوه كما حكى الله عزوعلا (وهم له منكرون ولما جهزهم بجهازهم) واعطاهم واحسن اليهم في الكيل قال لهم من انتم؟ قالوا نحن بنو يعقوب بن اسحق بن ابراهيم خليل الله الذي القاه نمرود في النار فلم يحترق وجعلها الله عليه بردا وسلاما، قال فما فعل ابوكم؟ قالوا شيخ ضعيف، قال فلكم اخ غيركم؟ قالوا لنا اخ من ابينا لا من امنا، قال فاذا رجعتم الي فأتوني به وهو قوله (ائتوني باخ لكم من ابيكم ألا ترون انى اوفي الكيل وانا خير المنزلين فان لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه اباه وانا لفاعلون) ثم قال يوسف لقومه ردوا هذه البضاعة التى حملوها الينا واجعلوها فيما بين رحالهم حتى اذا رجعوا إلى منازلهم ورأوها رجعوا الينا وهو قوله (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى اهلهم لعلهم يرجعون) يعني كي يرجعوا (فلما رجعوا إلى ابيهم قالوا يا ابانا منع منا الكيل فارسل معنا اخانا نكتل وانا له لحافظون) فقال يعقوب (هل آمنكم عليه إلا كما آمنتكم على اخيه من قبل فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين فلما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت اليهم) في رحالهم التي حملوها إلى مصر (قالوا ياابانا ما نبغي) اي ما نريد (هذه بضاعتنا ردت الينا ونمير اهلنا ونحفظ اخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير) فقال يعقوب (لن ارسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا ان يحاط بكم فلما آتوه موثقهم) قال يعقوب (الله على ما نقول وكيل) فخرجوا وقال لهم يعقوب (لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة
     
    ___________________________________
     
    (1) المقل بالضم صمغ شجرة نافع للسعال وهش الهوام والبواسير وتنقية الرحم وتسهيل الولادة وانزال المشيمة وحصاة الكلية والرياح الغليظة مدرباه مسمن محلل للاورام ق.
     
    [348]
     
    - إلى قوله - اكثر الناس لا يعلمون) فخرجوا وخرج معهم بنيامين وكان لا يؤاكلهم ولا يجالسهم ولا يكلمهم فلما وافوا مصر ودخلوا على يوسف وسلموا فنظر يوسف إلى اخيه فعرفه فجلس منهم بالبعد، فقال يوسف انت اخوهم؟ قال نعم، قال فلم لا تجلس معهم؟ قال لانهم اخرجوا من ابي وامي ثم رجعوا ولم يردوه وزعموا ان الذئب اكله فآليت على نفسي ألا اجتمع معهم على امر ما دمت حيا، قال فهل تزوجت؟ قال بلى، قال فولد لك ولد؟ قال بلى، قال كم ولد لك؟ قال ثلاث بنين، قال فما سميتهم؟ قال سميت واحدا منهم الذئب وواحدا القميص وواحدا الدم، قال وكيف اخترت هذه الاسماء؟ قال لئلا انسى اخي كلما دعوت واحدا من ولدي ذكرت اخي، قال يوسف لهم اخرجوا وحبس بنيامين عنده فلما خرجوا من عنده قال يوسف لاخيه انا اخوك يوسف (فلا تبتئس بما كانوا يعملون) ثم قال له انا احب ان تكرن عندي، فقال لا يدعوني اخوتي فان ابي قد اخذ عليهم عهد الله وميثاقه ان يرودني اليه، قال فانا احتال بحيلة فلا تنكر إذا رأيت شيئا ولا تخبرهم فقال لا، فلما جهزهم بجهازهم واعطاهم واحسن اليهم قال لبعض قوامه اجعلوا هذا الصواع في رحل هذا وكان الصواع الذي يكيلون به من ذهب فجعلوه في رحله من حيث لم يقفوا عليه فلما ارتحلوا بعث اليهم يوسف وحبسهم ثم امر مناديا ينادي (ايتها العير انكم لسارقون) فقال اخوة يوسف (ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم) اي كفيل فقال اخوة يوسف ليوسف (تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين) قال يوسف (فما جزاؤه ان كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله) فخذه فاحبسه (فهو جزاؤه كذلك تجزي الظالمين فبدأ باوعيتهم قبل وعاء اخيه ثم استخرجها من وعاء اخيه) فتشبثوا باخيه وحبسوه وهو قوله (كذلك كدنا
     
    [349]
     
    ليوسف) اي احتلنا له (وما كان ليأخذ اخاه في دين الملك إلا ان يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم) فسئل الصادق عليه السلام عن قوله " ايتها العير انكم لسارقون " قال ما سرقوا وما كذب يوسف فانما عني سرقتم يوسف من ابيه، وقوله ايتها العير معناه يااهل العير ومثله قولهم لابيهم (واسئل القرية التي كنا فيها والعير التي اقبلنا فيها) يعني اهل العير فلما اخرج ليوسف الصواع من رحل اخيه قال اخوته (ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل) يعنون يوسف فتغافل يوسف عليهم وهو قوله (فاسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال انتم شر مكانا والله اعلم بما تصفون) فاجتمعوا إلى يوسف وجلودهم تقطر دما اصفر فكانوا يجادلونه في حبسه.
     
    وكانوا ولد يعقوب اذا غضبوا خرج من ثيابهم شعر ويقطر من رؤسهم دم اصفر وهم يقولون (ياايها العزيز ان له ابا شيخا كبيرا فخذ احدنا مكانه انا نراك من المحسنين فاطلق عن هذا فلما رأى يوسف ذلك (قال معاذ الله ان نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) ولم يقل إلا من سرق متاعنا (انا اذا لظالمون فلما استيأسوا منه) وارادوا الانصراف إلى ابيهم قال لهم لاوي بن يعقوب (ألم تعلموا ان اباكم قد اخذ عليكم موثقا من الله) في هذا (ومن قبل ما فرطتم في يوسف) فارجعوا انتم إلى ابيكم فاما انا فلا ارجع اليه (حتى يأذن لي ابي او يحكم الله لي وهو خير الحاكمين) ثم قال لهم (ارجعوا إلى ابيكم فقولوا يا ابانا ان ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي اقبلنا فيها) اي اهل القرية واهل العير (وانا لصادقون).
     
    قال فرجع اخوة يوسف إلى ابيهم وتخلف يهودا فدخل على يوسف فكلمه حتى ارتفع الكلام بينه وبين يوسف وغضب وكانت على كتف يهودا شعرة فقامت الشعرة فاقبلت تقذف بالدم وكان لا يسكن حتى يمسه بعض اولاد يعقوب، قال
     
    [350]
     
    فكان بين يدي يوسف ابن له في يده رمانة من ذهب يلعب بها فلما رأى يوسف ان يهودا قد غضب وقامت الشعرة تقذف بالدم اخذ الرمانة من الصبي ثم دحرجها نحو يهودا وتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فذهب غضبه، قال فارتاب يهودا ورجع الصبي بالرمانة إلى يوسف ثم ارتفع الكلام بينهما حتى غضب يهودا وقامت الشعرة تقذف بالدم فلما رأى ذلك يوسف دحرج الرمانة نحو يهودا فتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فسكن غضبه وقال ان في البيت لمن ولده يعقوب حتى صنع ذلك ثلاث مرات، فلما رجعوا اخوة يوسف إلى ابيهم واخبروه بخبر اخيهم قال يعقوب (بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل عسى الله ان يأتيني بهم جميعا انه هو العليم الحكيم ثم تولى عنهم وقال يا اسفا على يوسف وابيضت عيناه من الحزن) يعني عميت من البكاء (فهو كظيم) اي محزون والاسف اشد الحزن وسئل ابوعبدالله عليه السلام ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف؟ قال حزن سبعين ثكلى باولادها وقال إن يعقوب لم يعرف الاسترجاع ومن هنا قال وا اسفا على يوسف فقالوا له (تالله تفتؤ تذكر يوسف) اي لا تفتؤ عن ذكر يوسف (حتى تكون حرضا) اي ميتا (او تكون من الهالكين) فقال (إنما اشكوا بثي وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون) حدثني ابي عن حسان بن سدير عن ابيه عن ابي جعفر عليه السلام قال قلت له اخبرني عن يعقوب حين قال لولده (اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه) اكان علم انه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عيناه من البكاء عليه، قال نعم علم انه حي حتى انه دعا ربه في السحر ان يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه ملك الموت في اطيب رائحة واحسن صورة فقال له من انت؟ قال انا ملك الموت أليس سألت الله ان ينزلتي عليك؟ قال نعم قال ما حاجتك يا يعقوب؟ قال له اخبرنى عن الارواح تقبضها جملة او تفاريقا؟ قال يقبضها اعواني متفرقة ثم تعرض علي
     
    [351]
     
    مجتمعة؟ قال يعقوب فاسألك بآله ابراهيم واسحق ويعقوب هل عرض عليك في الارواح روح يوسف فقال لا فعند ذلك علم انه حي فقال لولده (اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا تيئسوا من روح الله انه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون) فكتب عزيز مصر إلى يعقوب: اما بعد فهذا ابنك قد اشتريته بثمن بخس دراهم معدودة وهو يوسف واتخذته عبدا وهذا ابنك بنيامين وقد وجدت متاعي عنده واتخذته عبدا، فما ورد على يعقوب شئ اشد عليه من ذلك الكتاب فقال للرسول مكانك حتى اجيبه فكتب اليه يعقوب عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب اسرائيل الله ابن اسحق بن ابراهيم خليل الله اما بعد فقد فهمت كتابك تذكر فيه انك اشتريت ابني واتخذته عبدا وان البلاء موكل ببني آدم ان جدي ابراهيم القاه نمرود ملك الدنيا في النار فلم يحترق وجعلها الله عليه بردا وسلاما وان ابى اسحق(1) امر الله تعالى جدي
     
    ___________________________________
     
    (1) قال جدي السيد الجزائري رحمه الله في قصص الانبياء: " اختلف علماء الاسلام في تعيين الذبيح هل هو اسماعيل او اسحق (ع) فذهبت الطائفة المحقة من اصحابنا وجماعة من العامة إلى انه اسماعيل (ع) والاخبار الصحيحة دالة عليه مع دلالة غيرها من الآيات ودلائل العقل، وذهب طائفة من الجمهور إلى انه اسحق (ع) وبه اخبار واردة من الطرفين، وطريق تأويلها اما ان تحمل على التقية، واما حملها على ما قاله الصدوق (رح) صار ذبيحا بالنية والتمني قال الصدوق (رح) في العيون: " قد اختلفت الروايات في الذبح، فمنها ما ورد بانه اسماعيل، ومنها ما ورد بانه اسحق (ع) ولا سبيل إلى رد الاخبار متى صح طرقها وكان الذبيح اسماعيل عليه السلام لكن اسحق لما ولد بعد ذلك تمنى انه هو الذي امر ابوه بذبحه فكان يصبر لامر الله كصبر اخيه فينال بذلك درجته في الثواب، فعلم الله عزوجل من قلبه فسماه بين ملائكته ذبيحا لتمنيه ذلك " ثم حمل رحمه الله قول النبي صلى الله عليه وآله: " انا ابن الذبيحين " علي ذلك (اقول) ان بعض الروايات المعتبرة كرواية هذا التفسير وغيره آب عن الحمل فانها مصرحة بذبح اسحق حقيقة لا مجازا وفداه بكبش، فعليه لا مجال إلى ما ذهب اليه الصدوق رحمه الله من الحمل فاما ان تحمل هذه الروايات - كما قال جدي رح - على التقية او على تعدد الواقعة.ج.ز
     
    [352]
     
    ان يذبحه بيده فلما اراد ان يذبحه فداه الله بكبش عظيم وانه كان لي ولد لم يكن في الدنيا احد احب الي منه وكان قرة عيني وثمرة فؤادي فاخرجوه اخوته ثم رجعوا الي وزعموا ان الذئب اكله فاحدودب لذلك ظهري وذهب من كثرة البكاء عليه بصري وكان له اخ من امه كنت آنس به فخرج مع اخوته إلى ملكك ليمتاروا لنا طعاما فرجعوا وذكروا انه سرق صواع الملك وانك حبسته وانا اهل بيت لا يليق بنا السرق ولا الفاحشة وانا اسألك بآله ابراهيم واسحق ويعقوب إلا ما مننت علي به وتقربت إلى الله ورددته الي " فلما ورد الكتاب على يوسف اخذه ووضعه على وجهه وقبله وبكى بكاء‌ا شديدا ثم نظر إلى اخوته فقال (هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه إذ انتم جاهلون فقالوا ء‌انك لانت يوسف فقال انا يوسف وهذا اخي قد من الله علينا انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين) فقالوا كما حكى الله عزوجل (لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم) اي لا تعيير (يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين) قال فلما ولي الرسول إلى الملك بكتاب يعقوب رفع يعقوب يديه إلى السماء فقال: " ياحسن الصحبة ياكريم المعونة ياخيرا كله ائتني بروح منك
     
    [353]
     
    وفرج من عندك " عليه جبرئيل عليه السلام فقال يعقوب الا اعلمك دعوات يردالله عليك بصرك وابنيك؟ قال نعم قال قل: " يامن لا يعلم احد كيف هو إلا هو يامن شيد (سد ط) السماء بالهواء وكبس الارض على الماء واختار لنفسه احسن الاسماء ائتني بروح منك وفرج من عندك " قال فما انفجر عمود الصبح حتى اوتي بالقميص فطرح عليه فرد الله عليه بصره وولده قال ولما امر الملك بحبس يوسف في السجن الهمه الله تأويل الرؤيا فكان يعبر لاهل السجن فلما سألاه الفتيان الرؤيا وعبر لهما وقال للذي ظن انه ناج منهما اذكرنى عند ربك ولم يفزع في تلك الحالة إلى الله فاوحى الله اليه من اراك الرؤيا التى رأيتها؟ قال يوسف انت يا رب قال فمن حببك إلى ابيك؟ قال انت يا رب، قال فمن وجه اليك السيارة التي رأيتها؟ قال انت يا رب، قال فمن علمك الدعاء الذي دعوت به حتى جعلت لك من الجب فرجا؟ قال انت يارب قال فمن انطق لسان الصبي بعذرك؟ قال انت يارب قال فمن الهمك تأويل الرؤيا؟ قال انت يا رب، قال فكيف استعنت بغيري ولم تستعن بي واملت عبدا من عبيدي ليذكرك إلى مخلوق من خلقي وفي قبضتي ولم تفزع الي ولبثت السجن بضع سنين ! فقال يوسف: " اسئلك بحق آبائي واجدادي عليك إلا فرجت عني " فاوحى الله اليه يا يوسف وأي حق لآبائك واجدادك علي؟ ان كان ابوك آدم خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي واسكنته جنتي وامرته ان لا يقرب شجرة منها فعصاني وسألنى فتبت عليه، وان كان ابوك نوح انتجبته من بين خلقي وجعلته رسولا اليهم فلما عصوا دعاني فاستجبت له واغرقتهم وانجيته ومن معه في الفلك، وان كان ابوك ابراهيم اتخذته خليلا وانجيته من النار وجعلتها بردا وسلاما، وان كان ابوك يعقوب وهبت له اثنى عشر ولدا فغيبت عنه واحدا فما زال يبكي حتى ذهب بصره وقعد في الطريق يشكونى إلى خلقي فاي حق لآبائك
     
    [354]
     
    واجدادك علي؟ قال فقال جبرئيل يا يوسف قل: أسألك بمنك العظيم وسلطانك القديم فقالها فرأى الملك الرؤيا فكان فرجه فيها وحدثني ابي عن العباس بن هلال عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال قال السجان ليوسف اني لاحبك؟ فقال يوسف ما اصابني بلاء إلا من الحب ان كانت عمتي (خالتى ط) احبتني فسرقتني وان كان ابي احبني فحسدوني اخوتى وان كانت امرأة العزيز احبتني فحبستني، قال وشكى يوسف في السجن إلى الله فقال يارب بماذا استحققت السجن؟ فاوحى الله اليه انت اخترته حين قلت: رب السجن احب الي مما يدعونني اليه هلا قلت العافية احب الي مما يدعونني اليه، وحدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن الحسن بن عمارة عن ابن سيارة عن ابى عبدالله عليه السلام قال لما طرح اخوة يوسف يوسف في الجب دخل عليه جبرئيل وهو في الجب فقال يا غلام من طرحك في هذا الجب؟ فقال له يوسف اخوتى لمنزلتي من ابى وحسدوني لذلك في الجب طرحونى، قال فتحب ان تخرج منها فقال له يوسف ذلك إلى إله ابراهيم واسحق ويعقوب، قال فان إله ابراهيم واسحق ويعقوب يقول لك قل: " اللهم انى اسألك فان لك الحمد كله لا إله إلا انت الحنان المنان بديع السموات والارض ذو الجلال والاكرام (وم) صل على محمد وآل محمد واجعل لي من امري فرجا ومخرجا وارزقني من حيث احتسب ومن حيث لا احتسب " فدعا ربه فجعل الله لا من الجب فرجا ومن كيد المرأة مخرجا وآتاه ملك مصر من حيث لا يحتسب.
     
    واما قوله (اذهبوا بقميصى هذا فالقوة على وجه ابي يأت بصيرا واتونى باهلكم اجمعين) فانه حدثني ابى عن علي بن مهزيار عن اسماعيل السراج عن يونس بن يعقوب عن المفضل الجعفي عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال اخبرنى ما كان قميص يوسف؟ قلت لا ادري قال ان ابراهيم لما اوقدت لما اوقدت له النار اتاه جبرئيل
     
    [355]
     
    بثوب من ثياب الجنة فالبسه اياه فلم يصبه معه حر ولا برد، فلما حضر ابراهيم الموت جعله في تميمة وعلقه على اسحق وعلقه اسحق على يعقوب فلما ولد ليعقوب يوسف علقه عليه فكان في عنقه حتى كان من امره ما كان فلما اخرج يوسف القميص من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله (انى لاجد ريح يوسف لولا ان تفندون) وهو ذلك القميص الذي انزل من الجنة قلت له جعلت فداك فالى من صار ذلك القميص؟ فقال إلى اهله ثم قال كل نبي ورث علما او غيره فقد انتهى إلى محمد عليه وآله السلام وكان يعقوب بفلسطين وفصلت العير من مصر فوجد يعقوب ريحه وهو من ذلك القميص الذي اخرج من الجنة ونحن ورثته صلى الله عليه وآله.
     
    اخبرنا الحسن بن علي عن ابيه عن الحسين (الحسن ط) بن بنت الياس واسماعيل بن همام عن ابي الحسن قال كانت الحكومة في بني اسرائيل اذا سرق احد شيئا استرق وكان يوسف عند عمته وهو صغير، وكانت تحبه وكانت لاسحق منطقة البسها يعقوب وكانت عند اخته وان يعقوب طلب يوسف ليأخذه من عمته فاغتمت لذلك وقالت دعه حتى ارسله اليك واخذت المنطقة فشدت بها وسطه تحت الثياب فلما اتى يوسف اباه جاء‌ت فقالت قد سرقت المنطقة ففتشته فوجدتها معه في وسطه فلذلك قالوا اخوة يوسف لما حبس يوسف اخاه حيث جعل الصواع في وعاء اخيه فقال يوسف ما جزاء من وجد في رحله قالوا جزاؤه السنة التي تجري فيهم فلذلك قالوا اخوة يوسف ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل فاسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم.
     
    قال علي بن ابراهيم ثم رجل يعقوب واهله من البادية بعد ما رجع اليه بنوه بالقميص فالقوه على وجهه فارتد بصيرا فقال لهم (ألم اقل لكم اني اعلم من الله ما لا تعلمون قالوا له ياابانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين قال لهم سوف استغفر لكم ربي انه هو الغفور الرحيم) قال اخره إلى السحر لان الدعاء
     
    [356]
     
    والاستغفار فيه مستجاب، فلما وافى يعقوب واهله وولده مصر قعد يوسف على سريره ووضع تاج الملك على رأسه فاراد ان يراه ابوه على تلك الحالة، فلما دخل ابوه لم يقم له فخروا كلهم له سجدا فقال يوسف (يا ابت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد احسن بي إذ اخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتى ان ربي لطيف لما يشاء انه هو العليم الحكيم).
     
    حدثني محمد بن عيسى عن يحيى بن اكثم وقال سأل موسى بن محمد بن علي بن موسى مسائل فعرضها على ابي الحسن عليه السلام فكانت احديها اخبرني عن قول الله عزوجل ورفع ابويه على العرش وخروا له سجدا سجد يعقوب وولده ليوسف وهم انبياء، فاجاب ابوالحسن عليه السلام اما سجود يعقوب وولده ليوسف فانه لم يكن ليوسف وإنما كان ذلك من يعقوب وولده طاعة لله وتحية ليوسف كما كان السجود من الملائكة لآدم ولم يكن لآدم إنما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية لآدم فسجد يعقوب وولده وسجد يوسف معهم شكر الله لاجتماع شملهم ألم تر انه يقول في شكره ذلك الوقت (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السموات والارض انت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين) فنزل جبرئيل فقال له يايوسف اخرج يدك فاخرجها فخرج من بين اصابعه نور، فقال ما هذا النور ياجبرئيل؟ فقال هذه النبوة اخرجها الله من صلبك لانك لم تقم لابيك فحط الله نوره ومحى النبوة من صلبه وجعلها في ولد لاوي اخي يوسف وذلك لانهم لما ارادوا قتل يوسف قال " لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب " فشكر الله له ذلك ولما أرادوا ان يرجعوا إلى ابيهم من مصر وقد حبس يوسف اخاه قال " لن ابرح الارض حتى يأذن لي ابي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين " فشكر الله له ذلك فكان انبياء بني إسرائيل من ولد لاوي وكان موسى من ولد لاوي
     
    [357]
     
    وهو موسى بن عمران بن يهصر بن واهث (واهب ك) بن لاوي بن يعقوب ابن اسحق بن ابراهيم، فقال يعقوب لابنه يا بني اخبرني ما فعل بك اخوتك حين اخرجوك من عندي؟ قال يا ابت اعفني من ذلك، قال اخبرني ببعضه؟ فقال يا ابت انهم لما ادنوني من الجب قالوا انزع قميصك فقلت لهم يا اخوتي اتقوا الله ولا تجردوني فسلوا علي السكين وقالوا لان لم تنزع لنذبحنك فنزعت القميص وألقونى في الجب عريانا، قال فشهق يعقوب شهقة واغمي عليه فلما افاق قال يا بني حدثني فقال ياابت اسألك باله ابراهيم واسحق ويعقوب إلا اعفيتني فاعفاه قال ولما مات العزيز وذلك في السنين الجدبة افتقرت امرأة العزيز واحتاجت حتى سألت الناس فقالوا ما يضرك لو قعدت للعزيز وكان يوسف يسمى العزيز فقالت أستحي منه فلم يزالوا بها حتى قعدت له على الطريق فاقبل يوسف في موكبه فقامت اليه وقالت: سبحان من جعل الملوك بالمعصية عبيدا وجعل العبيد بالطاعة ملوكا، فقال لها يوسف، انت هاتيك؟ فقالت نعم وكان اسمها زليخا فقال لها هل لك في؟ قالت دعني بعد ما كبرت أتهزء بى؟ قال لا قالت نعم فامر بها فحولت إلى منزله وكانت هرمة فقال لها يوسف ألست فعلت بى كذا وكذا فقالت يا نبي الله لا تلمني فانى بليت ببلية لم يبل بها احد قال وما هي؟ قالت بليت بحبك ولم يخلق الله لك في الدنيا نظيرا وبليت بحسني بانه لم تكن بمصر امرأة اجمل مني ولا اكثر مالا مني نزع عني مالي وذهب عني جمالي (وبليت بزوج عنين ط) فقال لها يوسف فما حاجتك؟ قالت تسأل الله ان يرد على شبابى فسأل الله فرد عليها شبابها فتزوجها وهى بكر، قالوا ان العزيز الذي كان زوجها اولا كان عنينا وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله: " قد شغفها حبا " يقول قد حجبها حبه عن الناس فلا تعقل غيره والحجاب هو الشغاف والشغاف هو حجاب القلب، قال علي بن ابراهيم ثم قال الله لنبيه
     
    [358]
     
    عليه السلام (ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم اذا اجمعوا امرهم وهم يمكرون ثم قال وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين).
     
    وقوله (وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون) قال الكسوف والزلزلة والصواعق وقوله (وما يؤمن اكثرهم بالله إلا وهم مشركون) فهذا شرك الطاعة اخبرنا احمد بن ادريس قال حدثنا احمد ابن محمد عن علي بن الحكم عن موسى بن بكر عن الفضيل عن ابي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى " وما يؤمن اكثرهم بالله إلا وهم مشركون " قال شرك طاعة وليس شرك عبادة والمعاصي التي يرتكبون شرك طاعة اطاعوا فيها الشيطان فاشركوا بالله في الطاعة لغيره وليس باشراك عبادة ان يعبدوا غير الله وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله (قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني) يعني نفسه ومن تبعه يعني علي بن ابى طالب وآل محمد عليهم السلام، قال علي بن ابراهيم حدثني ابى عن علي بن اسباط قال قلت لابى جعفر الثانى عليه السلام ياسيدي ان الناس ينكرون عليك حداثة سنك قال وما ينكرون علي من ذلك فوالله لقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وآله " قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني " فما اتبعه غير علي عليه السلام وكان ابن تسع سنين وانا ابن تسع سنين وقوله (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاء‌هم نصرنا) فانه حدثنى ابى عن محمد بن ابى عمير عن ابى بصير عن ابى عبدالله عليه السلام قال وكلهم الله إلى انفسهم فظنوا ان الشياطين قد تمثلت لهم في صورة الملائكة ثم قال عزوجل (لقد كان في قصصهم عبرة لاولى الالباب) يعني لاولى العقول (ما كان حديثا يفترى) يعني القرآن (ولكن تصديق الذي بين يديه) يعني من كتب الانبياء (وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون).

    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي  
    مكية آياتها ثلاث واربعون
     
    (بسم الله الرحمن الرحيم الرا تلك آيات الكتاب والذي انزل اليك من ربك الحق ولكن اكثر الناس لا يؤمنون الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) يعني بغير اسطوانة ترونها (ثم استوى على العرش وسحر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى - الي قوله - يتفكرون) فانه محكم (وفي الارض قطع متجاورات) اي متصلة بعضها إلى بعض (وجنات من اعناب) اي بساتين (وزرع ونخيل صنوان) والصنوان الفتالة التي نبتت من اصل الشجرة (وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل فمنه جلو ومنه حامض ومنه مر يسقى بماء واحد (ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون) ثم حكى عزوجل قول الدهرية من قريش فقال (وان تعجب فعجب قولهم‌ء‌اذا كنا تراباء‌انا لفي خلق جديد) ثم قال (اولئك الذين كفروا بربهم واولئك الاغلال في اعناقهم واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون) وكانوا يستعجلون العذاب فقال الله عزوجل (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات) اي العذاب وقوله (ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه آية من ربه انما انت منذر ولكل قوم هاد) فانه حدثني ابى عن حماد عن ابى بصير عن ابى عبدالله (ع) قال المنذر رسول الله صلى الله عليه وآله والهادي امير المؤمنين (ع) وبعده الائمة عليهم السلام وهو قوله ، ولكل قوم هاد " اي في كل زمان امام هاد مبين وهو رد على من ينكر ان في كل عصر وزمان اماما وانه لا تخلو الارض من حجة كما قال امير المؤمنين عليه السلام: " لا تخلو الارض من امام قائم بحجة الله اما ظاهر مشهور واما خائف مقهور لئلا يبطل حجج الله وبيناته " والهدى في كتاب الله عزوجل على
     
    [360]
     
    وجوه فمنه الائمة (ع) وهو قوله " ولكل قوم هاد " اي امام مبين ومنه: البيان وهو قوله " أو لم يهد لهم " اي يبين لهم وقوله " واما ثمود فهديناهم " اي بينا لهم ومثله كثير ومنه: الثواب وهو قوله " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين " اي لنثيبنهم ومنه: النجاة وهو قوله " كلا ان معي ربى سيهدين " اى سينجيني ومنه الدلالة وهو قوله " واهديك إلى ربك " اي ادلك.
     
    واما قوله (الله يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الارحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار) ما تغيض اي ما تسقط من قبل التمام " وما تزداد " يعني على تسعة اشهر كلما رأت المرأة من حيض في ايام حملها زاد ذلك على حملها وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر (ع) في قوله (سواء منكم من اسر القول ومن جهر به) فالسر والعلانية عنده سواء وقوله (مستخف بالليل) مستخف في جوف بيته، وقال علي بن ابراهيم في قوله (وسارب بالنهار) يعنى تحت الارض فذلك كله عند الله عزوجل واحد يعلمه وقوله (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله) فانها قرئت عند ابى عبدالله صلوات الله عليه فقال لقاريها الستم عربا فكيف تكون المعقبات من بين يديه؟ وانما للعقب من خلفه، فقال الرجل جعلت فداك كيف هذا؟ فقال إنما نزلت " له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بامر الله " ومن ذا الذي يقدران يحفظ الشئ من امر الله وهم الملائكة الموكلون بالناس وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله يقول بامر الله من ان يقع في ركي او يقع عليه حائط او يصيبه شئ حتى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينهم يدفعونه إلى المقادير وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان بالنهار يتعاقبانه وقال علي بن ابراهيم في قوله (واذا اراد الله بقوم
     
    [361]
     
    سوء‌ا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) اي من دافع وقوله (هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا) يعني يخافه قوم ويطمع فيه قوم ان يمطروا (وينشئ السحاب الثقال) يعني يرفعها من الارض (ويسبح الرعد) الملك الذي يسوق السحاب (والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) اي شديد الغضب، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه) فهذا مثل ضربه الله للذين يعبدون الاصنام والذين يعبدون آلهة من دون الله فلا يستجيبون لهم بشئ ولا ينفعهم إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه ليتناوله من بعيد ولا يناله، وقال علي بن ابراهيم في قوله (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) اي في بطلان وحدثني ابي عن احمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن ابي جعفر (ع) قال جاء رجل؟ إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله رأيت امرا عظيما فقال وما رأيت؟ قال كان لي مريض ونعت له ماء من بئر بالاحقاف يستشفى به في برهوت قال فانتهيت ومعي قربة وقدح لآخذ من مائها واصب في القربة وإذا بشئ قد هبط من جو السماء كهيئة السلسلة وهو يقول ياهذا اسقني الساعة اموت، فرفعت رأسي ورفعت اليه القدح لاسقيه فاذا رجل في عنقه سلسلة فلما ذهبت اناوله القدح فاجتذب مني حتى علق بالشمس ثم اقبلت على الماء اغرف اذ اقبل الثانية وهو يقول العطش العطش اسقني ياهذا الساعة اموت فرفعت القدح لاسقيه فاجتذب مني حتى علق بالشمس حتى فعل ذلك ثالثة فقمت وشددت قربتي ولم اسقه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك قابيل بن آدم الذي قتل اخاه وهو قول الله عزوجل " والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ - إلى قوله - إلا في ضلال " وقوله " ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) قال بالعشي
     
    [362]
     
    قال ظل المؤمن يسجد طوعا وظل الكافر يسجد كرها وهو نموهم وحركتهم وزيادتهم ونقصانهم.
     
    وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله " ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها الآية " اما من يسجد من اهل السموات طوعا فالملائكة يسجدون لله طوعا ومن يسجد من اهل الارض طوعا فمن ولد في الاسلام فهو يسجد له طوعا واما من يسجد كرها فمن اجبر على الاسلام واما من لم يسجد فظله يسجد له بالغداة والعشي وقوله (قل من رب السموات والارض قل الله قل أفتخذتم من دونه اولياء لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا قل هو يستوي الاعمى والبصير) يعني المؤمن والكافر (ام هل تستوي الظلمات والنور) اما الظلمات فالكفر واما النور فهو الايمان واما قوله (انزل من السماء ماء‌ا فسالت اودية بقدرها) يقول الكبير على قدر كبره والصغير على قدر صغره (فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية او متاع زبد مثله) قول الله " انزل من السماء ماء‌ا " يقول انزل الحق من السماء فاحتملته القلوب باهوائها ذو اليقين على قدر يقينه وذو الشك على قدر شكه فاحتمل الهوى باطلا كثيرا وجفاء‌ا، فالماء هو الحق والاودية هى القلوب والسيل هو الهوى والزبد هو الباطل والحلية والمتاع هو الحق قال الله (كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد فيذهب جفاء‌ا واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض) فالزبد خبث الحلية هو الباطل والمتاع والحلية هو الحق من اصاب الزبد وخبث الحلية في الدنيا لم ينتفع به وكذلك صاحب الباطل يوم القيامة لا ينتفع به واما الحلية والمتاع فهو الحق من اصاب الحلية والمتاع في الدنيا انتفع به وكذلك صاحب الحق يوم القيامة ينتفع به (كذلك يضرب الله الامثال).
     
    وقال علي بن ابراهيم في قوله " قل رب السموات والارض قل الله "
     
    [363]
     
    الآية محكمة وقوله " انزل من السماء ماء‌ا فسالت اودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا " اي مرتفعا " ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية " يعني ما يخرج من الماء من الجواهر وهو مثل اي يثبت الحق في قلوب المؤمنين وفي قلوب الكفار لا يثبت " كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد فيذهب جفاء‌ا " يعني بطل " واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض " وهذا مثل للمؤمنين والمشركين فقال عزوجل (كذلك يضرب الله الامثال للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو ان لهم ما في الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به اولئك لهم سوء الحساب ومأويهم جهنم وبئس المهاد) فالمؤمن اذا سمع الحديث ثبت في قلبه واجابه وآمن به فهو مثل الماء الذي يبقى في الارض فينبت النبات والذي لا ينتفع به يكون مثل الزبد الذي تضربه الرياح فيبطل وقوله " وبئس المهاد " قال يمهدون في النار ثم قال (أفمن يعلم إنما انزل اليك من ربك الحق كمن هو اعمى إنما يتذكر اولو الالباب) اي اولو العقول وقوله (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) فانه حدثني ابي عن محمد بن الفضيل عن ابي الحسن (ع) قال ان رحم آل محمد صلى الله عليه وآله معلقة بالعرش يقول اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني وهى تجري في كل رحم ونزلت هذه الآية في آل محمد وما عاهدهم عليه وما اخذ عليهم من الميثاق في الذر من ولاية امير المؤمنين عليه السلام والائمة عليهم السلام بعده وهو قوله " الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق الآية " ثم ذكر اعداء‌هم فقال (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) يعنى امير المؤمنين (ع) وهو الذي اخذ الله عليهم في الذر واخذ عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم ثم قال (اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) وقوله (ويخافون سوء الحساب) فانه دخل رجل على ابي عبدالله
     
    [364]
     
    عليه السلام فقال ابوعبدالله ما لفلان يشكوك قال طالبته بحقي فقال ابوعبدالله (ع) وترى انك اذا استقصيت عليه لم تسئ به أترى الذي حكى الله عزوجل في قوله " ويخافون سوء الحساب " اي يجور الله عليهم(1) والله ما خافوا ذلك ولكنهم خافوا الاستقصاء فسماه الله سوء الحساب وقوله (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرؤن بالحسنة السيئة) يعني يدفعون وحدثني ابى عن حماد عن ابى بصير عن ابى عبدالله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي ياعلي ما من دار فيها فرحة إلا تبعها ترحة(2) وما من هم إلا وله فرج إلا هم اهل النار فاذا عملت سيئة فاتبعها بحسنة تمحها سريعا وعليك بصنايع الخير فانها تدفع مصارع السوء وانما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لامير المؤمنين عليه السلام على حد التأديب للناس لا بانامير المؤمنين عليه السلام له سيئات عملها.
     
    وحدثني ابى عن النضر بن سويد عن محمد بن قيس عن ابن ابى يسار عن ابى عبدالله عليه السلام قال اقبل رسول الله صلى الله عليه وآله يوما واضعا يده علي كتف العباس فاستقبله امير المؤمنين عليه السلام فعانقه رسول الله صلى الله عليه وآله وقبل ما بين عينيه ثم سلم العباس على علي فرد عليه ردا خفيفا فغضب العباس فقال يارسول الله صلى الله عليه وآله لا يدع على زهوه فقال رسول الله: ياعباس لا تقل ذلك في علي فاني لقيت جبرئيل آنفا فقال لي لقيني الملكان الموكلان بعلي الساعة فقالا ما كتبنا(3) عليه ذنبا منذ
     
    ___________________________________
     
    (1) جار عن الشئ اي مال عنه.
     
    (2) الترحة كفرحة معناه الحزن.
     
    (3) ان الملك الموكل على السيئات واحد، فمشاركة الملك الثاني في هذا القول من باب التغليب والشهادة.ج.ز
     
    [365]
     
    ولد إلى هذا اليوم، وقوله (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) قال نزلت في الائمة عليهم السلام وشيعتهم الذين صبروا وحدثني ابي عن ابن ابي عمير عن جميل عن ابي عبدالله عليه السلام قال نحن صبرنا وشيعتنا اصبر منا لانا صبرنا بعلم وصبروا على ما لا يعلمون وقوله (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله) قال الذين آمنوا الشيعة وذكر الله امير المؤمنين والائمة عليهم السلام ثم قال (ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) اي حسن مرجع وحدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن علي ابن رياب عن ابي عبيدة عن ابي عبدالله عليه السلام قال: طوبى شجرة في الجنة في دار امير المؤمنين عليه السلام وليس احد من شيعته إلا وفي داره غصن من اغصانها وورقة من اوراقها يستظل تحتها امة من الامم وعنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكثر تقبيل فاطمة عليها السلام فانكرت ذلك عائشة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ياعائشة اني لما اسري بى إلى السماء دخلت الجنة فادناني جبرئيل من شجرة طوبى وناولني من ثمارها فاكلت فحول الله ذلك ماء‌ا في ظهري فلما هبطت إلى الارض واقعت خديجة فحملت بفاطمة فما قبلتها قط إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها وقوله (ولو ان قرآنا سيرت به الجبال او قطعت به الارض او كلم به الموتى بل لله الامر جميعا) قال لو كان شئ من القرآن كذلك لكان هذا وقوله (أفلم ييئس الذين آمنوا ان لو يشاء الله لهدى الناس جميعا) يعني جعلهم كلهم مؤمنين وقوله (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة) اي عذاب.
     
    وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله " ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة " وهى النقمة (او تحل قريبا من دارهم) فتحل بقوم غيرهم فيرون ذلك ويسمعون به والذين حلت بهم عصاة كفار مثلهم، ولا
     
    [366]
     
    يتعظ بعضهم ببعض ولن يزالوا كذلك (حتى يأتي وعد الله) الذي وعد المؤمنين من النصر ويخزي الله الكافرين وقال علي بن ابراهيم في قوله (فامليت للذين كفروا ثم اخذتهم) اي طولت لهم الامل ثم اهلكتهم وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبؤنه بما لا يعلم في الارض ام بظاهر من القول) الظاهر من القول هو الرزق وقال علي بن ابراهيم في قوله (وما لهم من الله من واق) اي من دافع (وعقبى الكافرين النار) اي عاقبة ثوابهم النار قال ابوعبدالله عليه السلام ان ناركم هذه جزؤ من سبعين جزء‌ا من نار جهنم وقد اطفئت سبعين مرة بالماء ثم التهبت ولولا ذلك ما استطاع آدمي ان يطفيها وانها ليؤت بها يوم القيامة حتى توضع على النار فتصرخ صرخة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثى على ركبتيه فزعا من صرختها، وفي رواية ابى الجارود في قوله (الذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما انزل اليك) فرحوا بكتاب الله اذا تلي عليهم واذا تلوه تفيض اعينهم دمعا من الفزع والحزن وهو علي بن ابى طالب عليه السلام وهى في قراء‌ة ابن مسعود " والذي انزلنا اليك الكتاب هو الحق ومن يؤمن به " اي علي بن ابى طالب يؤمن به (ومن الاحزاب من ينكر بعضه) انكروا من تأويل ما انزله في علي وآل محمد صلوات الله عليهم وآمنوا ببعضه فاما المشركون فانكروه كله اوله وآخره وانكروا ان محمدا رسول الله، وقال علي بن ابراهيم في قوله (لكل اجل كتاب يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن عبدالله بن مسكان عن ابي عبدالله عليه السلام قال اذا كانت ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى سماء الدنيا فيكتبون وما يكون من قضاء الله تبارك وتعالى في تلك السنة فاذا اراد الله ان يقدم او يؤخر او ينقص شيئا او يزيده امر الله ان يمحوا ما يشاء ثم اثبت الذي اراد،
     
    [367]
     
    قلت وكل شئ عنده بمقدار مثبت في كتابه؟ قال نعم قلت فاي شئ يكون بعده قال سبحان الله ثم يحدث الله ايضا ما يشاء تبارك الله وتعالى وقوله (أولم يروا انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها) فقال موت علمائها (والله يحكم لا معقب لحكمه) اي لا مانع وقوله (وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا) قال المكر من الله هو العذاب (وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار) اي ثواب القيامة وقوله (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابن اذينة عن ابى عبدالله عليه السلام قال الذي عنده علم الكتاب هو امير المؤمنين عليه السلام وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب اعلم ام الذي عنده علم الكتاب فقال ما كان علم الذي عنده علم من الكتاب عند الذي عنده علم الكتاب إلا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر، فقال امير المؤمنين عليه السلام ألا ان العلم الذى هبط به آدم من السماء إلى الارض وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله
     

     
    مكية وهى اثنتان وخمسون آية
     
    (بسم الله الرحمن الرحيم الرا كتاب انزلناه اليك - يامحمد - لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم) يعني من الكفر إلى الايمان (إلى صراط العزيز الحميد) والصراط الطريق الواضح وامامة الائمة عليهم السلام وقوله (الله الذي له ما في السموات وما في الارض - إلى قوله - وهو العزيز الحكيم) فهو محكم وقوله (ولقد ارسلنا موسى بآياتنا ان اخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بايام الله) قال ايام الله ثلاثة: يوم القائم ويوم الموت ويوم القيامة وقوله (وإذ تأذن ربكم لان شكرتم لازيدنكم ولان كفرتم ان عذابي لشديد) فهذا
     
    [368]
     
    كفر النعم ثم قال ابوعبدالله عليه السلام ايما عبد انعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه وحمد الله عليها بلسانه لم تنفد حتى يأمر الله له بالزيادة وهو قوله " لان شكرتم لازيدنكم " وقوله (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح إلى قوله - فردوا ايديهم في افواههم) يعني في افواه الانبياء (وقالوا انا كفرنا بما ارسلتم به وانا لفي شك مما تدعوننا اليه مريب) وقوله (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ارضنا او لتعودن في ملتنا) فانه حدثني ابي رفعه الي النبي صلى الله عليه وآله قال من آذى جاره طمعا في مسكنه ورثه الله داره وهو قوله (وقال الذين كفروا - إلى قوله - فاوحى اليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الارض من بعدهم) وقوله (واستفتحوا) اي دعوا (وخاب كل جبار عنيد) اي خسروا وفي رواية ابي الجارود قال العنيد المعرض عن الحق.
     
    وقال علي بن ابراهيم في قوله (من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد) قال ما يخرج من فروج الزواني وقوله (يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت) قال يقرب اليه فيكرهه واذا ادني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فاذا شرب تقطعت امعاؤه ومزقت إلى تحت قدميه وانه ليخرج من احدهم مثل الوادي صديدا وقيحا ثم قال وانهم ليبكون حتى تسيل من دموعهم فوق وجوههم جداول ثم تنقطع الدموع فتسيل الدماء حتى لو ان السفن اجريت فيها لجرت وهو قوله " وسقوا ماء‌ا حميما فقطع امعاء‌هم " وقوله (مثل الذين كفروا بربهم اعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف) قال من لم يقر بولاية امير المؤمنين عليه السلام بطل عمله مثل الرماد الذي يجيئ الريح فتحمله (وبرزوا لله جميعا) معناه مستقبل انهم يبرزون واللفظ ماض وقوله (لو هدانا الله لهديناكم) فالهدى ههنا هو الثواب (سواء علينا أجزعنا ام صبرنا مالنا من محيص) اي مفر (وقال الشيطان لما قضي الامر) اي لما فرغ من امر الدنيا من
     
    [369]
     
    من اوليائه (ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم ما انا بمصرخكم) اي بمعينكم (وما انتم بمصرخي) اي بمعيني (اني كفرت بما اشركتمون من قبل) يعني في الدنيا ثم قال عزوجل (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها نابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون) فحدثني ابى عن الحسن بن محبوب عن ابى جعفر الاحول عن سلام بن المستنير عن ابى جعفر عليه السلام قال سألته عن قول الله " مثل كلمة طيبة الآية " قال الشجرة رسول الله صلى الله عليه وآله اصلها نسبه ثابت في بني هاشم وفرع الشجرة علي بن ابي طالب عليه السلام وغصن الشجرة فاطمة عليها السلام وثمرتها الائمة من ولد على وفاطمة عليهم السلام وشيعتهم ورقها وان المؤمن من شيعتنا ليموت فتسقط من الشجرة ورقة وان المؤمن ليولد فتورق الشجرة ورقة قلت أرأيت قوله " تؤتي اكلها كل حين باذن ربها " قال يعني بذلك ما يفتون به الائمة شيعتهم في كل حج وعمرة من الحلال والحرام ثم ضرب الله لاعداء محمد مثلا فقال (ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار " وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام قال كذلك الكافرون لا تصعد اعمالهم إلى السماء وبنو امية لا يذكرون الله في مجلس ولا في مسجد ولا تصعد اعمالهم إلى السماء إلا قليل منهم.
     
    قال علي بن ابراهيم في قوله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين) فانه حدثني ابى عن علي بن مهزيار عن عمر بن عثمان عن المفضل بن صالح عن جابر عن ابراهيم بن العلي عن سويد بن علقمة (غفلة ط) عن امير المؤمنين عليه السلام قال ان ابن آدم اذا كان في آخر يوم من ايام الدنيا واول يوم من ايام الآخرة مثل له اهله وما له وولده وعمله فيلتفت
     
    [370]
     
    إلى ماله فيقول والله اني كنت عليك لحريصا شحيحا فما عندك؟ فيقول خذ مني كفنك " ثم يلتفت إلى ولده فيقول والله انى كنت لكم لمحبا واني كنت عليكم لمحاميا فماذا عندكم؟ فيقولون نؤديك إلى حفرتك ونواريك فيها، ثم يلتفت إلى عمله فيقول والله اني كنت فيك لزاهدا وانك كنت علي لثقيلا فماذا عندك؟ فيقول انا قربنك في قبرك ويوم حشرك حتى اعرض انا وانت على ربك فان كان لله وليا اتاه اطيب الناس ريحا واحسنهم منظرا وازينهم رياشا فيقول ابشر بروح من الله وريحان وجنة نعيم وقد قدمت خير مقدم فيقول من انت؟ فيقول انا عملك الصالح ارتحل من الدنيا إلى الجنة وانه ليعرف غاسله ويناشد حامله ان يعجله فاذا ادخل قبره اتاه ملكان وهما فتانا القبر يجران اشعارهما وينحتان الارض بانيابهما واصواتهما كالرعد العاصف وابصارهما كالبرق الخاطف فيقولان له من ربك ومن نبيك وما دينك(1)؟ فيقول: الله ربى ومحمد نبيي والاسلام ديني(2) فيقولان ثبتك الله بما تحب وترضى وهو قول الله " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت " فيفسحان له في قبره مد بصره ويفتحان له بابا إلى الجنة ويقولان له نم قرير العين نوم الشاب الناعم وهو قوله " اصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا واحسن مقيلا "(3) واذا كان لربه عدوا فانه يأتيه اقبح خلق الله رياشا وانتنه ريحا فيقول له من انت؟ فيقول له انا عملك ابشر (بنزل من حميم وتصلية جحيم) وانه ليعرف غاسله ويناشد حامله ان يحبسه فاذا ادخل قبره اتياه مفتحيا
     
    ___________________________________
     
    (1) وفى نسخة ط " من امامك ".
     
    (2) وفى ط " وعلى عليه السلام والائمة امامى ".
     
    (3) الفرقان 24، وفي تفسير الصافي ان المقيل مكان يبات فيه لوقت يسير فعلى هذا هذه الآية تدل على ثواب الله في البرزخ لان الجنة لا نوم فيها فلا تكون مرادا منها.ج.ز
     
    [371]
     
    القبر فالقيا اكفانه ثم قالا له من ربك ومن نبيك وما دينك؟ فيقول لا ادري فيقولان له لا دريت ولا هديت فيضربانه بمرزبة(1) ضربة ما خلق الله دابة إلا وتذعر لها ما خلا الثقلين ثم يفتحان له بابا الي النار ثم يقولان له نم بشر حال فهو من الضيق مثل ما فيه القنا من الزج(2) حتى ان دماغه يخرج مما بين ظفره ولحمه ويسلط عليه حيات الارض وعقاربها وهوامها فتنهشه حتى يبعثه الله من قبره وانه ليتمنى قيام الساعة مما هو فيه من الشر.
     
    واما قوله (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) قال نزلت في الافجرين من قريش حدثني ابي عن محمد ابن ابي عمير عن عثمان بن عيسى عن ابي عبدالله عليه السلام قال سألته عن قول الله ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال نزلت في الافجرين من قريش ومن بني امية وبني المغيرة فاما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر، واما بنو امية فمتعوا إلى حين ثم قال ونحن والله نعمة الله التي انعم بها علي عباده وبنا يفوز من فاز ثم قال لهم تمتعوا فان مصيركم إلى النار وقوله (يوم لا بيع فيه ولا خلال) أي لا صداقة وقوله (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) اي على الولاء وقوله يحكى قول ابراهيم (وإذا قال ابراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا) يعني مكة (واجنبني وبني ان نعبد الاصنام رب انهن اضللن كثيرا من الناس) فان الاصنام لم تضل وانما ضل الناس بها وقوله (ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوى اليهم وارزقهم من الثمرات) اي من ثمرات القلوب (لعلهم يشكرون) يعني كي يشكروا وحدثني ابي عن حماد عن ابى جعفر عليه السلام في قوله " ربنا انى اسكنت من ذريتي الآية " قال نحن والله بقية تلك العترة واما قوله (ربنا اغفر لي ولوالدي) قال إنما نزلت
     
    ___________________________________
     
    (1) المرزبة بكسر الميم وتشديد الياء عصية حديد
     
    (2) الزج بالضم حديدة في اسفل الرمح.ج.ز
     
    [372]
     
    " ولولدي اسماعيل واسحق " وقوله (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار) قال تبقى اعينهم مفتوحة من هول جهنم لا يقدرون ان يطرفوها وقوله (افئدتهم هواء) قال قلوبهم تنصدع من الخفقان ثم قال (وانذر الناس - يامحمد - يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا اخرنا إلى اجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا اقسمتم) اي حلفتم (من قبل ما لكم من زوال) اي ولا تهلكون (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا انفسهم) يعني ممن هلكوا من بني امية (وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الامثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم - ثم قال - وان كان مكرهم لتزول منه الجبال) قال مكر بني فلان وقوله (يوم تبدل الارض غير الارض) قال تبدل خبزة بيضاء نقية في الموقف يأكل منها المؤمنون (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الاصفاد) قال مقيدين بعضهم إلى بعض (سرابيلهم من قطران) قال السرابيل القميص وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله " سرابيلهم من قطران " وهو الصفر الحار الذائب يقول انتهى حره يقول الله (وتغشى وجوههم النار) سربلوا ذلك الصفر فتغشى وجوههم النار وقال علي ابن ابراهيم في قوله (هذا بلاغ للناس) يعني محمدا (ولينذروا به وليعلموا إنما هو إله واحد وليذكر اولو الالباب) اي اولو العقول.

    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي  
    مكية (الجزء14) آياتها تسع وتسعون
     
    (بسم الله الرحمن الرحيم الرا تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) حدثني ابي عن محمد بن ابى عمير عن عمر بن اذينة عن رفاعة عن ابي عبدالله عليه السلام قال إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عند
     
    [373]
     
    الله لا يدخل الجنة إلا مسلم فيومئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ثم قال (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الامل) اي يشغلهم (فسوف يعلمون) وقوله (وما اهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) اي اجل مكتوب ثم حكى قول قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله (وقالوا ياايها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون لو ما تأتينا بالملائكة ان كنت من الصادقين) اي هلا تأتينا فرد الله عزوجل عليهم فقال (ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا اذا منظرين) فقال لو انزلنا الملائكة لم ينظروا وهلكوا ثم قال (ولو فتحنا) ايضا (عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون ولقد جعلنا في السماء بروجا) قال منازل الشمس والقمر (وزيناها للناظرين) بالكواكب (وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين) قال لم تزل الشياطين تصعد إلى السماء وتتجسس حتى ولد النبي صلى الله عليه وآله وروي عن آمنة ام النبي صلى الله عليه وآله انها قالت لما حملت برسول الله صلى الله عليه وآله لم اشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل ورأيت في نومي كأن آتيا اتاني فقال لي قد حملت بخير الانام ثم وضعته يتقي (قابض ك) الارض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السماء وخرج مني نور اضاء ما بين السماء إلى الارض ورميت الشياطين بالنجوم وحجبوا من السماء ورأت قريش الشهب تتحرك وتزول وتسير في السماء ففزعوا وقالوا هذا قيام الساعة واجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة وكان شيخا كبيرا مجربا فسألوه عن ذلك فقال انظروا إلى هذه النجوم التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر فان كانت قد زالت فهي الساعة وان كانت هذه ثابتة فهو لامر قد حدث وكان بمكة رجل يهودي يقال له يوسف فلما رأى النجوم تتحرك وتسير في السماء خرج إلى نادي قريش فقال: يا معشر قريش ! هل ولد منكم الليلة مولود؟ فقالوا لا فقال اخطأتم والتوراة قد ولد في هذه الليلة آخر الانبياء وافضلهم وهو
     
    [374]
     
    الذي نجده في كتبنا انه اذا ولد ذلك النبي رجمت الشياطين وحجبوا من السماء فرجع كل واحد إلى منزله يسأل اهله فقالوا قد ولد لعبدالله بن عبدالمطلب ابن، فقال اليهودي اعرضوه علي، فمشوا معه إلى باب آمنة فقالوا لها اخرجي ابنك بنظر اليه هذا اليهودي فاخرجته في قماطه فنظر في عينيه وكشف عن كتفه فرأى شامة سوداء عليه شعرات فسقط إلى الارض مغشيا عليه فضحكوا منه فقال أتضحكون يامعشر قريش هذا نبي السيف ليبيدنكم وذهبت النبوة من بني اسرائيل إلى آخر الابد وتفرق الناس يتحدثون بخبر اليهودي.
     
    فلما رميت الشياطين بالنجوم وانكروا ذلك اجتمعوا إلى ابليس فقالوا قد منعنا من السماء وقد رمينا بالشهب فقال اطلبوا فان امرا قد حدث في الدنيا فرجعوا وقالوا لم نر شيئا فقال ابليس انا له بنفسي فجال ما بين المشرق والمغرب حتى انتهى إلى الحرم فرآه محفوفا بالملائكة وجبرئيل على باب الحرم بيده حربة فاراد ابليس ان يدخل فصاح به جبرئيل فقال اخسأ ياملعون فجاء من قبل حراء ( فصار مثل الصد(2) ثم قال ياجبرئيل حرف اسئلك عنه؟ قال وما هو قال ما هذا وما اجتماعكم في الدنيا فقال هذا نبي هذه الامة قد ولد وهو اخر الانبياء وافضلهم قال هل لي فيه نصيب قال لا قال ففي امته؟ قال بلى قال قد رضيت وقوله (والارض مددناها والقينا فيها رواسي) اي الجبال (وانبتنا فيها من كل شئ موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين) قال لكل ضرب من الحيوان قدرنا شيئا مقدراء وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله " وانبتنا فيها من كل شئ موزون " فان الله تبارك وتعالى انبت في الجبال الذهب والفضة والجوهر
     
    ___________________________________
     
    (1) حراء بالكسر والمد جبل بمكة.مجمع
     
    (2) الصد بالضم والفتح جبل او سحاب مرتفع، وفى بعض الروايات انه صار مثل العصفور.ج ز
     
    [375]
     
    والصفر والنحاس والحديد والرصاص والكحل والزرنيخ واشباه هذه لاتباع إلا وزنا، وقال علي بن ابراهيم في وقوله (وان من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) قال الخزانة الماء الذي ينزل من السماء وينبت لكل ضرب من الحيوان ما قدر الله له من الغذاء وقوله (ارسلنا الرياح لواقح) قال التي تلقح الاشجار وقوله (وانزلنا من السماء ماء‌ا فاسقيناكموه وما اننم له بخازنين) أي لا تقدرون ان تخزنوه (وانا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون) اي نرث الارض ومن عليها وقوله (ولقد خلقنا الانسان من صلصال) قال الماء المتصلصل بالطين (من حمأ مسنون) قال حمأ متغير وقوله (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) وقال هو ابوابليس وقال الجن من ولد الجان منهم مؤمنون ومنهم كافرون ويهود ونصارى وتختلف اديانهم والشياطين من ولد ابليس وليس فيهم مؤمن إلا واحد اسمه هام بن هيم بن لاقيس بن ابليس جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فرآه جسيما عظيما وامرء‌ا مهولا فقال له من أنت؟ قال انا هام بن هيم من لاقيس بن ابليس قال كنت يوم قتل هابيل غلاما ابن اعوام انهي عن الاعتصام وآمر بافساد الطعام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بئس لعمري الشاب المؤمل والكهل المؤمر فقال دع عنك هذا يامحمد ! فقد جرت توبتي علي يد نوح ولقد كنت معه في السفينة فعاتبته على دعائه على قومه ولقد كنت مع ابراهيم حيث القي في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما ولقد كنت مع موسى حين اغرق الله فرعون ونجى بني اسرائيل ولقد كنت مع هود حين دعا على قومه فعاتبته ولقد كنت مع صالح فعاتبته على دعائه على قومه ولقد قرأت الكتب فكلها تبشرني بك والانبياء يقرؤنك السلام ويقولون أنت افضل الانبياء واكرمهم فعلمني مما انزل الله عليك شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لامير المؤمنين عليه السلام علمه فقال هام يامحمد انا لا نطيع الا نبيا أو وصي نبي فمن هذا؟ قال هذا اخي ووصيي
     
    [376]
     
    ووزيري ووارثي علي بن ابى طالب قال نعم نجد اسمه في الكتب " اليا " فعلمه امير المؤمنين عليه السلام فلما كانت ليلة الهرير بصفين جاء إلى امير المؤمنين عليه السلام قوله (وإذا قال ربك للملائكة انى خالق بشرا من صلصال) فقد كتبنا خبره(1) وقوله (وان جهنم لموعدهم اجمعين لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم) قال يدخل في كل باب اهل ملة وللجنة ثمانية ابواب وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله " ان جهنم لموعدهم اجمعين " فوقوفهم على الصراط واما لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم فبلغني والله اعلم ان الله جعلها سبع درجات اعلاها: الجحيم يقوم اهلها على الصفا منها تغلى ادمغتهم فيها كغلي القدور بما فيها والثانية: لظى نزاعة للشوى تدعو من ادبر وتولى وجمع فاوعى والثالثة: سقر لا تبقى ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر، والرابعة: الحطمة ترمي بشرر كالقصر كانها جمالات صفر، تدق كل من صار اليها مثل الكحل، فلا تموت الروح كلما صاروا مثل الكحل عادوا، والخامسة: الهاوية فيها ملك يدعون يامالك اعثنا فاذا اغاثهم جعل لهم آنية من صفر من نار فيها صديد ماء يسيل من جلودهم كأنه مهل فاذا رفعوه ليشربوا منه تساقط لحم وجوههم فيها من شدة حرها وهو قول الله " وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وسائت مرتفقا " ومن هوى فيها هوى سبعين عاما في النار كلما احترق جلده بدل جلد غيره، والسادسة: السعير فيها ثلاث مائة سرادق من نار في كل سرادق ثلاث مائة قصر من نار، في كل قصر ثلاث مائة بيت من نار، وفي كل بيت ثلاث مائة لون من عذاب النار، فيها جبات من نار وعقارب من نار وجوامع من نار وسلاسل واغلال من نار وهو الذي يقول الله " انا
     
    ___________________________________
     
    (1) فراجع ص 37 من هذا الكتاب.
     
    [377]
     
    اعتدنا للكافرين سلاسل واغلالا وسعيرا " والسابعة جهنم وفيها الفلق وهو جب في جهنم إذا فتح اسعر النار سعرا وهو اشد النار عذابا واما صعود، فجبل من صفر من نار وسط جهنم واما اثاما فهو واد من صفر مذاب يجري حول الجبل فهو اشد النار عذابا.
     
    وقال علي بن ابراهيم في قوله (ونزعنا ما في صدورهم من غل) قال العداوة وقوله (لا يمسنا فيها نصب) اى تعب وعناء وقوله (نبئ عبادي) اي اخبرهم (اني انا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الاليم ونبئهم عن ضيف ابراهيم) فقد كتبنا خبرهم(1) وقوله (وقضينا اليه ذلك الامر) اي اعلمناه (ان دابر هؤلاء) يعني قوم لوط (مقطوع مصبحين) وقوله (لعمرك) اي وحياتك يا محمد (انهم لفي سكرتهم يعمهون) فهذه فضيلة(2) لرسول الله صلى الله عليه وآله على الانبياء وقوله (ان في ذلك لآيات للمتوسمين وانها لبسبيل مقيم) قال نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم والسبيل طريق الجنة (وان كان اصحاب الايكة) يعني اصحاب الغيظة وهم قوم شعيب (لظالمين) وقوله (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) قال فاتحة الكتاب اخبرنا احمد بن ادريس قال حدثني احمد بن محمد عن (عن محمد بن سنان ط) محبوب بن سيار عن سورة بن كليب عن ابى جعفر عليه السلام قال نحن المثاني التي اعطاها الله تعالي نبينا ونحن وجه الله الذي نتقلب في الارض بين اظهركم من عرفنا فاماهه اليقين ومن جهلنا فامامه السعير، قال علي بن ابراهيم في قوله (الذين جعلوا القرآن عضين) قال قسموا القرآن ولم يؤلفوه على ما انزله الله فقال لنسئلنهم اجمعين عما كانوا يعملون وقوله (فاصدع بما تؤمر واعرض عن
     
    ___________________________________
     
    (1) راجع ص 334 ج 1.
     
    (2) يعني ان الله اقسم بخياته صلى الله عليه وآله.ج.ز
     
    [378]
     
    المشركين انا كفيناك المستهزئين) فانها نزلت بمكة بعد ان نبأ رسول الله صلى الله عليه وآله بثلاث سنين وذلك ان النبوة نزلت على رسول الله يوم الاثنين واسلم علي يوم الثلاثاء ثم اسلمت خديجة بنت خويلد زوجة النبي صلى الله عليه وآله ثم دخل ابوطالب إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو يصلي وعلي عليه السلام بجنبه وكان مع ابي طالب عليه السلام جعفر فقال له ابوطالب صل جناح ابن عمك فوقف جعفر على يسار رسول الله صلى الله عليه وآله فبدر رسول الله صلى الله عليه وآله من بينهما فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي وعلي وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة يأتمون به فلما اتى لذلك ثلاث سنين انزل الله عليه (فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين انا كفيناك المستهزئين) والمستهزؤن برسول الله صلى الله عليه وآله خمسة: الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والاسود بن (المطلب ط) عبدالمطلب والاسود بن عبد يغوث والحرث بن طلاطلة الخزاعي، اما الوليد فكان رسول الله صلى الله عليه وآله دعا عليه لما كان يبلغه من اذائه واستهزائه فقال اللهم اعم بصره واثكله بولده فعمي بصره وقتل ولده ببدر (وكذلك دعا على الاسود بن يغوث والحارث بن طلاطلة ط) فمر الوليد بن المغيرة برسول الله صلى الله عليه وآله ومعه جبرئيل عليه السلام فقال جبرئيل يامحمد هذا الوليد بن المغيرة وهو من المستهزئين بك؟ قال نعم وقد كان مر برجل من خزاعة وهو يريش نبالا له فوطى على بعضها فاصاب عقبه قطعة من ذلك فدميت فلما مر بجبرئيل اشار إلى ذلك الموضع فرجع الوليد إلى منزله ونام على سريره وكانت ابنته نائمة اسفل منه فانفجر الموضع الذي اشار اليه جبرئيل اسفل عقبه فسال منه الدم حتى صار إلى فراش ابنته فانتبهت فقالت الجارية انحل وكاء القربة، قال ما هذا وكاء القربة ولكنه دم ابيك فاجمعي لي ولدي وولد اخي فاني ميت، فجمعتهم فقال لعبد الله بن ابى ربيعة ان عمارة بن الوليد بارض الحبشة بدار مضيعة فخذ كتابا من محمد إلى النجاشي ان يرده ثم قال لابنه هاشم وهو اصغر اولاده يابني اوصيك بخمس خصال فاحفظها: اوصيك
     
    [379]
     
    بقتل ابى درهم الدوسى فانه غلبني على امرأتى وهي بنته ولو تركها وبعلها كانت تلد لي ابنا مثلك ودمي في خزاعة وما تعمدوا قتلى واخاف ان تنسوا بعدي ودمي في بني خزيمة بن عامر ودياتى (رثاثى ك وديانى خ ل) في ثقيف فخذه ولاسقف نجران علي مائنا دينار فاقضها ثم فاضت نفسه ومر ربيعة بن الاسود برسول الله صلى الله عليه وآله فاشار جبرئيل إلى بصره فعمي ومات، ومر به الاسود بن عبد يغوث فاشار جبرئيل إلى بطنه فلم يزل يستسقي حتى انشق بطنه، ومر العاص بن وائل فاشار جبرئيل إلى رجليه فدخل عود في اخمص قدمه وخرج من ظاهره ومات ومر به الحرث ابن طلاطلة فاشار جبرئيل إلى وجه فخرج إلى جبال تهامة فاصابته من السماء ديم استسقى حتى انشق بطنه وهو قوله الله " انا كفيناك المستهزئين ".
     
    فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقام على الحجر فقال " يا معشر قريش يا معشر العرب ادعوكم إلى شهادة ان لا إله إلا الله وانى رسول الله وآمركم بخلع الانداد والاصنام فاجيبونى تملكوا بها العرب وتدين لكم العجم وتكونوا ملوكا في الجنة " فاستهزؤا منه وقالوا جن محمد بن عبدالله ولم يجسروا عليه لموضع ابى طالب فاجتمعت قريش إلى ابى طالب فقالوا ياابا طالب ان ابن اخيك قد سفه احلامنا وسب آلهتنا وافسد شباننا وفرق جماعتنا فان كان يحمله علي ذلك العدم جمعنا له مالا فيكون اكثر قريش مالا ونزوجه اي امرأة شاء من قريش، فقال له ابوطالب ما هذا يابن اخي؟ فقال: ياعم هذا دين الله الذي ارتضاه لانبيائه ورسله بعثني الله رسولا إلى الناس، فقال يابن اخي ان قومك قد اتوني يسألوني ان اسئلك ان تكف عنهم، فقال ياعم لا استطيع ان اخالف امر ربي فكف عنه ابوطالب ثم اجتمعوا إلى ابي طالب فقالوا انت سيد من ساداتنا فادفع الينا محمدا لنقتله وتملك علينا، فقال ابوطالب قصيدته الطويلة يقول فيها:
     
    ولما رأيت القوم لا ود عندهم * وقد قطعوا كل العرى والوسائل
     
    [380]
     
    كذبتم وبيت الله يبرؤ محمد (نبرئ محمدا ط) * ولما نطاعن دونه ونناضل
     
    ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن ابنائنا والحلائل
     
    فلما اجتمعت قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وكتبوا الصحيفة القاطعة جمع ابوطالب بني هاشم وحلف لهم بالبيت والركن والمقام والمشاعر في الكعبة لان شاكت محمدا شوكة لابثن عليكم بني هاشم فادخله الشعب وكان يحرسه بالليل والنهار قائما علي رأسه بالسيف اربع سنين، فلما خرجوا من الشعب حضر ابا طالب الوفاة فدخل اليه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يجود بنفسه فقال: يا عم ربيت صغيرا وكفلت يتيما فجزاك الله عني خيرا اعطني كلمة اشفع لك فيها عند ربي، فروي انه لم يخرج من الدنيا حتى اعطى رسول الله الرضى، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لو قمت المقام المحمود لشفعت لابي وامي وعمي واخ لي كان مواخيا في الجاهلية.
     
    وحدثني ابي عن ابن ابي عمير عن سيف بن عميرة وعبدالله بن سنان وابن ابي حمزة الثمالي قالوا سمعنا ابا عبدالله جعفر بن محمد عليهم السلام يقول لما حج رسول الله صلى الله عليه وآله حجة الوداع نزل بالابطح ووضعت له وسادة فجلس عليها ثم رفع يده إلى السماء وبكى بكاء‌ا شديدا ثم قال: يا رب انك وعدتني في ابي وامي وعمي ان لا تعذبهم بالنار، قال فاوحى الله اليه اني آليت على نفسي ان لا يدخل جنتي إلا من شهدا ان لا إله إلا الله وانك عبدي ورسولي ولكن ائت الشعب فنادهم فان اجابوك فقد وجبت لهم رحمتي، فقام النبي صلى الله عليه وآله إلى الشعب فناداهم وقال يا ابتاه ويا اماه ويا عماه فخرجوا ينفضون التراب عن رؤوسهم فقال لهم رسول الله ألا ترون إلى هذه الكرامة التي اكرمني الله بها فقالوا نشهد ان لا إله إلا الله وانك رسول الله حقا حقا وان جميع ما اتيت به من عند الله فهو الحق فقال ارجعوا إلى مضاجعكم.
     
    [381]
     
    ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى مكة وقدم اليه علي بن ابي طالب صلى الله عليه وآله من اليمن فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا ابشرك يا علي ! فقال امير المؤمنين بابي انت وامي لم تزل مبشرا، فقال ألا ترى إلى ما رزقنا الله تبارك وتعالى في سفرنا هذا واخبره الخبر(1) فقال له علي عليه السلام الحمد لله قال واشرك رسول الله صلى الله عليه وآله في بدنته اباه وامه وعمه ثم قال الله (ولقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون) أي بما يكذبونك ويذكرون الله (فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين) اخبرنا احمد ابن ادريس قال حدثنا احمد بن محمد عن محمد بن سيار (سنان ط) عن المفضل بن عمير (عمر ط) عن ابي عبدالله عليه السلام قال لما نزلت هذه الآية (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به ازواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين) قال رسول الله صلى الله عليه وآله من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، ومن رمى بنظره إلى ما في يد غيره كثر همه ولم يشف غيظه، ومن لم يعلم ان لله عليه نعمة لا (الا خ ل) في مطعم او ملبس فقد قصر عمله ودنا عذابه ومن اصبح على الدنيا حزينا اصبح على الله ساخطا ومن شكى مصيبة نزلت به فانما يشكو ربه، ومن دخل النار من هذه الامة ممن قرأ القرآن فهو ممن يتخذ آيات الله هزوا، ومن اتى ذا ميسرة فيخشع له طلب ما في يده ذهب ثلثا دينه ثم قال ولا تعجل، وليس يكون الرجل يسأل من الرجل الرفق فيجله ويوقره فقد يجب ذلك له عليه ولكن يراه انه يريد بتخشعه ما عند الله ويريد ان يحيله عما في يده.
     
    ___________________________________
     
    (1) اي الخبر المذكور سابقا من اجابة ابيه وامه وعمه صلى الله عليه وآله وسلم.ج.ز
     

     
    (مكية آياتها مأة وثمانيه وعشرون)
     
    (بسم الله الرحمن الرحيم اتى امر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون) قال نزلت لما سألت قريش رسول الله صلى الله عليه وآله ان ينزل عليهم العذاب فانزل الله تبارك وتعالى " اتى امر الله فلا تستعجلوه " وقوله (ينزل الملائكة بالروح من امره) يعني بالقوة التي جعلها الله فيهم وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (على من يشاء من عباده ان انذروا انه لا إله إلا انا فاتقون) يقول بالكتاب والنبوة وقال علي بن ابراهيم في قوله (خلق الانسان من نطفة فاذا هو خصيم مبين) قال خلقه من قطرة ماء منتن فيكون خصيما متكلما بليغا وقال ابوالجارود في قوله (والانعام خلقها لكم فيها دف‌ء ومنافع) والدف‌ء حواشي الابل ويقال بل هى الادفأ من البيوت والثياب وقال علي بن ابراهيم في قوله " دف‌ء " اي ما تستدفئون به مما يتخذ من صوفها ووبرها وقوله (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) قال حين ترجع من المرعى وحين تسرحون حين تخرج إلى المرعى (وتحمل اثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الانفس) قال إلى مكة والمدينة وجميع البلدان ثم قال (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) ولم يقل عزوجل لتركبوها وتأكلوا منها كما قال في الانعام (ويخلق ما لا تعلمون) قال العجائب التي خلقها الله في البحر والبر (وعلي الله قصد السبيل ومنها جائر) يعني الطريق (ولو شاء لهديكم اجمعين) يعني الطريق وقوله عزوجل (هو الذي انزل من السماء ماء‌ا لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون) اي تزرعون ثم قال (ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والاعناب
     
    [383]
     
    ومن كل الثمرات) يعني بالمطر (ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون) وقوله (وه ذرأ لكم في الارض) اي خلق واخرج (مختلفا الوانه ان في ذلك لآية لقوم يذكرون) وقوله عزوجل (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) يعني ما يخرج من البحر من انواع الجواهر (وترى الفلك مواخر فيه) يعني السفن (والقى في الارض رواسي ان تميد بكم) يعنى الجبال وانهارا وسبلا اي طرقا (لعلكم تهتدون) يعني كي تهتدوا وقوله عزوجل (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن القسم بن سليمان عن المعلي بن خنيس عن ابي عبدالله عليه السلام قال النجم رسول الله صلى الله عليه وآله والعلامات الائمة عليه السلام وقوله (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) فانه رد علي عبدة الاصنام وقوله (وإدا قيل لهم ماذا انزل ربكم قالوا اساطير الاولين) يعني اكاذيب الاولين حدثني جعفر بن احمد قال حدثنا عبدالكريم بن عبدالرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن ابي حمزة الثمالي قال سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول في قوله (فالذين لا يؤمنون بالآخرة) يعني انهم لا يؤمنون بالرجعة انها حق (قلوبهم منكرة) يعني انها كافرة (وهم مستكبرون) يعني انهم عن ولاية علي مستكبرون (لا جرم ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون انه لا يحب المستكبرين) عن ولاية علي وقال نزلت هذه الآية هكذا " واذا قيل لهم ماذا انزل ربكم في علي قالوا اساطير الاولين " وقال علي ابن ابراهيم فقال الله عزوجل (ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيامة ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم) قال يحملون آثامهم يعني الذين غصبوا امير المؤمنين عليه السلام وآثام كل من اقتدى بهم وهو قول الصادق عليه السلام والله ما اهريقت محجمة من دم ولا قرع عصا بعصا ولا غصب فرج حرام ولا اخذ مال من غير حله إلا ووزر ذلك في اعناقهما من غير ان ينقص من اوزار العالمين بشئ.
     
    [384]
     
    قال علي بن ابراهيم حدثني ابي عن ابن ابى عمير عن جميل عن ابى عبدالله عليه السلام قال خطب امير المؤمنين عليه السلام بعد ما بويع له بخمسة ايام خطبة فقال فيها: " واعلموا ان لكل حق طالبا ولكل دم ثائرا والطالب (بحقنا ط) كقيام الثائر بدمائنا والحاكم في حق نفسه هو العادل الذي لا يحيف والحاكم الذي لا يجور وهو الله الواحد القهار، واعلموا ان على كل شارع بدعة وزره ووزر كل مقتد به من بعده من غير ان ينقص من اوزار العاملين شئ وسينتقم الله من الظلمة مأكلا بمأكل ومشربا بمشرب من لقم العلقم ومشارب الصبر الادهم فيشربوا بالصب من الراح السم المذاق وليلبسوا دثار الخوف دهرا طويلا ولهم بكل ما اتوا وعملوا من افاويق الصبر الادهم فوق ما اتوا وعملوا، اما انه لم يبق إلا الزمهرير من شتائهم وما لهم من الصيف إلا رقدة ويحهم ما تزودوا وجمعوا على ظهورهم من الآثام(1) فيا مطايا الخطايا (ويارزء الزورك) وزاد الآثام مع الذين ظلموا اسمعوا واعقلوا وتوبوا وابكوا على انفسكم فسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون، فاقسم ثم اقسم ليتحملنها بنو امية من بعدي وليعرفنها في دار غيرهم عما قليل فلا يبعد الله إلا من ظلم وعلى البادي (يعني الاول) ما سهل لهم من سبيل الخطايا مثل اوزارهم واوزار كل من عمل بوزرهم إلى يوم القيامة ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون " وحدثني ابى عن محمد بن ابى عمير عن ابى ايوب عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام في قوله (قد مكر الذين من قبلهم فاتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم واتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) قال ثبت مكرهم اي ماتوا فالقاهم الله في النار وهو مثل لاعداء آل محمد عليه وعليهم السلام (ثم يوم القيمة يخزيهم ويقول اين شركائى الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين اوتوا العلم ان الخري؟ اليوم والسوء علي الكافرين) قال الذين اوتوا العلم الائمة عليهم السلام يقولون لاعدائهم اين
     
    ___________________________________
     
    (1) وفى ط بعد هذا: والخطايا وما تزاوروا اوزار الاثام من الذين ظلموا
     
    [385]
     
    شركاؤكم ومن اطعتموهم في الدنيا ثم قال فيهم ايضا (الذين تتوفيهم الملائكة ظالمي انفسهم فالقوا السلم) اي سلموا لما أصابهم من البلاء ثم يقولون: (ما كنا نعمل من سوء) فرد الله عليهم فقال (بلى ان الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين) ثم ذكر المؤمنين (فقال الذين تتوفيهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) قوله طيبين قال هم المؤمنون الذين طابت مواليدهم في الدنيا وقوله (هل ينظرون إلا ان تأتيهم الملئكة او يأتي امر ربك) من العذاب والموت وخروج القائم (كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا انفسهم يظلمون) وقوله (فاصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن) من العذاب في الرجعة وقوله: (وقال الذين اشركوا - إلى قوله - البلاغ المبين) فانه محكم وقوله: (واجتنبوا الطاغوت) يعني الاصنام قوله (فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) اى انظروا في اخبار من هلك من قبل وقوله (ان تحرص على هديهم) مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله (فان الله لا يهدي) اي لا يثيب (من يضل) اي يعذب وقوله (واقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن اكثر الناس لا يعلمون) فانه حدثني ابي عن بعض رجاله يرفعه إلى ابى عبدالله عليه السلام قال ما يقول الناس فيها؟ قال يقولون نزلت في الكفار قال ان الكفار كانوا لا يحلفون بالله وإنما نزلت في قوم من امة محمد صلى الله عليه وآله قيل لهم ترجعون بعد الموت قبل القيامة فحلفوا انهم لا يرجعون فردالله عليهم فقال ليبينن لهم الذي يختلفون فيه (وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين) يعني في الرجعة يردهم فيقتلهم ويشفى صدور المؤمنين فيهم وقوله (والذين هاجروا في الله) اي هاجروا وتركوا الكفار في الله(1) وقوله (افأمن الذين مكروا السيئات) يا محمد وهو استفهام (ان يخسف الله بهم الارض او يأتيهم العذاب من حيث
     
    ___________________________________
     
    (1) وفى ط بعد ذلك: (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) اى لنؤتينهم
     
    [386]
     
    لا يشعرون او يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين) قال اذا جاؤا وذهبوا في التجارات وفي اعمالهم فيأخذهم في تلك الحالة (او يأخذهم على تخوف) قال على تيقظ وقوله (أولم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون) قال تحويل كل ظل خلقه الله وهو سجود لله لانه ليس شئ إلا له ظل يتحرك بتحريكه وتحريكه سجوده وقوله (ولله يسجد ما في السموات وما في الارض من دابة والملئكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) قال الملائكة ما قدر الله لهم يمرون فيه ثم احتج عزوجل على الثنوية فقال: (لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فاياي فارهبون) وقوله: (وله ما في السموات والارض وله الدين واصبا) اي واجبا ثم ذكر تفضله فقال: (وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فاليه تجئرون) أي تفزعون وترجعون والنعمة هى الصحة والسعة والعافية وقوله: (ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم) وهو الذي وصفناه مما كانت العرب يجعلون للاصنام نصيبا في زرعهم وابلهم وغنمهم فرد الله عليهم فقال: (تالله لتسئلن عما كنتم تفترون ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون) قال قالت قريش ان الملائكة هم بنات الله فنسبوا ما لا يشتهون إلى الله فقال الله عزوجل " ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون " يعني من البنين ثم قال: (واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سؤ ما بشر به أيمسكه على هون) اي يستهين به (ام يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) وقوله: (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم) اى عند معصيتهم وظلمهم (ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى اجل مسمى فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وقوله: (ويجعلون لله ما يكرهون وتصف السنتهم الكذب) يقول السنتهم الكاذبة (ان لهم الحسنى لا جرم ان لهم النار وانهم مفرطون) اي معذبون وقوله:
     
    [387]
     
    (والله انزل من السماء ماء‌ا) الآية محكمة وقوله: (وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين) قال الفرث ما في الكرش(1) وقوله: (ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا) قال الخل (ورزقا حسنا) قال الزبيب وقوله: (واوحى ربك إلى النحل) قال وحي إلهام تأخذ النحل من جميع النور ثم تتخذه عسلا.
     
    وحدثني ابي عن الحسن بن علي الوشاء عن رجل عن حريز بن عبدالله عن ابي عبدالله عليه السلام في قوله واوحى ربك إلى النحل قال نحن النحل التى اوحى الله اليها (ان اتخذى من الجبال بيوتا) امرنا ان نتخذ من العرب شيعة (ومن الشجر) يقول من العجم (ومما يعرشون) يقول من الموالي والذي (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه) العلم الذي يخرج منا اليكم وقوله (والله خلقكم ثم يتوفيكم - إلى قوله - لكي لا يعلم من بعد علم شيئا) قال إذا كبر لا يعلم ما علمه قبل ذلك وقوله (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء) قال لا يجوز للرجل ان يخص نفسه بشئ من المأكول دون عياله وقوله (والله جعل لكم من انفسكم ازواجا) يعني حواء خلقت من آدم (وحفدة) قال الاختان وقوله: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) قال لا يتزوج ولا يطلق ثم ضرب الله مثلا في الكفار فقال: (وضرب الله مثلا رجلين احدهما ابكم لا يقدر على شئ وهو كل على مولاه اين ما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم) قال كيف يستوى هذا وهذا الذي يأمر بالعدل امير المؤمنين والائمة عليهم السلام وقوله (والله اخرجكم من بطون امهاتكم - إلى قوله - ان في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) فانه محكم وقوله: (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا) يعني المساكن (وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا) يعني الخيم والمضارب
     
    ___________________________________
     
    (1) الكرش كظلف والكتف لذى اخف والحافر كالمعدة للانسان.ج ز
     
    [388]
     
    (تستخفونها يوم ظعنكم) اي يوم سفركم (ويوم اقامتكم) يعني في مقامكم (ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا ومتاعا إلى حين) وفي رواية ابى الجارود في قوله (اثاثا) قال المال و (متاعا) قال المنافع (إلى حين) اي إلى حين بلاغها.
     
    وقال على بن ابراهيم في قوله (والله جعل لكم مما خلق ظلالها) قال ما يستظل به (وجعل لكم من الجبال اكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر) يعني القمص وإنما جعل ما يجعل منه (وسرابيل تقيكم بأسكم) يعني الدروع وقوله: (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) قال نعمة الله هم الائمة والدليل على ان الائمة نعمة الله قول الله تعالى: " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا " قال الصادق عليه السلام: نحن والله نعمة الله التي انعم الله بها على عباده وبنا فاز من فاز، وقوله: (ويوم نبعث من كل امة شهيدا) قال لكل زمان وامة امام يبعث كل امة مع امامها وقوله: (والذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب) قال كفروا بعد النبي صلى الله عليه وآله وصدوا عن امير المؤمنين عليه السلام (زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) ثم قال (ويوم نبعث في كل امة شهيدا عليهم من انفسهم) يعني من الائمة ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (وجئنا بك - يامحمد - شهيدا على هؤلاء) يعني على الائمة فرسول الله شهيد على الائمة وهم شهداء على الناس وقوله: (ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم) قال: العدل شهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله والاحسان امير المؤمنين والفحشاء والمنكر والبغى فلان وفلان وفلان حدثنا محمد بن ابى عبدالله قال حدثنا موسى بن عمران قال حدثني الحسين ابن يزيد عن اسماعيل بن مسلم قال جاء رجل إلى ابى عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام وانا عنده فقال يا بن رسول الله ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون
     
    [389]
     
    وقوله: (امر) ربي (ألا تعبدوا إلا اياه) فقال نعم ليس لله في عباده امر إلا العدل والاحسان فالدعاء من الله عام والهدى خاص مثل قوله: (ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) ولم يقل ويهدي جميع من دعا إلى صراط مستقيم.
     
    وقال على بن ابراهيم في قوله: (واوفوا بعهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) فانه حدثني ابى رفعه قال قال ابوعبدالله عليه السلام: لما نزلت الولاية وكان من قول رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم سلموا علي علي بامرة المؤمنين عليه السلام فقالوا: أمن الله ورسوله؟ فقال لهم نعم حقا من الله ورسوله، فقال انه امير المؤمنين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل اولياء‌ه الجنة ويدخل اعداء‌ه النار وانزل الله عزوجل (ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها..الخ) يعني قول رسول الله صلى الله عليه وآله من الله ورسوله ثم ضرب لهم مثلا فقال: (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال: التى نقضت غزلها امرأة من بني تيم بن مرة يقال لها رابطة (ريطة ط) بنت كعب بن سعد بن تيم بن كعب بن لوي بن غالب كانت حمقاء تغزل الشعر فاذا غزلت نقضته ثم عادت فغزلته فقال الله كالتي نقضت غزلها قال إن الله تبارك وتعالى امر بالوفاء ونهى عن نقض العهد فضرب لهم مثلا.
     
    رجع إلى رواية علي بن ابراهيم في قوله " ان تكون أئمة هي ازكى من أئمتكم، فقيل يا بن رسول الله نحن نقرؤها (هي اربى من امة) قال ويحك وما اربى؟ واومأ بيده بطرحها (انما يبلوكم الله به) يعني بعلي بن ابي طالب عليه السلام يختبركم (وليبين لكم يوم القيامة ماكنتم فيه تختلفون ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة) قال على مذهب واحد وامر واحد (ولكن يضل من يشاء) قال يعذب بنقض العهد (ويهدي من يشاء) قال يثيب (ولتسئلن عما كنتم تعملون
     
    [390]
     
    ولا تتخذوا ايمانكم دخلا بينكم) قال هو مثل لامير المؤمنين عليه السلام (فتزل قدم بعد ثبوتها) يعني بعد مقالة النبي صلى الله عليه وآله فيه (وتذوقوا السؤء بما صددتم عن سبيل الله) يعني عن علي (ولكم عذاب عظيم ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا) معطوف على قوله: (واوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) ثم قال: (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) اى ما عندكم من الاموال والنعمة تزول وما عند الله مما تقدموه من خير او شر فهو باق وقوله: (من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة) قال القنوع بما رزقه الله، ثم قال: (فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) قال الرجيم اخبث الشياطين فقلت له ولم سمي رجيما؟ قال لانه يرجم وقوله (انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) قال ليس له ان يزيلهم عن الولاية فاما الذنوب فانهم ينالون منه كما ينالون من غيره وقوله (واذا بدلنا آية مكان آية والله اعلم بما ينزل قالوا إنما انت مفتر) قال كانت اذا نسخت آية قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله انت مفتر فرد الله عليهم فقال: (قل لهم - يامحمد - نزله روح القدس من ربك بالحق) يعني جبرئيل عليه السلام وفي رواية ابي الجارود في قوله روح القدس قال هو جبرئيل عليه السلام والقدس الطاهر (ليثبت الذين آمنوا) هم آل محمد (وهدى وبشرى للمسلمين) واما قوله: ولقد نعلم انهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون اليه اعجمي) وهو لسان ابي فكيهة مولى ابن الحضرمي كان اعجمي اللسان وكان قد اتبع نبي الله وآمن به وكان من اهل الكتاب فقالت قريش هذا والله يعلم محمدا بلسانه يقول الله: (وهذا لسان عربى مبين) واما قوله (من كفر بالله من بعد ايمانه إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان) فهو عمار بن ياسر اخذته قريش بمكة فعذبوه بالنار حتى اعطاهم بلسانه ما ارادوا وقلبه مطمئن بالايمان واما قوله (ولكن من شرح بالكفر صدرا) فهو عبدالله بن سعد بن ابى سرح بن الحارث من بني لوي يقول الله " ذلك بان
     
    [391]
     
    الله ختم على سمعهم وابصارهم وقلوبهم واولئك هم الغافلون لا جرم انهم في الآخرة هم الاخسرون " هكذا في قراء‌ة ابن مسعود وقوله (اولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وابصار هم الآية) هكذا في القراء‌ة المشهورة هذا كله في عبدالله ابن سعد بن ابى سرح كان عاملا لعثمان بن عفان على مصر ونزل فيه ايضا " ومن قال سأنزل مثل ما انزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت " وقال على ابن ابراهيم ثم قال ايضا في عمار (ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم).
     
    وقوله: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفروا بانعم الله فاذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) قال نزلت في قوم كان لهم نهر يقال له الثلثان (الثرثار ك ط) وكانت بلادهم خصبة كثيرة الخير فكانوا يستنجون بالعجين ويقولون هو ألين لنا، فكفروا بانعم الله واستنجوا (واستخفوا خ ل) بنعمة الله فحبس الله عنهم الثلثان فجدبوا حتى احوجهم الله إلى اكل ما كانوا يستنجون به حتى كانوا يتقاسمون عليه ثم قال عزوجل (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) قال هو ما كانت اليهود يقولون ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على ازواجنا وقوله (ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا) اي طاهرا (اجتباه) اي اختاره (وهداه إلى صراط مستقيم) قال إلى الطريق الواضح ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا) وهي الحنفية العشر التي جاء بها ابراهيم عليه السلام خمسة في البدن وخمسة في الرأس فاما التي في البدن: فالغسل من الجنابة، والطهور بالماء وتقليم الاظفار وحلق الشعر من البدن، والختان، واما التي في الرأس: فطم الشعر، واخذ الشارب، واعفاء اللحى، والسواك، والخلال، فهذه لم تنسخ إلى يوم القيامة
     
    [392]
     
    وقوله (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه.
     
    الآية) وقد كتبنا خبره في سورة الاعراف وقوله (وجاد لهم بالتي هي احسن) قال بالقرآن وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر في قوله " ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا " وذلك انه كان على دين لم يكن عليه احد غيره فكان امة واحدة وإنما قال قانتا فالمطيع واما الحنيف فالمسلم قال وما كان من المشركين واما قوله (انما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وان ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) وذلك ان موسى امر قومه ان يتفرغوا إلى الله في كل سبعة ايام يوما يجعله الله عليهم وهم الذين اختلفوا فيه واما قوله (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) وذلك ان المشركين يوم احد مثلوا باصحاب النبي صلى الله عليه وآله الذين استشهدوا، منهم حمزة فقال المسلمون اما والله لان اولانا الله عليهم لنمثلن باخيارهم، فذلك قول الله " وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " يقول بالاموات: " ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ".
     
    لقد تم - بحول الله وقوته - الجزء الاول من الكتاب المستطاب " تفسير القمي " تصحيحا وتعليقا بيد العبد المذنب السيد طيب الموسوى الجزائري في يوم السابع من ذي الحجة الحرام من سنة ثلاثمائة وست وثمانين بعد الالف الهجرية ويتلوه ان شاء الله الجزء الثانى أوله سورة بني اسرائيل.
     

     
    1 - (م) اشارة إلى نسخة مكتبة آية الله الحكيم
     
    2 - (ك) اشارة إلى نسخة مكتبة آية الله كاشف الغطاء
     
    3 - (ط) اشارة إلى نسخة مطبوعة في ايران سنة 1313 ه‍.
     
    4 - (خ) أو (خ ل) اشارة إلى (نسخة بدل)
     
    5 - ق: لقاموس اللغة
     
    6 - (ج.ز) مخفف (الجزائري) المحشي

    الصفحة اللاحقة الصفحة السابقة شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي  
    هذا ما سمح به سماحة العلامة المجاهد حجة الاسلام الشيخ آقا بزرك الطهراني دام ظله العالي، في هذا الكتاب.
     
    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لوليه والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا ابي القاسم محمد نبيه وعلى الاثنى عشر المعصومين اوصياء نبيه (وبعد) فقد عرض علي العالم الفاضل الكامل ثقة الاسلام السيد طيب الجزائرى حفظه الله تعالى وزاد في توفيقاته بعض الملازم من كتاب (تفسير القمي) الذي قصد نشره ثالثا وطلب منى تقريظه والادلاء برأيي في الاعتماد اليه، ولقد سررت بنشره واعتذرت اليه من اطراء الكتاب وابداء رأيي لعجزي والضعف المستولى علي ورعشة اليد التي صارت العائق عن كثير الاعمال، إلا انه رعاه الله لم يقنع بذلك وألح في الطلب فعز علي ان ألح في الامتناع فاكتفيت بهذا القدر الذي لم تسمح الحال باكثر منه فعلى كل من يريد الاطلاع التام على مزايا الكتاب ان يراجع كتابنا (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) ج 4 ص 302 ليجد تفصيل ما كتبناه وخلاصة ما عرفناه عن هذا الاثر النفيس والسفر الخالد المأثور عن الامامين الهمامين ابي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام من طريق ابي الجارود وابي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
     
    [395]
     
    من طريق علي بن ابراهيم القمي رضوان الله عليهم وارجو للسيد حفظ الله تعالى ولامثاله من اهل العلم النابهين مزيد التوفيق لنشر آثار الائمة الاطهار عليهم السلام واحياء مآثر السلف الصالح، كتبه بانامله المرتعشة في مكتبته العامة في النجف الاشرف في السبت غرة ربيع المولود(1387) الفانى آقا بزرك الطهرانى عفي عنه
     
    [396]
     
    المقدمة من حجة الاسلام العلامة السيد طيب الموسوي الجزائري دام ظله
     
    بسم الله الرحمن الرحيم نحمدك يارب على ما منحتنا من قوة فكرية جوالة في الاذهان، وفتحت مغالقها بمفاتح القرآن الذى هو اكبر آياته وتبيان، واحسن دليل وبرهان، ونصلي ونسلم على من انزله عليه فجاء به احسن الاديان، الذي ازدهر على الارجاء والاركان، واشتهر في الآفاق والازمان، وعلى آله الذين جعل قولهم وفعلهم مفسر القرآن، فلولا هم لم يكن الفرقان بين ما شان وما زان، ولا بين الطاعة والعدوان، بهم عبدالرحمن ومنهم يئس الشيطان (اما بعد) فاني منذ اليوم الذي بدأت المطالعة في تفاسير القرآن التي وردت عن اهل بيت العصمة صلوات الله عليهم اجمعين، كنت معجبا بتفسير القمي ومشتاقا اليه لاجل الاسرار المودعة فيه واحتياج التفاسير الكثيرة اليه، وتقدم مؤلفه زمانا وشرفا، فكان ينمو هذا الشوق في بالي شيئا فشيئا إلى ان صادفت الكتاب في النجف فابتهجت لحسن الحظ والشرف، ولكن ما تم سروري به إذ أخذ مكانه اسف، لانى وجدت كثيرا من عبارات هذه النسخة ملحونة، وبالاغلاط والسقطات مشحونة، بحيث لم تخل الاستفادة منها من التعب، وكانت مع هذه الحالة اغلى من الذهب، فاشرت بعض من اثق به من الاحباب ان يدخر له الاجر بطبع هذا الكتاب ولما كان الرأي قريبا إلى الصواب قبله ولبانى، ورحب بي على هذا وحياني، وكلفنى بتصحيحه وان اكتب شيئا مقدمة للكتاب
     
    [397]
     
    ليكون تبصرة لاولى الالباب فقبلت مسؤله متوكلا على الله ومستمدا به وهو حسبي واليه انيب.
     
    صاحب التفسير: هو الثقة الجليل ابوالحسن علي بن ابراهيم بن هاشم القمي، قال النجاشي (على ما حكاه صاحب التنقيح) " ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب سمع فاكثر " ومثله في الخلاصة وعده في القسم الاول منها، وعنونه ابن داود في الباب الاول ووثقه في الوجيزة والبلغة، وعن اعلام الورى انه من اجل رواة اصحابنا، كان في عصر الامام العسكري عليه السلام وعاش إلى سنة 307 - وقد اكثر ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله الرواية عنه في الكافي - ومما يدل على جلالته ان الادعية والاعمال الشائعة في مسجد السهلة المتداولة المتلقاة بالقبول المذكورة في المزار الكبير وغيره مما ينتهي سندها اليه لا غير رضوان الله عليه - اما مؤلفاته غير هذا التفسير فهي -
     
    (1) كتاب الناسخ والمنسوخ
     
    (2) كتاب قرب الاسناد
     
    (3) كتاب الشرائع.
     
    (4) كتاب الحيض.
     
    (5) كتاب التوحيد والشرك.
     
    (6) كتاب فضائل امير المؤمنين عليه السلام.
     
    (7) كتاب المغازي.
     
    (8) كتاب الانبياء.
     
    (9) كتاب المشذر.
     
    (10) كتاب المناقب.
     
    (11) كتاب اختيار القرآن(1).
     
    واكثر ما يرويه علي بن ابراهيم فعن ابيه ابراهيم بن هاشم كما هو دأبه في هذا التفسير وغيره من كتبه فيجدر بنا الاشارة إلى ترجمته مختصرا.
     
    ترجمة ابراهيم بن هاشم القمي: لا يخفى على ارباب النهى ما ورد من الثناء على القميين وما هي مرتبتهم
     
    ___________________________________
     
    (1) تنقيح المقال 260 / 2.
     
    [398]
     
    باعتبار خدمتهم للدين المبين - فعن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (ره) ان الامام الصادق الناطق بالحق يقول - قم بلدنا وبلد شيعتنا مطهرة مقدسة قبلت ولايتنا اهل البيت لا يريدهم أحد بسوء إلا عجلت عقوبته ما لم يخونوا اخوانهم فاذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء، اما انهم انصار قائمنا ورعاة حقنا، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم اعصمهم من كل فتنة ونجهم من هلكة(1).
     
    ففضل اهل قم لا ينكر لانه ابهر من الشمس واشهر من القمر وكيف لا يكون كذلك وقد خرج منها جهابذة العلوم الجعفرية وعباقرة البحور الباقرية كابي جرير وزكريا بن ادريس وزكريا بن آدم وعيسى بن عبدالله إلا ان منهم من نال حظه ازيد واكثر كابراهيم بي علي هذا فانه شيخ القميين ووجههم، فضله على القميين باعتبار تقدمه في رواية الكوفيين، قد حكى الشيخ والنجاشي وغيرهما من الاصحاب انه اول من نشر احاديث الكوفيين بقم - قال السيد الداماد في محكي الرواشح ان مدحهم اياه بانه اول من نشر احاديث الكوفيين بقم كلمة جامعة (وكل الصيد في جنب القرا) وقال ايضا الصحيح والصريح عندى ان الطريق من جهته صحيح فامره اجل وحاله اعظم من ان يتعدل ويتوثق بمعدل وموثق غيره بل غيره يتعدل ويتوثق بتعديله وتوثيقه اياه، كيف واعاظم اشياخنا الفخام كرئيس المحدثين والصدوق والمفيد وشيخ الطائفة ونظرائهم ومن في طبقتهم ودرجتهم ورتبتهم من الاقدمين والاحدثين شأنهم اجل وخطبهم اكبر من ان يظن باحد منهم قد احتاج إلى تنصيص ناص وتوثيق موثق وهو شيخ الشيوخ وقطب الاشياخ ووتد الاوتاد وسند الاسناد فهو أحق وأجدر بان يستغنى عن ذلك (انتهى).
     
    ___________________________________
     
    (1) الكنى والالقاب 76 / 3.
     
    [399]
     
    وقال في الفهرست " ابراهيم بن هاشم ابواسحاق القمي اصله من الكوفة وانتقل إلى قم واصحابنا يقولون انه اول من نشر حديث الكوفيين بقم وذكروا انه لقي الرضا عليه السلام.
     
    والذي اعرف من كتبه كتاب النوادر وكتاب القضاء لامير المؤمنين عليه السلام ".
     
    وقال في التنقيح ما لفظه: انه شيخ من مشائخ الاجازة فقيه، محدث من اعيان الطائفة وكبرائهم واعاظهم وانه كثير الرواية سديد النقل قد روى عنه ثقات الاصحاب واجلاؤهم وقد اعتنوا بحديثه واكثر والنقل عنه كما لا يخفى على من راجع الكتب الاربعة للمشائخ الثلاثة رضي الله عنهم فانها مشحونة بالنقل عنه اصولا وفروعا (انتهى).
     
    ولاجل كونه راويا في اكثر رواياته عن محمد بن ابى عمير لا بأس في تحرير نبذة من ترجمته.
     
    محمد بن ابي عمير: قال في التنقيح محمد بن ابي عمير زياد بن عيسى الازدي ابواحمد الذي اجمع الاصحاب على تصحيح ما يصح عنه وعد مراسيله مسانيد، عاصر مولانا الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام.
     
    وقال النجاشي انه من موالى المهلب بن ابى صفرة وقيل مولى بني امية والاول اصح، بغدادي الاصل والمقام لقي ابا الحسن موسى وسمع منه احاديث كناه في بعضها فقال يا ابا محمد وروى عن الرضا عليه السلام، جليل القدر، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين، ذكره الجاحظ يحكي عنه في كتبه وقد ذكره في المفاخرة بين العدنانية والقحطانية وقال في البيان والتبيين حدثني ابراهيم بن داحية عن ابن ابي عمير وكان وجها من وجوه الرافضة وكان حبس في ايام الرشيد فقيل ليلي القضاء وقيل انه ولى بعد ذلك وقيل ليدل مواضع الشيعة واصحاب موسى بن
     
    [400]
     
    جعفر عليه السلام، وروي انه ضرب اسواطا بلغت منه مائة فكاد ان يقر لعظيم الالم فسمع محمد بن يونس بن عبدالرحمن وهو يقول اتق الله يا محمد بن ابي عمير ففرج الله عنه، وروي انه حبسه المأمون حتى ولاه قضاء بعض البلاد (انتهى).
     
    وعن الفهرست - محمد بن ابي عمير يكنى ابا محمد من مولى الازد واسم ابى عمير زياد رحمه الله، وكان من اوثق الناس عند الخاصة والعامة وانسكهم نسكا واعبدهم وأورعهم وقد ذكره الجاحظ في كتابه في فخر قحطان على عدنان بهذه الصفة التي وصفناه وذكر انه كان اوحد أهل زمانه في الاشياء كلها ادرك من الائمة عليهم السلام ثلاثة ابا ابراهيم موسى بن جعفر عليه السلام ولم يرو عنه، وروى عن ابي الحسن الرضا والجواد عليهما السلام، وروى عنه احمد بن محمد عيسى انه كتب مائة رجل من رجال ابي عبدالله الصادق عليه السلام وله مصنفات كثيرة ذكر ابن بطة ان له اربعة وتسعين كتابا (انتهى) وعن الكشي في عنوان تسمية الفقهاء من اصحاب ابي ابراهيم وابي الحسن الرضا عليهما السلام: اجتمع اصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم واقروا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر آخر دون الستة النفر الذين ذكرناهم في اصحاب ابي عبدالله عليه السلام منهم يونس بن عبدالرحمن وصفوان بن يحيى بياع السابري ومحمد بن ابى عمير وعبدالله بن المغيرة والحسن بن المحبوب واحمد بن محمد ابى نصر.
     
    وكان من خصائص ابن ابى عمير انه لم يرو عن العامة ابدا مع رواياتهم عنه فلذا كانت مروياته خالصة محصنة غير مشوبة برواياتهم كما يظهر من سؤال شاذان بن الخليل النيسابوري اياه فقال له انك قد لقيت مشائخ العامة فكيف لم تسمع منهم؟ فقال قد سمعت منهم غير انى رأيت كثيرا من اصحابنا قد سمعوا علم العامة وعلم الخاصة فاختلط عليهم حتى كانوا يروون حديث العامة عن الخاصة
     
    [401]
     
    وحديث الخاصة عن العامة فكرهت ان يختلط علي فتركت ذلك واقبلت على هذا(1).
     
    عبادته: (قال الفضل بن شاذان) دخلت العراق فرأيت واحدا يعاتب صاحبه ويقول له انت رجل عليك عيال وتحتاج ان تكسب عليهم وما آمن من ان تذهب عيناك لطول سجودك (قال) فلما اكثر عليه قال اكثرت علي ويحك لو ذهبت عين احد من السجود لذهبت عين ابن ابى عمير ما ظنك برجل سجد سجدة الشكر بعد الصلاة الفجر فما يرفع رأسه إلا عند الزوال (وسمعته يقول) اخذ يوما شيخي بيدي وذهب بي إلى ابن ابي عمير فصعدنا اليه في غرفة وحوله مشائخ له يعظمونه ويبجلونه فقلت لابي من هذا؟ فقال هذا ابن ابي عمير قلت الرجل الصالح العابد؟ قال: نعم(2).
     
    سخاؤه: اما سخاؤه فقد بلغ إلى مرتبة لم يكن في ذلك العصر من يفضل عليه في هذه المنقبة العليا غير مواليه الكرام عليهم السلام الذين اقتدى بقدوتهم واقتبس من جذوتهم فانه يذكر في جوده وكرمه وايثاره على نفسه ما يجمد في قباله بحر متلاطم وينسى دونه جود حاتم.
     
    روى الشيخ والصدوق رضوان الله عليهما ان محمد بن ابى عمير كان رجلا بزازا فذهب ماله وافتقر وكان له على رجل عشرة آلاف درهم فباع دارا له كان يسكنها بشعرة آلاف درهم وحمل المال إلى بابه فخرج اليه محمد بن ابى عمير فقال ما هذا؟ قال هذا مالك الذي علي، قال ورثته؟ قال لا، قال وهب
     
    ___________________________________
     
    (1) التنقيح 62 / 2.
     
    (2) التنقيح 62 باب محمد
     
    [402]
     
    لك؟ قال لا بل هو من ثمن ضيعة بعتها، قال ما هو؟ فقال بعت داري التى اسكنها لاقضي ديني فقال محمد بن ابى عمير حدثني ذريح المحاربى عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين) ارفعها فلا حاجة لي فيها وانى والله لمحتاج في وقتي هذا إلى درهم ولا يدخل في ملكي من هذا درهم واحد(1).
     
    جهاده: اما جهاده في سبيل الحق واحتمال الشدائد له فهو حسب ما روي عن الكشي انه قال وجدت بخط ابى عبدالله الشاذانى سمعت ابا محمد الفضل بن شاذان يقول سعي بمحمد بن ابى عمير (واسم ابي عمير زياد) إلى السلطان انه يعرف اسامي الشيعة بالعراق فامره السلطان ان يسميهم فامتنع فجرد وعلق بين القفازين فضرب مائة سوط (قال الفضل سمعت ابن ابى عمير) لما ضربت فبلغ الضرب مائة سوط ابلغ الضرب الالم إلي فكدت ان اسمي فسمعت نداء محمد بن يونس يقول يا محمد بن ابى عمير اذكر موقفك بين يدي الله تعالى فتقويت بقوله وصبرت ولم اخبر والحمد لله(2).
     
    وروي انه تولى ضربه السندي بن شاهك امام هارون الرشيد فادى مائة وواحدا وعشرين الف درهم حتى خلى عنه وكان رب خمسمائة الف درهم(3).
     
    ويظهر من سير التاريخ والحديث انه رحمه الله قاسى من الجهد والبلاء في عصري الهارون والمأمون فان المأمون حبسه في سجنه اربع سنين وكان ذلك بعد وفاة الرضا عليه السلام واختلفت الاقوال في ذهاب كتبه فقيل ان اخته دفنتها حال
     
    ___________________________________
     
    (1) التنقيح 421 / 1.
     
    (2) 62 باب محمد
     
    (3) التنقيح 63 باب محمد
     
    [403]
     
    استتاره في السجن خوفا عليه كما ذكره جدي الامجد السيد الجزائري رحمه الله في شرحه على التهذيب(1) وقيل تركها في غرفة فسال عليها المطر فلما اطلق من حبسه حدثهم من حفظه وكان يحفظ ما يبلغ من اربعين جلدا فسماه نوادر فلذلك توجد احاديثه منقطعة الاسانيد الا ان الاصحاب سكنوا اليها وعاملوها معاملة الصحاح ثقة به.
     
    مؤلفاته: انه صنف كتبا كثيرة ذكر ابن بطة ان له اربعة وتسعين كتابا منها كتاب النوادر، كتاب الاستطاعة والافعال والرد على اهل القدر والجبر، كتاب المبدأ، كتاب الامامة، كتاب المتعة، كتاب المغازي، كتاب الكفر والايمان، كتاب البداء، كتاب الاحتجاج في الامامة، كتاب الحج، كتاب فضائل الحج، كتاب الملاحم، كتاب يوم وليلة، كتاب الصلاة، كتاب مناسك الحج، كتاب الصيام، كتاب اختلاف الحديث، كتاب المعارف، كتاب التوحيد، كتاب النكاح، كتاب الرضاع.
     
    توفي رحمه الله سنة 217(2).
     
    الثناء على التفسير: لا ريب في ان هذا التفسير الذي بين ايدينا من اقدم التفاسير التى وصلت الينا ولولا هذا لما كان متنا متينا في هذا الفن ولما سكن اليه جهابذة الزمن، فكم من تفسير قيم مقتبس من اخباره ولم تره إلا منورا بانواره كالصافي والمجمع والبرهان، إلا ان هذا الاصل لم يكن متيسرا في زماننا هذا لانه لم يطبع منه في الاخير إلا نسختان، طبعتا في ايران احديهما طبعت سنة 1313 وثانيتهما التي
     
    ___________________________________
     
    (1) النسخة موجودة عندي بخطي.
     
    (2) التنقيح 62 باب محمد
     
    [404]
     
    عندي طبعت سنة 1315 مع تفسير الامام العسكري على هامشه وكلتا النسختين مع كثرة الخطأ والاشتباهات فيهما كانتا نادرتين جدا حتى لم نجدهما في اكثر مكتبات النجف الاشرف حتى مكتبة امير المؤمنين عليه السلام التي اسسها العلامة المجاهد الاميني مد ظله مع اتساعها وطول باعها في حيازة الكتب القيمة كانت فاقدة لها فاحتيج إلى طباعته لئلا يندرس هذا الاثر الاثري والتأليف الزهري فشمرت الباع لرفع القناع عن هذه المؤلفة المألوفة ليرى محياها كل من احبها وحياها فانها تحفة عصرية ونخبة اثرية لانها مشتملة على خصائص شتى قلما تجدها في غيرها فمنها:(1) ان هذا التفسير اصل اصول للتفاسير الكثيرة كما تقدم.
     
    (2) ان رواياته مروية عن الصادقين عليهما السلام مع قلة الوسائط والاسناد ولهذا قال في الذريعة: انه في الحقيقة تفسير الصادقين عليهما السلام.
     
    (3) مؤلفه كان في زمن الامام العسكري عليه السلام.
     
    (4) ابوه الذي روى هذه الاخبار لابنه كان صحابيا للامام الرضا عليه السلام.
     
    (5) ان فيه علما جما من فضائل اهل البيت عليهم السلام التي سعى اعداؤهم لاخراجها من القرآن الكريم.
     
    (6) انه متكفل لبيان كثير من الآيات القرآنية التى لم يفهم مرادها تماما إلا بمعونة ارشاد اهل البيت عليهم السلام التالين للقرآن.
     
    بقي شئ: وهو ان الراوي الاول الذي املا عليه علي بن ابراهيم القمي هذا التفسير على ما يتضمنه بعض نسخ هذا التفسير (كما في نسختي) هو ابوالفضل العباس ابن محمد بن قاسم بن حمزه بن موسى بن جعفر عليه السلام، تلميذ علي بن ابراهيم،
     
    [405]
     
    وهذا الشخص وان لم يوجد له ذكر في الاصول الرجالية كما ذكره صاحب الذريعة إلا ان ما يدل على علو شأنه وسمو مكانه كونه من اولاد الامام موسى ابن جعفر عليه السلام ومنتهيا اليه بثلاث وسائط فقط، وقد ذكره غير واحد من كتب الانساب كبحر الانساب والمجدي وعمدة الطالب، ومما يرفع غبار الريب عن اعتبار الراوي ركون الاصحاب إلى هذا الكتاب وعملهم به بلا ارتياب فلو كان فيه ضعف لما ركنوا اليه، ولذا قال الحر العاملي رحمه الله في الوسائل، وهو من الذين اخذوا من هذا الكتاب ما لفظه.
     
    " ولم اقتصر فيه على كتب الحديث الاربعة وان كانت اشهر مما سواها بين العلماء، لوجود كتب كثيرة معتمدة من مؤلفات الثقات الاجلاء، وكلها متواترة النسبة إلى مؤلفيها، لا يختلف العلماء، ولا يشك الفضلاء فيها " (الوسائل 1 / 5) وقد عرضت هذا الكتاب قبل نشره على الشيخ الكبير والمجاهد الشهير سماحة العلامة آقا بزرك الطهرانى (صاحب الذريعة) دام ظله فابدى سروره على طبعه ودعا لي على هذا المجهود وكتب التقريظ عليه مع ضعف حاله وارتعاش يده الشريفة، حيث عبر عن هذا الكتاب ب‍ " الاثر النفيس والسفر الخالد المأثور عن الامامين عليهما السلام ".
     
    ولا ريب في انه عريف هذا الفن وغطريف من غطارفة الزمن فقليله في مقام الاطراء كثير.
     
    وبالجملة انه تفسير رباني، وتنوير شعشعاني، عميق المعاني، قوي المبانى عجيب في طوره، بعيد في غوره، لا يخرج مثله إلا من العالم عليه السلام ولا يعقله إلا العالمون، ولم آل جهدا في تصحيحه وتنظيفه من الاغلاط المشحونة فيه فاعتمدت في تصحيحه على اربع نسخ منه:
     
    [406]
     
    (الاولى نسخة مطبوعة 1315 هج‍ على هامشها تفسير الامام العسكري عليه السلام، وهي التي كانت عندي.)
     
    (الثانية) نسخة مطبوعة 1313 هج‍ وجعلت رمزها في هذا الكتاب (ط).
     
    (الثالثة) نسخة خطية من مكتبة آية الله الحكيم مد ظله وجعلت رمزها (م).
     
    (الرابعة) نسخة خطية نادرة من مكتبة الشيخ كاشف الغطاء طاب ثراه، وجعلت رمزها (ك) واسأل الله ان يوفقنا لذلك فان بلغت فيه مناي فهو شفائى، وان بقي شئ منها فاني معتذر إلى مولاي فانه ذو الصفح الجسيم والمن القديم وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم.
     
    تنبيه يتعلق بهذا التفسير لابد لقارئ هذا التفسير من الالتفات إلى امر بدونه يصعب فهم المراد بل ربما ينفتح للعنود والمستضعف باب اللجاج والعناد، فيورد علي هذا التفسير وما شاكله بان كثيرا من مطالبه بعيد عن ظاهر اللفظ وقريب إلى التأويلات التي يستنكف العقل منها - مثلا - اي ربط للآيات النازلة في اقوام بائدة كقوم عاد وثمود باعداء اهل البيت عليهم السلام حيث فسرت بانها نزلت فيهم ونحو ذلك.
     
    وجوابه يتوقف على بيان امور: (الاول) انه قد ظهر من الادلة الباهرة والاخبار المتضافرة من الفريقين ان ذوات محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين هي علة ايجاد هذا الكون كما يظهر من الحديث المعروف " لولاك لما خلقت الافلاك " المشهور بين الفريقين وحديث " اول ما خلق الله نوري " المؤيد بقوله تعالى " قل ان كان للرحمن ولد فانا اول العابدين؟؟ " فهذه الآية تدل على ان محمدا صلى الله عليه وآله اول الكل وجودا
     
    [407]
     
    وان كان خاتم الرسل زمانا وعلي بن ابي طالب اما نفسه كما تدل على آية المباهلة او قسيم نوره كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وآله " انا وعلي من نور واحد " واولاده المعصومون كلهم مظاهر جماله وكماله صلى الله عليه وآله كما قال صلى الله عليه وآله: فيهم " اولنا محمد واوسطنا محمد وآخرنا محمد وكلنا محمد " وتدل على هذا المقصد روايات كثيرة من السنة من شاء فليراجع معارج النبوة ومدارج النبوة وينابيع المودة ونحو ذلك.
     
    وكذا وردت روايات كثيرة معتبرة ايضا كحديث الكساء المتسالم عليه بين العلماء الاعلام والمعمول به بين الخواص والعوام وفيه: " وعزتي وجلالي اني ما خلقت سماء‌ا مبنية ولا ارضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئا..إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء ".
     
    وفي اكمال الدين والعيون والعلل عن الرضا عن آبائه عن علي عليهم السلام انه قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما خلق الله خلقا افضل مني ولا اكرم عليه مني، فقلت يا رسول الله فانت افضل او جبرئيل؟ فقال يا علي ان الله فضل انبيائه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين والفضل من بعدي لك يا علي وللائمة من بعدك وان الملائكة لخدامنا وخدام محبينا، يا علي ! الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا يا علي ! لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الارض فكيف لا نكون افضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتقديسه لان اول ما خلق الله خلق ارواحنا فانطقنا بتوحيده وبتمجيده ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا ارواحنا نورا واحدا.
     
    استعظموا امرنا فسبحنا لتعلم الملائكة، فسبحت الملائكة بتسبيحنا.
     
    (الثاني) لما ثبت ان ذواتهم المقدسة هي اول الخلق وغرض الحق فبدليل العقل يجب على الله تعالى لطفا ان يعرفهم جميع خلقه ويعرض محبتهم على جميع
     
    [408]
     
    عباده وإلا ليلزم الانفكاك بين الغاية والمغيى فهم غرض الخلق وغرض خلقهم ذات الحق وان شئت فقل ان الله لم يخلق الخلق، إلا للعبادة ولا يعبد إلا بعد المعرفة وهي إنما تحصل بقبول الايمان بالله كما هو، وهو موقوف على الاقرار بالرسول المخبر عن الله، وهو موقوف على الاقرار بالامام المخبر عن الرسول فعلى الله ان يرشد اليه ويدل عليه فلا بعد ان ينزل القرآن فيهم ولهم.
     
    (الثالث) ان الله تعالى كان عالما باعمال امة نبيه صلى الله عليه وآله بعد وفاته صلى الله عليه وآله بانهم يلعبون بالدين ويهتكون بنو اميس حماته في كل حين، كما ظهر من شنائع بني امية وبني العباس وقد نبأ به النبي الصادق كما في صحيحي البخاري ومسلم فقال صلى الله عليه وآله: لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن؟(1) وكما في الاحتجاج عن امير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى " لتركبن طبقا عن طبق " اي لتسلكن سبل من كان قبلكم من الامم في الغدر بالاوصياء بعد الانبياء، وفي هذا المعنى روايات كثيرة من الفريقين فحينئذ لم يؤمن منهم ان لا يبقوا اسامي الائمة او فضائلهم في القرآن فلذا لم يكن بد إلا يبينها الله تعالى بالكناية والاستعارة كما هو دأب القرآن واسلوبه في اكثر آياته فان له ظاهرا يتعلق بشئ وباطنا بشئ آخر، روى العياشي وغيره عن جابر قال سألت ابا جعفر عليه السلام عن شئ من تفسير القرآن فاجابني، ثم سألت ثانيا فاجابني بجواب آخر، فقلت جعلت فداك كنت اجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم ! فقال لي يا جابر ان للقرآن بطنا وللبطن بطنا وظهرا وللظهر ظهرا، يا جابر وليس شئ ابعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ان الآية لتكون اولها في
     
    ___________________________________
     
    (1) صحيح البخاري 4 / 176
     
    [409]
     
    شئ وآخرها في شئ وهو كلا متصل ينصرف على وجوه ".
     
    وعن الغزالي في احياء العلوم والحافظ ابي نعيم في حلية الاولياء عن ابن مسعود قال: ان القرآن نزل علي سبعة احرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن وان علي بن ابي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن والمراد من بطن القرآن تأويله كما قال: ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم.
     
    ومثال ذلك آية الشجرة حيث قال: ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة - إلى قوله - مالها من قرار(1) فالمراد من " الشجرة الطيبة " شجرة محمد وآله صلوات الله عليهم والمراد من " الشجرة الخبيثة " و " الشجرة الملعونة " في سورة بني اسرائيل هم بنو امية(2) فهذا تأويله فمن الذي له علم بهذا التأويل بمجرد اللفظ غير الذين انزل القرآن في بيتهم وهم اهل البيت سلام الله عليهم الملقبون في القرآن ب‍ " الراسخون في العلم " مرة وب‍ " الذين اوتوا العلم " مرة اخرى، فانهم العرفاء بوجوه القرآن ومعانيه والعلماء بناسخه ومنسوخه، محكمه ومتشابهه، عامه وخاصه، مطلقه ومقيده، مجمله ومبينه، كما قال امير المؤمنين عليه السلام: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت واين نزلت وعلى من نزلت، ان ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا(3).
     
    فانقدح من ذلك كله انه اذا ورد منهم معنى آية من الآيات القرآنية في مقام التأويل والتعبير عن بطن القرآن فلا مجال لانكاره او استغرابه وان كان خلافا للظاهر وهل هبط الروح الامين بالقرآن إلا في بيتهم، وهل استنارت آياته إلا من زيتهم، فهم اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل ومنبت
     
    ___________________________________
     
    (1) ابراهيم 24.
     
    (2) الطبري 3 / 4
     
    (3) تاريخ الخلفاء ص 142.
     
    [410]
     
    التفسير والتأويل كما قال ابوعبدالله الحسين عليه السلام قدام جمهور من الناس حين خروجه من المدينة " نحن اهل البيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة "(1) فالقرآن ظاهره انيق وباطنه عميق وان ظاهره وان كان مخصوصا بفرد خاص او زمان خاص لكن باطنه ينطبق على كل من كان اهلا له إلى يوم القيامة ومن هنا قال ابوجعفر عليه السلام: ان القرآن نزل اثلاثا: ثلث فينا وفي احبائنا وثلث في اعدائنا وعدو من كان قبلنا وثلث سنة ومثل، ولو ان الآية اذا نزلت في قوم ثم مات اولئك ماتت الآية لما بقي من القرآن شئ، ولكن القرآن يجرى على آخره ما دامت السماوات والارض(2).
     
    ومن هنا علم سر ذكر الامم السابقة كآل فرعون ونمرود، وامة موسى وهود، وقصص النصارى واليهود، وتكرير اعمالهم القبيحة واطوارهم الشنيعة مع ان الله تعالى ستار العيوب وغفار الذنوب فلا حكمة في نشر فضائحهم وذكر شنائعهم بعد ما حقت عليهم كلمة العقاب وتمت فيهم مواعيد العذاب، فليس المقصود منه إلا اعتبار المعتبرين وتنبيه من لحقهم من الفاسقين الذين شابهوهم بسوء اعمالهم ولهذا عبر عن بعضهم في لسان النبي صلى الله عليه وآله بيهود هذه الامة ومجوسها.
     
    فانكشف مما ذكرنا ان كل ما ورد في القرآن من المدح كناية وصراحة فهو راجع إلى محمد وآله الطاهرين، وكل ما ورد فيه من القدح كذلك فهو لاعدائهم اجمعين السابقين منهم واللاحقين ويحمل عليه جميع الآيات من هذا القبيل وان كان خلافا للظاهر لان اسلوب البيان وحفظه عن النقصان يقتضي الكناية وهي ابلغ من التصريح والطف، فلا مشاحة فيها بعد ورود دليل قاطع من العقل
     
    ___________________________________
     
    (1) ناسخ التواريخ 6 / 119.
     
    (2) تفسير فرات.
     
    [411]
     
    والنقل، ولا ينكره إلا من كان دأبه على المكابرة والدجل، والله ولي التوفيق يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
     
    تحريف القرآن: بقى شئ يهمنا ذكره وهو ان هذا التفسير كغيره من التفاسير القديمة يشتمل على روايات مفادها ان المصحف الذي بين ايدينا لم يسلم من التحريف والتغيير وجوابه انه لم ينفرد المصنف (رح) بذكرها بل وافقه فيه غيره من المحدثين المتقدمين والمتأخرين عامة وخاصة اما العامة فقد صنفوا فيه كتبا كالسجستاني حيث صنف " كتاب المصاحف " والشعرانى حيث قال: ولولا ما يسبق للقلوب الضعيفة ووضع الحكمة في غير اهلها لبينت جميع ما سقط من مصحف عثمان(1).
     
    والآلوسي حيث اعترف بعد سرد الاخبار التي تدل على التحريف قائلا: والروايات في هذا الباب اكثر من ان تحصى(2).
     
    وقال فخر الدين الرازي في تفسيره: نقل في الكتب القديمة ان ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة من القرآن وكان ينكر كون المعوذتين من القرآن(3).
     
    ونقل السيوطي عن ابن عباس وابن مسعود انه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه، انهما ليستا من كتاب الله، انما امر النبي صلى الله عليه وآله ان يتعوذ بهما، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما(4).
     
    ___________________________________
     
    (1) الكبريت الاحمر على هامش اليواقيت والجواهر ص 143.
     
    (2) روح المعاني 1 / 24.
     
    (3) مفاتيح الغيب 1 / 169.
     
    (4) الدر المنثور 6 / 416.
     
    [412]
     
    وقال الصبحي الصالحي: " اما القراء‌ات المختلفة المشهورة بزيادة لا يحتملها الرسم ونحوها نحو اوصى ووصى، وتجري تحتها ومن تحتها، وسيقولون الله ولله، وما عملت ايديهم وما عملته فكتابته على نحو قراء‌ته وكل ذلك وجد في مصحف الامام(1) " وهذا اعتراف منه بان مصحف الامام مشتمل على زيادة لوضوح ان هذه القراء‌ات كلها لم تنزل من الله تعالى لان الافصح والابلغ في المقام واحدة منها، وكلام الخالق لا يكون إلا بالافصح والابلغ، فاذا وجد كل ذلك في مصحف الامام فيحصل لنا العلم ولو اجمالا بزيادة ما ليس من الله في القرآن.
     
    وكذلك ذهب كثير منهم إلى عدم كون البسملة من القرآن، ومن هنا لا يقرؤنها في الصلاة، قال السيد الخوئي دام ظله في البيان: " فالبسملة مثلا مما تسالم المسلمون على ان النبي صلى الله عليه وآله قرأها قبل كل سورة غير التوبة، وقد وقع الخلاف في كونها من القرآن بل ذهبت المالكية إلى كراهة الاتيان بها قبل قراء‌ة الفاتحة في الصلاة المفروضة "(2).
     
    اما الخاصة فقد تسالموا على عدم الزيادة في القرآن بل ادعى الاجماع عليه، اما النقيصة فان ذهب جماعة من العلماء الامامية إلى عدمها ايضا وانكروها غاية الانكار كالصدوق والسيد مرتضى وابي علي الطبرسي في " مجمع البيان " والشيخ الطوسي في " التبيان " ولكن الظاهر من كلمات غيرهم من العلماء والمحدثين المتقدمين منهم والمتأخرين القول بالنقيصة كالكليني والبرقى، والعياشي والنعماني، وفرات بن ابراهيم، واحمد بن ابى طالب الطبرسي صاحب الاحتجاج والمجلسى، والسيد الجزائري، والحر العاملي، والعلامة الفتوني، والسيد البحراني
     
    ___________________________________
     
    (1) مباحث في علوم القرآن ص 98.
     
    (2) البيان ص 138.
     
    [413]
     
    وقد تمسكوا في اثبات مذهبهم بالآيات والروايات التى لا يمكن الاغماض عنها.
     
    والذي يهون الخطب ان التحريف اللازم على قولهم يسير جدا مخصوص بآيات الولاية فهو غير مغير للاحكام ولا للمفهوم الجامع الذي هو روح القرآن، فهو ليس بتحريف في الحقيقة فلا ينال لغير الشيعة ان يشنع عليهم من هذه الجهة.
     
    وتفصيل ذلك ان غيرهم الذي يمكن ان يورد عليهم فهو اما من جمهور المسلمين او اهل الكتاب كالنصارى واليهود وكلاهما لا يقدران على ذلك اما جمهور المسلمين فلكون كتبهم مملوء‌ة من الاخبار الدالة على التحريف الذي هو ازيد بمراتب من التحريف المستفاد من روايات الامامية، إذ هو عند اولئك بمعنى النقيصة والزيادة وفي سائر مواضيع القرآن حتى قد روي عن عمر انه قال:(1) لا يقولن احدكم قد اخذت القرآن كله وما يدريه ما كله؟ قد ذهبت منه قرآن كثير، ولكن ليقل قد اخذت منه ما ظهر(1).
     
    (2) وعنه ايضا كنا نقرأ الولد للفراش وللعاهر الحجر فيما فقدنا من كتاب الله(2).
     
    (3) وايضا روي عنه: فكان فيما انزل عليه آية الرجم فرجم ورجمنا بعده(3).
     
    (4) وعن ابي موسى الاشعري: انا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة بالبراء‌ة فانسيتها، غير انى قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من المال لابتغى واديا ثالثا ولا يملا جوف ابن آدم الا تراب(4) ومثله كثير مما يظهر منه ذهاب كثير من القرآن عندهم من آيات الاحكام والسور
     
    ___________________________________
     
    (1) الاتقان 2 / 40.
     
    (2) الدر المنثور 1 / 106.
     
    (3) سنن ابن ماجة ص 141.
     
    (4) صحيح المسلم 3 / 100.
     
    [414]
     
    كسورتي الخلع والحفد(1) واين هذا من القول بان الساقط منه آيات تتعلق بالولاية فقط مع بقاء جميع آيات الاحكام.
     
    وهذا هو السر في ان الائمة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين امروا بالتشبث بالقرآن الكريم وامروا بارجاع الاحاديث المشكوكة على القرآن والاخذ بما وافقه ورد ما خالفه وإنما هو نص واضح على ان التحريف والتغيير لم يقع فيها وما وقع منه يسيرا فانما هو بالنسبة إلى الآيات الراجعة إلى آل بيت النبي صلوات الله عليهم مع بقاء كثيرة منها على حالها لم تحرف مع كفايتها في مقام استعلام فضائلهم مع احتمال كون الساقط من قبيل الشرح لا المتن كما ذهب اليه الكاشانى (رح) اما اهل الكتاب فانهم ايضا لا يقدرون على الايراد المذكور لوروده على انفسهم حقيقة لذهاب التوراة والانجيل من البين كما يشهد به مطالعة هذين الكتابين، وقد اعترف علماؤهم اجمع بحدوث الاناجيل الاربعة بعد وفاة عيسى حتى سموها NEW TESTAMENT اعني " العهد الجديد ".
     
    وهذا الاناجيل عبارة عن: 1 - انجيل متى.
     
    2 - انجيل مرقس.
     
    3 - انجيل لوقا.
     
    4 - انجيل يوحنا، وليس واحد منها من كلام عيسى ولا حواريه بل انها نسبت إلى متى ولوقا لتحصيل الاشتهار وجلب رغبة الناس اليها، وقد جرت هذه الاناجيل في الناس دهرا طويلا يقرأ مسودة فحدثت فيها التغييرات والاضافات حينا بعد حين واضيفت فيها الاساطير التي كان بناء اكثرها على المبالغة وانها كانت على السنة ضعفة العقول في ذلك الزمان حتى حسبت بعد
     
    ___________________________________
     
    (1) روح المعانى 1 / 24.
     
    [415]
     
    مدة حقائق تاريخية وحوادث واقعية. قد صرح بذلك كله علماؤهم المعروفون في كتبهم(1).
     
    وقال القسيس المعروف ارنست وليام William Earnest ان مرقس اقدم الاناجيل كما سنذكره في الباب الثامن كتب حين انتشرت النصرانية في الارجاء، وكانت الفترة بين صلب عيسى وكتابته اربعين سنة او ازيد(1).
     
    وهذا بخلاف القرآن الحكيم فان مكتوبا مدونا في زمان الرسول صلى الله عليه وآله عند امير المؤمنين عليه السلام على قول او كان مكتوبا متفرقا على الواح وعسب والفه الخلفاء على قول آخر مع اجماع الفريقين على ان ما بين الدفتين كله من الله تعالى فهو باق على اعجازه منزه عن الدخل في حقيقته ومجازه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، متحد على اعلانه القويم القديم (قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)
     
    طيب الموسوي الجزائري
     
    النجف الاشرف
     
    8 رجب المرجب سنة 1386
     
    ___________________________________
     
    (1) وهذه اساميهم مع اسامي كتبهم: .
     
    1-William Earnest By ChristanityOf Rise The. Hitti. K.
     
    2- Philip By Syria Of History.
     
    3- Earnest By Juses Of Life The84.
     
    p Christanity Of Rise The